جنيف - صقلية
أصدرت مؤسستان أوروبيتان تقريراً شاملأ يوثق لكارثة غرق قوارب المهاجرين غير الشرعيين القادمين من سوريا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، حيث ندّد بتقصير السلطات الإيطالية والمالطية حيال الضحايا، ودعا لتطوير آليات المعالجة الأوروبية.
وقال كل من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (جنيف)، ومركز العلاقات الأوروبية الفلسطينية (بروكسل)، في بيان مشترك صادر الخميس 7 نوفمبر، إنّ التقرير الذي يحمل عنوان "قوارب الموت" يعرض في ستين صفحة لرحلة الموت التي عاشها اللاجئون الفارون من الحرب في سوريا، منذ أن دفعتهم عوامل انعدام الأمن وغياب الرعاية الأممية في دول الجوار السوري، إلى ركوب البحر بحثاً عن الحياة، لينتهي المقام ببعضهم ضحايا مجهولين في مقابر الأرقام.
وأوضح التقرير أن المعاملة التمييزية التي يلقاها اللاجئ الفلسطيني من سوريا في دول الجوار، والتي تحرمه -في مصر مثلاً- من التمتع بوضع "اللاجئ" أو تلقي أية مساعدة من جهة أممية، إلى جانب منحه تأشيرة دخول لا تتعدا الثلاثة أشهر فقط، جعلت العشرات منهم فريسة في يد أطماع سماسرة التهريب إلى أوروبا، حيث سجل التقرير العديد من حالات الاحتيال التي تمّ فيها استغلال حاجة اللاجئين ونهب أموالهم أو تسليمهم للسلطات في مصر.
ويضيف التقرير أنه إذا سلِم اللاجئ من احتيال مافيا التهريب وبدأ طريقه في البحر، فإنه سيكون أمام خطر ملاحقته من قبل البحرية المصرية لمنعه من الهجرة نحو أوروبا، إذ رصد أنّ تعامل البحرية المصرية يتركّز على منع هجرة اللاجئين دونما أيّ اعتبار لحفظ أرواحهم أو حقوقهم الإنسانية. حيث تم توثيق فتح البحرية المصرية نيرانها الحية تجاه قاربيّ هجرة يوميّ 12 و17 من سبتمبر الماضي ما أسفر عن مقتل لاجئين اثنين، إلى جانب التلكؤ في إنقاذ قارب هجرة غرق على مقربة من الساحل وقضى فيه 12 لاجئاً في أكتوبر الماضي، بينما تشير الأرقام إلى احتجاز ألفيّ لاجئ آخرين في ظروف لا إنسانية، على خلفية محاولتهم الإبحار نحو أوروبا.
ويشير التقرير إلى أن 6233 لاجئ من سوريا بينهم فلسطينيون، وصلوا إيطاليا (الوجهة الأقرب والأكثر تفضيلاً) منذ أغسطس الماضي فقط وفق أرقام مفوضية اللاجئين (UNHCR)، بينما تشير التقديرات إلى غرق 500 طالب لجوء قبالة السواحل الأوروبية منذ مطلع 2013 الجاري، كان آخرها كارثة الجمعة 11 اكتوبر حين غرق قارب كان يحمل بين 400-500 لاجئ قادم من سوريا برحلة غير شرعية انطلقت من مصر، وتوقفت في ليبيا لتتعرض في مياهها الإقليمية لهجوم مسلّح في عرض البحر.
ويندّد التقرير الحقوقي بتلكؤ السلطات الإيطالية والمالطية في إنقاذ حياة اللاجئين قبالة شواطئهما، حيث أفادت شهادات جمعها باحثو المرصد الأورومتوسطي؛ بأنه مع اقتراب قارب الهجرة في 11 أكتوبر من الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وبسبب تسرب الماء داخله، بدأت الأمواج تجرفه باتجاه مالطا، وهناك أرسل قبطان القارب نداء استغاثة إلى السلطات الإيطالية لانقاذ المركب، لكنّها أبلغته بأنها لن تتدخل لوجودهم بالمياه الإقليمية المالطية، فقام القبطان بالتواصل مع السلطات المالطية التي تعذّرت بعدم توافر إمكانات إنقاذهم، وعاد القبطان لاستغاثة السلطات الإيطالية التي وصلت للقارب بعد 20 دقيقة من غرقه تماماً، ما أدّى لتغييب عشرات اللاجئين الذي لم تكن بحوزتهم سترات نجاة في عمق البحر، ليصبحوا لاحقاً في عداد القتلى والمفقودين.
ووفق إحصاءات موفدي الأورومتوسطي إلى كل من إيطاليا ومالطا، فقد نجا 233 لاجئاً توزّعوا بين 157 ناجياً في مالطا و76 في إيطاليا، بينما تمّ توثيق 36 جثماناً فقط، ما يعني أن ما يزيد عن 150 ضحية ما زالت جثامينهم محتجزة في حطام المركب الغارق، وترفض السلطات الإيطالية انتشالهم حتى الآن، متعذرة بالحاجة إلى ميزانية ضخمة تقدّر بـ 30 مليون يورو.
ونوَّه التقرير إلى أن أوجه القصور الأوروبيّ في التعامل مع كارثة لامبيدوزا تجلّى في عدم الاستجابة السريعة لانقاذ اللاجئين مما رفع من أعداد القتلى، إلى جانب القصور في تشخيص هويات الضحايا، حيث رفضت السلطات الإيطالية أخذ عينات الحمض النووي (DNA)، ما حدا بالصليب الأحمر للتدخل والتقاط صور القتلى لعرضها على ذويهم المفترضين ممن نجى في مالطا، بينما تمّ دفنهم كمجهولين. و يقع وجه القصور الثالث في عدم انتشال حطام السفينة الغارقة بما تضمه من جثامين حتى الآن، بما يعنيه ذلك من حرمان ذوي الضحايا من حقهم الأساسي في معرفة مصير أبنائهم، إلى جانب اندثار أيّ أدلة حول المتسبّبين الحقيقيين بكارثة غرق المركب.
وختم التقرير بدعوة المجتمع الدولي؛ لا سيما الأمم المتحدة، الأونروا والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى الاضطلاع بدورهم حيال اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين والفلسطينيين من سوريا الذين تقطّعت بهم السبل في مصر وأوروبا، بما في ذلك الضغط على الدول التي يتواجدون فيها لمنحهم حقوقهم وتوفير المرافق الملائمة لاستقبالهم، وعدم إساءة معاملتهم، أو احتجازهم تعسفياً، أو ترحيلهم، إلى جانب دراسة طلبات لجوئهم بأسرع وقت، ومنح المستحقّين منهم صفة اللاجئ.
كما دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى تطوير آليات معالجة الهجرة غير الشرعية، وإيلاء الاهتمام لانقاذ أرواح المهاجرين ووضعه فوق أي اعتبار، وإلغاء القوانين المحلية التي تجرّم المساعدة في إنقاذهم، كما طالب إيطاليا بأن تكون أكثر مرونة في تطبيق قانون أخذ بصمات أصابع المهاجرين، وما يتصل بذلك من تخفيفٍ للقيود المنصوص عليها في اتفاقية "دبلن2" والتي تحول دون جمع شمل الأسر بأبنائها.
كما حثّ التقرير على حلّ مأساة غرق مراكب الهجرة عبر إيلاء آليات التحقيق والمحاسبة اهتماماً أكبر، داعياً السلطات في إيطاليا وليبيا إلى التعاون في كشف ملابسات إطلاق النار على قارب الـ11 من أكتوبر، وتقديم المتسبّبين بغرقه إلى العدالة، إلى جانب التحقيق في تأخر الاستجابة لاستغاثة طاقم القارب. كما دعا التقرير إلى تفكيك أسباب وعوامل التحريض والتمييز ضد اللاجئ الفلسطيني من سوريا، في كل من مصر ودول الجوار السوري، لكيلا يدفعه الواقع القاتم للهرب من الموت إلى موت جديد.
للاطلاع على التقرير كاملاً: من هنا