"خلينا نعزم أختي هالعانس"، "مالك نحيفة زي مروحة السقف"،"انتي حلوة؟ انتي بدك طوبار كامل (إعادة بناء)"، هذه العبارات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره ليست مقتبسة من حوادث تعنيف لفظي تعرّضت له بعض النساء واقتصر أذاها النفسي عليهن أو على أفراد عائلتهن، بل جاءت تلك العبارات في سياق البرنامج "الكوميدي" وطن ع وتر" الذي يبث يوميًا في شهر رمضان على إحدى القنوات الأردنية ويحصد ملايين المشاهدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن العادة في شهر رمضان لدى المجتمعات المسلمة ،بعيدًا عن الطقوس الدينية، أن يكثّف الناس من النشاطات الجماعية، إذ يرون في هذا الشهر فرصة للاجتماعات العائلية وتبادل الزيارات، والاجتماع حول مائدة واحدة، وحول المسلسلات والبرامج بأنواعها المختلفة، والتي تتسابق شركات الإنتاج الإعلامي على انتاجها، إذ يغرق الفضاء التلفزيوني والإلكتروني في شهر رمضان بمئات البرامج والأعمال الدرامية، وترتفع نسب المشاهدة لمعدلات قياسية مقارنة بباقي العام، وتخترق أفكار تلك الأعمال والألفاظ المستخدمة فيها عقول وآذان المشاهدين على اختلاف النوع والعمر والخلفية.
في الوقت التي تتنافس فيه شركات الإنتاج الإعلامي على إنتاج محتوى يجذب المشاهدين لتحقيق أعلى نسب مشاهدة، تحظى المسلسلات الدرامية الاجتماعية، والبرامج التي تعتمد على استخدام الخدع مع المشاهير والبرامج الترفيهية بالحصة الأكبر من اهتمام المشاهدين، خاصًة البرامج الكوميدية كالمذكور أعلاه. لكن، هل حقًا تنشر تلك البرامج الفكاهة أم تطبّع ممارسات سلبية كالعنصرية والتنمر؟
برنامج "وطن ع وتر" الذي يحصد سنويًا عشرات الملايين من المشاهدات، يستخدم في بعض المشاهد بعض المصطلحات التي لا تهين الكرامة الإنسانية فحسب، بل ترسّخ ممارسات التحرش بالفتيات في الشوارع وأماكن السياحة، وتطبّع تعنيف النساء وشتمهن والتهجم عليهن وتوجيه دعوات الطلاق لـ "غير الجميلات" منهن، وتروّج لأفكار عديدة تسيء للنساء وتنتقص من قدرهن ودورهن في المجتمع. وبعيدًا عن الجدل القائم عن حقيقة تقديم البرنامج لمادة كوميدية من عدمه، فالحقيقية التي لا تقبل الجدل أن البرنامج -وغيره من البرامج المشابهة- يدفع بشكل ملحوظ لتعزيز ثقافة العنف ضد المرأة وتصوير الإساءة للنساء ضمن إطار الفكاهة المتقبلة.
يعرّف العنف ضد النساء وفقًا لقرار الجمعية العام للأمم المتحدة، الذي اعتمدته عام 1993، بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، بأنه "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه؛ أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية". وبحسب منظمة الأمم المتحدة للمرأة، تتعرض حوالي ثلث النساء حول العالم لأحد أشكال العنف الأسري أو الجنسي، وتزيد النسبة قليلًا في العالم العربي لتصل إلى 37 في المئة.
رغم مئات البرامج التوعوية، وورشات العمل التي تهدف إلى الارتقاء بواقع النساء ومكانتهن خصوصًا في المجتمعات العربية، لا يزال سوق البرامج التي تتضمن إساءة للنساء في ازدهار مضطرد، ولا يزال التأثير السلبي لتلك البرامج ينتشر بصورة واسعة ومتجددة بتجدد الحلقات والمواسم. فالجمهور يميل بطبعه للمواد الفكاهية التي تروّح عن النفس وتزيل الملل، فتحصد تلك البرامج -برغم الإساءات التي تفيض بها- ملايين المشاهدات، ما يعني أنّ ملايين الأشخاص سيتأثرون بنسب متفاوتة بالمحتوى الذي يتلقونه عبر تلك البرامج.
وبالنظر إلى واقع المرأة العربية التي تتعرض لشتى أنواع العنف الجسدي واللفظي والمعنوي والعنصرية والتنمر، يتضح أن مثل هذه البرامج تمثل خطرًا كبيرًا على المجتمع وتضر بفئة هي بالأصل فئًة ضعيفة وهشة، وتجعل من التعنيف والحط من كرامتها الإنسانية ممارسة طبيعية يعتاد عليها الأطفال ويٌقلدها الشباب، وتتقبلها النساء.
لعلّ من المفارقة هنا، أنّ 20 دولة عربية وقّعت بالفعل على اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" والتي تنص في المادة رقم 2 على" تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة"، إلا أنّ العديد من تلك الدول لم تطبق التزاماتها على أرض الواقع من خلال تفعيل نظام رقابي حقيقي على المحتوى التلفزيوني لديها، إذ أن عشرات المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تُصنع وتبث منها على مدار العام مازالت ترسخ ثقافة العنف ضد المرأة.
من المهم أن تدرك المجتمعات العربية مخاطر غياب الضوابط المهنية والأخلاقية عن تلك البرامج، ومن المهم أن يدرك معدّوها مشاعر النساء اللاتي يفتحن التلفاز ليهربن من واقع مر، فيجدن أنفسهن وآلامهن مادة للضحك والسخرية وزيادة عدد المشاهدات. فهل سيأتي اليوم الذي يأخذ فيه المنتجون والمعدّون لتلك البرامج بعين الاعتبار أعداد النساء اللاتي يُقتلن كل عام بسبب العنف؟ وأعداد النساء اللاتي يُعنفن ويُضربن وتبلى أقدامهن من الركض في المحاكم للحصول على أبسط حقوقهن؟