تدور صفقات بيع الأسلحة حول الربح والسياسة ولا علاقة لها بالأخلاق، الأمر الذي يعزز من ضرورة الكشف على وجهة إنفاق الأموال العامة بالفعل وأن يتم مقاطعة المؤسسات التي تتربح من بيع الذخائر وتلعب دوراً في عمليات القتل.
لقد سارعت الحكومات الغربية إلى التعبير عن غضبها من غزو تركيا لشمال سوريا من أجل الحد من تمدد الأكراد والذي أدى إلى نزوح أكثر من 275 ألف شخص. فيما أعلنت عشر دول -بما فيها الولايات المتحدة والتي أشعلت الأزمة عندما بدأت بسحب قواتها- حظر توريد الأسلحة إلى أنقرة "كعقاب للعدوان التركي".
سارعت الولايات المتحدة لاحقا وهي التي تعتبر أكبر مصدّر للأسلحة للدول سيئة الصيت، إلى إلغاء حظرها حالما بدأ سريان وقف إطلاق النار – بالطبع بعد أن حققت تركيا أهدافها. قوبل ذلك باعتراض وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأمر الذي قال "سيولد هذا كارثة إنسانية حقيقية".
أماوزير الخارجية البريطاني دومينيك راب فقد قال "ليس هذا هو التصرف الذي توقعناه من حليف، هذا فعل متهور ويؤدي إلى نتائج عكسية."
قد تبدو هذه التصريحات علامات مبشرة تشير إلى ضمير أخلاقي نشط بين حكومات الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فإن التحليل الأوسع لمبيعات الأسلحة كأداة للسياسة الخارجية يوحي بغير ذلك.
لو أخذنا بعين الاعتبار مثلا الحرب على اليمن والتي يشنها التحالف العسكري بقيادة السعودية، نرى أن عدد القتلى في هذا الصراع قد اقترب بشكل سريع من المئة ألف، بالإضافة إلى نزوح ما يقارب خمسة ملايين يمني. وفق موقع النزاع المسلح ومشروع بيانات الأحداث فإن الحوثيين المدعومين من إيران مسؤولين عن حوالي 16% من القتلى، فيما تسبب السعوديون وحلفائهم (الإمارات والسودان ومصر والمغرب) في مقتل الأغلبية والتي تبلغ 67%.
منذ دخولها الصراع اليمني في عام 2015، أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم. حيث يتم بيع هذه الأسلحة للسعوديين وكذلك الإمارات وهم ضمن العديد من اللاعبين الذين يدّعون الأرضية الأخلاقية العالية لفرض حظر على تركيا - بما في ذلك الولايات المتحدة (على الرغم من محاولات المشرعين الأمريكيين لوقفه)، المملكة المتحدة، فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا.
الولايات المتحدة هي حتى الآن أكبر مورد للسلاح، وفي وقت قريب أتت المملكة المتحدة في المرتبة الثانية.
في حزيران/يونيو الماضي، اتهمت محكمة الاستئناف البريطانية رئيس الوزراء بوريس جونسون بالتوقيع على صادرات الأسلحة إلى السعودية دون تقييم المخاطر المدنية بشكل صحيح.
رداً على ذلك، وعدت الحكومة بحجب أي تراخيص إضافية لتصدير الأسلحة للسعودية، لكنها انتهكت بالفعل هذا الالتزام، وأُجبرت على الاعتذار في وقت سابق من هذا الشهر عن خرقين.
تعتبر ألمانيا هي الدولة الوحيدة التي تميزت بأنها تفعل أكثر من غيرها، حيث جمدت إدارة أنجيلا ميركل مبيعات الأسلحة إلى السعودية، وأعلنت أنها لن تصدر تصاريح جديدة لـ "الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها تركيا في سوريا". ومع ذلك، فإن اختلاف هذه الأسلحة عن الأسلحة الأخرى ليس واضحًا، وبالتالي يجب التحقق من هذا الوعد.
لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا، فالعديد من البلدان التي تفتخر بموقف أخلاقي مع تركيا وأثناء تسليحها للسعودية تقدم أيضًا دعمًا ماديًا لإسرائيل التي اضطهدت الفلسطينيين لأكثر من سبعين عامًا.
في الواقع فإن الحكومة الإسرائيلية هي نموذج للعلاقات الخارجية التي تخدم مصالح الدول الذاتية بفظاظة. حيث قامت إسرائيل ببيع أسلحة للأكراد والأتراك، وأحيانًا في نفس الوقت، وهي تقوم بذلك اعتمادًا على الطريقة التي تهب بها الرياح تبعاَ لمصالحها الخاصة.
لا تتعلق مبيعات الأسلحة من قبل الحكومات بالأخلاق أو حقوق الإنسان، إنما ما يحددها هو الأرباح والسياسة.
وإذا أراد المجتمع المدني وقطاع الأعمال تعبيد الطريق إلى نظام اجتماعي أكثر إنسانية وعدالة، فيجب أن نكوّن نحن مراقبينا الخاصين ونتّبع خطى النشطاء والشركات التي ساعدت في إسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ويعني ذلك أنه يجب علينا أن نكشف أين يتم إنفاق الأموال العامة حقًا وكذلك مقاطعتها أو تجريدها من الشركات التي تستفيد من بيع الذخائر المميتة للحكومات التي تستخدمها للقمع.
يمكن العثور على مثال لكيفية البدء في معرفة أين سيتم إنفاق الأموال العامة باستخدام أداة عبر الإنترنت تسمى الأموال الخالية من الأسلحة. تم إنشائها لمحاربة ما تسميه "آلة الحرب"، ويسمح الموقع -الذي أنشأته شركتان أمريكيتان غير ربحيتين ـ لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت لمعرفة ما إذا كانت استثماراته تمول مصنعي الأسلحة.
لنفكر في مدى قوة مثل هذه الأداة التي إذا تم توسيعها لربط الدول التي ترتكب فظائع موثقة إلى الحكومات التي تبيع الأسلحة لها والشركات التي تجني الأموال منها، فإننا سنكون أمام خطوة أولى من أجل منح السلطة للأشخاص الذين يحتاجون إلى الضغط من أجل سياسة خارجية أخلاقية حقيقية ومدونة أخلاقية لسلوك الأعمال.