جنيف- أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم مذكرة عاجلة يرصد فيها تعرض الطواقم الطبية -في العالم العربي على وجه التحديد- لحالات تنمر وتمييز سلبي وافتقاد شديد لأدوات الحماية في مجابتهها خطر تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.
وقال المرصد الأورومتوسطي -ومقرة جنيف- إنه في الوقت الذي تتولى فيه الطواقم الطبية في أرجاء العالم، خط المواجهة الأول ضد جائحة كورونا وخطرها ضد البشرية، يتم رصد تقارير مؤسفة عن ظروف عمل غير مناسبة وافتقاد مستلزمات الوقاية لهذه الطواقم، فضلًا عن تعرضها للتمييز السلبي وحالات تنكر وخطاب كراهية في عدد من بلدان العالم.
ووفق ما تابعه الأورومتوسطي، فقد تم رصد عدد من الحالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينها تعرض طبيبة أمراض جلدية "دينا مجدي" في مستشفى حميات الإسماعيلية في مصر، لمحاولة طردها من المنزل من جيرانها بدعوى مخالطتها لمصابي فيروس "كورونا".
وأفادت مجدي في مقطع فيديو نشرته على صفحتها الشخصية عبر "فيسبوك"، أنها "استعانت بشرطة النجدة لفض تجمهر بعض المواطنين حول منزلها".
على السلطات والحكومات المختلفة توفير أدوات الوقاية والحماية المناسبة، وتحسين ظروف العمل والحجر الصحي للطواقم الطبية خاصة تلك العاملة في مواجهة جائحة فيروس كورونا، وتزيد الطواقم بالتدريب المناسب على مكافحة العدوى
ندى نبيل، منسقة الإعلام الاجتماعي لدى المرصد الأورومتوسطي
وشهدت قرية مصرية واقعة تنمر مماثلة ضد طبيبة متوفاة بفيروس كورونا، حيث احتشد الأهالي لرفض دفن جثمانها بمقابر القرية. واحتشد أهالي قرية "شبرا البهو" التابعة لمدينة أجا في محافظة الدقهلية شمال مصر، أمام مدخل قريتهم، رافضين دخول سيارة إسعاف تحمل جثمان الطبيبة التي تبين أنها متزوجة من أحد أبناء القرية، لكنها تنتمي لقرية مجاورة تسمى "ميت العامل"، ولذلك طالب الأهالي بدفنها في مسقط رأسها بزعم خشيتهم نقل العدوى إليهم؛ رغم أن عملية الدفن كانت ستتم وفق الإجراءات الطبية المتبعة.
إلى جانب ذلك، شهدت قرية بولس بكفر الدوار التابعة لمحافظة البحيرة شمالي مصر، واقعة مماثلة، حين تدخلت قوات الأمن لدفن والدة طبيب توفيت متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا بعدما رفض الأهالي دفنها في مقابر القرية.
ووفق التقارير؛ فإن الطبيب وهو من أبناء القرية ويعمل في إحدى المستشفيات، أصيب بفيروس كورونا بعد مخالطته لمريض مصاب، ثم نقل العدوى لوالدته التي تجاوزت السبعين من عمرها، ونقلت لمستشفى العزل لكنها توفيت متأثرة بإصابتها بالفيروس، واحتشد الأهالي أمام السيارة التي تحمل الجثمان، رافضين دفنها في المقابر؛ بدعوى الخشية من نقل العدوى للقرية.
وقال الأورومتوسطي إن الحالات في منطقة الشرق الأوسط ليست معزولة عن بقية أنحاء العالم، فقد تعرض فريق المساعدة الطبية للكوارث في اليابان(DMAT) الذي قدم المساعدة لليابانيين في ووهان الصينية، لما وصفته الجمعية اليابانية لطب الكوارث بالبلطجة، وجرى التعامل معهم كجراثيم، وطُلب منع أطفالهم من الالتحاق بالحضانات ورياض الأطفال.
وتابع المرصد الأورومتوسطي عدة شكاوى وبلاغات عن ظروف عمل سيئة تعمل بها الطواقم الطبية من أطباء وتمريض ومهن مساعدة، تتمثل بشكل أساسي بعدم توفر أدوات الوقاية اللازمة، وفي حال توفرت تكون بكميات محدودة، وأدوات غير مكتملة، ما يزيد من مخاطر إصابة الطواقم الطبية خلال عملها.
ويشير المرصد الأورومتوسطي إلى ما كشفه مدير منظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم" أن بعض الدول سجلت في تقاريرها بأن 10% من عناصر القطاع الصحي أصيبوا بفيروس كورونا، بينما يتزايد القلق من انتشار الوباء أكثر فأكثر بين أعضاء الكادر الطبي حول العالم، في الوقت الذي بدأ فيها الفيروس بالتفشي بين الكوادر الطبية بالفعل. ففي إيطاليا، توفي أكثر من مئة طبيب، وخمسين في إيران وعشرين في بريطانيا، فيما تنجاوز الأرقام سرعة ملاحقتها، ويدور الحديث عن إصابة أكثر من 14 ألف عامل صحي في العالم.
وتأتي هذه المخاوف في ظل أن الكوادر الطبية تعد جدار الصدّ الأول ضد الفيروس، وهم يتعاملون مع المصابين منذ لحظة الاشتباه في حالاتهم الصحية، وصولًا إلى تعافيهم أو وفاتهم، ما يعرضهم لمخاطر شتى؛ خاصة حال عدم توفر أدوات الوقاية والحماية المناسبة في العديد من البلدان.
وعبرت منسقة الإعلام الاجتماعي لدى المرصد الأورومتوسطي "ندى نبيل" عن التقدير للدور الكبير لجميع الطواقم الطبية على دورها الإنساني الكبير في التعامل مع هذه الجائحة ومجابهتها رغم المخاطر الشديدة التي يتعرضون لها، بما في ذلك فقدان العديد من أعضاء هذه الطواقم، أو تعرضها للإصابة.
ونبهت "نبيل" إلى تحمل الطواقم الطبية ضغوط العمل المكثف والغياب لأيام طويلة عن أسرهم، داعية السلطات والحكومات المختلفة لتوفير أدوات الوقاية والحماية المناسبة، وتحسين ظروف العمل والحجر الصحي للطواقم الطبية خاصة تلك العاملة في مواجهة جائحة فيروس كورونا، وتزيد الطواقم بالتدريب المناسب على مكافحة العدوى.
وحثت "نبيل" وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي على تسليط الضوء على الجهد الكبير للطواقم الطبية في هذه المرحلة، وتقدير دور الطواقم الطبية.
كما دعت السلطات ووسائل الإعلام إلى إطلاق حملات توعية للجمهور حول طبيعة جائحة فيروس كورونا، وآليات التعامل معها، وتصحيح التصورات الخاطئة، بما يقضي على أنماط التنمر والتمييز وأشكال الكراهية الحاصلة.
وأبرز المرصد الأورومتوسطي أن "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" ينص على واجب الحكومات تهيئة ظروف من شأنها "تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض".
وعليه دعا في مذكرته العاجلة السلطات إلى إنصاف الطواقم الطبية وتأمين تعويضات وبدل مخاطر مناسب لها، وإعادة النظر في توزيع الموازنات الحكومية لجهة التركيز على القطاع الصحي والتعليم والبحثي، بدلًا من صب أغلب الموازنات في التسليح والأمن.
وأكد المرصد الحقوقي الدولي أن السلطات والحكومات المختلفة مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل أدوات القانون لوقف حالات التعدي على الطواقم الطبية؛ دون المساس بمبدأ الحق في حرية الرأي والتعبير.