بعيون متورمة وكدمات زرقاء ظهرت امرأة يملأ وجهها الرعب والحزن تشكو فيه نيّة أخيها قتلها، وضربه لها بالشراكة مع زوجها السابق. وما هي إلا ساعات قليلة حتى انتشر وسم "#سناء_الهولة"، صاحبة الفيديو والمتواجدة آنذاك في مدينة القاهرة، عبر منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" للمطالبة بإنقاذ المرأة الكويتية.

 تصدّر الوسم منصة "تويتر"، ونُشر من خلاله آلاف التغريدات التي تدعو السفارة الكويتية في مصر للتواصل مع السيدة "سناء" وتوفير الحماية لها ومحاسبة أخيها وزوجها السابق.

لجأ المغردون للتواصل المباشر مع الحسابات الرسمية لوزارة الداخلية في الكويت، وسفارة الكويت في مصر ومسؤولين كويتيون ونشطاء ومنظمات حقوق الإنسان ذات علاقة. وبعد 24 ساعة من إطلاق الوسم والتفاعل معه، أعلنت وسائل إعلام كويتية رسمية أنّ السفير الكويتي استطاع التواصل مع الضحية ووفر لها الحماية، كما تم التنسيق مع الجهات المصرية لبدء إجراءات التحقيق الرسمية في القضية.

حالة السيدة سناء ليست الحالة الوحيدة من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان المتعددة التي استعانت بمنصات التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت على مدار السنوات الأخيرة مئات الحملات المشابهة التي أطلقها أفراد أو مجموعات أو منظمات رسمية لدعم ضحايا الانتهاكات.


يعتمد هذا الأسلوب على إطلاق وسم معين باسم الضحية أو الحادثة، وحشد المناصرين لهذه القضية لإحداث تفاعل وحشد الرأي العام لصالح القضية/الضحية ومن ثم إحداث تغيير حقيقي.

وعند النظر إلى واقعنا الحالي، نجد أن حياة عدد كبير من الناس أصبحت متصلة بمنصات التواصل الاجتماعي على نحو كبير. فمن خلال هذه المنصات تتم عمليات التجارة والبيع، والتسويق، وعقد المؤتمرات وورش العمل وإطلاق البرامج التعليمية والتثقيفية والترفيهية، لذلك ليس بغريب تواجد قضايا انتهاكات حقوق الإنسان على ساحة هذه المنصات.

ولكن هناك عدة أسباب لا تتعلق فقط بحداثة أو مواكبة التطور التكنولوجي دفعت الضحايا أنفسهم أو عائلاتهم أو المؤمنين بقضايا معينة للتوجه لهذه المنصات والسعي لإحداث التغيير.

 لماذا أصبحت هذه المنصات الطريق الأقرب لتحقيق مطالب الضحايا أو دعمهم؟

مماطلة في الإجراءات
لجأت بعض النساء اللاتي يعانين من مشاكل تتعلق بحضانة أطفالهن مثل رفض الزوج إرسال الأطفال لزيارة أمهن، أو رفض أخذ الأطفال وعدم منح أمهن حق الحضانة إلى منصات التواصل الاجتماعي من خلال نشر فيديو أو منشور لهن يتحدث فيه عن مشكلتهن ويشرحن الألم النفسي الذي يتعرضن له جراء حرمانهن من حق الحضانة. توجهت الزوجات "المعلقات" إلى ذات المنابر أيضا من أجل أجبار أزواجهن على تنفيذ حكم الطلاق بحقهن بعد تركهن لسنوات مهجورات في بيوت عائلاتهم ورفض الطلاق كنوع من العقاب والإذلال للزوجة.

وبالنظر إلى حالة هؤلاء النساء نجد أنّ العامل المشترك الذي دفعهن للحديث علانية عن مشاكل خاصة كهذه هو اصطدامهن بنظام قضائي في بلدانهن يعتمد على عدد طويل من جلسات المحكمة التي يتم تأجيلها أيضًا لأسباب تتعلق بظروف المحاكم ما يسبب الأذى النفسي لهذه الفئة من النساء خاصًة وأن بعض القضايا قد تمتد لأشهر وسنوات.

 وعلى الرغم من النظرة المجتمعية القاسية تجاه هؤلاء النساء ورميهن باتهامات مثل نشر الأسرار العائلية، أو فضح الزوج السابق/والد الأطفال، إلا أن التوجه لمنصات التواصل من أجل حسم هذه القضايا يتصاعد ويستمر بعد نجاح الكثير من النساء في دفع الرأي العام للاصطفاف بجانبهن وتحرّك منظمات حقوقية محلية لمساعدتهن لنيل ما يردن.


محاربة نفوذ الأنظمة القمعية داخل البلاد
اعتادت أنظم الحكم القمعية في مختلف البلدان حول العالم تطبيق سياسة "كتم الصوت"، وهي أسلوب متبع مع معارضين أو صحفيين أو نشطاء ينتقدون نظام الحكم ويعبرون عن رفضهم للنظام أو لسياسات يتبعها سواء عبر المظاهرات أو المقالات أو مؤخرًا عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقوم هذه الأنظمة باعتقال الفئة المذكورة أعلاه أو تعرضهم للإخفاء القسري من أجل ضمان غياب فكرة المعارضة وتعرية الفساد عن ساحات الرأي العام، وبالتالي ضمان الاستمرار بالحكم دون عقبات تلاحقهم كحدوث ثورة أو إضراب أو مظاهرات.

 ويجدر الإشارة هنا إلى أن دساتير البلاد التي تقودها تلك الأنظمة تضمن حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي لمواطنيها، ما يعني أن إخفاءهم قسريًا، أو احتجازهم وعرضهم على محاكمات (بعضهم يتم محاكمته لأسباب مزيفة أو يجبر على الاعتراف تحت التعذيب) هو انتهاك واضح للقوانين المحلية المعمول بها داخل البلد وللقوانين الدولية ذات العلاقة أيضًا التي كفلت حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير.

حاليًا وعلى عكس العقود المنصرمة، تواجه أنظمة الحكم القمعية عقبات جديدة في تطبيق سياستها في تغييب المعارضين، وهذه العقبات برزت بسبب توجه ضحايا انتهاكات حرية الرأي والتعبير لمنصات التواصل الاجتماعي.

 شهد الكثير من الأسماء والحركات دعمًا مطلقًا من المؤمنين بقضايا حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية.


 وبفضل إطلاق حملات الدعم الإلكترونية، تحولت بعض القضايا من محلية إلى عالمية وحشدت مناصرة ملايين الأشخاص حول العالم بما في ذلك برلمانيين أوروبيين ورؤساء ووزراء دول، ما أحرج بعض الأنظمة القمعية ودفعها للتراجع عن بعض انتهاكاتها.

لجين الهذلول نموذجًا لحالة فردية
اعتقلت الناشطة السعودية "لجين الهذلول" في مايو 2018 على خلفية نشاطها الحقوقي ومطالبتها بحصول النساء في المملكة على الحق القيادة، وخلال سنوات اعتقالها، تبنت قضيتها الكثير من النسويات والمنظمات الحقوقية.

 وكانت عائلة "الهذلول" أبرز من أثار قضيتها على نحو كثيف عبر منصة "تويتر"، حيث استغل أخوتها "وليد" و"علياء" و"لينا" إقامتهم خارج المملكة وعدم قدرة السلطات السعودية على إسكاتهم، لإطلاق الحملات التي تنادي بالإفراج عن أختهم الناشطة المعتقلة.

 بدأت حملاتهم بجمع المتابعين والتواصل مع منظمات حقوقية ونشطاء لتعريفهم بقضية أختهم وفضح ما تتعرض له، ومن ثم حشد الدعم لها والمطالبة بالإفراج عنها.

 بفضل هذه الحملات أصبحت قضيتها عالمية، ووصلت إلى البرلمان الأوروبي وإلى أعلى المناصب في دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي طلبت رسميًا من السلطات السعودية الإفراج عنها وعن كل معتقلي الرأي.

وبالفعل، وبعد نحو 3 سنوات من اعتقالها ومن حملات الضغط والمناصرة المكثفة، أفرج عنها في فبراير 2020 وتحول أفراد أسرتها إلى مدافعين فاعلين عن كل معتقلي الرأي في المملكة وتم استضافتهم في عشرات القنوات العالمية والمؤتمرات الخاصة بحقوق الإنسان. 


معتقلي الحراك الجزائري نموذجًا لفئة
انطلق الحراك الجزائري في فبراير 2019 للاحتجاج على ترشح الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" لفترة رئاسية خامسة، وبالرغم من استجابة الرئيس "بوتفليقة" للمطالب وتقديم استقالته وفوز "عبد المجيد تبون" بالانتخابات الرئاسية، استمرت الاحتجاجات للوقت الحالي وتوسعت مطالبها لتشمل الإصلاحات الحكومية وتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي والإفراج عن معتقلي الرأي في البلاد.

شهدت هذه الفترة من الاحتجاجات المزيد من اعتقال المتظاهرين والصحفيين ومحاكمتهم على خلفية عملهم الصحفي، ما أثار غضب نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية حول العالم الذي لم يتوقفوا عن مطالبة الرئيس "تبون" بالإفراج عن كل المعتقلين.

 وبتاريخ 19 فبراير 2021، أصدر الرئيس الجزائري عفوًا رئاسيًا يقضي بالإفراج عن عدد كبير من معتقلي الرأي بينهم الصحفي "خالد درداني"، الذي أثار اعتقاله زوبعة لدى المنظمات الإعلامية والحقوقية المعنية بمتابعة الانتهاكات التي تتعلق بالعمل الصحفي.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يصدر فيها رئيس عفوًا عن معتقلين، ولكنّ حملات الضغط والمناصرة التي أطلقها الجزائريون على منصات التواصل الاجتماعي، وتفاعل معها الآلاف من المدافعين عن حقوق الإنسان، سرّعت من إصدار القرار، ودفعت السلطات لإطلاق سراح عدد من معتقلي الحراك.




سهولة الوصول والمجانية  
تعتمد معظم منصات التواصل الاجتماعي في تحقيق أرباحها على الإعلانات التجارية مدفوعة الثمن، ولا تشترط دفع رسوم للاشتراك فيها، لذلك تحظى هذه المنصات بتواجد كل أفراد المجتمع على ساحاتها بغض النظر عن مستواهم المادي.

بالإضافة إلى المجانية، مكنت سهولة استخدام المنصات وطبيعة البيئة المطمئنة فيها أفراد المجتمع كافة بالدخول لها واستخدامها باختلاف أعمارهم، ومستوياتهم الثقافية والعلمية، حتى أن لغة الخطاب التي يتم استخدامها هي لغة غير رسمية ومبسطة ويطغو عليها في بعض الأحيان العاطفية، بالإضافة إلى سهولة الوصول والتواصل مع منظمات حقوقية ونشطاء ومؤثرين يمتلكون أعداد كبيرة من المتابعين ويستطيعون إثارة الرأي العام حول أي قضية ينشرون عنها.

وعند النظر إلى كل العوامل السابقة مجتمعة، نجد أن بيئة منصات التواصل الاجتماعي أصبحت البيئة الملائمة التي تشجع أصحاب الانتهاكات أو ذويهم أو المؤمنين بقضايا حقوقية معينة للتواجد عليها واستغلالها.

إمكانية توثيق الانتهاكات
على عكس السنوات التي مضت قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي، لم يعد تقييد العمل الصحفي في البلاد التي تحكمها الأنظمة القمعية، ومنع الصحفيين والقنوات التلفزيونية من تصوير أو بث أو نشر أي مادة موثقة لانتهاك معين، يشكل عقبة أمام الباحثين عن الحقيقة والجهات المعنية بمتابعة انتهاكات حقوق الإنسان ورصدها وتوثيقها.

أصبحت منصات التواصل الاجتماعي وسيلًة جديدة لفضح الانتهاكات ونشرها وأصبح من السهل لأي شخص يحمل هاتفًا محمولًا أن يصور الانتهاك وينشره حتى لو اضطر لفعل ذلك من خلال حساب باسم وهمي.

لا يقتصر فضح الانتهاكات على تلك المرتكبة من الجهات الرسمية، إذ تطور ليشمل أيضًا ملاحقة الأفراد العاديين الذين يرتكبون جرائم مختلفة.

 فعلى سبيل المثال، أشعل منشور واحد يحمل صورة من الأردن لشاب يافع بترت يداه ويبكي ألمًا بسبب ملاحقته من مجموعة من المجرمين الذين قطعوا يديه ووجهوا له بعض الطعنات تحت ذريعة "أخذ الثأر" الرأي العام في العالم العربي، وحول الملايين إلى محاميين افتراضيين عن الضحية، وانخرطوا في مطالبة السلطات المعنية بسرعة إلقاء القبض على المجرمين ومحاسبتهم. كما جمعوا للضحية التبرعات وتبنت علاجه عدة جهات.


فعالية عالية

عند النظر لهذا النوع من القضايا التي تعتمد في إثارتها على منصات التواصل الاجتماعي، نجد أنه بات جليًا سرعة الاستجابة من الجهات الرسمية أو المنظمات الحقوقية للتعامل مع هذه الحالات وتبنيها، ونلاحظ الفرق الذي يحدثه التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي في حياة ضحايا الانتهاكات المختلفة. لذا، يمكن القول إنه في الوقت الحالي باتت منصات التواصل الاجتماعي أحد أهم طرق الضغط والمناصرة ذات المفعول القوي والفوري في بعض الأحيان.

من المهم أن تستغل المنظمات الحقوقية والنشطاء الفاعلين في هذا المجال حضور وقوة مواقع التواصل من أجل دعم أكبر عدد من الضحايا والضغط على الحكومات ليس فقط من أجل علاج حالة فردية يتم تداولها على هذه المنصات، بل لتعديل كل سياساتها التي لا تتوفق مع مبادئ حقوق الإنسان.


لكن ربما الأكثر أهمية، ألا تنسينا حملات الضغط والمناصرة عبر المواقع الافتراضية العمل على الواقع لمساعدة آلاف الضحايا الذين لا يتمكنون من نشر قصصهم أو طلب العون، أو لا تحقق استغاثتهم الصدى المطلوب لحل مشكلتهم.