تسببت الأزمة السورية حتى الآن بعدد هائل من اللاجئين (أكثر من 5 ملايين لاجئ) يتوزعون في العالم ككل، وفي مناطق الجوار بصورة خاصة، استقبلت لبنان من هؤلاء أكثر من مليون لاجئ، بسبب عوامل كثيرة أهمها القرب الجغرافي والروابط الاجتماعية.
انتقال نحو مليون سوري (ومنهم لاجئون فلسطينيون أساسًا في سوريا) إلى لبنان شكل حالة "هجينة" في المجتمع اللبناني، ولم يكن بالمقدور توفير الاحتياجات الأساسية والضرورية بصورة مثلى لهؤلاء، خصوصًا والدولة اللبنانية عاشت سلسلة من الإشكالات الناجمة عن وجود فراغ رئاسي لنحو عامين (2014-2016) وانتهت بانتخاب الرئيس الحالي "ميشال عون"، وبرلمان يمدد ولايته منذ عام 2009 وحتى اليوم.
سنوات الأزمة اللبنانية السياسية الداخلية تزامنت وارتبطت عضويًا في كثير من مراحلها مع الأزمة السورية، ما شكّل بحدّ ذاته إرباكًا في مشهد التعامل مع اللاجئين منذ استقبالهم وحتى تسجيلهم وتوزيعهم على المناطق اللبنانية، وهو ما دفع السلطات اللبنانية لإنهاء سياسة استقبال اللاجئين عبر الإغلاق التدريجي للحدود عام 2015 أمام موجات اللجوء السوري المتدفق باتجاه الحدود، مع تجفيف إمكانات البقاء لأولئك الذين وصلوا فعلاً.
تزامنت هذه السياسات اللبنانية مع الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان، خصوصًا مع التقييد الكبير الواقع عليهم في مجال العمل، ومنافستهم للعمالة المحلية التي فرضت عليهم عملًا بأجر زهيد، بالإضافة إلى كونهم يعملون في معظم الأحيان في أعمال غير منظمة، كالزراعة والصناعة وغيرها.
أدى وضع الأسر السورية مع ضعف ما تتلقاه من معونات اقتصادية، بالإضافة لعوامل أخرى، إلى اتجاه الأسر لإرسال أبنائها لسوق العمل بدلًا من التعليم. وهذا ما لعب فيه أيضًا نظام التعليم اللبناني؛ سواء بصعوبته أو بعدم تهيئته للتعامل مع اللاجئين، دورًا إضافيًا.
عمل الأطفال في لبنان شكّل وضعًا حرجًا في المجال، خصوصًا بعد نشر أرقام- يصعب أن تكون دقيقة تمامًا- من منظمة "مناهضة الرق" التابعة لصندوق الحرية تفيد أن 60 إلى 70 في المائة من الأطفال اللاجئين السوريين مجبرون على العمل.
الأخطر من ذلك أن أكثر من 85% من الأطفال اللاجئين السوريين العاملين كانوا يعملون في أعمال "شديدة الخطورة" وفق تقارير منظمة العمل الدولية.
يهدف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عبر هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الأزمة التي يعانيها الأطفال اللاجئون من سوريا في لبنان، ويستبين مسبباتها وآثارها على الأطفال أنفسهم وعائلاتهم، ويتوخى المرصد من هذا التقرير الضغط محلياً ودولياً لتحسين وضع الأطفال في لبنان عموماً، وأطفال سوريا في لبنان على وجه الخصوص، باعتبارهم الفئة الأشد ضعفاً وعوزاً.