جنيف - دعا المرصد الأورومتوسطي سلطات إقليم كردستان العراق إلى الإفراج الفوري عن معتقلي منطقة "بادينان" المحتجزين في ظروف غير إنسانية وبصفة غير قانونية، ويواجهون تهمًا على ما يبدو كيدية وتتعلق بممارستهم لحقهم في التعبير عن الرأي.
وقال المرصد الأورومتوسطي -ومقرّه جنيف- في بيان صحفي الأحد، إنّ سلطات إقليم كردستان العراق ما تزال تحتجز 55 شخصًا من أصل 81 اعتقلتهم في المدة بين أغسطس/آب من العام الماضي وحتى نهاية أكتوبر/تشرين أول الجاري، على خلفية نشاطهم في قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير ومطالبتهم بمجموعة من حقوقهم الأساسية، حيث لم تقدم السلطات سوى 5 منهم للمحاكمة، فيما تستمر باحتجاز الباقين دون محاكمة.
ممارسات سلطات إقليم كردستان العراق ضد النشطاء المدنيين تشوبها اعتلالات قانونية جسيمة، أبرزها التهم الفضفاضة واستخدام أسلوب المخبر السرّي الذي يشكل بيئة خصبة لتلفيق التهم.
عمر العجلوني، باحث قانوني لدى الأورومتوسطي
وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ السلطات تُوقف معظم الناشطين بموجب تهم فضفاضة، أبرزها المساس بأمن واستقرار الإقليم، والتي يُعاقب عليها بالسجن المؤبد بموجب المادة الأولى من القانون رقم (21) لعام 2003، والتي تنصّ على أنّه "يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت من ارتكب عمدًا فعلا بقصد المساس بأمن واستقرار وسيادة مؤسسات إقليم كوردستان – العراق بأية كيفية كانت وكان من شانه أن يؤدي إلى ذلك".
ووفق معلومات جمعها المرصد الأورومتوسطي، تُجبر السلطات المعتقلين المُفرج عنهم على التوقيع على تعهدات بعدم التصريح لوسائل الإعلام أو النشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيما يتعلّق بظروف اعتقالهم وتفاصيل الانتهاكات التي كانوا يتعرّضون لها داخل السجون.
أبلغ "ه.ب"، (فضّل عدم الكشف عن اسمه) وهو أحد أعضاء فريق الدفاع عن المعتقلين، فريق المرصد الأورومتوسطي أنّ ظروف الاحتجاز في إقليم كردستان العراق صعبة، إذ يتعرضّ المعتقلون لصنوف مختلفة من الانتهاكات بما في ذلك التعذيب الجسدي والنفسي، وسط غياب كبير للرقابة الرسمية على أماكن الاحتجاز.
وقال "ه.ب": يعاني معتقلو "بادينان" من ظروف سيئة للغاية، حيث يُحتجز عدد منهم رفقة سجناء آخرين في غرفة بمساحة 12*6 م2، يتكدّس فيها نحو 140 معتقلاً، ويصل العدد في بعض الأحيان إلى 157 معتقلاً، ما يمنعهم من الجلوس بشكل اعتيادي ويضطرهم إلى التناوب في عملية النوم، فلا يستطيعون جميعًا النوم في ذات الوقت".
وأضاف أنّ "معتقلي "بادينان" نفّذوا أكثر من مرة إضرابًا عن الطعام للمطالبة بتحسين ظروف اعتقالهم، غير أنّ إدارة السجن كانت ترغمهم على فكّ الإضراب دون تحسين أوضاعهم، كما يعاني المعتقلون من إهمال طبي كبير، ويتعرضون للتعذيب بشكل متفاوت سواء جسديًا، أو من خلال الضغط النفسي عليهم بما في ذلك احتجازهم في زنازين انفرادية".
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ السلطات تعتمد في معظم حالات الاعتقال على أسلوب "المخبر السرّي"، إذ تقدم بصفة غير قانونية إفادات على ما يبدو كيدية وبلا أدلّة، يتمّ على أساسها اعتقال النشطاء المدنيين، ومن أمثلة ذلك بعض الحالات التي بُنيت فيها إفادة المخبر السري فقط على معارضة الناشط المعتقل لسياسات الحزب الحاكم في الإقليم.
ووثّق المرصد الأورومتوسطي بعض الحالات التي أظهرت عوارًا واضحًا في الإجراءات القانونية، حيث اتخذت السلطات فيها قرار التوقيف بناء على إفادة لاحقة من المخبر السرّي، ومن ذلك قرار توقيف عدد من المعتقلين في تاريخ 9 سبتمبر/ أيلول 2020 استنادًا إلى إفادة "المخبر السري" الموثقة بتاريخ 12 سبتمبر/ أيلول 2020، أي بعد ثلاثة أيام من تاريخ الاعتقال، وتكرّر الأمر مع عدة معتقلين من بينهم "مسعود شنقالي"، و"كاركار عباس"، و"بندوار أيوب"، و"شيروان طه".
وقال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي "عمر العجلوني": "إنّ ممارسات سلطات إقليم كردستان العراق ضد النشطاء المدنيين تشوبها اعتلالات قانونية جسيمة، أبرزها التهم الفضفاضة واستخدام أسلوب المخبر السرّي الذي يشكل بيئة خصبة لتلفيق التهم، بالإضافة إلى استمرار اعتقال العدد الأكبر منهم لشهور طويلة دون عرضهم على المحكمة".
وأضاف "العجلوني" أنّ "السلطات لم تكتف باعتقال النشطاء لتعبيرهم المشروع عن رأيهم، بل تعمدت فيما يبدو من خلال ظروف احتجازهم السيئة إلى تعظيم ثمن ممارسة الحريات في البلاد، وإيصال رسائل ترهيبية مفادها أنّ تكلفة باهظة تنتظر كل من يفكّر بمعارضة السلطات أو الاحتجاج على الأوضاع الراهنة".
ودعا المرصد الأورومتوسطي سلطات إقليم كردستان العراق إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع معتقلي الرأي في الإقليم، وتوفير كافة ضمانات المحاكمة العادلة لجميع الموقوفين الآخرين دون تأخير، وإلغاء جميع الأساليب غير القانونية التي تستخدم لتلفيق الاتهامات للنشطاء والمعارضين.
وحث المرصد الأورومتوسطي سلطات إقليم كردستان العراق على احترام الحق في حرية الرأي والتعبير والنشر، والحق في التجمع السلمي، وتفعيل الرقابة على السجون ومراكز الاحتجاز، والتأكّد من مطابقة ظروف الاحتجاز للقواعد النموذجية لمعاملة السجناء.