جنيف- أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه جراء الانتهاكات المروعة التي تمارسها القوات الحكومية العراقية تجاه آلاف من المعتقلين، بينهم مئات الأطفال، داخل السجون العراقية، عبر محاكمات جائرة وعشوائية على خلفية اتهامات بالاشتباه بالانتماء إلى ما يعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية – داعش".

 

   الشهادات التي تردنا تفيد بأن المحتجزين داخل السجون يعيشون في ظروف تنعدم فيها أبسط الحقوق الإنسانية والقانونية وبعضهم تعرّض للتعذيب   

سارة بريتشيت، المتحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي

 

 وقال المرصد الأورومتوسطي الذي يتخذ من جنيف مقرًا له في بيان صحفي صدر عنه اليوم الثلاثاء، إن المعارك التي خاضتها قوات الشرطة والجيش العراقي التابعة للحكومة العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق في أربيل بمشاركة عدد من الميلشيات المقاتلة إلى جانب هذه القوات، ضد تنظيم الدولة "داعش"، خلفت عشرات الآلاف من المعتقلين داخل السجون العراقية، ممن يشتبه بانتمائهم للتنظيم، دون تقصي الأدلة والتحريات الكافية أو توافر الإجراءات القانونية لتوقيفهم بهذا الشكل التعسفي.

وأشار الأورومتوسطي إلى أن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها القوات الحكومية والجماعات المسلحة في المناطق التي كان يسيطر عليها "داعش"، شمال ووسط العراق، أدت إلى احتجاز ما لا يقل عن 20 ألف شخص، لاشتباه انتمائهم للتنظيم أو دعمهم له، وقد جرى إعدام ما يزيد على 96 شخصًا بهذه التهمة.

وأوضح الأورومتوسطي أن غالبية المعتقلين يعانون من انتهاكات وقصور قانونية جسيمة، ناتجة عن ضعف ضمانات المحاكمة العادلة التي يخضعون لها، ويتم توجيه التهم في أغلب هذه المحاكمات بموجب قوانين الإرهاب، التي تحوي نصوصًا فضفاضة، ما أدى إلى وجود مئات المعتقلين الذين وجهت لهم تهم الانتماء إلى التنظيم مع عدم وضوح صلتهم المباشرة به، وفي معظم الحالات، لا يتم الإشارة إلى جرائم محددة قام المتهمون بارتكابها، ويكتفى بتوجيه اتهام عام بالانتماء للتنظيم.

وقالت "سارة بريتشيت"، المتحدثة باسم الأورومتوسطي: "إنه لأمر متفهم تمامًا أن تقوم الحكومة العراقية باعتقالات بحق كل أولئك الذين أجرموا بحق الشعب العراقي عبر العمليات الإرهابية التي كان يقوم بها تنظيم "داعش" في العراق، لكن الذي يجري هو أن الحكومة العراقية تستخدم هذا الأمر ذريعة لشن حملة اعتقالات واسعة في ظل وجود خلل واضح في سلامة الإجراءات القانونية الواجبة أثناء عملية الاعتقال، وتمتد مدة الاحتجاز التعسفي لشهور"

وأضافت "بريتشيت": "الشهادات التي تردنا تفيد بأن المحتجزين داخل السجون يعيشون في ظروف تنعدم فيها أبسط الحقوق الإنسانية والقانونية وبعضهم تعرّض للتعذيب".

ولفت الأورومتوسطي إلى أن سيل الانتهاكات التي خلفتها المعارك في المدن التي خضعت لسيطرة التنظيم سابقًا، شهدت أقسى تدهور في حالة حقوق الإنسان، لا سيما مع مشاركة الميليشيات الطائفية وقوات غير حكومية وقوات أخرى أجنبية إلى جانب القوات العراقية، مشيرًا إلى تسجيله عمليات انتقام وانتهاكات مهولة في صفوف المدنيين، مع استهداف ثأري واسع وغير مبرر للعائلات التي كان بعض أبنائها في صفوف تنظيم داعش.

قال الباحث في قسم السياسات لدى المرصد الأورومتوسطي "يحيى أشرف": "إن عدم وجود رقابة حكومية ودولية مناسبة على الميليشيات والمجموعات المسلحة والطائفية المنتشرة في العراق أسفر عن وقوع مزيد من الانتهاكات وأعمال الانتقام والتهديد والتعذيب والاعتقال التعسفي بعيدًا عن سيادة القانون". وتابع: "إجراءات المحاكمات والقائمين على منظومة القضاء العراقية، إضافة إلى قوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة التي تستخدم من قبل الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان في ملاحقة المشتبهين بانتمائهم لتنظيم "داعش" ويجري توجيه الاتهامات على أساسها، سمحت بتوجيه اتهامات بدون سند قانوني سليم أعقبها أحيانًا صدور أحكام ذهب ضحيتها أفراد ربما يكونوا غير ضالعين في ارتكاب جرائم".

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن القانون رقم (27/2016) والمعروف بـ "قانون العفو العام" كان صدر في العراق في أغسطس/آب 2016، ويمنح عفوًا لكل شخص يستطيع إثبات أنه التحق بـ "داعش" أو أي تنظيم متطرف آخر ضد إرادته ولم يرتكب أي جرائم خطيرة حتى تاريخ صدور القانون، ويمنح عفوًا لأشخاص متهمين بمجموعة محددة من الجرائم، غير أن القضاة نادرًا ما يطبقون هذا القانون حتى في الحالات التي تقع في نطاقه.

وطالب المرصد الحقوقي الدولي السلطات العراقية بضرورة العمل على تبني استراتيجية وطنية تضمن نزاهة القضاء وبعده عن الطائفية وضمان توفر محاكمات نزيهة وعادلة للمعتقلين، بحيث يتم محاكمة الضالعين في ارتكاب انتهاكات وأعمال عنف ضد المدنيين سواء ممن ينتمون إلى تنظيم داعش أو من القوات والجماعات المسلحة التي اشتركت مع القوات الحكومية في حربها داخل مدن ومناطق سيطرة التنظيم، والإفراج عن أولئك الذين لا يوجد اتهامات مثبتة بحقهم.