تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الحجم الأكبر من انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والمتكررة. نقف الآن على أبواب الذكرى السنوية العاشرة لما يعرف بـ "الربيع العربي"، وهي ثورات عربية اندلعت مصحوبة بأمل متوهج لإحداث تغيير للأجيال القادمة، ولكن سرعان ما عادت مصر في السنوات التي تلت الربيع العربي لقبضة النظام العسكري، وأصبح النظام الملكي في السعودية أكثر جرأة في خنق وقمع المعارضة. أما سوريا واليمن وليبيا فتمر بصراعات شرسة ومستمرة، تتنافس فيها القوى الخارجية على النفوذ. في ذات الوقت رأت إسرائيل في كل تلك الفوضى فرصة مواتية لتوسيع سيطرتها على أراضي الفلسطينيين وسلب مزيد من حقوقهم.

في هذه الأيام، فاقم انخفاض أسعار النفط، وتفشي جائحة كورونا سجل انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، وتسبب في زيادة استغلال العمال وضعفهم، إذ تستغل بعض الشركات حالات الطوارئ المعلنة في عدد من البلدان لإنهاء أو تقليص ساعات العمل دون موعد زمني محدد أو تعويض للعمال، ما يجبر العمال على العمل في ظروف هشة وغير عادلة، تهدّد استقرارهم، خاصة فيما يتعلق بإقامة وأمن العمال المهاجرين وأسرهم.

تدهور مستمر في الدخل

لقد تركت جائحة كورونا أثارها السلبية على أداء الأعمال، إذ تنبأ صندوق النقد الدولي بانكماش اقتصاد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 5.7% في عام 2020، وانكماش اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من نسبة 7.6% (البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات). وعلى الرغم من تعافي أسعار النفط من الانخفاض التاريخي في مارس الماضي، فقد استمر انخفاض مبيعات دول الخليج من النفط إلى حوالي 40% مما كانت عليه قبل تفشي كورونا، إضافة لتقديرات صندوق النقد الدولي بغياب أي فرصة قريبة لانتعاش أسعار النفط.

ورغم تلك الآثار السلبية على قطاع الأعمال، فإنه ما زال يتوجب على الشركات سداد القروض وتسديد الضرائب، في نفس اللحظة التي تقوم بضخ التمويل للتكيف مع الواقع الجديد الذي يتطلب الامتثال لإجراءات التباعد والنظافة، والتي تزيد تكاليف الإنتاج بنسبة 25%. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، قد تضطر بنوك الشرق الأوسط لاستيعاب 180 مليار دولار من القروض المتعثرة.

وكل هذا يهدد الأمن الوظيفي للعمال غير المثبتين وظيفيًا من البداية، ففي مصر على سبيل المثال، يُجبر أكثر من نصف العاملين في القطاع الخاص على العمل دون عقود منتظمة تضمن الحد الأدنى من حقوقهم، كما أجبر الكثير منهم في فترات الإغلاق على إجازات إجبارية غير مدفوعة، بينما تم تخفيض أجور البعض الآخر بنسب تتراوح ما بين 50 إلى 60%.

أما المهاجرون الأجانب فهم مستهدفون بشكل خاص، إذ تشترك دول الخليج في التدابير التي اتخذتها لدعم الاقتصاد في سياسة واحدة وهي: المواطن أولًا. على سبيل المثال، في عُمان يمكن أن يُطرد العمال المهاجرون بسبب التقليصات، ولكن لا يمكن تحت أي ظرف طرد العمال العمانيين. أما في السعودية والبحرين، يتم دعم رواتب موظفي القطاع الخاص للحفاظ على وظائفهم، لكن هذا الدعم يستهدف الموظفين من المواطنين فقط ويستثني المهاجرين.

بيئة عمل غير آمنة

حتى الذين نجحوا بالاحتفاظ بوظائفهم، هم بالحقيقة ليسوا محظوظين جداً، لأنّ كثيرًا منهم وخصوصًا المهاجرين يُجبرون على العمل لساعات طويلة دون تدابير حماية مناسبة، ودون أجور إضافية، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يعملون في وظائف الخطوط الأمامية كالإنتاج الغذائي.

في أكتوبر/ تشرين الأول، وثقت منظمة إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان ظروف العمل الخطرة في المصانع الأردنية، والتي بدورها أدت إلى ظهور سلسلة من الإصابات بفيروس كورونا، إذ سُجّل في يوم واحد فقط 600 إصابة مؤكدة بين عمال بنغال في مصنع ملابس في المنطقة الصناعية بمنطقة الضليل في محافظة الزرقاء.

لا تعاني كل الصناعات بنفس المستوى، فعلى سبيل المثال تمكنت شركات مثل أمازون وشركات التجارة الإلكترونية الأخرى من الاستفادة من الظروف الفريدة التي أوجدتها جائحة كورونا. ولكن، بغض النظر عن الوضع الخاص، يبقى الالتزام باحترام وحماية حقوق الإنسان للعمال قائمًا.

 

في ورقة بحثية له في جامعة ليدز قام نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، يقول "هنريش فوس": "إن تراجع التحسينات التي تم التوصل إليها إزاء حقوق العمال وظروفهم في السنوات الماضية، يعتمد على فعالية سياسات الأعمال الدولية في تنظيم وتحفيز سلوك الأعمال المسؤول والسياسات التي تنظم سلاسل القيمة العالمية."

 

دور القانون الدولي والمعاهدات الدولية

لا تحدد المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان الالتزامات القانونية الواضحة للمؤسسات التجارية. وبالتالي، فإن الأمر متروك لحكومات الدول كل على حدة لترجمة حقوق الإنسان المحمية دوليًا إلى أنظمة لسلوك الأعمال.

يوافق عام 2021 الذكرى السنوية العاشرة للتصديق بالإجماع من مجلس حقوق الإنسان على المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان (UNGPs).

المبادئ التوجيهية واضحة فيما يتعلق بمسؤولية مؤسسات الأعمال عن منع ومعالجة مخاطر الآثار السلبية على حقوق الإنسان. تقوم هذه المبادئ على ثلاث ركائز: الحماية والاحترام والإصلاح، حيث يجب على الشركات اعتماد إجراءات وعمليات محددة لإضفاء الطابع المؤسسي على العناية الواجبة والمراقبة والإصلاح لتكون ممتثلة لتلك المبادئ.

ولمساعدة الدول في ضمان تنفيذها للمبادئ التوجيهية، دعا "الفريق العامل المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية" الحكومات إلى تطوير وتنفيذ خطط العمل الوطنية وتحديثها باستمرار. حتى الآن، قامت 26 دولة إما بوضع مثل هذه الخطة أو إدراج فصل خاص بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان في استراتيجية أوسع لحقوق الإنسان.

لا تنتمي أي من تلك الدول الـ 26 إلى الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا. دولتان فقط (الأردن والمغرب) تعهدتا على الأقل بوضع وتبني خطط عمل وطنية، ومع ذلك، لم يتم توثيق أي متابعة.

إن التأثير الموثق لجائحة كورونا على العمال يؤكد مخاطر عدم اتخاذ إجراءات حقيقية لحمايتهم ودعمهم. بدون التركيز على حقوق الإنسان في قطاع الأعمال، جنبًا إلى جنب مع المتابعة لضمان الإنفاذ، ستكون الفرصة متاحة للشركات لانتهاك حقوق الإنسان، ما يؤدي إلى تداعيات أوسع على العملاء وشركاء سلسلة الإمداد والمجتمعات ككل.

لقد أظهرت التجربة أنه وفي كثير من الأحيان تسعى الشركات إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل على الفوائد طويلة الأجل، من هنا ينبثق جوهر أهمية المبادئ العالمية للأمم المتحدة وسبب ممارسة الضغط على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسن خطط عمل وطنية للحصول على الالتزام. قد تبدو حالات الطوارئ التي شهدتها الدول والشركات بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط أوقاتًا مناسبة لعدم دفع رواتب الموظفين كاملة، ولكن الحقيقة هي أن الجميع – من الحكومات إلى الشركات إلى المواطنين – وبفعل ضمان حقوق الإنسان سيستفيدون من قوى عاملة يمكن الاعتماد عليها ومنتجات وخدمات بجودة عالية.

 

نسخة أخرى من هذا المقال نُشرت على مركز جامعة أكسفورد لحقوق الإنسان