جنيف - عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن صدمته الشديدة إزاء مقتل 20 مدنيًّا، منهم 4 نساء و12 طفلاً على الأقل، إثر مداهمة قوات أمن عراقية منزلهم أمس الخميس في منطقة جبلة شمالي محافظة بابل وسط العراق.
وقال المرصد الأورومتوسطي ومقرهّ جنيف في بيان صحفي اليوم، إنّ المعطيات الأولية التي جمعها تشير إلى عملية قتل مروعة اقترفتها قوات أمن قدمت من العاصمة بغداد، واستخدمت قذائف صاروخية وأسلحة نارية ثقيلة دون أي ضرورة أو تناسب، في إشكال عائلي ليس له بعد أمني، بخلاف الرواية الرسمية الأولى التي ربطت الحدث بمواجهة الإرهاب.
شقيقي لم يكن مطلوبًا على خلفية الإرهاب، والأمر يتعلق بخلاف عائلي
شقيقة رحيم الغريري
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ الجريمة المروعة تستدعي فتح تحقيق فوري مستقل للوقوف على تفاصيل ما حدث، وتحديد الجناة وتقديمهم إلى العدالة.
وفي تفاصيل الواقعة، حاصرت قوة أمنية مدعومة بعشرات المركبات العسكريّة، في حوالي الساعة الثالثة من مساء الخميس 30 ديسمبر/ تشرين أول، منزلاً ريفيًّا للمواطن "رحيم كاظم عيادة الغريري" في منطقة جبلة شمالي محافظة بابل، واندلعت بعد ذلك اشتباكات بين القوة الأمنية ومالك المنزل، حيث استخدم عناصر الأمن قوة نارية ثقيلة، شملت إطلاق ناري مكثف من أسلحة رشاشة ثقيلة تجاه المنزل، إلى جانب استهدافه بعدة قذائف.
واستمرت عملية إطلاق النار 4 ساعات، وانتهت بمقتل 20 مدنيًّا، منهم مالك المنزل وزوجته، و6 من أبنائه وبناته، وزوجة ابنه وعدد من أبنائهم، وبين الضحايا 12 طفلاً. وعرف من الضحايا: رحيم كاظم عيادة الغريري، وزوجته يسرى أحمد، وأبنائه: سلام، وكريم رحيم، وفراس، وأيوب، وابتسام وطفليها، وديانة وأطفالها الأربعة، وشيماء هلال وهي زوجه سلام، وأبناء الأخير: عبد الله، وسعد، وعنود، وأنوار.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن حالة من الارتباك والتناقض شابت الرواية الرسمية حول تفاصيل ما حدث. فقد تحدثت برقية أمنية أنه "في حدود الساعة الثالثة عصرًا وبعد ورود معلومات لاستخبارات جبلة تفيد بتواجد مطلوبين اثنين في منطقة الرشايد في دار المدعو رحيم كاظم عيادة الغريري، خرجت مفرزة استخبارات جبلة إلى المكان المعني. وأضافت المصادر أنه "عند وصول القوة أطلق صاحب المنزل النار على مفرزة الاستخبارات، وأن الأخيرة وجهت نداء إلى مفارز قوات "سوات" حيث حضرت إلى المكان وطوقت البيت وحصلت اشتباكات مع صاحبه.
وتابعت: "صاحب البيت أصاب عنصري أمن بطلق ناري، وفي الساعة السابعة انتهت المواجهات بينه وبين قوة "سوات"، وتبين بعدها وأثناء دخول القوة إلى البيت مقتل جميع أفراد العائلة.
بدورها، قالت خلية الإعلام الأمني الحكومية إنها لاحقت متهمين اثنين بالإرهاب في منطقة جبلة شمالي محافظة بابل وبعد تضييق الخناق عليهما قاما بفتح النار العشوائي على القوات الامنية ما أدى إلى إصابة عدد من أفراد القوة المنفذة للواجب.
وأشارت الخلية في بيان لاحق بأن "القائد العام للقوات المسلحة أمر بأن يتولى جهاز الأمن الوطني التحقيق في ملف هذه القضية بالتنسيق مع محكمـة استئناف محافظة بابل" وأنه "تم توقيف عدد من الضباط والأشخاص على خلفية هذا الحادث الذي مازال التحقيق مستمراً فيه".
ولاحقًا، قال محافظ بابل حسن منديل السرياوي في مؤتمر صحفي، إن مجزرة منطقة جبلة التابعة لمحافظة بابل التي اودت بحياة 20 شخصاً "جنائية وليست حادثة إرهابية"، مشيراً إلى أن المتهم كان مطلوباً من قبل محاكم بغداد، وأضاف إن "الاجراءات التحقيقية مستمرة، هناك بعض الملابسات لدينا من حيث المبدأ، ولكن ضمن سير التحقيق وبسرية عالية لكي لا تضيع معالم الجريمة".
وأكد أن المتهم في محافظة بابل "لا توجد عليه أي مطلوبية، وإنما سابقاً كان عليه أمر قبض وفق أحكام المادة 406، لكن الأمر القضائي الصادر بحقه مؤخراً كان من محاكم بغداد وحاولت قوات الشرطة ان تنفذ هذا الأمر في محافظة بابل".
وذكر أن "الاستخبارات طلبت إسناداً من القوات الامنية، وحصل تبادل إطلاق النار، وتفاجأت فيما بعد القوات الأمنية بعد الدخول إلى مقر الحادث بوجود عدد من الضحايا"، مؤكداً أن "الحادثة جنائية بالمعنى الدقيق، وليس كما رُوج لها على أنها حادثة إرهابية".
في المقابل، أكد شهود عيان، أنّ منزل رحيم تعرض للقصف المركز بقذائف صاروخية فضلاً عن استخدام كثافة نارية كبيرة تجاهه.
وأفادت شقيقة رحيم أنّ شقيقها "لم يكن مطلوباً على خلفية الإرهاب، وأنّ الأمر يتعلق بخلاف عائلي، حيث كانت لديه ابنتان متزوجتان لجأتا إليه بعد خلاف زوجي، وإنه على هذه الخلفية حضرت القوة الأمنية الكبيرة وحدث إطلاق النار بيد أن القوة الأمنية استخدمت كثافة نارية دون أي مبرر من أسلحة نارية وقذائف تسببت بمقتل أفراد العائلة. واتهمت نسيب شقيقها الذي يعمل منتسباً مع القوات الأمنية في بغداد باستقدام القوة إثر مشكلة عائلية بينهما، بخلاف الرواية الرسمية الأولى بأن الأمر يتعلق بمطلوب على خلفية الإرهاب.
وفي تطور ذي صلة، ووفق وسائل إعلام عراقية، قرر وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي اليوم الجمعة 31 ديسمبر/ كانون أول، إقالة قائد شرطة محافظة بابل على خلفية الحادث، ووجه بتشكيل لجنة تحقيقية مختصة "للتحقيق مع القوة التي نفذت الواجب في هذا الحادث".
وإذ يدين المرصد بشدة جريمة القتل المروعة، فإنه يعبر عن قلقه للتناقض الذي ساد الروايات الرسمية حول الحادث ومحاولة تقديمها كمعالجة أمنية لخلية إرهاب، هو ما يشير إلى محاولة بعض الجهات تبرير أو تغطية ما حدث من استخدام غير متناسب للقوة.
وأكد المرصد الأورومتوسطي الحاجة الملحة لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تكشف تفاصيل الجريمة المروعة، وتضمن تقديم المتورطين فيها للعدالة، بما في ذلك التحقيق مع الجهات الأمنية التي قدمت تسريبات مضللة حول دوافع وتفاصيل الجريمة في محاولة للتقليل منها أو التغطية على ما حدث.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية على اتخاذ إجراءات عاجلة تضمن عدم استخدام قوات وجهات إنفاذ القانون لتحقيق مصالح خاصة ببعض الجهات أو الأفراد المتنفذين، بعيدًا عن أصول القانون في القبض والتنفيذ.