جنيف - قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ سياسة السلطات البحرينية في إسقاط جنسيات المعارضين وترحيلهم تعسفيًا أفرزت أزمة حقيقية في حرمان أطفالهم من الحصول على حقوق المواطنة المكتسبة.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي -ومقرّه جنيف- في بيان صحفي الثلاثاء، أنّ معظم أطفال المسحوبة جنسياتهم -ممن وُلدوا بعد سحب الجنسية من والدِيهم- باتوا بلا جنسية، كون أنّ القانون البحريني لا يمنح الجنسية وفق رابطة القرابة بالأم، ويحصرها في رابطة الدم لمن كان والده بحريني الجنسية حين الولادة. 

   لا يُمنح أطفال المسحوبة جنسياتهم الوثائق الرسمية بما في ذلك بطاقة الهوية، ولا يُمنحون سوى شهادة ميلاد، ما يُعقّد من حصولهم على حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والخدمات المختلفة.   

وشدّد على أنّه من غير المبرّر أن يُحرم الطفل من حقه في اكتساب جنسية البلد الذي ينتمي إليه بسبب إسقاط السلطات جنسية والده لدوافع يغلب عليها الطابع السياسي، إذ يقضي قانون مكافحة الإرهاب وتعديلاته لسنة 2014 بإسقاط الجنسية عن كل من ينسب له تهم "الإضرار بمصالح المملكة أو تصرف تصرفًا يناقض واجب الولاء لها"، وهو ما لم يفعله أحد من الأطفال المحرومين من حقوق المواطنة.

ووفق معلومات اطلّع عليها المرصد الأورومتوسطي، أسقطت السلطات البحرينية الجنسية عن نحو 985 معارضًا وناشطًا بين الأعوام 2011 و2019، من خلال أحكام قضائية وأوامر ملكية ووزارية، لكنّها أعادت الجنسية إلى 551 منهم على مدد مختلفة، فيما بقي 434 شخصًا بلا جنسية حتى الآن، إذ يقضي عدد كبير من هؤلاء أحكامًا في السجون البحرينية تتراوح بين 15 سنة والسجن المؤبد، ومنهم من جرى ترحيله قسرًا بعد قضاء محكوميته.

وبحسب المعلومات، لا يُمنح أطفال المسحوبة جنسياتهم الوثائق الرسمية بما في ذلك بطاقة الهوية، ولا يُمنحون سوى شهادة ميلاد، ما يُعقّد من حصولهم على حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والخدمات المختلفة.

حصل فريق المرصد الأورومتوسطي على إفادة مدعومة بوثائق رسمية من السيدة "ح. ب"، وهي والدة الطفل البحريني "ع.ب"، أحد الأطفال المحرومين من الحصول على جنسية، إذ قالت: "بعد نحو عام من إسقاط الجنسية عن زوجي، رُزقت بطفل لكنّني لم أكن أعلم أنّ رحلة المعاناة ستبدأ. رفضت السلطات منح الطفل الجنسية البحرينية بحجة أنّ والده لم يكن بحرينيًا وقت الولادة، واكتفت بمنحه شهادة ميلاد".

وتابعت "منذ ذلك الوقت، تواصلت مع إدارة الهجرة والجوازات التي علّقت منح الجنسية على موافقة وزير الداخلية. خاطبت الوزير مرارًا دون أن أتلقى أي رد. وبعد مرور 4 سنوات من المحاولة دون جدوى، أبلغتني الوزارة أن طفلي لا يستحق الجنسية كون والده لا يملك الجنسية البحرينية. كما تنصّلت إدارة الهجرة والجوازات من المسؤولية وقالت إنّ قرار منح الجنسية بيد الملك فقط".

وشرحت الأم الصعوبات التي تواجهها في الحصول على الحقوق الأساسية لطفلها، قائلة: "أواجه صعوبات كبيرة في علاجه بالمستشفيات الحكومية التي تطلب وجود بطاقة ذكية لا يملكها طفلي تبعًا لحرمانه من الجنسية. كما عانيت كثيرًا لتسجيله في الروضة كونه لا يملك بطاقة هوية ولا أعلم ما إذا سأتمكن من تسجيله في المدرسة الآن. دائمًا ما يشعر طفلي بالنقص ويسألني عن سبب عدم امتلاكه هوية مثل باقي الأطفال، ومنها شقيقته التي تحمل الجنسية البحرينية".

ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ معظم القرارات القضائية التي أُسقطت بموجبها الجنسية عن مئات البحرينيين لم تضمن لهم حقهم في الدفاع المشروع عن أنفسهم من خلال إجراءات الطعن، ما جعلها أحكامًا نهائية وباتة ولا يمكن استدراكها إلا بأوامر ملكية أو بأمر من وزير الداخلية.

وأبلغت الناشطة البحرينية "ابتسام الصائغ" فريق المرصد الأورومتوسطي أنّه "يوجد أطفال تجاوزوا عمر السابعة لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس حتى الآن لعدم امتلاكهم جنسية".

وقالت إنّ المعضلة تتعلق بعقود الزواج غير الموثقة لبعض من تزوجوا بعد إسقاط جنسياتهم، إذ يجرى الزواج على يد مأذون خارج المحكمة لعدم إمكانية توثيق عقد الزواج لدى الجهات الرسمية، ما يرتب مشكلات أخرى بعد الإنجاب كون أنّ عقد الزواج غير موثق أصلًا.

وأشارت إلى أن عددًا قليلًا من الأهالي نجحوا في انتزاع حق أطفالهم في الحصول على الجنسية رغم وجود أحكام بإسقاط جنسية الأب، ولكنّ هذا الأمر حدث بطرق غير قانونية (مثل الرشوة)، لافتة إلى تسجيل حالات حُرم فيها بعض الأطفال من الحصول على الجنسية لمجرد إبعاد آبائهم عن المملكة رغم عدم إسقاط جنسياتهم، وفي حالات أخرى حاولت السلطات ابتزاز بعض النشطاء المرحّلين ممن حُرم أطفالهم من الحصول على الجنسية، بحيث يعودوا إلى المملكة ويسلّموا أنفسهم للسلطات لقاء منح أطفالهم الجنسية.

وقال الباحث القانوني بالمرصد الأورومتوسطي "يوسف سالم" إنّ حرمان بعض الأطفال من الحصول على الجنسية البحرينية على الرغم من عدم صدور قرار أو حكم قضائي بإسقاط الجنسية عن آبائهم يمثل مخالفة صريحة لقانون الجنسية البحرينية لسنة 1963، والذي حدد في المادة رقم (4) شروط الحصول على الجنسية البحرينية، والتي تنطبق على هؤلاء الأطفال.

وبيّن أنّ حرمان الأطفال من الحصول على جنسية بسبب إسقاطها عن آبائهم يخالف بشكل صريح، الفقرة (ب) من المادة (20) من الدستور البحريني والتي تنص على شخصية العقوبة. كما أنّ حصول بعض الأطفال على الجنسية البحرينية -وإن كان بطُرق غير قانونية- رغم إسقاط جنسية الأب، يكشف عدم وجود أرضية قانونية سليمة تستند لها السلطات في حرمانهم من الجنسية.

وأوضح أنّ الأطفال البحرينيين ضحايا إسقاط الجنسية عن آبائهم يتمتعون بوضع مختلف عن حالات "البدون" المعهودة في العالم، إذ يقعون ضحايا لعوار تشريعي يشوب قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963، والذي يُتيح لوزير الداخلية إسقاط الجنسية عمن يتمتع بها في حالات فضفاضة. 

   حرمان بعض الأطفال من الحصول على الجنسية البحرينية على الرغم من عدم صدور قرار أو حكم قضائي بإسقاط الجنسية عن آبائهم يمثل مخالفة صريحة لقانون الجنسية البحرينية لسنة 1963   

يوسف سالم، باحث قانوني لدى المرصد الأورومتوسطي

وذكر أنّ المادة رقم (24) مكرر من مرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، تنص على أنه "يُحكَم بإسقاط الجنسية عن المحكوم عليه في الجرائم المنصوص عليها في المواد من (5) إلى (9) و(12) و(17) من هذا القانون، وهي مواد تتضمن كل ما ينطوي على أفعال إرهابية قد تضر بمصالح البحرين، لكنّها موصوفة بألفاظ ومصطلحات قانونية تُسهّل توجيه الاتهام لكل من يتبنى نهجًا معارضًا لسياسات المملكة، ما يُتيح استخدامها في إبعاد وإسقاط الجنسية عن النشطاء المدنيين.

وأكّد أنّ إسقاط البحرين للجنسية عن مواطنيها على نحو غير مبرر يمثل انتهاكًا واضحًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمعايير الدولية المتعلقة بتجنب حالات انعدام الجنسية، وحظر التمييز، وحظر الحرمان التعسفي من الجنسية، وغيرها من اعتبارات حقوق الإنسان التي ينبغي أن تُؤخذ بعين الاعتبار عند إسقاط الجنسية.

ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات البحرينية إلى إعادة النظر في سياستها بحرمان أطفال المسحوبة جنسياتهم من اكتساب الجنسية البحرينية، وتمكينهم من الحصول على الجنسية والتمتع بحقوقهم الطبيعية أسوة بأقرانهم من البحرينيين.

وحث السلطات البحرينية على إلغاء المادة (10) من قانون الجنسية البحريني والتي تمنح وزير الداخلية الحق في إسقاط الجنسية عن المواطنين، واحترام معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان ذات الصلة، والتوقف عن إبعاد المعارضين، وإسقاط الجنسية عنهم على نحو تعسفي.