جنيف - أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه حيال الوضع الصحي للنائب في البرلمان التونسي "ياسين العياري"، جراء استمراره في الإضراب عن الطعام داخل محبسه لليوم الثالث على التوالي، احتجاجًا على اعتقاله.
وقال المرصد الأورومتوسطي -ومقرّه جنيف- في بيانٍ صحفيٍ الخميس، إنّ النائب عن حركة "أمل وعمل" "ياسين العياري" بدأ إضرابًا مفتوحًا عن الطعام صباح الإثنين 7 سبتمبر/ أيلول الجاري داخل زنزانته بـ"سجن المرناقية"، بعد أكثر من شهر على اعتقاله عقب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي "قيس سعيّد"، محملًا السلطات المسؤولية الكاملة عن سلامته.
الممارسات التي ترتكبها إدارة سجن "المرناقية" بحق النائب "العيّاري" تمثل انتهاكًا واضحًا لحقوق النزيل المنصوص عليها في الفصول من (17 إلى 19) من قانون (52) لسنة 2001 المتعلق بنظام السجون، والتي تكفل للنزيل الحق في التواصل مع ذويه، وقاضي تنفيذ العقوبات ومدير السجن.
يوسف سالم، باحث قانوني لدى المرصد الأورومتوسطي
وبيّن أنّ قوات الأمن التونسية اعتقلت النائب "العيّاري" بأمر من القضاء العسكري في 30 يوليو/ تموز الماضي، بعد أيام من نشره تدوينة على صفحته الشخصية على "فيس بوك" رفض فيها القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس "سعيّد" في 25 يوليو/ تموز، واصفًا إيها بـ "الانقلاب العسكري".
وانتقد "العيّاري" في تدوينته تجميد عمل البرلمان، ورأى أنّ النيابة العمومية مستقلة، ولا يمكن للرئيس ترؤّسها، كما أنّ إقالة رئيس الحكومة والوزراء ليست من صلاحيات الرئيس، ولا يوجد نص دستوري يسمح بتلك الإجراءات.
وتابع المرصد الأورومتوسطي بيانًا نشرته حركة "أمل وعمل"، قالت فيه إنّ "العيّاري" أضرب عن الطعام بعد استيفائه كل الطرق القانونية من أجل الإفراج عنه، وتعرّضه لانتهاكات وخروقات قانونية.
وأوضح البيان أنّ النائب "العيّاري" يعيش ظروفًا قاسية داخل المعتقل، منها عدم توفر الرعاية الطبية التي تلائم ملفه الصحي المودع لدى إدارة السجن والتي تثبت وجود أمراض تحتاج لرعاية صحية خاصة، وبطء إجراءات التقاضي والفصل في الشكاوى المقدمة ضده، وعدم تمكينه من شراء الحاجيات التي يرغب بها من مقصف السجن، وكذلك منعه من تلقي الرسائل التي تصله من خارج السجن.
من جهتها، قالت وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري في تونس في بيان صدر عنها بتاريخ 30 يوليو/ تموز الماضي، أنّ النائب "العياري" أُودع السجن المدني تنفيذًا لحكم قضائي صادر ضده من محكمة الاستئناف العسكرية بتاريخ 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018، بحبسه لشهرين على خلفية منشور له على "فيسبوك" انتقد فيه الجيش التونسي.
وأوضحت الوكالة أنّ النيابة العسكرية تولّت تنفيذ الحكم المذكور تبعًا لصدور الأمر الرئاسي عدد (80) لسنة 2021، والمتعلق برفع الحصانة عن أعضاء مجلس نواب الشعب.
وقال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي "يوسف سالم": "بالنظر إلى توقيت اعتقال النائب "العياري"، وسلوك السلطات التونسية بعد قرارات الرئيس "سعيّد"، لا يبدو أنّ اعتقال النائب "العياري" كان لتنفيذ حكم قضائي سابق بقدر ما هو انتهاز للظروف الحالية لتصفية الحسابات مع الأصوات المعارضة، إذ لم تنتظر النيابة العسكرية مرور 30 يومًا لمعرفة ما إذا كانت الحصانة ستعود لنواب البرلمان أم سيجري تمديد تجميدها، كما أنّ مذكرة الاعتقال صدرت بعد ثلاثة أيام من القرارات الاستثنائية، وبعد نشر النائب "العياري" تدوينته التي رفض فيها القرارات الرئاسية وتمسك بالحصانة المقررة له ولباقي نواب البرلمان".
وأضاف أنّ اعتقال النائب "العياري" جاء نتيجة قرارات الرئيس بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وهي قرارات تشوبها مخالفات دستورية واضحة، إذ ينبغي وفق الفصل (80) من الدستور التونسي الذي استند عليه الرئيس "سعيّد" في إعلان قراراته، استشارة رئيس البرلمان قبل إعلان الإجراءات الاستثنائية وهو ما لم يحدث، بالإضافة إلى أنّ الفقرة الثّانية من نفس الفصل تنص على وجوب اعتبار البرلمان في حالة انعقاد دائم طيلة فترة الطوارئ، في إشارة واضحة إلى عدم وجود أي مسوّغ قانوني لتعطيل عمل البرلمان وإدخال البلاد في حالة فراغ تشريعي.
ولفت إلى أنّ الممارسات التي ترتكبها إدارة سجن "المرناقية" بحق النائب "العيّاري" تمثل انتهاكًا واضحًا لحقوق النزيل المنصوص عليها في الفصول من (17 إلى 19) من قانون (52) لسنة 2001 المتعلق بنظام السجون، والتي تكفل للنزيل الحق في التواصل مع ذويه، وقاضي تنفيذ العقوبات ومدير السجن، وعمل جميع المكاتبات والمراسلات التي يرغب بها، إلى جانب الحصول على الرعاية الصحية والجسدية والنفسية اللازمة طوال فترة وجوده داخل السجن.
ووثق المرصد الأورومتوسطي ارتكاب السلطات التونسية سلسلة من الانتهاكات منذ إعلان التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز الماضي، شملت اعتقال قوات الأمن عددًا ممن رفضوا تلك التدابير من بينهم حقوقيّون وناشطون، وفرض الإقامة الجبرية على عدد من القضاة ومنعهم من السفر، إضافة إلى حظر إقامة التجمعات السلمية والتجوال الليلي.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات التونسية إلى الإفراج عن النائب "ياسين العيّاري" واحترام الحصانة البرلمانية التي ما يزال يحتفظ بها طبقًا للدستور التونسي، وعدم استغلال الظروف الحالية الاستثنائية للتغوّل على الحقوق والحرّيات، والتوقّف عن التعسف في استخدام القانون لإسكات الأصوات المعارضة.
وحث المرصد الأورومتوسطي الرئيس "قيس سعيّد" على إنهاء تجميد عمل مؤسسات الدولة بشكل عاجل، والتخلي عن تركيز جميع السلطات في يد مؤسسة الرئاسة والمؤسسات التنفيذية، والالتزام باحترام القوانين الوطنية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحفظ حقوق الإنسان وتحظر مصادرة حريّته وامتهان كرامته.