لم يكف لبنان أنه يعاني من أزمة اقتصادية مدمرة كانت موجودة أصلاً قبل وصول فيروس كورونا، من ارتفاع نسب البطالة وتفاقم معدلات الفقر، جاء فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" ليشكّل أزمة إنسانية أخرى تضاف إلى الأزمات التي تعاني منها البلاد.

فبعد أن أصدر مجلس الوزراء قراراً بتاريخ 15 آذار/ مارس 2020 القاضي ببدء تطبيق التعبئة العامة الصحية في البلاد لمواجهة فيروس كورونا، وذلك من خلال التزام المواطنين البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة القصوى حتى تاريخ 29 آذار/ مارس، باشرت قوات الأمن تطبيق القرار، عبر تسيير دورياتها وإنذار المواطنين بضرورة الالتزام بالقرار وعدم التجمع وإغلاق جميع المؤسسات والمحال التجارية.

غير أن هذا القرار أُعلِنَ عن تمديده ليظل مستمراً حتى 10 مايو/ آيار القادم، خاصةً بعد أن تفشي الوباء في البلاد، مخلّفاً 710 إصابة و24 حالة وفاة، حتى تاريخ كتابة هذا المقال.

إجراءات الإغلاق المتصلة، وإن كانت هادفة لحماية المواطنين اللبنانيين من خطر هذا الوباء، إلاّ أنها تسببت بتهديد الملايين من السكان بالجوع، في ظل حكومة شبه عاجزة عن مواجهة الفيروس وغير قادرة على وضع خطة عاجلة ومنسقة لتقديم المساعدات والإغاثات.

فالناظر إلى فئة العمال الأكثر فقراً في لبنان، يجد أنهم يعملون في وظائف غير رسمية (بدون عقود قانونية)، أو أنهم عمال مياومة (العاملين بأجر يومي)، أو أنهم يعملون في وظائف موسمية فقط، حيث يشكل هؤلاء ما يزيد عن ثلثي عدد العمال، ما يجعل أجورهم متدينة، ويكونوا معرضين بشكلٍ خاص للصدمات المالية.

فبحسب التقارير الحقوقية، خسر الكثير من المواطنين دخلهم، وقد يعجز أكثر من نصف السكان عن تلبية حاجياتهم الأساسية من مواد غذائية ودواء وإيجار، إذا لم تتدخل الحكومة وتنقذ الوضع الإنساني الذي بات على حافية الانهيار.

على الصعيد الآخر، يظهر عجز الحكومة اللبنانية من خلال الثغرات التي ظهرت في نظام الحماية الاجتماعية، حيث تبين أن هناك شح في عدد البرامج التي تُعنَى بأصحاب الحاجة والمعوزين، والذي نتج عنه ضعف في الوصول إلى الأسر الأكثر احتياجاً، فضلاً عن أن الحكومة تفتقر للبيانات المتعلقة بالأسر الأشد فقراً في البلاد.

 وعلى الرغم من أن الحكومة أعلنت أنها بصدد تقديم الخدمات والمساعدات للأسر الأكثر فقراً وتخصيص مبالغ نقدية لتغطية نفقات هذه المساعدات، إلاً أن العديد من المواطنين اللبنانيين قالوا إن هذه الوعود لم يبدأ تطبيقها إلى الآن، في حين أن العديد من الجمعيات الأهلية والاتحادات الإغاثية باشرت بتقديم هذه المساعدات من خلال تنظيم حملات تبرع وتقديم المساعدات النقدية والعينية للمحتاجين، وخصوصاً للعاملين بالأجر اليومي، كونهم الفئة الأكثر هشاشة في ظل الأزمة الحالية.

أيضاً على مستوى الإجراءات، لم تقم الحكومة باتخاذ الإجراءات الكافية لتخفيف الصعوبات المالية على المواطنين، حيث أنها لم تعفي المستأجرين من دفع الإيجار السكني أو التجاري ولو مؤقتاً، كما أنها لم تمنع المالكين من وقف الإجراءات المتخذة من قبلهم لإخلاء السكن من مستأجريها، فهي مددت فقط مهل دفع الضرائب وفواتير الخدمات، الأمر الذي لا يعالج مشكلة اقتصادية حقيقية يعانيها المواطنون اللبنانيون.

وعلى الرغم من صعوبة الأزمة الحالية وقلة الموارد المتوفرة، إلا أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يلزم الحكومات حتى في وقت الأزمات بحماية حق الناس في الحصول على مستوى معيشي لائق، يتضمن بكل تأكيد التغذية الكافية، وأعلى مستوى من الصحة، بالإضافة إلى الضمان الاجتماعي.

فالمادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاءت لتقر هذه الحقوق بالكامل، حيث نصت المادة في البند الأول منها على "لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه".

كما نصت المادة (11) في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البند الأول على "تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر".

من ذلك كله، يظهر أن أزمة كورونا ليست أزمة خطيرة فحسب على دولة مثل لبنان، عانت ولا زالت تعاني كوارث اقتصادية واجتماعية، بل هي بمثابة ناقوس خطر ينذر بضرورة تقديم المساعدات العاجلة التي قد تكون كفيلة بسد الاحتياجات الإنسانية، منعاً لتفاقمها وفي سبيل تحقيق الاستقرار الذي ما لبث يبحث عنه المجتمع اللبناني لسنواتٍ عدة.