يشكل الاجتياح المرعب لفيروس كورونا المستجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تهديدًا كبيرًا لإحدى المجموعات الأكثر ضعفًا في المنطقة: المعتقلون السياسيون وسجناء الرأي كالنشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. إن الاستمرار في حبسهم وسط الوباء يرقى إلى إصدار أحكام بالإعدام عليهم. ما يحتم على الاتحاد الأوروبي أن يتدخل بسرعة للضغط على حكومات المنطقة باتجاه إطلاق سراحهم الفوري وغير المشروط.

إن السجون السياسية ومرافق الاحتجاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي من الأشد ضعفاً وعرضة لأن تشهد أثاراً خطيرةً للغاية في حال انتشار وباء كورونا المستجد بداخلها. فغالباً ما تكون زنازين المعتقلات السياسية مكتظة وغير صحية إلى حد كبير. كما أنها تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة والنظافة اللازمة. الخدمات الطبية في هذه المعتقلات تكون غير كافية أو حتى غير موجودة على الإطلاق، وعادة ما يعاني السجناء السياسيون من إهمال متعمد من سلطات السجن وامتناع عن تقديم الخدمات الصحية والطبية ما جعل العديد من هذه السجون بؤراً لانتشار الأمراض الجلدية المعدية.

وبالتالي، قد تؤدي إصابة واحدة من هذا المرض شديد العدوى لحارس سجن أو محقق إلى تفشي واسع النطاق بين السجناء، ما سينتج بشكل حتمي مأساة مروعة يمكن تجنبها تمامًا إذا امتثلت الحكومات في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الآن لضرورات السلامة العامة وأطلقت سراح جميع سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين.

فحكومات المنطقة ملزمة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باتخاذ خطوات نحو "الوقاية والعلاج والسيطرة على الأمراض الوبائية والمتوطنة وغيرها". كما أنهم ملزمون بنفس القدر بموجب العهد نفسه بتحمل المسؤولية الكاملة تجاه جميع الأشخاص المحتجزين لديهم في تحقيق "أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية".

من هذا المنطلق تصبح مسألة الإفراج غير المشروط والفوري عن جميع السجناء، ولا سيما المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، الذين يُحتجزون عادة في ظروف أسوأ من السجناء العاديين، هو التدبير الوحيد الممكن اتخاذه من حكومات المنطقة للإيفاء بالتزاماتها تحت القانون الدولي.

على الرغم من أن بعض الحكومات في المنطقة أفرجت بالفعل عن عدد كبير من السجناء وسط جائحة كوفيد-19 (على سبيل المثال أفرجت إيران عن 70.000 سجين بينما قامت البحرين بالعفو عن 901 سجين) إلا أن سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين كانوا الاستثناء الرئيسي لهذه الإفراجات على الرغم من معاناة العديد من سجناء الرأي من الظروف الصحية الخطيرة.

فعلى سبيل المثال، يقضي المدافع المعروف عن حقوق الإنسان أحمد منصور عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات بدوافع سياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة. كانت صحته في تدهور خطير في السجن خلال العام المنصرم حيث أضرب عن الطعام مرتين للاحتجاج على ظروف سجنه. فهو محتجر في حبسٍ انفراديٍ بدون سرير أو مياه جارية. على الرغم من ذلك، للأسف لم تقم السلطات الرسمية بالنظر في إعطائه عفواً رحيماً نظراً لظروفه الصحية التي تهدد حياته بشدة في حال انتشار المرض في محبسه.

وبالمثل، لا تزال هناك عشرات الناشطات في السعودية، بمن فيهن لجين الهذلول، قيد الاحتجاز دون اتصال بأسرهن. وفي كذلك مصر، يقبع عشرات الآلاف من السجناء السياسيين الذين تم اعتقالهم بسبب التعبير عن آرائهم أو احتجاجهم أو انتقادهم للحكومة ومن ضمنهم اثنين من الصحفيين قيد الاعتقال وهما إسراء عبد الفتاح ومحمود حسين جمعة بسبب عملهما الصحفي.

يستدعي هذا الوضع المثير للقلق وساطة الاتحاد الأوروبي كلاعب مركزي في المنطقة ومانح كبير للمساعدات الرسمية وشريك تجاري رئيسي للعديد من بلدان الشرق الأوسط، للضغط من أجل الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإلا فسيظل هؤلاء المعتقلين من ضحايا الاضطهاد خلف القضبان مهددين بالموت في أي لحظة، ليس فقط من جائحة كورونا، بل من الإهمال الطبي بشكل عام. فقد مات بالفعل العديد من السجناء السياسيين في السجون المصرية والسعودية على سبيل المثال نتيجةً للإهمال المتعمد.

يتوجب على الاتحاد الأوروبي ليس فقط الضغط على دول المنطقة من أجل إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين فحسب، بل يجب عليها أيضًا دعوة حكومات في منطقة إلى وقف جميع سياسات وممارسات احتجاز النشطاء والأفراد بسبب آرائهم السياسية في ظل هذا التهديد المسبوق للصحة العالمية والأمن العام.