الأراضي الفلسطينية- ندد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بقيام الأجهزة الأمنية التي تتبع لحماس في قطاع غزة بتقييد الحق في التجمع السلمي واعتقال واستدعاء عشرات الأشخاص في مناطق مختلفة من قطاع غزة بشكل تعسفي، وذلك بالتزامن مع دعوات أطلقتها حركة فتح للاحتفال بذكرى تأسيسها الرابعة والخمسين.
حتى لو ادعت الأجهزة الأمنية بأن هذه التظاهرات لم تحصل على ترخيص، فإن هذا لا يجيز بحال قمعها أو اعتقال القائمين عليها، وإن أي إجراء من هذا القبيل يعد عملاً تعسفياً وانتهاكاً للحق في التجمع السلمي والحق في التعبير عن الرأي وعدم التعرض للاعتقال التعسفي
ندى نبيل، المتحدثة باسم الأورومتوسطي في قطاع غزة
وبين المرصد الحقوقي الدولي – مقره جنيف – أن فريقه وثّق خلال اليومين الماضيين احتجاز جهاز الأمن الداخلي التابع لسلطة حماس في قطاع غزة 20 شخصاً على الأقل بشكل تعسفي، معظمهم من النشطاء في حركة فتح، فضلاً عن استدعاء آخرين، بالإضافة إلى قمع عدة تجمعات سلمية قام بتنظيمها أفراد من حركة فتح أمس الإثنين لإحياء ذكرى تأسيس حركتهم.
وفي إفادة لفريق الأورومتوسطي، قال أمين عابد، وهو من سكان محافظة شمال غزة، إن جهاز الأمن الداخلي أرسل له استدعاء مكتوباً مساء الأحد 30 كانون الأول/ديسمبر 2018، وذلك للحضور بشكل فوري إلى مقر الأمن قرب ما يُعرف بدوار الشيخ زايد.
وأوضح عابد: "توجهت في الساعة 6:30 من مساء الأحد إلى المقر المذكور، وحين وصلت تم إدخالي إلى غرفة كان فيها 8 أشخاص آخرين محتجزين وجميعهم من حركة فتح وكان تم استدعاؤهم في نفس اليوم". وأضاف: "بعد قرابة 10 دقائق تم نقلي إلى زنزانة انفرادية صغيرة (متر ونصف X مترين) وكان بداخلها فراش للنوم، لكن أرضية الغرفة كانت مليئة بالماء بما في ذلك الفراش وكانت باردة جدا، وهناك أجبروني على البقاء واقفاً في الزنزانة حتى الساعة 11 مساء حيث تم الإفراج عن المحتجزين الآخرين وحينها طلبت منهم الإفراج عني أو نقلي لزنزانة أخرى مناسبة، وعندها نقلوني إلى زنزانة أخرى وأحضروا لي فراشاً للنوم بعد ما يزيد على ساعة من الانتظار".
وقال عابد إن أفراد الأمن أعادوه ظهر اليوم الثاني للزنزانة الأولى وأجبروه على خلع حذائه والوقوف فيها وعندها بدؤوا التحقيق معه حول منشورات وآراء له نشرها على صفحته الشخصية على فيسبوك، وبعد قرابة ساعة، أفرجوا عنه على أن يعود مجدداً يوم الأربعاء القادم 2 كانون الثاني/يناير 2019 لاستكمال التحقيق.
وقالت ندى نبيل، المتحدثة باسم الأورومتوسطي في قطاع غزة، إن فريق الأورومتوسطي اطلع على عينة من المنشورات التي جرى التحقيق مع عابد بخصوصها، ووجدها تندرج في إطار التعبير عن الرأي والنقد للسياسات الحاكمة لقطاع غزة والدعوة لرفضها.
وفي مدينة غزة شمال القطاع، وثق الأورومتوسطي اعتقال "أحمد حلّس"، المنسق العام لكتلة الشبيبة الطلابية التابعة لحركة فتح في جامعة الأزهر، حيث ما يزال معتقلاً بحسب عائلته.
وفي اتصال مع فريق الأورومتوسطي، قال والد حلّس إن ابنه معتقل منذ يوم الأحد بعد تلقيه استدعاء من قبل جهاز الأمن الداخلي في الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم للحضور بشكل فوري. وبين حلس أن العائلة لا تعرف شيئاً عن ابنها حتى الآن ولم يتم عرضه أمام محكمة. ويضيف: "أعتقد أن اعتقال ولدي جاء لإفشال توجه حركة فتح لإضاءة الشعلة إحياء لذكرى انطلاقتها وكذلك لإفشال نشاط كانت ستقوم فيه الشبيبة في جامعة الأزهر بذات المناسبة"، مشيراً إلى أن ولده كان اعتقل لدى ذات الجهاز قبل قرابة شهرين إثر نشاطات قام بها لتأييد خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الجمعية العامة في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي.
إلى ذلك، قام أفراد من الشرطة والأمن الداخلي بتفريق تجمعات مختلفة لحركة فتح في منطقة الساحة في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة ومقابل البنك العربي وفي ساحة السرايا غربي مدينة غزة. وقال محمد التلباني، وهو شاهد عيان، إن أفراداً من الشرطة بالزي الرسمي فرقوا مجموعة من النساء تجمعن في منطقة الساحة مساء أمس الإثنين بين الساعة 3:30 – 4:30 تلبية لدعوة حركة فتح لإضاءة الشعلة، كما اعتدى أفراد الأمن على مجموعة من الشباب بالهروات مقابل البنك العربي في ميدان فلسطين، وقال شهود إن طفلاً عمره 12 عاماً تعرض للضرب من قبل أحد أفراد الأمن بينما كان يحمل علماً عليه شعار حركة فتح.
وأوضح التلباني بأن العشرات من أفراد الأمن، بعضهم بالزي الرسمي والعديد منهم كان ملثما، أحاطوا بساحة السرايا غربي مدينة غزة فيما كان عدد من النشطاء التابعين لحركة فتح يسعون للتجمهر. وقال التلباني إن أفراد الأمن اعتدوا على بعض الشبان بالهروات والسباب عليهم إثر إطلاقهم هتافات لتأييد الرئيس الفلسطيني وزعيم حركة فتح محمود عباس. كما سحبوا أعلام فتح والكوفيات من النشطاء دون إبداء الأسباب.
وفيما نفى الناطق باسم وزارة الداخلية في قطاع غزة "إياد البزم" حدوث اعتقالات، أقر ب"استدعاء الأجهزة الأمنية ل 38 شخصاً"، مبرراً ذلك بسعى الأجهزة الأمنية لتفادي أية مشاكل أو إخلال بالأمن العام أثناء نشاط "إيقاد الشعلة" الذي تنظمه حركة فتح. وقال البزم إن الشرطة تدخلت للفض بين المتظاهرين إثر حدوث شجار بينهم.
وشددت ندى نبيل على أن الشهادات التي جمعها المرصد تفيد بحدوث اعتقالات، مؤكدة على أن "بعض الأشخاص ما زال رهن الاحتجاز حتى اللحظة".
وأضافت نبيل: "حتى لو ادعت الأجهزة الأمنية بأن هذه التظاهرات لم تحصل على ترخيص، فإن هذا لا يجيز بحال قمعها أو اعتقال القائمين عليها، وإن أي إجراء من هذا القبيل يعد عملاً تعسفياً وانتهاكاً للحق في التجمع السلمي والحق في التعبير عن الرأي وعدم التعرض للاعتقال التعسفي". وأكدت نبيل على أن "عدم اتباع الإجراءات المطلوبة في الحصول على ترخيص لا يمثل جريمة بحال من الأحوال، كما أن الاعتداء بالضرب ليس عقوبة وفق القانون بأية حال".
ولفتت نبيل إلى أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كان سجّل في قطاع غزة 39 حالة اعتقال تعسفي، و33 حالة استدعاء، نفذتها الأجهزة الأمنية التي تتبع لحركة "حماس" خلال العام 2017، خاصة جهازا "الشرطة"، و"الأمن الداخلي"، والذي كانت أنشأته "حماس" بعد سيطرتها على قطاع غزة، مشيرة إلى أن هذا النسق من الاعتقالات ظل سائداً في العام المنصرم 2018.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات في قطاع غزة إلى الإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي والعمل على ضمان الحريات العامة للمواطنين. مؤكداً على أن "سياسة تكميم الأفواه، ومنع التظاهر السلمي، وتقييد حرية التعبير لم يكن يومًا ضمانًا ومدخلًا للاستقرار السياسي للمجتمع، بل على النقيض من ذلك، كانت سببًا مباشرًا لإحداث التوترات".