إنّ الغرض من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هو تعزيز وحماية وكفالة تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعاً كاملاً على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترام كرامتهم، وعدّت الاتفاقية أن مصطلح "الأشخاص ذوي الإعاقة" يشمل كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّية قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين، كما أرست الاتفاقية عدة مبادئ أساسية أهمها : عدم التمييز، تكافؤ الفرص، المساواة، كفالة حقهم في المشاركة والاشتراك بصورة كاملة وفعّالة في المجتمع، واحترام الفوارق وقبولهم كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية، بالإضافة إلى الحق في التعليم والعمل وتلقي العناية الصحية وغيرها من الحقوق المكفولة في المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة، ولكن من أهم ما ورد في الاتفاقية كان في المادة (11) منها إذ: "تعهدت الدول الأطراف، وفقاً لالتزامها بمقتضى القانون الدولي، بما فيها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، باتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالة النزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية".
انطلاقاً من هذه المبادئ تعهّدت الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ كل التدابير التشريعية والإدارية وغيرها لتنفيذها وتطبيقها على أكمل وجه، ومعلوم أن أول إجراء اتخذ في حالة الطوارئ كان الإقفال التام للمدارس والجامعات والمعاهد التعليمية على اختلاف أنواعها ومن بينها مراكز التأهيل والتعليم الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وطلب من الكافة ضمن إجراءات وتدابير الطوارئ المتخذة لمكافحة والحدّ من انتشار وباء كورونا التقيّد والالتزام بالحجر المنزلي.
فبينما يواجه العالم وباء كورونا نجد أن الطلاب يواجهون مشكلة تعطيل المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومعاهد تعليمية وغيرها، إزاء هذا الواقع المستجد عملت هذه المؤسسات الخاصة والرسمية على ابتكار طرق متعددة لاستكمال قدر الإمكان المناهج الدراسية المقرّرة لهذا العام وبرزت "فكرة التعليم عن بعد" عبر التقنيات والوسائط المتاحة والممكنة كالإنترنت والبرامج التعليمية التلفزيونية، وفي سياق هذه التدابير والإجراءات ظهر غياب لتلك المتعلّقة بذوي الاحتياجات الخاصة في وقت يتوجب على جميع الجهود أن تنصبّ وتتضافر في هذه الظروف الصعبة لإيلاء العناية القصوى لهم من خلال تدابير ملائمة تتناسب مع وضعهم وقدراتهم، فهناك انعدام تام لهذه التدابير فهم متروكون لقدرهم مع أسرهم وعائلاتهم.
إن الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأوقات والظروف العادية يحتاجون بشكل مستمر إلى تلقّي برامج تأهيلية كالعلاج الفيزيائي والحسّي والحركي والانشغالي والنطق وغيرها من البرامج الضرورية، وكذلك إلى برامج تعليمية تمكّنهم من تقليل أو تخطي آثار الإعاقة في مراكز تأهيلية متخصصة على أيدي أخصائيين، وفي ظل وباء كورونا وما ترافق معه من حجر منزلي وإقفال تام لجميع هذه المؤسسات والمراكز يكونوا قد حرموا من حاجاتهم الضرورية وحقوقهم الأساسية التي تؤمن لهم القدرة على الاستمرار وتخطي الصعوبات للاندماج في المجتمع.
وانطلاقاً من مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع أفراد المجتمع المكرّس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يجب التأكيد على جميع السلطات المعنية بذل الجهود الكافية لتقديم البرامج الضرورية لذوي الاحتياجات الخاصة بالتوازي مع باقي أفراد المجتمع وإتاحة الفرصة لهم وإعطائهم المساحة الكافية لتلقي برامجهم التعليمية والتأهيلية بما يتناسب مع قدراتهم وظروفهم،
إن الحلول المطروحة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة موجودة وكثيرة وبسيطة في آن ولا تتطلب الكثير من الجهد أو المال لتنفيذها إنما بحاجة إلى إرادة ورؤية إنسانية جادّة وصادقة في التعاطي مع كل ما يتعلق بالشأن العام من قبل الحكومات والإدارات المختصة، فبالإمكان عبر التعاون والتنسيق بين الإدارات المختصة وأصحاب الاختصاص من الهيئات التعليمية والتأهيلية ومشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة نفسهم، يمكن تقديم البرامج المطلوبة وإعطاء فرصة حقيقية لهذه الفئة من المجتمع أن تحصل على حقوقها الأساسية،
- ما الذي يمنع من تقديم برامج أو حلقات تلفزيونية تعليمية أو عبر الإنترنت خاصة بالمكفوفين أو الصم أو البكم أسوة بالآخرين؟؟!!،
- ما الذي يمنع من تقديم برامج إرشاد وتوعية لجميع أفراد المجتمع حول كيفية تقديم الرعاية والوقاية المناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة في أماكن إقامتهم ومنهم فئة لديها مناعة ضعيفة وبحاجة لعناية واهتمام من نوع خاص؟؟!!،
- ما الذي يمنع من وجود برامج لتدريب الأهل أو المرافقين والملازمين لذوي الاحتياجات الخاصة تساعدهم في الحصول على جزء من برامجهم التأهيلية الضرورية؟؟!!
هذا على سبيل المثال لا الحصر، وبالتأكيد عند تضافر الجهود من قبل المعنيين سوف يتم الوصول إلى الصيغة الأفضل لتقديم هذه البرامج ولكن الرهان الأكبر على الوعي والإرادة الصادقة،
وفي الختام لا بدّ من التأكيد على أن الميزان الذي تقاس به حضارة الدول ورقيها وتقدمها هو الميزان الدقيق الذي يظهر مدى اهتمام هذه الدول بذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم وعائلاتهم وفي جميع القضايا الإنسانية سيما في وقت الأزمات، إن البشرية بجنوحها عبر السنين نحو الشر بجميع أشكاله و التفاهة بجميع صورها وتسليع كل شيء حتى البشر لغايات مادية دنيئة في معظمها أثبتت فشلاً ذريعاً عند أول امتحان جدّي وصعب لها، حيث عجزت عن تقديم أي شيء يذكر لإنقاذ البشرية في هذا الوقت العصيب، فقد آن الأوان لوضع سلّم جديد من الأولويات مبني على معايير أكثر أخلاقية وأكثر إنسانية، فقد ثبت بما لا يرقى للشك أن محاولات الإنقاذ والرهان في ظل هذه الجائحة كانت على المهن الإنسانية وعلى العلم والعلماء، فلا الأسلحة على أنواعها نفعت ولا التفاهات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي نفعت ولا الخرافات والدجل أثبت جدواه، لن ينقذ البشرية سوى عودة الإنسان إلى إنسانيته.