مقدمة
منذ عام 2011، تشهد دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصاعدًا كبيرًا في الاضطرابات وتراجعًا حادًا في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية نتيجة النزاعات المسلحة والاضطهاد.
وفي الوقت الذي تغيب فيه آليات رسمية ومرنة تستطيع التعامل مع واستيعاب الأعداد الهائلة من طلبات اللجوء والهجرة إلى أوروبا بشكل قانوني، يجد مئات الآلاف من الأشخاص الفارين من مناطق النزاع أنفسهم أمام خيار واحد يضاهي بقاءهم في بلدانهم خطورة؛ لينطلقوا في رحلات غير قانونية وغير مضمونة للوصول إلى أوروبا.
تنطوي عملية الهجرة عبر البحر على مخاطر كبيرة، فبسبب العنف وعدم الاستقرار المستمر في ليبيا حيث يبدأ معظم المهاجرين رحلتهم، يستغل المهربين طالبي اللجوء والمهاجرين ماديًا من خلال طلب مبالغ باهظة، ومن ثم تكديسهم في قوارب متهالكة بأضعاف طاقاتها الاستيعابية، بالإضافة إلى حوادث الغرق والصد التي تتعرض لها تلك القوارب، والتي تتسبب بشكل مباشر في وفاة وفقدان مئات المهاجرين وطالبي اللجوء سنويًا.
تشير بيانات منظمة الهجرة الدولية أنّه منذ عام 2014، شهد البحر المتوسط نحو 176,406 محاولة عبور من مهاجرين وطالبي لجوء من سواحل دول شمال أفريقيا وتركيا إلى السواحل الأوروبية، حيث توفي أو فُقد نتيجة تلك المحاولات نحو 23,150 مهاجر وطالب لجوء حتى ديسمبر/ كانون أول 2021.[1]
في الوقت الذي تزداد فيه حوادث الغرق ومعها أعداد الضحايا من المهاجرين وطالبي اللجوء، ما يزال الاتحاد الأوروبي يفتقر لإطار قانوني لما يتعلق بعمليات البحث والإنقاذ وإنزال المهاجرين وطالبي اللجوء، في الوقت الذي يعمل فيه بشكل مستمر على تعقيد إجراءات اللجوء من أجل الحد من وصول طالبي اللجوء. يحدث ذلك بينما تعقد دول أوروبية صفقات مع دول المصدر وتستمر بتجريم المنظمات غير الحكومية التي تعمل على إنقاذ الأروح في المتوسط.
فمن ناحية، تعيد الدول الأوروبية المهاجرين وطالبي اللجوء عبر البحر الأبيض المتوسط قسرًا إلى دول غير آمنة مثل ليبيا لوقف التدفق غير النظامي للمهاجرين وطالبي اللجوء من دول ثالثة، بغض النظر عن الظروف الأليمة لعمليات الإعادة القسرية والظروف المهينة وغير الإنسانية التي يعيشها المهاجرون وطالبو اللجوء في مراكز الاحتجاز في دول المصدر.
ومن ناحية أخرى، يفرض عدد من دول الاتحاد الأوروبي منذ سنين قيودًا إدارية وقضائية على المنظمات الإنسانية غير الحكومية التي تعمل على إنقاذ ومساعدة المهاجرين وطالبي اللجوء الذين تقطعت بهم السبل في عرض البحر المتوسط. على سبيل المثال، اتخذت ألمانيا واليونان وإيطاليا ومالطا وهولندا وإسبانيا 58 إجراءً إداريًا أو جنائيًا ضد قوارب إنسانية في الفترة ما بين عام 2016 حتى يونيو/حزيران 2021، تضمنت إجراءات ضد أفراد الطواقم أو السفن بأكملها، وتقييد الوصول إلى الشواطئ، وتأخير الإنزال وترك الأشخاص الذين تم إنقاذهم في البحر لأكثر من 24 ساعة في انتظار النزول لمكان آمن، مما أدى إلى عرقلة أنشطة الإنقاذ، وتدهور أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء أو وفاتهم أو اختفاءهم في البحر.
خلفية قانونية
يوفر القانون الدولي الحماية لمجموعة من حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، ويُلزم الدول بكفالة واحتواء المهاجر وطالب اللجوء، كحد أدنى للتعامل معه باعتباره إنسانًا بالدرجة الأولى. أهم تلك الاتفاقيات هي الاتفاقية الدولية لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967، تليها الاتفاقية الدولية لعام 1974 لسلامة الأرواح في البحار، والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار لعام 1979، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 وإعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين لعام 2016.
وقد أولت مواثيق القانون الدولي اهتمامًا خاصًا بحماية مجموعة من الحقوق المطلقة، مثل الحق في الحياة وحظر التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة، وهي أهم الحقوق التي تقوم عليها الحقوق الأخرى ولا يمكن تقييدها، وهي تخص كل فرد، بما في ذلك الأشخاص الذين يجدون أنفسهم غير موثقين أو في أوضاع "غير طبيعية". على سبيل المثال، في إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين، أكدت الدول الأعضاء للأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة على أهمية ضمان "استقبال يركز على الإنسان ويتسم بالحساسية والإنسانية وحفظ الكرامة ومراعاة الاعتبارات الجنسانية والسرعة، وخاصة للذين يصلون منهم في إطار حركات نزوح كبرى، سواء كانوا لاجئين أو مهاجرين."
ومن أهم المبادئ التي تتعلق بحماية المهاجرين وطالبي اللجوء مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر على الدول طرد أو إعادة الأفراد من ولايتها القضائية أو سيطرتها الفعلية عندما تكون هناك أسباب جوهرية للاعتقاد بأن الشخص سيتعرض لضرر لا يمكن جبره في حال العودة، بما في ذلك الاضطهاد والتعذيب وسوء المعاملة أو غيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما تطرقت له اتفاقية اللاجئين لعام 1951 واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي.
ولمبدأ عدم الإعادة القسرية طبيعة مطلقة وغير قابلة للتقييد، ما يعني أنه ينطبق على جميع الأشخاص، بغض النظر عن وضعهم كمهاجرين أو طالبي لجوء، ضمن الولاية القضائية أو السيطرة الفعلية للدولة، ما يعني أنها تطبق حتى خارج إقليم تلك الدولة.
ومع ذلك، نادرًا ما تمتثل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لالتزاماتها الدولية، بل وتنتهك العديد من هذه المعاهدات على أساس منتظم سواء بشكل مباشر عن طريق إيقاف عمليات البحث والإنقاذ أو تنفيذ عمليات صد غير مشروعة لقوارب المهاجرين وطالبي اللجوء، وأيضًا من خلال وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتكس)، أو بشكل غير مباشر من خلال دعم خفر السواحل الليبي الذي يعترض القوارب ويعيدها بالقوة إلى ليبيا. وبذلك تنتهك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عدة مبادئ، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية وحظر الطرد الجماعي، وحظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة والحق في الوصول إلى إجراءات اللجوء.
والأهم من ذلك كله أنه في كل مرة لا تستجيب الدول الأوروبية بسرعة لنداء استغاثة من قارب يغرق، فإنها تنتهك حق المهاجرين وطالبي اللجوء المطلق في الحياة، حيث تنص الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار لعام 1979،على "تقديم المساعدة لأي شخص منكوب في البحر[...] بغض النظر عن جنسيته أو وضعه أو الظروف المحيطة به."
أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء عبر المتوسط وأبرز حوادث الغرق خلال 2021
شهدت أعداد الواصلين إلى أوروبا وكذلك الضحايا الذين فقدوا أرواحهم لدى محاولتهم الهجرة واللجوء تزايدًا ملحوظًا خلال عام 2021، إذ تشير الأرقام التي نشرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وصول نحو 116,573 مهاجر وطالب لجوء إلى أوروبا عبر البحر المتوسط خلال عام 2021، أي بزيادة أكثر من 20% عن عام 2020، والذي شهد وصول 88,143 مهاجر وطالب لجوء[2]. وبالمثل شهد عام 2021 تصاعدًا في أعداد الوفيات والمفقودين نتيجة حوادث الغرق في المتوسط، إذ سجل العام الحالي وفاة وفقدان نحو 1,864 شخصًا من طالبي اللجوء والمهاجرين في مياه المتوسط في عام 2021 بما في ذلك 64 طفلًا - بمعدل أكثر من 5 مهاجرين وطالبي لجوء في اليوم الواحد- بزيادة تقدر بنحو 21% عن عام 2020 الذي قضى فيه1,401 شخصًا، وسُجلت معظم الضحايا في منطقة وسط المتوسط.
خلال عام 2021، سجل شهر سبتمبر/ أيلول أعلى الشهور وصولًا للمهاجرين وطالبي اللجوء، حيث وصل في هذا الشهر ما يزيد عن 16,000 منهم إلى الشواطئ الأوروبية، في حين كان شهر يوليو/ تموز 2021 الأكثر مأساوية، إذ توفي وفُقد خلال هذا الشهر 311 مهاجرًا وطالب لجوء، بمعدل أكثر من 10 ضحايا خلال اليوم الواحد.
وشهد عام 2021 بشكل عام عدة حوادث غرق جماعية لقوارب مهاجرين وطالبي لجوء في مياه البحر الأبيض المتوسط، راح ضحيتها مئات منهم. كان من أبرز تلك الحوادث وفاة وفقدان نحو 170 مهاجرًا وطالب لجوء في 3 حوادث منفصلة في النصف الثاني من شهر ديسمبر/ كانون ثان، إذ غرقت القوارب الثلاثة في مناطق متفرقة من البحر المتوسط بعد إبحارها من الشواطئ الليبية تجاه أوروبا[3]. وفي حادثة أخرى في 17 نوفمبر/ تشرين ثان 2021، لقي 75 مهاجرًا وطالب لجوء مصرعهم عقب غرق قاربهم قبالة السواحل الليبية، في حين أنقذ صيادون ليبيون 15 آخرين كانوا على متن القارب.
وفي 11 أكتوبر/تشرين أول، غرق قارب كان يحمل 105 مهاجرًا وطالب لجوء قضى منهم 15 شخصًا، في حين أعاد خفر السواحل الليبي الناجين الـ 90 المتبقين إلى طرابلس. المهاجرون كانوا قد انطلقوا من مدينة زوارة ومعظم المهاجرين ينحدرون من جنسيات دول أفريقية. بعد نحو أسبوعين على الحادثة، في 26 من الشهر ذاته، غرق قارب آخر قبالة جزيرة كيوس التركية كان يحمل 27 مهاجرًا وطالب لجوء، حث أعلنت السلطات التركية عن تمكنها من إنقاذ 20 منهم، فيما استمرت بالبحث عن الباقين.
أما في 21 أبريل/ نيسان، وهو أحد الأيام الذي شهدت أكثر الحوادث مأساوية، فقد لقي نحو 130 مهاجرًا وطالب لجوء مصرعهم بعد غرق قاربهم المطاطي الذي انطلق من السواحل الليبية.
تجريم عمليات الإنقاذ
على مدار أعوام، تمثلت سياسة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع المهاجرين وطالبي اللجوء بالصد والرفض والردع عوضًا عن النظر العادل في طلبات لجوئهم وهجرتهم.على سبيل المثال، في مارس/آذار 2020، علق الاتحاد الأوروبي رسميًا عملية صوفيا ودوريات السفن التي كانت تستخدم لإنقاذ عشرات الآلاف من المهاجرين سنويًا وبات يعتمد الآن على المراقبة الجوية والتنسيق مع السلطات الليبية.
في الوقت ذاته، تؤكد المفوضية الأوروبية باستمرار أن البحث والإنقاذ ليس من اختصاص الاتحاد الأوروبي على الرغم من الأزمة الإنسانية التي تتكشف على حدودها البحرية وتزايد أعداد الوافدين عن طريق البحر. لكن الخطير في هذا الأمر أنه لم يعد يقتصر على الرفض حصرًا، وإنما بدأت دول خط الأمام مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان بانتهاج سياسات أكثر صرامة -وفي غالبيتها- لاإنسانية تجاه طالبي اللجوء والمهاجرين القادمين عبر البحر.
منذ أعوام، اعتبر صناع القرار المحافظون في أوروبا عمليات الإنقاذ تشجيعًا للراغبين في الهجرة واللجوء على ركوب البحر وتعاملوا معها باعتبارها جزءًا من المشكلة لا عملية حتمية لإنقاذ الأرواح. لذلك، بذلت دول أوروبية جهودًا حثيثة وأنفقت مبالغ ضخمة بهدف حماية حدودها، استُخدم جزء منها في عمليات الصد والإرجاع ومنع وتجريم عمليات الإنقاذ.
ورغم عدم وجود علاقة بين ارتفاع أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء عبر البحر وعمليات الإنقاذ، إلا أن بعض الدول الأوروبية مثل ايطاليا واليونان بدأت بتجريمها وملاحقة النشطاء والمنظمات والمبادرات غير الحكومية العاملة على إنقاذ المهاجرين وطالبي اللجوء في البحر متهمةً إياها بالتهريب والاتجار بالبشر. من بين القيود التي فرضتها تلك الدول حجز السفن في الموانئ وسن عقوبات على المنظمات غير الحكومية التي تنفذ عمليات بحث وإنقاذ دون ترخيص أو إذن رسمي من السلطات. وتعرضت المنظمات الإنسانية غير الحكومية العاملة في البحر الأبيض المتوسط لما لا يقل عن 40 قضية جنائية بين عامي 2018 و2020 تمثلت في غرامات إدارية، ومصادرة السفن، أو منع أطقم من المغادرة أو الإرساء.
واعتقلت السلطات الإيطالية "كارولا راكيتي"، القبطان السابق لسفينة الإنقاذ "سي ووتش 3"، في يونيو/حزيران 2019 لأنها رست سفينة الإنقاذ الخاصة بها، وكان على متنها 53 مهاجرًا وطالب لجوء، دون إذن. وشملت التهم الموجهة إليها "المساعدة والتحريض على الهجرة غير الشرعية،" والتي خاطرت بسببها بالسجن لمدة تصل إلى 20 عامًا وغرامات مختلفة تصل إلى 50,000 يورو، قبل أن تسقط السلطات الإيطالية التهم الأخيرة ضدها في ديسمبر/كانون أول 2021.
وفي 1 مارس/آذار 2021، اقتحمت الشرطة الإيطالية مكاتب منظمة "ميديتيرانيا سايفنج هيومنز" غير الحكومية، وداهمت منازل العاملين فيها، وحجزت سفينة "ماري يونيو" التابعة للمنظمة، والتي كانت تنشط في عمليات الإنقاذ، على خلفية اتهام المنظمة بجني الأرباح من عمليات البحث والإنقاذ في البحر المتوسط.
وفي أغسطس/آب 2021، انتظرت سفينتا "أوشن فايكنغ" و"سي ووتش 3" واللتان كانتا تحملان نحو 800 مهاجر وطالب لجوء، عدة أيام في مياه المتوسط بانتظار السماح لهما بإنزال المهاجرين وطالبي اللجوء في ميناء آمن. وبعد عدة نداءات استغاثة نتيجة تدهور الوضع الصحي لعشرات الأشخاص على متن السفينتين، سمحت السلطات الإيطالية لهما بالرسو في أحد موانئها.
وغالبًا ما تبرر السلطات هذه الإجراءات بالتشكيك في شرعية عمل المنظمات غير الحكومية وتمويلها، وتشويه سمعة النشطاء، والادعاء بأن أنشطة البحث والإنقاذ قد تكون بمثابة "عامل جذب" للهجرة غير النظامية، على الرغم من عدم وجود دليل.
وفي نوفمبر/ تشرين أول 2021، أجلّت محكمة يونانية محاكمة 24 متطوعًا بينهم اللاجئة السورية "سارة مارديني"، على خلفية نشاطهم في عمليات إنقاذ مهاجرين في اليونان بين عامي 2016 و2018. واتهمت السلطات اليونانية المتطوعين بـ"التجسس والغشّ والاستخدام غير الشرعي لذبذبات الراديو"، بالإضافة إلى المشاركة في منظمة إجرامية" للمساعدة على "الهجرة غير القانونية"، و"مساعدة شبكات تنظيم تهريب مهاجرين".
وعادةً ما تأتي قرارات الدول الأوروبية بحظر أو معاقبة النشطاء والمنظمات غير الحكومية بعد قيامهم بعمليات إنقاذ تشمل مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الذين كانوا مهددين بالغرق والموت في عرض المتوسط.
وبينما تُجرم سلطات الاتحاد الأوروبي عمليات الإنقاذ غير المرخصة، فإنها ما تزال تصدر التراخيص للنشطاء والمنظمات غير الحكومية الراغبة في تقديم المساعدة وعمليات الإنقاذ، ولكنها تضع العقبات أمام عملها من خلال إجراءات بيروقراطية طويلة.
على سبيل المثال، حولت السلطات اليونانية عملية تسجيل المنظمات غير الحكومية الراغبة بتنفيذ عمليات إنقاذ إلى معركة شاقة بعد سن متطلبات تسجيل جديدة في فبراير/شباط 2020.
وفي سبتمبر 2021، قُدم مشروع قانون جديد إلى البرلمان اليوناني من شأنه جعل إجراء المنظمات غير الحكومية عمليات الإنقاذ في البحر دون النسيق المباشر مع خفر السواحل اليوناني غير قانونيًا، ويترتب على عدم الامتثال غرامة لا تقل عن 500 يورو لكل مشارك، و 3,000 يورو على الأقل للمنظمة، وحكم بالسجن لمدة تصل إلى عام كحد أدنى.
عمليات الصد والإرجاع المتهورة
عمليات الرد هي عمليات طرد جماعي غير قانونية يمكن أن تحدث على أي حدود دولية، سواء في البر أو البحر، وتهدف إلى منع المهاجرين وطالبي اللجوء فعليًا من الوصول إلى الولاية القضائية الإقليمية لدولة ما أو دخولها أو البقاء فيها، وعادةً ما تنطوي عمليات الإعادة على التهديد أو استخدام القوة من قبل مسؤولي الحدود لمنع المدافعين عن حقوق الإنسان أو المهاجرين وطالبي اللجوء من الاقتراب من الحدود، أو لترهيب أولئك الذين نجحوا في عبور الحدود، قبل إعادتهم إلى بلد المغادرة، ولا سيما ليبيا.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل رئيس على الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في تأمين حدوده البرية والبحرية من التهديدات الأمنية وعمليات العبور "غير القانونية".
وقد واجهت الوكالة انتقادات حقوقية حادة وتحقيقات أوروبية رسمية، خاصة خلال عام 2021، لتورطها في العمليات غير القانونية التي تنفذها اليونان لصد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء، والانتهاكات المختلفة التي ترتكبها الوكالة على نحو يخالف مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان الأوروبية والدولية. مع ذلك، عَمد الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة إلى توسيع دور "فرونتكس" وزيادة ميزانيتها وإمكانياتها وموظفيها دون حدود قانونية واضحة، ودون الالتفات إلى نشاطاتها غير القانونية.
جعلت سياسات الهجرة الأوروبية المتشددة وعمليات الصد والإرجاع غير القانونية من البحر المتوسط أحد أخطر طرق الهجرة حول العالم، وزادت في الوقت ذاته من عمليات ابتزاز المهربين للمهاجرين وطالبي اللجوء وتكديسهم في سفن مهترئة، ودفعتهم إلى سلك مسارات وطرق بحرية تتسبب في فقدان وغرق الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء سنويًا.
لجأ الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة إلى عقد اتفاقيات مع دول المصدر، وأبرزها ليبيا، وهي نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، ومنذ عام 2015، قدم الاتحاد الأوروبي حوالي 525 مليون دولار لليبيا للحد من وصول وصد وإرجاع المهاجرين قبل وصولهم إلى المياه الأوروبية دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي قد تنتج من التعامل العنيف لخفر السواحل الليبي مع المهاجرين وطالبي اللجوء.
ووجّه الاتحاد الأوروبي نصيبًا كبيرًا من هذا الدعم لتعزيز قدرات خفر السواحل الليبي وتحديث معداته وتدريب كوادره، لصدّ واعتراض قوارب الهجرة ،دون الأخذ بالاعتبار الممارسات العنيفة التي يتبعها خفر السواحل الليبي ضد المهاجرين وطالبي اللجوء في عمليات الصد والإرجاع، والتي تتنوع بين التعنيف المباشر لهم، أو إتلاف وإعطاب قواربهم وإمكانية إغراق من فيها.
ظروف السجون ومراكز الاحتجاز في ليبيا
ظهرت بشكل واضح خلال عام 2021 نتائج التعاون بين الاتحاد الأوروبي وليبيا في صد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء، حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، اعترض حرس السواحل الليبي ما مجموعه 28,636 طالب لجوء ولاجئ ومهاجر ونزلوا في ليبيا في عام 2021، مقارنة بـ 11,891 في عام 2020، وقد أُعيدوا على الرغم من تكرار المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعواتهم لعدم اعتبار ليبيا "مكانًا آمنًا"، حيث لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة منذ عقد من الزمان هي النظام السائد اليوم.
وعلاوة على ذلك، نُقل معظم المهاجرين العائدين على الفور إلى مختلف مراكز الاحتجاز والسجون التي لا تلبي معايير المعيشة اللائقة وحقوق الإنسان الأساسية وتعرضوا بشكل منهجي للتعذيب والعنف الجنسي والسخرة وغير ذلك من أشكال الاستغلال مع الإفلات التام من العقاب. وفي عدد من الحالات، وثّق فريق المرصد الأورومتوسطي تعاونًا مباشرًا بين قوات خفر السواحل الإيطالية والليبية في عملية اعتراض وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء، إذ أخبر "حسن زكريا عمر" (29 عامًا)، وهو لاجئ سوداني في ليبيا حاول أكثر من مرة الهجرة عبر البحر من ليبيا إلى إيطاليا، فريق المرصد الأورومتوسطي في إفادة سابقة: "في أحد أيام شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019، انطلقت مع مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء في تمام الساعة 12:00 منتصف الليل من منطقة القره بوللي الساحلية شمال غربي البلاد، قاصدين الشواطئ الأوروبية. أبحرنا لمدة 16 ساعة متواصلة، وبعد ذلك ظهرت في السماء طائرة عسكرية -ليست ليبية- يبدو أنّها مخصصة للاستطلاع والتصوير، وبعد مغادرتها للأجواء بنحو 6 ساعات، وصلت زوارق خفر السواحل الليبي وسيطرت على القارب ونقلتنا إلى أحد الزوارق التابعة لها، وفكّكت محرّك القارب الذي كنّا على متنه وأطلقت عليه الرصاص الحي. اقتادنا خفر السواحل إلى ميناء طرابلس، وعندما وصلنا تعرّضنا لضرب مبرح وإهانة كبيرة، ولم يكن هناك تواجد لأي من فرق مفوضية الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر".
وثّق المرصد الأورومتوسطي كذلك تورّط خفر السواحل الليبي المدعوم أوروبيًا في انتهاكات خطيرة خلال عمليات صد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء، وصل بعضها إلى ارتكاب أفعال قد تُفضي إلى وفاة أو فقدان المهاجرين وطالبي اللجوء.
تابع اللاجئ السوداني "حسن زكريا عمر" خلال إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي: "انطلقنا في رحلة الهجرة من مدينة الخُمس الساحلية شمال غربي البلاد، تحرّك القارب في حوالي الساعة 2:00 صباحًا، وأبحرنا لمدة نحو 10 ساعات. وفي اليوم التالي عند الساعة 2:00 مساء، تعطّل محرّك القارب وعلقنا في المياه، ولم يكن أمامنا خيار سوى التواصل مع خفر السواحل الليبي لإنقاذنا، وبالفعل وصلت قوارب خفر السواحل وأجلتنا من القارب، لكنّ الصادم أنّها تركت 6 أشخاص في القارب دون أسباب، ودون وسائل معيشة، وعلى الأرجح فإنّ هؤلاء الستة فارقوا الحياة ببطء لأننا لم نسمع أي أخبار عنهم منذ ذلك الوقت".
التوصيات
شهد عام 2021 وفاة وفقدان أعداد كبيرة من طالبي اللجوء والمهاجرين في البحر المتوسط، في ظل التنكّر الأوروبي الرسمي لجهود الإنقاذ، والاستمرار في عقد الصفقات والاتفاقيات التي تهدف إلى الحد من وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا بغض النظر عن آليات الصد العنيفة ومخاطر الإعادة القسرية إلى دول غير آمنة. وفي ضوء ذلك، يوصي المرصد الأورومتوسطي بالآتي:
- خلق مسارات آمنة وقانونية إلى أوروبا، من أجل الحد من اتخاذ طالبي اللجوء والمهاجرين البحر وسيلة للوصول إلى أوروبا.
- إعادة تفعيل مهمات الإنقاذ والبحث الرسمية الأوروبية وتسيير دوريات دائمة من أجل ضمان استجابة سريعة لحوادث غرق قوارب المهاجرين وطالبي اللجوء في البحر المتوسط.
- التأكد من أن جميع عمليات فرونتكس متوافقة مع القانون الأوروبي والتزامات حقوق الإنسان.
- ضمان الاتحاد الأوروبي احترام خفر السواحل الليبي حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، وحثه على إنهاء جميع الممارسات العنيفة خلال وبعد عمليات الصد والإرجاع.
- فتح الممرات الضرورية للوصول إلى أوروبا لآلاف المهاجرين المحتاجين للحماية والمحاصرين حاليًا بشكل غير قانوني في الحجز التعسفي في ليبيا.