جنيف -  ثمّن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان التعديلات التي أقرها مجلس نوّاب الشعب التونسي مؤخراً على "مجلة الإجراءات الجزائية" في الفصل المتعلق بحقوق الموقوفين (المحتجزين قبل مرحلة الاتهام)، والتي تضمنت تقليلاً للمدد التي يمكن أن يقضيها الموقوف على ذمة التحقيق وحقه في توكيل محامٍ منذ بدء الاحتجاز، معتبراً أن هذه التعديلات "نتيجة طبيعية لدولة تمشي بخطى مشهودة نحو سيادة القانون وضمان الحقوق والحريات العامة".

   التعديلات التي أُقرت تكتسي أهمية خاصة، خصوصا في ما يتعلق بتقليص مدة الاحتجاز، والتي أصبحت 48 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة بأمر من "وكيل الجمهورية"   

 

وأوضح الأورومتوسطي أن التونسيين عانوا كثيراً على مدار السنوات الماضية من القوانين الجائرة التي تضمنتها مجلة الإجراءات الجزائية، والتي يرجع تاريخها إلى سنة 1968، والتي مثلت في حينها مظلة للدولة للتنكيل بالخصوم السياسيين والمعارضين وممارسة التعذيب بعيداً عن أعين الرقابة.

وقال المرصد الأورومتوسطي إن هذه التعديلات التي أقرّها مجلس الشعب التونسي مؤخراً هي جزء من مشروع قانون يجري العمل على إقراره ويتضمن تعديلات عديدة في مجال الإجراءات الجزائية، تهدف لمراعاة حقوق المحتجزين والمسجونين، وفكّ الارتباط بين النيابة العامة وقضاة التّحقيق فيما يتعلق بتعيين قاضي التّحقيق للبحث في القضيّة الجزائيّة، ومنح الجمعيّات إمكانية القيام بالحقّ الشّخصي في المحاكم الجزائيّة دون اشتراط أن يكون الضّرر متعلّقاً بها بصفة مباشرة.

وبيّن الأورومتوسطي أن التعديلات التي أُقرت تكتسي أهمية خاصة، خصوصا في ما يتعلق بتقليص مدة الاحتجاز، والتي أصبحت 48 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة بأمر من "وكيل الجمهورية" (المدعي العام) لمدة 24 ساعة في حالة الجنح، و48 ساعة في حالة الجنايات، مع اشتراط حصول أفراد الضابطة العدلية (الشرطة القضائية) على موافقة مسبقة من النيابة العامة للقبض على المشتبه به، وهو الأمر الذي كان القانون السابق لا يشترط فيه سوى إعلام الشرطة للنيابة بإجراء القبض على الشخص.

وأضاف المرصد الحقوقي الدولي أن التعديلات الجديدة تعزز أيضاً من الضمانات القانونية الممنوحة للمحتجز في المرحلة الأولى من احتجازه، مع ضمان تعريفه بحقوقه في هذه المدة، ومنها حقه أو أحد أفراد أسرته بتوكيل محام أثناء الاحتجاز وقبل أن يُعرض على قاضي التحقيق لتوجيه الاتهام، مع النص على اعتبار إجراءات المحكمة مشوبة بالبطلان في حال أخلّت الشرطة القضائية بالإجراءات المنصوص عليها آنفاً.

ومع ذلك، قال المرصد الأورومتوسطي إن هناك بعض الضمانات التي أهملتها التعديلات الجديدة، ومنها ضرورة النص على المعايير التي تجعل الشخص مشتبهاً به بما يجيز احتجاز حريته، وأن تكون مراكز الاحتجاز متناسبة المعايير الدولية المعروفة بما يحفظ كرامة الأشخاص المحتجزين، وفرض الرقابة على مراكز الاحتجاز بشكل فعال لضمان عدم تعرض المحتجزين للتعذيب في هذه الفترة، مع ضرورة تضمين تقرير الطبيب الذي يعرض عليه المحتجز بعد إلقاء القبض عليه طبيعةَ الفحص الذي قام به الطبيب ونتيجته ووصف أي أمراض أو إصابات يعاني منها المحتجز مع إتاحة الاطلاع على هذا التقرير من قبل المحتجز أو محاميه.

   التعديلات الجديدة فاتتها بعض الضوابط التي نصت عليها "مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن"   

 

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن التعديلات الجديدة فاتتها كذلك بعض الضوابط التي نصت عليها "مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن" والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتمنى المرصد على المشرع التونسي أخذها بالحسبان، ومنها النص على جواز التظلم من ممارسة السلطات لصلاحيات غير الصلاحيات الممنوحة لها بموجب القانون، وأن تُسجل هوية الموظفين الذين قاموا بإلقاء القبض على المحتجز في سجل خاص، مع حق عائلته بمعرفة مكانه وإخطارها في كل مرة ينقل فيها من مكان احتجاز إلى آخر، إضافة إلى النص على حق المحتجز في مقابلة محاميه بعيداً عن مسمع موظفي إنفاذ القوانين.