جنيف- 

حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من تواصل الاستهداف الإسرائيلي المتعمد والمستمر للصحفيين الفلسطينيين ومكاتبهم، وذلك منذ بدء الهجوم على قطاع غزة في الرابع عشر من تشرين ثاني (نوفمبر) 2012، معتبرًا ذلك "خرقًا خطيرًا لاتفاقيات جنيف 1949م وبروتوكوليها الإضافيين".

ووثّق المرصد، الذي يتخذ من جنيف مقرًا رئيسًا له، منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة قبل أسبوع مقتل ثلاثة صحفيين وإصابة تسعة آخرين في استهداف مباشر لهم أو لمكاتبهم المميزة بشارة الصحافة، مشيراً إلى أن الاستهداف كان مباشراً ومتعمّداً، بحسب اعتراف مصادر عسكرية إسرائيلية.

ولفت الأنظار إلى اعتراف مصدر عسكري مسؤول في الجيش الإسرائيلي، لإذاعة "صوت إسرائيل" يوم الأحد الموافق 18/11/2012، بتعمّد استهداف الصحفيين، حيث قال بالنص "إن القصف استهدف هوائيات البث لبعض القنوات التلفزيونية"، كما أكد في الوقت ذاته أن الغارات ستستمر.

واعتبر المرصد أن هذا الإقرار الإسرائيلي الرسمي يجب أن لا يمر دون تقديم القائمين على إصدار قرار استهداف وسائل الإعلام في قطاع غزة إلى العدالة، وملاحقتهم والمسؤولين عنهم في المحاكم الدولية، واستغلال هذا الإقرار في المرافعات القضائية الدولية.

وذكر المرصد أن باحثيه الميدانيين قد وثقوا قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية فجر الأحد 18/11/2012، بقصف برج الشوا الإعلامي وسط مدينة غزة بعدة صواريخ، والذي يضم قنوات فضائية ووسائل إعلام محلية وأجنبية من بينها فضائية القدس وإذاعتي القدس والبراق المحليتين. وقد استهدفت الهجمة الطابق الحادي عشر من البرج والذي يتبع لفضائية القدس، ما أسفر عن إصابة ستة صحفيين من العاملين في الفضائية بجراح وصفت بالمتوسطة. وهم: درويش بلبل وإبراهيم لبد ومحمد الأخرس وحازم الداعور وحسين المدهون وخضر الزهار، والذي بترت قدمه نتيجة القصف.

وأفاد عدد من الصحفيين للمرصد أنهم غادروا مكاتبهم فور سقوط الصاروخ الأول على البرج، قبل أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بإطلاق صاروخين آخرين على المكان نفسه، الأمر الذي كان ينذر بسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الصحفيين، في حين لحقت أضرار جسيمة بالمكاتب التي تم قصفها، ومكاتب إعلامية مجاورة.

وفي السياق ذاته؛ وثّق المرصد الأورومتوسطي قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية يوم الثلاثاء 20/11/2012م بقصف الطابق الأخير من برج الشروق الإعلامي، والذي يضم مرئية "الأقصى" وعدداً من المكاتب الإعلامية الأخرى، ما أسفر عن وقوع ثلاثة إصابات، عرف منها الصحفي في مرئية الأقصى وسيم حندوقة، وإعلاميّان آخران من شركة "فلسطين للإنتاج الإعلامي". كما أدى القصف لتدمير مكتب قناة "روسيا اليوم" المتواجدة أيضاً في البرج نفسه.

وأشارت المنظمة الحقوقية الأوروبية إلى أن الجيش الإسرائيلي صعّد في اليوم ذاته ضد الصحفيين بشكل لافت؛ حيث استهدف بالقصف سيارة صحافة تتبع لقناة "الأقصى" الفضائية، كانت تسير بالقرب من برج الشفاء في حي النصر بمدينة غزة وتحمل شارة الصحافة، ما أدى إلى مقتل الصحفيين المصورين محمود الكومي وحسام سلامة، وإصابة عدد من المارة. كما قتل الصحفي محمد موسى أبو عيشة، مدير إذاعة "القدس" التعليمية، جراء إصابته بصاروخ إسرائيلي أودى بحياته في قصف على مدينة دير البلح.

كما وثق المرصد الحقوقي استهداف الطائرات الإسرائيلية للطابق السادس في برج نعمة، والذي يضم عدة مكاتب للصحفيين، في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 20/11/2012، كما تعرّض مكتب قناة الجزيرة الفضائية في قطاع غزة لأضرار كبيرة جراء الغارات الإسرائيلية المتواصلة ليل الأربعاء 21/11/2012.

وأكد على أن "حق الصحفيين في تغطية الأحداث مكفول في القانون الدولي الإنساني، وخصوصا المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، والتي عدّت الصحفيين المكلفين بمهمات التغطية الصحفية مدنيون، وبالتالي فهم محميون، ولا يجوز توجيه العمليات ضدهم أو اعتبارهم محلاً للهجوم والعمليات العسكرية، وتحظر أعمال العنف أو التهديد الموجهة إليهم، حسبما نصت عليه م48 و م51 من ذات البروتوكول.

وقد اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن "وجوب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مدنية في مناطق نزاع مسلح، ما داموا لا يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية" من القواعد العرفية الملزمة لكل الدول. وقد أقرت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الجنائية الدولية بيوغسلافيا سابقاً بأن الصحافيين الذين يقومون بمهام في مناطق حرب يخدمون مصلحة عامة لأنهم يؤدون دوراً رئيسياً من حيث أنهم يوجهون انتباه المجتمع الدولي لفضائح النزاعات المسلحة ووقائعها.

وعد المرصد الأورومتوسطي هذا الاستهداف المتعمد للصحفيين في قطاع غزة "انتهاكا خطيراً لتلك القواعد"، وأوضح أن الاعتداء على الصحافيين بما يسبب الوفاة أو إلحاق الإصابة الجسدية الخطيرة، "يُعد خرقاً صريحاً للبروتوكول الإضافي الأول وجريمة حرب. حيث حظرت المادة 51 من البروتوكول الهجمات العشوائية، ومنها تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد، أو يكون من شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين، ومنهم الصحفيون بالطبع، أو الأعيان المدنية دون تمييز".

وذكّر المرصد بأن المادة 57 من البروتوكول قد أوجبت على دولة الاحتلال أن تتخذ الاحتياطات اللازمة أثناء الهجوم، والعمل من أجل تفادي السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية، ومن ضمنها الصحفيون وأملاكهم، باعتبارهم مدنيون. وأن عليها أن تمتنع عن اتخاذ قرار بشن أي هجوم قد يتوقع منه، بصفة عرضية، أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم، أو الأضرار بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، مما يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

ودعا المرصد الحكومة الإسرائيلية إلى التوقف فورًا عن استهداف الصحفيين ومكاتبهم. كما دعا الصحفيين إلى توثيق الانتهاكات بما يؤدي إلى محاسبة الاحتلال على جرائمه بحقهم، وتوجه برسالة إلى الاتحاد الدولي للصحافيين والمؤسسات الصحفية والحقوقية الدولية للاضطلاع بدورها في حماية الصحفيين المدنيين في قطاع غزة.