حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أزمة إنسانية قد تقع في مدينة الموصل شمال العراق في ظل استمرار العملية العسكرية التي كانت قد انطلقت فجر الإثنين الماضي، بهدف استعادة المدينة التي يسيطر عليها ما عرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية". حيث قُتل العشرات حتى الآن، فيما بدأت عمليات نزوح جماعي للمدنيين من بعض أحياء المدينة، واستُخدم بعضهم كدروع بشرية.
وأوضح المرصد أن عناصر ما عرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية" زادوا من وتيرة انتهاكاتهم بحق المدنيين مع بدء العملية العسكرية "لاستعادة الموصل" قبل قرابة أسبوع، حيث تفيد التقارير الواردة من الموصل بأن عناصر التنظيم منعوا من حاول الفرار إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش العراقي، وقاموا بتنفيذ عمليات إعدام في هذا الصدد بحق عدد من الأشخاص بتهمة الخيانة ومحاولة التمرد على التنظيم. وذكرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) أن التنظيم كان هجّر حوالي 550 عائلة من قريتي "السمالية" و "النجافية" في قضاء الموصل الإثنين الماضي، وأجبرهم على مغادرة بيوتهم والتوجه إلى مركز المدينة، فيما بدا أنه تمهيد لااستخدامهم كدروع بشرية في مواجهة التقدم العسكري لاستعادة المدينة من قبضة التنظيم.
وفي المقابل، أفاد فريق البحث الميداني للمرصد بقيام القوات الأمنية العراقية والميليشيات الكردية باحتجاز حوالي 1500 مدنياً داخل مسجد ومدرسة في مخيم "ديبكه" في قضاء "مخمور" شرق الموصل، واعتقل مئات آخرون بشكل جماعي من القرى التي سيطرت عليها القوات، بحجة الاشتباه بوجود أعضاء يتبعون للتنظيم بينهم. ووردت معلومات -لم يتسن للمرصد التأكد من صحتها- تفيد بإعدام الشرطة الاتحادية التابعة للقوات العراقية مجموعة من سكان قرية "النعناعة" جنوب الموصل، وذلك يوم الجمعة 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، تحت نفس الذريعة. وكانت طائرات -يبدو أنها تتبع للقوات الجوية العراقية المدعومة من قوات التحالف الدولي- بقصف مجلس عزاء في مدينة "داقوق" في محافظة "كركوك" جنوب الموصل، يوم الجمعة 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، وذلك بعد أن دخلت قوات التنظيم إلى المحافظة، ما أدى إلى مقتل 20 شخصاً على الأقل، أغلبهم من النساء، وإصابة عشرات آخرين.
ونوّه المرصد الأورومتوسطي إلى أن المدنيين في مدينة الموصل، والذين تصل أعدادهم إلى حوالي مليون ونصف مليون شخص، بينهم 600 ألف طفل على الأقل، يعانون من ظروف إنسانية قاسية بسبب الحصار المفروض على المدينة، ومن ذلك النقص الحاد في المواد الغذائية والمياه وعدم كفاية ما يصل من مساعدات، فضلاً عن نقص المواد الطبية واحتكار المستشفيات لعلاج ضحايا "تنظيم الدولة الإسلامية" والموالين له.
وفي ضوء ذلك، حذر الأورومتوسطي من أزمة نزوح جديدة لأكثر من مليون شخص يمثلون ثلثي سكان الموصل، يمكن أن يعانوا من ظروف معيشية صعبة، وذلك نظراً للعجز عن تأمين المساعدات الكافية لهم، ما قد يؤدي بهم إلى النزوح إلى أماكن أكثر أمناً. وأشار المرصد الأورومتوسطي في هذا السياق إلى نزوح فعلي ل650 عائلة من "الموصل" ومقاطعة "الحمدانية" إلى مخيم "الهود"، إضافة إلى نزوح 40 عائلة آخرى من قضاء "مخمور" شرق الموصل، فضلا عن وصول ما يزيد عن 900 شخص إلى مخيم "الهول" شمال سوريا و 700 آخرين إلى الحدود العراقية التركية.
وفي ضوء هذه الوقائع، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الحكومة العراقية وقوات التحالف المشاركة في العملية العسكرية إلى احترام حقوق المدنيين وضرورة حمايتهم وتوفير الغذاء والدواء لهم باعتبارها أولويات مطلقة، وإلى الالتزام بمبدأ "التناسب" المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني وأخذه في الاعتبار عند تقييم الميزة العسكرية للعملية الجارية، خصوصاً في ضوء التسريبات التي تقول بأن أعداد مقاتلي التنظيم داخل المدينة لا تتجاوز 5 آلاف مقاتل. وشدد المرصد على ضرورة قيام المنظمات الدولية ذات الصلة بتأمين المساعدات الإنسانية اللازمة لمليون ونصف مليون شخص يقبعون تحت الحصار في ثاني أكبر مدن العراق، وتوفير الظروف الملائمة لاستقبال النازحين، وعدم الانتظار إلى أن تحل الكارثة.