تلقت إسرائيل ثناءً دوليًا لسرعة حملتها في التطعيم ضد فيروس كورونا، والتي سجلت أرقامًا قياسية، حيث حصل 60٪ من الإسرائيليين على جرعة واحدة على الأقل من اللقاح.

لكنّني أنتمي إلى مجموعة السكّان الذين لا يستطيعون الاحتفال بهذه الحملة "الرائعة"، إذ أنّني فلسطيني من غزة. كان واضحًا غياب الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية وتحت الاحتلال والحصار العسكري في قطاع غزّة عن 5 مليون إسرائيلي محظوظون بما يكفي للحصول على اللقاح.

تضمنت جهود التطعيم الإسرائيلية المواطنين والمقيمين، بما في ذلك المواطنين الإسرائيليين العرب والمقيمين الفلسطينيين في القدس الشرقية، وحتى أولئك خارج الجدار الأمني. وفي أواخر شهر يناير/كانون الثاني، منحت إسرائيل السلطة الفلسطينية 5 آلاف جرعة من لقاح فايزر، وبعد ثلاثة أشهر ونصف من حملة التطعيم، قدمت إسرائيل لقاحات إلى 100 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل أو في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية من منطلق أناناي، حيث إنهم يخالطون الإسرائيليين بشكل منتظم.

لكن، إذا قام فلسطيني، يعيش في الضفة الغربية تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، أو في غزة تحت الحصار العقابي العسكري الإسرائيلي، بالتوجه إلى أقرب نقطة تفتيش إسرائيلية، دون دليل على أنه يعمل في إسرائيل، وطلب لقاحًا، فلن يحصل عليه.

أدى هذا الوضع إلى احتجاج عام من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، فاعتبرت منظمة العفو الدولية الوضع مثالًا على "على التّمييز المؤسّسي المجحف الذي يحدّد سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين"، وتبعها العديد من المنظمات الرائدة في مجال الصحة وحقوق الإنسان.

لكن سرعان ما تم الرد بحملة بروباجندا قوية للدفاع عن إسرائيل، بحجة أنه بموجب اتفاقيات أوسلو المؤقتة عام 1995 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية تشرف على الصحة العامة وهو ما قاله وزير الصحة الإسرائيلي ل "بي بي سي" مؤخرًا.

هذا صحيح، إذ إن اتفاقية أوسلو الثانية تجعل السلطة الفلسطينية مسؤولة عن تطعيم سكانها، وتنص بوضوح على أن "الصلاحيات والمسؤوليات في مجال الصحة في الضفة الغربية وقطاع غزة ستنتقل إلى الجانب الفلسطيني" الذي "سيستمر في تطبيق المعايير الحالية لتطعيم الفلسطينيين وتحسينها وفقًا للمعايير المقبولة دوليًا في هذا المجال"، ولكن هذا البند مخصص للحديث عن الأمراض القديمة والمعروفة فقط، ولم يذكر أي أمراض جديدة.

في مكان آخر من الاتفاقية يظهر الحديث عن أي أمراض جديدة، فالبند 6 من المادة 17 ينص بوضوح شديد على أنه عندما يتعلق الأمر بأمراض جديدة، "ستتبادل إسرائيل والجانب الفلسطيني المعلومات بشأن الأوبئة والأمراض المعدية، ويتعاونان في مكافحتها ويجب عليهما تطوير طرق تبادل الملفات والمستندات الطبية"، ففي هذا السياق، يظهر جليًا أن إسرائيل مقصرة.

إنه لمن الوقاحة الاستشهاد باتفاقيات أوسلو كدليل على أن إسرائيل لا تتحمل أي مسؤولية عن مكافحة الوباء في الأراضي الفلسطينية، في حين أن الاتفاقية هي التي تطالب بالعكس تمامًا. وما قد لا يكون مفاجئًا، أن إسرائيل انتهكت اتفاقية أوسلو على جبهات أخرى أيضًا، على سبيل المثال، من خلال منع غزة والضفة الغربية من أن تكونا "وحدة إقليمية واحدة".

لكن هناك قانون أعلى من اتفاقيات أوسلو يطالب إسرائيل بتحمل المسؤولية تجاه حياة الفلسطينيين التي تسيطر عليها، وهي اتفاقية جنيف. حقيقة الأمر أن ملايين الفلسطينيين يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي. في الضفة الغربية، تحتفظ إسرائيل بنقاط التفتيش، والمحاكم والأوامر العسكرية الظلامية، وتوغلات الجيش، والسلطة النهائية في توزيع الأراضي في غالبية مناطق الضفة الغربية، وبيدها الحكم القرار بالنسبة لحركة الأفراد والبضائع. وفي قطاع غزة المحاصر، تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على المجال الجوي والمياه الإقليمية والمعابر البرية، حيث تقرر من أو ماذا يدخل أو يخرج من قطاعنا المحاصر.

يشكل هذا احتلالًا عسكريًا عدوانيًا ويجعل إسرائيل قوة محتلة وفقًا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وحتى إسرائيل نفسها، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتشدد "أرييل شارون" في عام 2003، "قد لا يعجبكم ما سأقوله، لكن ما يحدث هو احتلال. احتجاز 3.5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال أعتقد أنه أمر مروّع لإسرائيل وللفلسطينيين".

يأتي الحفاظ على الاحتلال مصحوبًا بمسؤوليات محددة بوضوح بموجب القانون الإنساني الدولي فيما يتعلق بصحة ورفاهية السكان المحتلين، ومن الواضح جدًا أن هذه المسؤوليات تشمل "اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة".

المعنى الضمني لهدفنا واضح وضوح الشمس: إسرائيل مسؤولة عن مكافحة انتشار كوفيد-19 في الأراضي الفلسطينية، وهوما قاله السناتور الأمريكي "بيرني ساندرز" بصريح العبارة، "بصفتها القوة المحتلة، إسرائيل مسؤولة عن صحة جميع الأشخاص الذين يعيشون تحت سيطرتها".

وطالما تستمر إسرائيل في احتلالها العسكري للفلسطينيين، مستخدمة سلطة الدولة والمحاكم العسكرية للفصل في حياتنا وتنظيم حركتنا دون منحنا الحق في التصويت، فإن اتفاقية جنيف تعلو على اتفاقيات أوسلو، أو أي اتفاقية أخرى قد توقعها إسرائيل مع أي سلطة خاضعة لها. وفي هذا الصدد أيضًا، فإن اتفاقية جنيف واضحة، حيث تؤكد أنه لا يجوز إنكار الحماية التي توفرها "بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال" (بند 47)، كما لا يجوز لسلطة ما "التنازل في أي حال من الأحوال جزئياً أو كليا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية" (بند 8).

لكن أولئك المتشككين في القانون الدولي يجب أن ينظروا إلى إسرائيل نفسها، التي بموجب قوانينها، هي مسؤولة عن تطعيم الفلسطينيين، وهو أمر يمكننا استنباطه بالقياس. فخلال حرب الخليج عام 1991، أمرت المحاكم الإسرائيلية الجيش بتوزيع أقنعة الغاز على الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة لحمايتهم من صواريخ سكود القادمة من العراق. وقضت المحكمة أنه "على القائد العسكري أن يعامل الجميع على قدم المساواة" و"ألا يفرق بين السكان". وبمجرد أن يتوصل القائد العسكري إلى نتيجة مفادها أنه يجب توزيع أدوات الحماية على السكان اليهود في المنطقة، يجب أن يوزعها أيضًا على السكان العرب".

بناءً على ذلك، وبمجرد أن وفرت إسرائيل اللقاحات للمستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية، تتحمل بذلك نفس المسؤولية تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.

وبالمثل، في قضية عام 2008 بشأن الحد من إمداد غزة بالكهرباء، خلصت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى أنه على إسرائيل "واجب ضمان سلامة السكان المدنيين" في غزة، وحماية "كرامتهم وحقوقهم الأساسية".

دافع البعض عن إسرائيل بالقول إن السلطة الفلسطينية رفضت مساعدة إسرائيل في اللقاحات، ولكن هذا أيضًا مردود عليهم. بالفعل، رفضت السلطة الفلسطينية مساعدة طبية من طائرة إماراتية هبطت في مطار بن غوريون الإسرائيلي في مايو 2020، واصفة إياها بـ "غطاء على التطبيع". لكن ذلك كان قبل ستة أشهر من إتاحة اللقاح. وفي حادثة أخرى، رفضت السلطة الفلسطينية 20 جرعة تجريبية من شركة أدوية إسرائيلية خاصة – وهو قرار يسهل الدفاع عنه. لكن لم تقع أي حادثة عرضت فيها إسرائيل المساعدة في التطعيمات ورفض الفلسطينيون. في الواقع، ورد أن السلطة الفلسطينية طلبت من إسرائيل 10 آلاف لقاح في يناير/كانون الثاني للعاملين في المجال الطبي، وهو طلب رفضته إسرائيل، ولكنها قدمت 100 جرعة.

رب سائل يسأل، لماذا لا تستطيع السلطة الفلسطينية شراء اللقاحات بنفسها؟ لماذا تقع على إسرائيل مسؤولية إمدادهم باللقاحات؟ إنه سؤال عادل. لكن الجواب بسيط: لأن إسرائيل تتحمل على الأقل مسؤولية جزئية عن الحالة المؤسفة للاقتصاد الفلسطيني. وفقًا لتقديرات الأونكتاد، كانت التكلفة المالية المباشرة للاحتلال الإسرائيلي بين عامي 2000 و2017 هائلة بقيمة تبلغ 48 مليار دولار، وفي غزة، تقدر الأونكتاد أن الحصار كلف الفلسطينيين 16 مليار دولار بين عامي 2007 و2018. لذا، في حين أن العجز البالغ 1.4 مليار دولار الذي تكبدته السلطة الفلسطينية بسبب الوباء لا يمكن إلقاء كامل اللوم به على إسرائيل وحدها، فإن الاحتلال والحصار لهما تكاليف مالية كبيرة تؤدي إلى تفاقم مشاكلنا الاقتصادية على جميع الجبهات.

بمعنى آخر، ترفض إسرائيل تحمل المسؤولية عن الفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرتها، في حين أن احتلالها وحصارها يجعلان من المستحيل على الفلسطينيين تحمل المسؤولية عن أنفسهم.

أنا لا أجادل بأن إسرائيل تحاول عمداً إلحاق الأذى بنا بحرماننا من اللقاح، حتى لا نقع في مغالطات معاداة السامية، فإتهام اليهود بنشر الأمراض ولوم الأوبئة عليهم كانت إحدى ركائز معادة السامية في أوروبا القديمة. لكنني أزعم أن رفض إسرائيل لتطعيم الفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرتها يمثل فرصة مضيعة لفعل الخير.

والواقع أن المطلب الأخلاقي هو الأقوى هنا. فلننسى كل الحجج القانونية.

إسرائيل لديها من اللقاحات ما يفيض عن حاجتها، إذ اشترت 24 مليون جرعة (10 ملايين جرعة من لقاحات آسترازينيكا و8 ملايين جرعة من لقاحات فايزر و6 ملايين جرعة من لقاحات موديرنا)، ونحن نعلم، علاوة على ذلك، أن إسرائيل منفتحة على فكرة مشاركة ما يفيض عن حاجتها من اللقاحات، حيث تم تمديد طرح اللقاح الحكومي ليشمل الدبلوماسيين والعمال الأجانب وطالبي اللجوء وعدد قليل من الدول الصديقة. حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اشترى عددًا غير معلوم من اللقاحات لنظام بشار الأسد في سوريا، كجزء من عملية تبادل أسرى.

ألا تستطيع إسرائيل توفير اللقاحات المتبقية لنا نحن الذين يعيشون بالقرب منها، ونراقب الإسرائيليين يعودون إلى المقاهي والحانات وصالات الألعاب الرياضية والعمل؟ ألا يمكنها أن تقدم بعض التعاطف لعدد أكبر من (2%) من الفلسطينيين الذين تضمنتهم حملة التطعيم ممن يعيشون في المناطق المحتلة ويختلطون بالإسرائيليين؟

قد يمثل ذلك كسرًا للحلقة المفرغة من عدم الثقة والكراهية المتبادلين وسيظهر التعاطف والحس السليم.

تخيل أن عناوين الأخبار كانت أن إسرائيل قررت تطعيم جيرانها الفلسطينيين الذين تسيطر على كامل إرجاء حياتهم. تخيل كيف سيتحول الخطاب، والتصورات التي لدينا عن بعضنا البعض، إذا تلقى كل فلسطيني لقاحًا من إسرائيل مع بطاقة مكتوب عليها: "أتمنى لك الشفاء".

لم يفت الأوان لتحقيق ذلك. ولكن، مع اكتظاظ المستشفيات الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية ونفاد المساحات المخصصة للمرضى وسط ارتفاع حاد في إصابات فيروس كورونا، فإن الوقت يكاد ينفد.