مقدمة
بمرور 37 عامًا على دخول اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة حيز النفاذ في السادس والعشرين من شهر يونيو/حزيران لعام 2021، يبقى الواقع في معظم دول العالم، وخاصة بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قاتمًا فيما يتعلق بما يحدث خلف قضبان سجون الحكومات القمعية وأطراف النزاع. اليوم، رغم مصادقة 162 دولة حول العالم على الاتفاقية، إلا أن المجتمع الدولي، بما في ذلك حكومات الدول التي صادقت على الاتفاقية، ما يزال عاجزًا عن وضع حدٍّ للتعذيب كجريمة عقاب لا إنساني.
وازداد واقع التعذيب قتامة منذ بداية تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، حيث واجه وما يزال الأشخاص المحرومون من حريتهم والمعرضون لخطر المعاملة المهينة وغير الإنسانية تهديداً جديداً، تمثل في انشغال العالم في سبل الوقاية من الفيروس بينما مارست سلطات السجون أساليب تعذيب وابتزاز مختلفة ضد المعتقلين، وخاصة معتقلي الرأي منهم، بعيدًا عن أضواء الإعلام. منذ ذلك الوقت، يقبع مئات الآلاف من المعتقلين في السجون وأماكن الاحتجاز في أوضاع مزرية دون سبل وقاية أو إمكانية تباعد جسدي أو رعاية صحية، وهو ما يعد تحقيقه مستحيلاً نظراً لأوضاع وظروف السجون التي تعتمد عليها سلطات السجون كأسلوب من أساليب تعذيب المعتقلين.
ولا يقتصر استخدام التعذيب داخل السجون فحسب، وإنما ظهر في السنوات الأخيرة حجم الردود الحكومية غير المتناسبة في التعامل مع التظاهرات السلمية التي كانت تنطلق في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل العراق والجزائر والبحرين والمغرب ولبنان، حيث كانت تتميز ردود القائمين على السلطة بالقوة المفرطة ضد المتظاهرين بواسطة الشرطة والجيش وقوات الأمن، بالإضافة إلى استعانة السلطات بعناصر مسلحة غير رسمية لقمع المتظاهرين.
أما في بعض البلدان التي تشهد نزاعات داخلية مثل سوريا وليبيا، فصار الاحتجاز التعسفي والتعذيب من الأساليب الشائعة بكثرة، وتتوزع بدرجات متفاوتة على كل أطراف النزاع.