ملخص تنفيذي
تفرض السلطات الإسرائيلية منذ نحو 16 عامًا حصارًا خانقًا على قطاع غزة، طال جميع القطاعات الحيوية؛ الاجتماعية، والاقتصادية والإنسانية. ورغم وصول الحالة الإنسانية في القطاع لمستويات غير مسبوقة من التدهور، وتعاقب 7 حكومات إسرائيلية منذ بدء الحصار، إلا أنّ سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية ضد السكان في غزة ما تزال ثابتة، بشكلٍ يُظهر بوضوح تعمّد إسرائيل إلحاق خسائر مادية ومعنوية كبيرة بأكثر من مليونين و300 ألف نسمة يعيشون في قطاع غزة.
بدأت إسرائيل فعليًا في فرض قيود وعقوبات على قطاع غزة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في يناير/ كانون ثان 2006، ثم قامت بتشديدها على نحو واسع بعد سيطرة حركة حماس عسكريًا على القطاع في منتصف عام 2007.
لم تكتف إسرائيل بفرض قيود مشددة على القطاع، بل نفّذت خلال سنوات الحصار هجمات عسكرية متكررة، منها 4 كبرى كان آخرها في مايو/أيّار 2021، أدّت إلى تعطيل شبه كامل للقدرات الاقتصادية والإنتاجية، وتدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية والمقدرات الاقتصادية والانتاجية، فضلاً عن قتل وجرح الآلاف من المدنيين العزل.
تسبّب الحصار الإسرائيلي طويل الأمد بتضاعف مؤشرات الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. إذ كانت تبلغ نسبة البطالة قبل فرض الحصار –في عام 2005– نحو 23.6%، في حين وصلت عند نهاية عام 2021 إلى 50.2%، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم.
وبالمثل، شهدت معدلات الفقر ارتفاعًا حادًا بفعل إجراءات الإغلاق والحظر الإسرائيلية، إذ قفزت من 40% في عام 2005 إلى 69% في عام 2021.
وعلى المستوى الاقتصادي، تسبب الحصار الإسرائيلي بتراجع حاد في مختلف المؤشرات الاقتصادية في قطاع غزة، وأدّت إجراءات الإغلاق الطويلة وحظر التصدير والاستيراد، والتدمير المباشر للمصانع والمنشآت الاقتصادية خلال الهجمات العسكرية على القطاع، إلى إلحاق خسائر فادحة في القطاعات الاقتصادية والإنتاجية كافة، إذ تسبب الهجوم العسكري الأخير في مايو/ أيّار 2021 وحده بتدمير مئات المنشآت الاقتصادية، بإجمالي خسائر نحو 400 مليون دولار أمريكي.
ويعد القطاع الصحي من أكثر القطاعات تأثرًا بالحصار الإسرائيلي لارتباط الخدمات الصحية بشكل مباشر بمستوى صحة السكان، إذ تعمد السلطات الإسرائيلية إلى منع أو تحديد دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إلى قطاع غزة، ما أدّى إلى تراجع خدمات الرعاية الصحية في قطاع غزة بنسبة 66%.
يستعرض هذا التقرير الذي يصدره الأورومتوسطي بشكل سنوي تأثير الحصار الإسرائيلي- الذي دخل عامه السادس عشر- على مختلف المستويات في قطاع غزة، كما يتناول أبرز الأزمات الإنسانية التي يعانيها السكان في قطاع غزة وتحديدًا في النواحي الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
قطاع معزول
لإســرائيل تاريــخ طويــل فــي عــزل قطــاع غــزة الــذي تعــرض لإغلاقــات عديــدة خـلال الثلاثة عقود الماضيـة، لكـن الحصـار المشـدد الـذي بـدأت بفرضـه عقـب فـوز حركـة حمـاس فـي الانتخابـات التشـريعية عـام 2006 كان شـكلاً غيـر مسـبوق مــن أشــكال العقــاب الجماعــي، حــين أعلنــت إسرائيل قطاع غــزة "منطقــة مغلقــة" وقــررت فـرض عقوبـات إضافيـة علـى النظـام الـذي كانـت تتولـى حركـة حمـاس إدارتـه، ففرضــت القيــود علــى دخــول الوقــود والبضائع وحركــة المواطنــين مــن وإلــى القطــاع.
عام 2007، شددت إسرائيل حصارها على قطاع غزة بعد أن استطاعت حركة حماس السيطرة على القطاع، حيث منعت إدخال المحروقات بكافة أنواعها من بنزين وغاز وديزل، ولم تسمح بإدخال الكثير من السلع، كاللحوم والدواجن والبسكويت، وقلصت مساحات الصيد، وأغلقت جميع المعابر الحدودية.
إلى جانب ذلك، عملت السلطات الإسرائيلية على ترسيخ سياسة عزل قطاع غزة، من خلال فصله عن الضفة الغربية فيما سمي بـ "سياسة الفصل". ترتب عن تلك السياسة التضييق على دخول وخروج الفلسطينيين داخل إلى ومن قطاع غزة، ومنع الطلاب الجامعيين في غزة من تلقي التعليم في جامعات الضفة الغربية، كما جرى منع العديد من الأكاديميين والطواقم الطبية والخبراء من التنقل، بالإضافة إلى حرمان الغالبية العظمى من العائلات داخل وخارج القطاع من الالتقاء ولم الشمل.
الهجمات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة خلال فترة الحصار
شنت القوات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية ثلاثة هجماتٍ عسكريةٍ قاسية خلال الأعوام 2008-2009، و2012، و2014، شهد القطاع كذلك قبلها وبعدها عدة هجمات جوية وأرضية متفرقة.
- عملية الرصاص المصبوب (2008)
بدأت بتاريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول لعام 2008 واستمرت لمدة 21 يومًا، لتنتهي في 18 يناير/ كانون الثاني من عام 2009.
في اليوم الأول من الهجوم، شنت نحو 80 طائرة حربية إسرائيلية مجموعة من الغارات على العديد من المقار الأمنية والحكومية التابعة لحركة حماس، واستمرت الهجمات الجوية مدة 8 أيام، لتتخذ السلطات الإسرائيلية بعد ذلك قرارًا بشن عملية عسكرية برية، شملت مجموعات كبيرة من الدبابات والجنود المشاة والوحدات الخاصة.
خلال فترة الهجوم، ألقت القوات الإسرائيلية قرابة المليون كيلو جرام من المتفجرات في القطاع، متسببة بهدم ما يقرب من 4,100 مسكن بشكلٍ كلي و17,500 آخرين بشكلٍ جزئي، بالإضافة إلى قتل نحو 1,436 فلسطينيًا قتلوا، وإصابة نحو 5,400 آخرين، كان من بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.
- عملية عامود السحاب (2012)
بدأت بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2012، واستمرت لمدة 8 أيام لتنتهي في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2012.
خلال نحو أسبوع من الهجمات العسكرية، قتلت القوات الإسرائيلية نحو 162 فلسطينيًا، وأصابت نحو 1,300 آخرين، كما هدم القصف المروحي 200 منزل بشكلٍ كامل و 1,500 آخرين بشكلٍ جزئي.
- عملية الجرف الصامد (2014)
بدأت بتاريخ 8 يوليو/ تموز لعام 2014، واستمرت لمدة 51 يومًا لتنتهي في 26 أغسطس/ آب من عام 2014.
هذا الهجوم كان من أشد الهجمات العسكرية على قطاع غزة، فخلال تلك الفترة، وثق الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي تنفيذ القوات الإسرائيلية نحو 60,664 غارة برًا وبحرًا وجوًا، أسفرت عن مقتل 2,147 فلسطينيًا، العديد منهم ينتمون لنفس العائلة، وجرح 10,870 آخرين، إضافة إلى تدمير 17,123 منزلًا، منها 2,465 منزلًا دمر بشكلٍ كلي.
- عملية حارس الأسوار (2021)
بدأت العملية بتاريخ 10 مايو/أيار لعام 2021 واستمرت لمدة 11 يومًا، حيث انتهت في 21 مايو/أيار.
أسفر الهجوم عن مقتل 254 فلسطينيًا، بينهم 66 طفلاً و39 امرأة و17 مسنًا، إضافة إلى إصابة نحو 1,948 آخرين بجروح مختلفة، حسب وزارة الصحة الفلسطينية. (وفقًا للإحصاء الميداني لفريق المرصد الأورومتوسطي، وصل عدد الجرحى لـ 2,212)
إغلاق المعابر الحدودية
بعد فرض الحصار على قطاع غزة، أغلقت إسرائيل جميع المعابر الحدودية باستثناء معبر إيرز المخصص لحركة الأفراد ومعبر كرم أبو سالم المخصص لحركة البضائع شمالي القطاع، واللذان يتم إغلاقهما عادةً خلال فترات التوتر الأمني والسياسي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. إلى جانب ذلك، تتحكم مصر بمعبر رفح جنوبي القطاع، حيث يعتمد عليه سكان القطاع عادة في السفر من وإلى غزة كبديل عن معبر إيرز الذي تفرض إسرائيل قيودًا مشددة على عملية الدخول والخروج عبره.
قبـل فـرض إسـرائيل الحصار عام 2006، كان تنقـل الأفراد والبضائـع مـن وإلـى القطـاع يتـم عبـر سـتة معابـر؛ وهـي بيت حانون/ إيـرز، كارنـي، ناحـل عـوز، كـرم أبـو سـالم، ومعبر صوفـا علـى الحـدود مـع إسـرائيل، بالإضافة إلـى معبـر رفـح علـى الحـدود مـع مصـر.
كان متوسـط عـدد شـاحنات التصديـر التـي تغـادر القطـاع يوميًا قبـل عـام 2006 نحـو 70 شـاحنة، بالإضافـة إلـى دخـول نحـو 583 شـاحنة محملـة بالمسـتلزمات والحاجـات الإنسـانية يوميًا. وكان يتـم إدخـال معظـم البضائـع عبر معبـر "كارني" شـمال شـرق قطـاع غـزة، فيمـا كان معبـر "ناحـل عـوز" شـرق مدينـة غـزة الخـط الرئيسـي لدخـول الوقـود الـلازم لتشـغيل محطـة توليـد الكهربـاء.
أغلق معبـر "كارنـي" عـام 2007 ومعبـر "صوفا" فـي شـهر أيلول/سبتمبر 2008، فيما تدخـل معظـم البضائـع إلـى القطـاع حاليًا عبـر معبـر "كـرم أبـو سـالم".
خـلال العامـين اللذيـن تليـا فـرض الحصـار عـام 2006، كان متوسـط عدد الشـاحنات التـي دخلـت إلـى القطـاع نحـو 112 شـاحنة يوميًا، وهـو مـا يمثـل نحـو خُمـس عـدد الشـاحنات التـي كان يُسـمح بدخولهـا قبـل فـرض الحصـار.
وتم بعـد ذلـك منـع تصديـر البضائـع خـارج القطـاع باستثناء عـدد قليـل منهـا. أمـا معبـر بيت حانون/إيرز، والـذي تم تجهيـزه لاسـتيعاب أعـداد كبيـرة مـن المسـافرين يوميًا، فيتعامـل مـع أعـداد قليلـة مـن الأجانـب العاملـين فـي مؤسسـات إغاثيـة دوليـة أو الصحافيـين، بالإضافـة إلـى عـدد قليـل مـن الفلسـطينيين الذين يُسـمح لهـم بمغـادرة القطـاع لدواعٍ إنسـانية كالعـلاج أو للدراسـة فـي الخـارج.
اسم المعبر |
الحالة |
تاريخ الإغلاق |
الاستخدام |
معبر كارني |
مغلق |
2007 |
نقل البضائع في كلا الاتجاهين |
معبر صوفا |
مغلق |
2008 |
نقل مواد البناء للقطاع |
معبر ناحل عوز |
مغلق |
2010 |
إدخال الوقود للقطاع |
أولًا: حرية الحركة
لدى سكان قطاع غزة منفذين فقط للتنقل؛ وهما معبر رفح البري المحاذي لمصر، والخاضع لسيطرة السلطات المصرية، ومعبر إيرز الواقع شمالي القطاع والخاضع للسيطرة الإسرائيلية.
حرية الحركة عبر معبر إيرز
يواجه الفلسطينيون قيودًا عديدة ومعقدة بمجرد اتخاذهم قرارًا بالسفر من أو إلى قطاع غزة عبر معبر إيرز الذي تتحكم به إسرائيل. ويخوض الفرد عادةً إجراءات طويلة تبدأ بمتابعات بيروقراطية لتسجيل اسمه للسفر والفحص الأمني لدى السلطات الإسرائيلية، يليها فترة انتظار قد تمتد لعدة أسابيع أو أشهر للحصول على الموافقة الإسرائيلية وتصريح يسمح له بالدخول والخروج، غير أن الحصول على هذا التصريح مشروط باستيفاء بعض المعايير التي وضعتها السلطات الإسرائيلية، والتي تتسم بكونها ضيقة ومتغيرة بين فترةٍ وأخرى.
وحتى في حال حصولهم على تصاريح، قد يرفض الأمن الإسرائيلي عبور أشخاص عند وصولهم للمعبر بهدف المغادرة دون إبداء أسباب واضحة. كما تلرسل السلطات الإسرائيلية للتجار بلاغات بين الفينة والأخرى تفيد بسحب التراخيص التي بحوزتهم فيما يعرف بـ "المنع الأمني"، بما في ذلك رجال أعمال قدامى ومعروفون، كانوا قد دخلوا وخرجوا من خلال معبر إيرز عشرات المرات على مدار سنواتٍ عدة، مع عدم إعطاء أي تفسيرات لهذا المنع.
وتفتح السلطات الإسرائيلية معبر إيرز لبعض الفئات، وهي فئات محددة تتمثل في:
< >حملة التصاريح التجارية.المرضى ومرافقيهم.حالات إنسانية استثنائية. (مثل الزواج، الوفاة، المرض).وعلى الرغم من أن هذه الفئات حددت للعبور على وجه الخصوص، إلا أن معالجة طلباتها تستغرق وقتًا طويلًا، فقد تستغرق معالجة الطلب الخاص بزيارة قريب مريض ما يزيد عن 50 يوم عمل (دون أن يُمنح التصريح في أغلب الحالات)، أما طلب المريض الذي يحتاج للعلاج أو إجراء عملية جراحية عاجلة فقد يستغرق ما يزيد عن 23 يوم عمل.
قبل فرض الحصار على قطاع غزة بلغ المعدل الشهري لخروج الفلسطينيين من معبر إيرز بحسب منظمة غيشاه (مسلك) حوالي 30,000 حالة خروج، وفي عام 2020، بلغ المعدل الشهري لحالات الخروج من قطاع غزة حوالي 4,600 حالة، أما في عام 2021، فقد بلغ المعدل الشهري لحالات الخروج نحو 8,954 حالة، أي بتراجع بلغ نحو 70% عن معدل ما قبل فرض الحصار عام 2006.[1]
جدول يوضح إحصائيات الخروج عبر معبر إيرز من يناير 2010 حتى نوفمبر 2020
الشهر |
2010 |
2011 |
2012 |
2013 |
2014 |
2015 |
2016 |
2017 |
2018 |
2019 |
2020 |
2021 |
يناير |
2119 |
3027 |
4464 |
4514 |
6372 |
10159 |
15388 |
8669 |
6150 |
12617 |
25617 |
1440 |
فبراير |
1818 |
2924 |
3855 |
3935 |
6032 |
11909 |
14155 |
7301 |
6367 |
11282 |
21032 |
1463 |
مارس |
2239 |
3293 |
3659 |
3591 |
6304 |
13280 |
14823 |
6078 |
8710 |
10187 |
5533 |
1716 |
أبريل |
1791 |
3008 |
3661 |
3687 |
5641 |
13300 |
13137 |
4677 |
6466 |
11863 |
222 |
1818 |
مايو |
1997 |
- |
4088 |
4531 |
6704 |
15888 |
14605 |
5324 |
8525 |
12361 |
213 |
583 |
يونيو |
2413 |
- |
4053 |
4650 |
4503 |
18418 |
12493 |
5761 |
9506 |
15471 |
218 |
1603 |
يوليو |
2197 |
3501 |
4372 |
5337 |
1133 |
19100 |
11949 |
6683 |
11522 |
18732 |
303 |
1777 |
أغسطس |
2183 |
2799 |
3581 |
5150 |
1582 |
17800 |
13447 |
6173 |
9671 |
15627 |
367 |
4598 |
سبتمبر |
1608 |
3493 |
3132 |
4979 |
5939 |
11804 |
11050 |
5126 |
5263 |
16609 |
367 |
7267 |
أكتوبر |
2354 |
3076 |
3000 |
5908 |
8666 |
10745 |
7101 |
4812 |
10187 |
14993 |
612 |
16639 |
نوفمبر |
2211 |
2876 |
2541 |
5502 |
8835 |
14990 |
9239 |
5716 |
8556 |
17442 |
956 |
20391 |
ديسمبر |
2949 |
3538 |
4619 |
5410 |
12927 |
13880 |
8409 |
5241 |
12402 |
22330 |
- |
24077 |
المصدر: مسلك
حرية الحركة عبر معبر رفح
بينما تُمنع الغالبية العظمى من سكان القطاع من الخروج عبر معبر إيرز للسفر، يبقى معبر رفح المتنفس شبه الوحيد لهم، حيث يعتمد عليه السكان بشكل أساسي في السفر إلى مصر ومنها إلى دول أخرى.
قبل فرض الحصار على قطاع غزة، بلغ المعدل الشهري لدخول وخروج سكان القطاع عبر معبر رفح نحو 40,000 حالة شهريًا، غير أن ذلك تغير منذ يوليو/تموز 2013 بسبب الأوضاع السياسية في مصر، والتي أثرت على عمل المعبر بشكلٍ كبير وتسببت في إغلاقه لفترات طويلة، ما أدى إلى تفاقم الحالات الإنسانية بشكلٍ غير مسبوق.
منذ مايو/أيار 2018 بدأ يعمل المعبر بشكلٍ شبه منتظم. على الرغم من ذلك، بقيت ظروف الخروج والدخول عبر معبر رفح تشكل معاناة كبيرة للمسافرين. على سبيل المثال، يحتـاج الشـخص الراغـب بالخروج من قطاع غزة عبر معبر رفح للتسـجيل والانتظـار فـي كشــوفات ضمــن عشــرات الآلاف مــن الأشــخاص حتــى يحيــن دوره. تمتد تلك الفتــرات أحيانًا حتــى ثلاثة أشهر أو أكثر، الأمـر الـذي يترتـب عليـه تعطـل مصالـح المسـافرين، ويؤثـر علـى فرصهـم الطبيـة والتعليميـة والمهنيـة، فضلاً عن تعقيدات السفر عن طريق سيناء والذي يتسم بالخطر الشديد في كثير من الأحيان.
في عام 2020، بلغ المعدل الشهري لدخول وخروج الفلسطينيين عبر معبر رفح نحو 4,245 حالة، وهو العام الذي تأثر فيه عمل المعبر بشكلٍ أساسيٍّ بتفشي جائحة كورونا، حيث أغلق لأيامٍ ممتدة، وبقي مئات الآلاف، بمن في ذلك مرضى وطلاب وأصحاب أعمال، ينتظرون الخروج والدخول عبر المعبر. أما خلال عام 2021، فقد تحسن عمل المعبر بشكل ملحوظ، وفُتح في أغلب أيام العام أمام عشرات الآلاف من السكان.
خلال عام 2021، شهد معبر رفح تحسنًا ملحوظًا في حركة المسافرين من وإلى قطاع غزة، حيث ارتفع المعدل الشهري لدخول وخروج الأفراد عبر معبر رفح ليبلغ نحو 15,000 حالة[2] للمرة الأولى منذ عام 2013.
جدول يوضح إحصائيات الدخول والخروج عبر معبر رفح من يناير 2010 حتى ديسمبر 2021
الشهر |
2010 |
2011 |
2012 |
2013 |
2014 |
2015 |
2016 |
2017 |
2018 |
2019 |
2020 |
2021 |
يناير |
- |
12361 |
32834 |
42897 |
4316 |
2727 |
- |
5719 |
- |
5715 |
13982 |
0 |
فبراير |
- |
3363 |
32037 |
33596 |
6993 |
- |
3561 |
2900 |
3581 |
8548 |
12474 |
14,657 |
مارس |
- |
8666 |
29925 |
37918 |
6607 |
2443 |
- |
4191 |
1520 |
13296 |
6287 |
13,527 |
إبريل |
- |
9935 |
30500 |
39247 |
6479 |
- |
- |
- |
4876 |
13699 |
1636 |
10,398 |
مايو |
- |
15243 |
32573 |
35244 |
4949 |
1629 |
1959 |
3068 |
8765 |
12988 |
1168 |
10,567 |
يونيو |
- |
8767 |
32573 |
55995 |
9325 |
6446 |
5856 |
- |
12137 |
9817 |
14 |
17,370 |
يوليو |
22171 |
31681 |
51665 |
16295 |
7292 |
- |
2761 |
- |
12294 |
18378 |
0 |
17,639 |
أغسطس |
26301 |
27466 |
29380 |
11242 |
12149 |
5757 |
1565 |
8416 |
14228 |
13769 |
2986 |
19,959 |
سبتمبر |
21538 |
30617 |
42916 |
6503 |
19991 |
3307 |
9595 |
3361 |
13321 |
14928 |
4359 |
18,965 |
أكتوبر |
15091 |
29939 |
37009 |
11641 |
13728 |
4055 |
6661 |
- |
9731 |
12127 |
0 |
17,257 |
نوفمبر |
21418 |
25761 |
37479 |
5952 |
2688 |
- |
4413 |
4011 |
8176 |
10249 |
8033 |
20,162 |
ديسمبر |
12480 |
27561 |
30489 |
5238 |
- |
2386 |
5866 |
3493 |
9327 |
12547 |
- |
20,400 |
المصدر: مسلك
ثانيًا: نقل البضائع
يعمل معبر كرم أبو سالم -والذي تتحكم به السلطات الإسرائيلية شمالي قطاع غزة- لدخول وخروج شاحنات البضائع من وإلى القطاع لمدة خمسة أيام في الأسبوع (من الأحد إلى الخميس)، ويتأثر عمله بشكل ملحوظ أو يتم إغلاقه بشكل كامل في فترات التوتر السياسي والأمني وخلال العمليات العسكرية الإسرائيلية على القطاع، أو في مناسبات الأعياد الإسرائيلية.
خلال فتح المعبر بشكل كامل، تمنع السلطات الإسرائيلية دخول عدد كبير من البضائع المدنية إلى القطاع. فمنذ أن فرضت إسرائيل الحصار على قطاع غزة، أعدت قائمة (غير معلنة) تتضمن السلع المسموح فقط بإدخالها للقطاع، وهو ما يعني منع باقي السلع غير الموجودة في هذه القائمة.
وعادة ما يعتمد سكان القطاع على معبر كرم أبو سالم بشكل كبير في إدخال المواد اللازمة، والتي لا يمكن إنتاجها أو تصنيعها في غزة، بما في ذلك المواد الخام اللازمة للبناء والصناعات والوقود والمعدات الطبية والأطعمة المعلبة والفواكه وغيرها.
خلال عام 2021، أغلقت السلطات الإسرائيلية معبر كرم أبو سالم لعدة أيام ولمرات متفرقة، كان أبرزها فترة الإغلاق الكامل التي امتدت لنحو أسبوعين متواصلين خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار. وسمحت السلطات الإسرائيلية بدخول عدد كبير من المواد المسموح بها إلى القطاع خلال عام 2021، عدا عن مواد البناء التي منعت دخولها لنحو 111 يومًا متواصلًا (منذ بدء الهجوم العسكري في 10 مايو/أيار وحتى 30 أغسطس/آب).
ومارست السلطات الإسرائيلية قيودًا مشددة في إدخال مواد البناء، مع استمرار منع كافة السلع "ثنائية الاستخدام"، والتي تعتقد السلطات الإسرائيلية أنها قد تكون قابلة للاستخدام العسكري. وضعت إسرائيل أنواع هذه السلع في قائمة طويلة تضمنت معدات طبية، ومواد ضروية لقطاع الزراعة والصيد، ومعدات اتصالات وغيرها من السلع الأخرى. وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية ترى بأن هذه السلع ثنائية الاستخدام، إلا أن الكثير منها يبقى ضروريًا للحياة اليومية ولتطوير الاقتصاد في قطاع غزة.
حركة البضائع عبر معبر كرم أبو سالم مع إسرائيل
قبل نحو عامٍ من فرض الحصار على القطاع–عام 2005- بلغ المعدل الشهري لدخول الشاحنات لقطاع غزة عبر معابر إسرائيل حوالي 10,400 شاحنة، وكان يتم ذلك عبر معبر كارني المخصص لنقل البضائع. إلا أنه وبعد فرض الحصار، أغلقت السلطات الإسرائيلية معبر "كارني" في يونيو/حزيران 2007، ثم أغلقت معبر "صوفا" المخصص لنقل مواد البناء في عام 2008، وأكملت ذلك بإغلاق معبر "ناحل عوز" المخصص لنقل المحروقات إلى القطاع في عام 2010.
منذ ذلك الحين، وبالتحديد من عام 2007 إلى عام 2010 أصبح المعدل الشهري لدخول الشاحنات حوالي 2,400 شاحنة فقط، أي حوالي 23% مقارنة بالمعدل الشهري لدخول الشاحنات قبل فرض الحصار، وأصبح معبر كرم سالم هو المعبر الوحيد المخصص لنقل البضائع من وإلى قطاع غزة.
في النصف الأول من عام 2021، بلغ المعدل الشهري لدخول الشاحنات إلى قطاع غزة حوالي 6,087 شاحنة[3]، وهو رقم يمثل نحو 50% مما يحتاجه القطاع مع الأخذ بعين الاعتبار الزيادة السكانية عن عام 2005 وعدد الشاحنات في ذلك العام.
أما فيما يتعلق بخروج الشاحنات من قطاع غزة (التصدير) إلى إسرائيل والضفة الغربية والخارج، فوفقاً لاتفاق المعابر الموقع عليه في عام 2005، وافقت إسرائيل على خروج 400 شاحنة يوميًا من قطاع غزة أي بمعدل 12,000 شاحنة شهريًا، وذلك وفق تقديراتها لإمكانيات قطاع غزة في التصدير.
في عام 2005 خرج من قطاع غزة ما يقارب الـ 10,000 شاحنة، بمعدل ما يقارب 833 شاحنة شهريًا. إلا أنه ومنذ فرض الحصار، وبالتحديد من يونيو/حزيران 2007 وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بلغ عدد الشاحنات الخارجة من قطاع غزة شهريًا حوالي 14.7 شاحنة، أي ما يعادل 1.5% من المعدل الشهري للشاحنات الخارجة من القطاع قبل فرض الحصار. وفي النصف الأول من عام 2020 خرج من قطاع غزة نحو 316 شاحنة فقط شهريًا، أي ما يعادل نحو 38% من أعداد الشاحنات التي كانت تخرج قبل فرض الحصار.
في عام 2021، انخفض عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم بشكل واصح خلال وبعد الهجوم العسكري الإسرائيلي، حيث بلغ المعدل الشهري خروج الشاحنات في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني – أبريل/نيسان نحو 443 شاحنة، مقابل نحو 139 شاحنة فقط شهريًا في الفترة ما بين مايو/أيار – أغسطس/آب.
وبشكل عام، فقد بلغ المعدل الشهري للشاحنات الصادرة من القطاع عبر معبر كرم أبو سالم خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021 نحو 290[4] شاحنة، أي ما يعادل 2.4% فقط من المعدل الشهري للشاحنات الصادرة عام 2005، قبل عام واحد من فرض الحصار على قطاع غزة.
حركة البضائع عبر بوابة صلاح الدين مع مصر
تبقى حركة دخول البضائع من مصر عن طريق بوابة صلاح الدين المحاذية لمعبر رفح ذات أهمية كبيرة، نظرًا لنوع البضائع التي تدخل من خلالها، والتي يحتاجها القطاع بشكلٍ مستمر ويُمنع دخولها عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي؛ مثل الوقود ومواد البناء والسلع الغذائية والمستلزمات المنزلية. مع ذلك، فإن البوابة تعمل بشكل محدود لا يلبي حاجات أكثر من مليوني نسمة في القطاع. تدير هذه البوابة شركات خاصة تحت تحكم ومراقبة الجيش المصري وسلطات حكومة حماس في غزة.
وتعمل هذه البوابة ثلاثة أيام في الأسبوع (الأحد والثلاثاء والخميس) بشكل أحادي فقط، حيث تدخل من خلال البضائع إلى قطاع غزة، فيما لا يمكن تصدير البضائع من خلالها إلى مصر والخارج. لكن في أغسطس/آب 2021، سمحت السلطات المصرية للمرة الأولى منذ تشديد الحصار على القطاع عام 2007 بدخول خمس شاحنات محملة بـ "خردة الحديد" إلى مصر.
في يونيو 2021، طلبت السلطات الإسرائيلية من مصر منع دخول الإسمنت ومواد بناء أخرى عبر بوابة صلاح الدين إلى قطاع غزة، ب هدف منع وصولها إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة للاستخدام العسكري.
وشهدت بوابة صلاح الدين إغلاقات عدة خلال عام 2021. نتيجة لذلك، تكبد مئات التجار خسائر قُدرت بنحو 36,000 شيكل إسرائيلي (11,600 دولار أمريكي) على الأقل أسبوعيًا بحسب رئيس جمعية النقل الخاص في قطاع غزة، حيث تتكبد كل شاحنة في حالة توقف عمل المعبر نحو 600 شيكل إسرائيلي (نحو 200 دولار أمريكي) يوميًا.
ويدخل بالمعدل الشهري نحو 2000 – 2,400 شاحنة عبر بوابة صلاح الدين بحسب جمعية النقل الخاص في القطاع. وبرغم أهمية البوابة في دخول المواد والسلع التي لا يتم دخولها عبر معبر كرم أبو سالم مع إسرائيل، إلا أنها تلبي نحو 20% فقط من المواد اللازمة لتغطية احتياجات سكان قطاع غزة.
انهيار الاقتصاد
شهد قطاع الاقتصاد في غزة انهيارات متتالية خلال سنوات الحصار. فبمجرد فرض الحصار عام 2006، دخل اقتصاد غزة حالة من الركود، حين شمل الحصار إغلاقًا شبه كلي للمعابر التجارية، الأمر الذي تسبب في شـل الحركة الاقتصادية، خاصـة فـي الفتـرات التـي تشن فيهـا القوات الإسرائيلية هجمـات عسـكرية علـى القطـاع.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، تقلصت مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني الكلي بمقدار النصف، لتصل خلال عام 2021 إلى ما لا يزيد عن 18% فقط.[5]
فاقم هذا الانهيار الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021، والذي استمر لـ 11 يومًا، وثق المرصد الأورومتوسطي خلالها تنفيذ الجيش الإسرائيلي هجمات دقيقة ومركزة على منشآت اقتصادية تحوي مصانع ووحدات إنتاجية وخدمية، استُهدفت بشلك مباشر إما بغارات الطيران الحربي الإسرائيلي أو قذائف المدفعية الموجهة. وطالت الاستهدافات بشكل محدد مصانع تعمل في إنتاج المنتجات البلاستيكية والنايلون والمنتجات الغذائية، إضافة إلى مشاريع الطاقة المتجددة.
وعمد الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم إلى استهداف مدينة غزة الصناعية بشكل مباشر، وهي من أكبر التجمعات الصناعية والإنتاجية في القطاع، إذ تضم عشرات المصانع والشركات التي كانت تشغِّل مئات العاملين، ويجري داخلها جزء كبير من العمليات الإنتاجية لمصانع القطاع.
وبحسب توثيق الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي، فقد ألحقت الهجمات الإسرائيلية المباشرة دمارًا واسعًا في المنشآت الاقتصادية في القطاع، بما في ذلك تدمير وإلحاق أضرار بنحو 1,500 منشأة اقتصادية، بما في ذلك ما يقرب من 100 مصنع، وتدمير بنايات وأبراج سكنية تضم محال تجارية متعددة الخدمات، واستهداف ورش صناعية ومؤسسات تعليمية ومراكز تدريب، وقصف أراضٍ زراعية بمساحات واسعة، تضم بعضها مزارع تربية المواشي والدواجن.
إلى جانب ذلك، فقد لحق ضرر كبير بقطاع الصيد جراء إغلاق البحر ومنع الصيد طوال فترة الهجوم وما بعده، وتكرار تقليص مساحة الصيد بين الحين والآخر كنوع من العقاب الجماعي.
وقد بلغ إجمالي الخسائر والأضرار المادية في قطاع غزة بين 290 – 380 مليون دولار أمريكي، وكانت القطاعات الاجتماعية الأكثر تضررًا (140 – 180 مليون دولار)، حيث شكلت أكثر من نصف إجمالي الضرر. وشكلت الخسائر في قطاع الإسكان نحو 93% من إجمالي الأضرار التي لحقت بالقطاع الاجتماعي، فيما جاءت القطاعات الإنتاجية والاقتصادية في المرتبة الثانية من إجمالي حجم الخسائر، حيث تكبدت قطاعات الزراعة والخدمات والتجارة والصناعة أكبر الخسائر، بحسب تقييم سريع للأضرار والاحتياجات في غزة أجراه البنك الدولي عن الفترة ما بين 25 مايو/أيار – 25 يونيو/حزيران. أما على صعيد توقف التدفقات الاقتصادية والإنتاج والخدمات، فقد تسبب الهجوم الإسرائيلي بخسائر تتراوح قيمتها بين 105 – 190 مليون دولار.[6]
ونتيجة للاستهدافات المباشرة التي تكبدتها القطاعات الاقتصادية، وخاصة القطاع الزراعي الذي تعتمد عليه شريحة واسعة من سكان قطاع غزة، ضعفت القدرة التسويقية للعديد من المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية نتيجة تقييد الحركة وصعوبة الوصول للأراضي الزراعية والمنشآت الحيوانية والسمكية وكذلك تعطل الأسواق، بالإضافة إلى غياب الفرصة التصديرية للعديد من المنتجات الزراعية والأسماك، ما أدى إلى انخفاض الأسعار بصورة حادة في العديد من السلع مسببة خسائر فادحة لدى المنتجين.
وبشكل عام، فإن الهجمات العسكرية المتكررة على القطاع، إلى جانب الحصار المطبق والاحتلال طويل الأمد كبد السكان خسائر اقتصادية فادحة. فبحسب تقرير للأونكتاد صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فإن التكلفة الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة خلال العقد الماضي قدرت بـ 16.7 مليار دولار، وهو ما يعني أن نصيب الفرد الواحد من الخسائر الاقتصادية بفعل الحصار بلغ نحو 9 آلاف دولار، وذلك بسبب الإغلاق طويل الأمد والعمليات العسكرية التي تعرض لها القطاع خلال فترة الحصار.
وبقيت نسبة البطالة في قطاع غزة من بين الأعلى في العالم، فبعد أن كانت تصل إلى نحو 23.6% عام 2005، وصلت في 2021 إلى حوالي 50.2%.[7]
هذه الأزمات الاقتصادية صاحبها انكماش في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 27%، وقفزت معدلات الفقر من 40% في عام 2005 إلى 69% خلال عام 2021.
عقب الهجوم الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021، كان نحو 62% من السكان الذين تجاوز عددهم المليوني نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي.[8]
القطاع الزراعي
يعد القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات الاقتصادية في غزة، حيث يعمل في هذا المجال نحو 40,000 فرد يعيلون ما يقدر بحوالي 200,000 شخص في قطاع غزة.
مع ذلك، فإن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة في ظلا لتضييقات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، والاستهدافات المباشرة التي تطال الأراضي الزراعية في فترات دورية خلال العام.
وتمتد سيطرة السلطات الإسرائيلية لتصل إلى الأراضي الزراعية في قطاع غزة، حيث تفرض "منطقة عازلة" عرضها 300 متر من السياج الفاصل. وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية تعلن بأنها تسمح للمزارعين بالوصول حتى مسافة 100 متر من السياج بشرط التنسيق المسبق، إلا أن الممارسات العملية تثبت عكس ذلك، إذ يتعرض المزارعون لأخطارٍ جسيمة عند الاقتراب من تلك المنطقة، ولا يستطيعون ممارسة أعمالهم بشكلٍ طبيعي هناك.
وظل تطبيق هذه المسافات معمولاً به حتى سبتمبر/أيلول من عام 2005، حيث أعلنت السلطات الإسرائيلية أن مسافة 150 مترًا على الأقل عن السياج الفاصل هي المسافة التي يسمح لسكان القطاع الاقتراب منها، ثم وسعت المسافة في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2008 لتصبح 300 مترًا.
غير أن شن إسرائيل الهجوم العسكري على القطاع في كانون أول/ ديسمبر 2008 أدى إلى فرض مسافة جديدة – كنوع من العقاب بسبب الحرب- تبعد ما بين 1,000 حتى 1,500 مترًا عن السياج الفاصل، يحظر فيها على السكان والمزارعين الفلسطينيين الوصول لها، وهي المسافة التي تشكل حوالي 17% من مجموع أراضي القطاع و35% من الأراضي الزراعية.
علاوة على ذلك، عمدت القوات الإسرائيلية خلال سنوات الحصار والهجمات العسكرية إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، شملت خسارات باهظة تكبدها المزارعون وأصحاب الأراضي.
بعد الهجوم العسكري عام 2012، سمحت إسرائيل بوصول السكان لمسافة تبعد 100 مترًا عن السياج الفاصل، ثم في عام 2013 فرضت حظرًا جديدًا تمثل بمنع اقتراب السكان من مسافة 300 متر.
وبالرغم من أن إسرائيل تحدد المسافات المسموح الوصول لها والمسافات المحظورة، والتي بموجبها يلتزم المزارعون الفلسطينيون خشية استهدافهم في حال تجاوزها، إلا أن القوات الإسرائيلية تستهدف في كثير من الأحيان حتى أولئك الموجودين في المساحات المسموح بها، دون مبررات موجبة لهذا الاستهداف، وتنفذ عمليات توغل دورية للأراضي الزراعية التي يعمل بها المزارعون في المناطق الآمنة.
إلى جانب ذلك، تعمد القوات الإسرائيلية إلى رش المبيدات الحشرية على طول السياج الأمني الممتد على طول 40 كيلو مترًا شرقي قطاع غزة، فيما يبدو بهدف منع نمو الأشجار لكشف المنطقة لاعتبارات أمنية. وتكبدت عمليات الرش المزارعين عادة خسائر باهظة تقدر بمئات آلاف الدولارات على مدار العام.
واستمرت عمليات الرش خلال عام 2021 لعدة مرات، حيث رشت طائرات مسيرة إسرائيلية مساحات واسعة من الأراضي المحاذية للسياج الفاصل شرقي قطاع غزة.
إلى جانب ذلك، تكبد المزارعون خلال عام 2021 خسائر كبيرة نتيجة فتح إسرائيل عبارات مياه الأمطار شرقي وشمالي القطاع، حيث أغرقت مياه الأمطار مساحات واسعة تقدر بنحو 700 دونم من الأراضي الزراعية المزروعة بالمحاصيل، ما أدى إلى إتلافها بالكامل، فيما بلغت الخسائر نحو نصف مليون دولار، بحسب الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة.
خلال الهجوم العسكري في شهر مايو/أيار 2021، استهدفت القوات الإسرائيلية مساحات واسعة من الزراعية، بما فيها من أشجار ومزروعات ودفيئات زراعية وآبار مياه، إلى جانب استهداف مزارع الدواجن والمواشي بأنواعها المختلفة. كما نفذت القوات الإسرائيلية سياسة السيطرة النارية على الأراضي الزراعية الحدودية، ما أدّى إلى منع المزارعين من الوصول الى أراضيهم وممارسة أعمالهم الزراعية، الأمر الذي ترتب عليه تلف مئات الدونمات الزراعية من خضار (مكشوفة ودفيئات) وأشجار، إما نتيجة الاستهداف المباشر أو نتيجة انقطاع مياه الري على المحاصيل الزراعية خلال أيام الهجوم.
إلى جانب ذلك، عانى مربو الثروة الحيوانية (دواجن ومجترات واستزراع سمكي ونحل) من خسائر فادحة تمثلت بنفوق أعداد كبيرة من الطيور والحيوانات نتيجة انقطاع الامدادات من الأعلاف الحيوانية بسبب إغلاق المعابر الحدودية. ومن جهة أخرى لحقت أضرار بليغة بكل من المنشآت الزراعية ومصانع الأعلاف والآبار والخطوط الناقلة الرئيسة والفرعية والبرك الزراعية ومحطات الاستزراع السمكي ومخازن الأعلاف ومخازن المعدات الزراعية والمبيدات ومزارع النحل.
وعقب الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع في مايو/أيار، زار الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي مواقع 6 مزارع في مختلف مناطق قطاع غزة، وأجرى مقابلات مع أصحاب مزارع متضررة، أفادوا من خلالها بحجم الخسائر التي تكبّدوها بفعل الهجوم الإسرائيلي.
الأضرار التي طالت الإنتاج النباتي خلال الهجوم العسكري على غزة – مايو/ أيار 2021
القطاع |
نوع الضرر |
الوحدة |
عدد الوحدات المتضررة |
قطاع الإنتاج النباتي |
أشجار فاكهة |
شجرة |
14,730 |
الخضار |
دونم |
25,000 |
|
محاصيل حقلية |
دونم |
8,310 |
|
الدفيئات كلي في المنشأة |
دونم |
20 |
|
الدفيئات جزئي في المنشأة |
دونم |
2,100 |
|
المزروعات في الدفيئات |
دونم |
2,000 |
|
تدمير مشاتل بشكل كلي |
مشتل |
5 |
|
تدمير الأشتال في المشاتل |
شتلة |
1000000 |
|
حفر زراعية |
حفرة |
220 |
|
أسمدة |
طن |
150 |
|
مبيدات |
لتر |
1,000 |
الأضرار التي طالت الإنتاج الحيواني خلال الهجوم العسكري على غزة – مايو/أيار 2021
القطاع |
نوع الضرر |
الوحدة |
عدد الوحدات المتضررة |
قطاع الإنتاج الحيواني |
حظائر الأبقار والأغنام |
مزرعة |
100 |
نفوق أبقار |
بقرة |
150 |
|
نفوق أغنام |
اغنام |
600 |
|
كلي دواجن |
مزرعة |
90 |
|
نفوق دجاج لاحم من المزارع |
دجاجة |
1,000,000 |
|
نفوق دجاج بياض |
دجاجة |
40,000 |
|
نفوق أرانب وطيور منزلية |
طير |
50,000 |
|
خلايا النحل |
خلية نحل |
7,000 |
|
الحليب |
لتر |
330,000 |
قطاع الصيد
تقضي اتفاقية أوسـلو التــي وقــعت عليهــا كل مــن منظمــة التحرير الفلسطينية وإسـرائيل عام 1994 بالسماح للفلسطينيين بالإبحار حتى مسافة 20 ميلاً بحرياً (37 كيلو مترًا) مقابل شـواطئ قطاع غـزة. مــع ذلــك، فإنــه دائمـا ًمـا يتـم منـع الفلســطينيين مـن الوصـول لتلـك المسـافة وإرجاعهـم لمســافات تقــل عــن 12 ميــلاً بحريًا.
ونظرًا للتقييد والاعتداءات الدورية والمنع في إدخال المستلزمات الضرورية لاستمرار الصيادين في ممارسة عملهم، انخفض عدد العاملين في مجال الصيد من حوالي 10,000 في عام 2000 إلى نحو 4,000 صياد، ونحو 500 آخرين يعملون في المهن المرتبطة بالصيد، مثل تجار السمك، والميكانيكيين، والكهربائيين، وبنائي المراكب، وتجار أدوات الصيد خلال عام 2021، حيث يعيل هؤلاء ما يقدر بنحو 50,000 فرد، وهو ما يعني أن التأثير على مورد رزق هؤلاء الصيادين من شأنه أن يهدد حياة عشرات الآلا من المواطنين في غزة.
ويعاني الصيادون في قطاع غزة بشكل دائم من عدم قدرتهم على ممارسة عملهم بحرية في المنطقة المسموح لهم بالإبحار والعمل فيها نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وتحديد مساحة الصيد التي تتراوح بين 6 إلى 15 ميلًا بحريًا في أحسن الأحوال، إضافة لحظر توريد المعدات والتجهيزات اللازمة للصيادين.
وتقوم إسرائيل بشكلٍ روتيني بتقليص مساحة الصيد أمام الصيادين في غزة، ففي عام 2006 قلصت إسرائيل مساحة الصيد إلى 10 أميال بحرية، ثم قلصتها بعد ذلك إلى 6 أميال بحرية، ومرة ثالثة إلى 3 أميال بحرية وذلك في عام 2009 عقب عملية "الرصاص المصبوب". في بداية عام 2019، أعلنت إسرائيل عن توسيع مساحة الصيد حتى 12 ميلاً بحرياً، ثم سمحت بالصيد حتى 15 ميلاً بحرياً، إلا أنها خلال عام 2019 قلصت المساحة المسموح الصيد فيها 9 مرات كإجراء عقابي جماعي، أربعة منها أغلق فيه البحر كلياً.
في عام 2021 استمرت إسرائيل بالعمل بهذه السياسة، وقلصت مساحة الصيد عد مرات خلال العام، خاصة خلال الهجوم الإسرائيلي في مايو/أيار، حيث تسبب إغلاق البحر بالكامل بتعطيل أكثر من 4,000 صياد وتسبب بأضرار غير مباشرة تُقدّر بـ2 مليون دولار، إضافة إلى خسائر تقدر بـ170 ألف دولار جراء القصف المباشر الذي استهدف عدة موانئ في محافظات قطاع غزة.
وفي أعقاب وقف إطلاق النار، أعادت إسرائيل فتح البحر أمام الصيادين ولكن لمساحة 6 أميال بحرية فقط، بعد أن كانت 15 ميلًا في الجزء الممتد من وسط إلى جنوبي قطاع غزة. وفي 12 يوليو/تموز 2021 أعلنت إسرائيل "توسيع مساحة الصيد في مناطق محددة من بحر قطاع غزة إلى 12 ميلًا بحريًا"، ثم عادت في 25 يوليو/تموز لتقلص مساحة الصيد إلى 6 أميال بحرية بحجة عدم استقرار الوضع الأمني، قبل أن توسعها في سبتمبر/أيلول إلى 15 ميلًا بحريًا ضمن تسهيلات أعلنتها السلطات الإسرائيلية للقطاع.
إلى جانب ذلك، تعرض عشرات الصيادين خلال عام 2021 لحوادث إطلاق نار داخل البحر أو مضايقات خلال إبحارهم في المساحة المسموح بها، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم.
على سبيل المثال، في مارس/آذار 2021، قُتل ثلاثة صيادين فلسطينيين خلال عملهم في عرض البحر جراء انفجار عبوة متفجرة كانت مثبتة على حوامة إسرائيلية، قبل أن تعلق بشباكهم وتنفجر خلال استخراجهم للشباك.
وبخلاف تقييد مساحات الصيد وإطلاق النيران والاعتقالات بحق الصيادين ومعداتهم، تقيد السلطات الإسرائيلية دخول المواد اللازمة لإعادة تأهيل القوارب المتضررة من إطلاق النيران من قبل القوات البحرية الإسرائيلية، الأمر الذي يحول هذه المهنة إلى مهنة صعبة وذات دخل متدنٍ وغير ثابت.
وعقب الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع في مايو/أيار 2021، قابل فريق المرصد الأورومتوسطي "سهيل محمود الحاج"، أحد المستثمرين في مزرعة استزراع سمكي تقع جنوب غرب مدينة غزة، حيث قال: تعرّضت المنطقة المحيطة بالمزرعة لقصف إسرائيلي متكرر وعنيف، ما أدى إلى أضرار بالغة في المزرعة تمثلت في تعطّل ألواح الطاقة الشمسية التي تغذي المعدات بالكهرباء، إضافة إلى تضرر بعض برك تربية أسماك من نوع "دينيس". بعد انتهاء الهجوم، استمر الجانب الإسرائيلي في إغلاق المعبر ومنع حركة التصدير، ما زاد من خسائرنا بشكل كبير، حيث تقدر قيمة الخسائر المباشرة نتيجة القصف، والخسائر غير المباشرة نتيجة وقف التصدير بنحو 110 آلاف دولار، كما فقد 15 عاملًا من أصل 35 عملهم نتيجة تقليص الإنتاج بسبب الأضرار.
تدهور الوضع الصحي
يواجه القطاع الصحي في غزة أزمة ممتدة منذ سنوات بفعل الحصار الإسرائيلي طويل الأمد، والذي تسبب بشح دائم في الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية الأساسية، وبالتالي ضعف الخدمات الصحية المقدمة للسكان. ويعد القطاع الصحي من أكثر القطاعات تضررًا من سياسات المنع الإسرائيلية، حتى شارف على الانهيار الكامل خصوصًا مع بدء تفشي جائحة كورونا داخل القطاع أواخر شهر أغسطس/آب 2020.
شهد القطاع الصحي خلال الـ 16 عامًا الماضية العديد من النكسات والتحديات التي كان لها بالغ الأثر على الخدمات الصحية المقدمة لمواطني قطاع غزة، إذ عانى القطاع الصحي من الهجمات العسكرية الإسرائيلية والتي تخللها الاستهداف المباشر وغير المباشر للمستشفيات والمراكز الصحية والطواقم الطبية، إضافة إلى التقييد المفروض على دخول الأدوية والمستلزمات الطبية وقطع الصيانة الخاصة بالأجهزة الطبية.
يرتكز القطاع الصحي في قطاع غزة على ثلاثة أسس؛ أولها التحويلات الخارجيّة لعلاج الأمراض التي لا تستطيع مستشفيات القطاع التعامل معها، سواء التحويل إلى مستشفيات الضّفة الغربية أو المستشفيات الإسرائيليّة، أو مستشفيات أخرى في الخارج. والأساس الثاني متعلقٌ بالوفود الطبيّة الخارجيّة، والتي غالبًا ما تكون وفودًا تخصّصيةً في مجالاتٍ صحيّة محددة كالعظام والأعصاب، والتي تُسهِمُ إلى حدٍّ ما في علاج عددٍ من الحالات المرضية، خاصّةً أولئك الذين لا يستطيعون السفر بسبب المنع الإسرائيليّ، والذين وصلت نسبتُهم إلى 50% من مجمل أعداد المرضى الذين حصلوا على أذونات للعلاج في الخارج. أما الأساس الثالث: فهو المساعدات الطبيّة المقدمة من منظمة الصحّة العالميّة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والسلطة الفلسطينيّة.
وتخدم سكان قطاع غزة الذين يتجاوز عددهم المليوني نسمة 36 مستشفى فقط، تتضمن 3,338 سريرًا، نحو 78% منهم تديرهم وزارة الصحة في غزة.
وتظهر أرقام وزارة الصحة في قطاع غزة نقصًا حادًا في أصناف الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية إضافة للخدمات الصحية للقطاعات الأساسية كمرضى السرطان ورعاية الأمومة والطفل، حيث وصلت نسبة العجز في الأرصدة الدوائية إلى نحو 45%، فيما بلغت نحو 33% في المستهلكات الطبية، ونحو 60% في لوازم المختبرات وبنوك الدم.
ونتيجة للتضييقات المستمرة على القطاع الصحي خلال الـ16 عامًا الماضية، فقد تراجعت خدمات الرعاية الصحية في قطاع غزة بنسبة 66%، وخدمة الطوارئ والعمليات بنسبة 23%، وخدمات الكلى وغسيل الكلى بنسبة 42 %، وخدمات عمليات القسطرة القلبية والقلب المفتوح بنسبة 66%، وخدمات جراحة العظام بنسبة 13%.
وفي الوقت الذي يسجل فيه قطاع غزة نحو 1,800 حالة سرطان سنويًا، فإن الخدمات الصحية التخصصية المقدمة لمرضى السرطان الذين يبلغ عددهم نحو 8,600 مريض في القطاع، تبقى في أسوأ حالاتها، بينما يحتاج أكثر من 50% من مرضى السرطان للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج الإشعاعي والكيميائي والمسح الذري غير المتوفر في غزة.
وبشكل عام، تبقى وزارة الصحة في غزة عاجزة عن تقديم الخدمات الطبية اللازمة لمرضى الدم والأورام في القطاع، في الوقت الذي تبقى فيه مستشفيات القطاع مهددة بوقف العمليات الجراحية بالكامل نتيجة لنقص المواد الطبية اللازمة، والتي تمنع السلطات الإسرائيلية دخولها، مثل غاز "النيتروز" الذي يُستخدم لأغراض التخدير ولدى المرضى في حالة الاحتضار في غرف العمليات.
وطوال عام 2021، رفضت السلطات الإسرائيلية إدخال غاز "النيتروز" بالكامل إلى غزة.
خلال عام 2021، كان لازدياد أعداد المرضى والمصابين في حالات الطوارئ الأثر الأكبر في عجز المستشفيات والمراكز الطبية عن استقبالها بشكل منتظم على الرغم من فتح أقسام أو مراكز صحية جديدة من فترة لأخرى. لكن يبقى ما تحتاجه تلك الأقسام من أدوية ومواد ومستلزمات طبية وكوادر طبية مفقودًا بشكل كبير. لذلك تلجأ مستشفيات قطاع غزة عادةً لتحويل الحالات الخطيرة لتلقي العلاج خارج القطاع، إمّا في مستشفيات الضفة الغربية أو إسرائيل أو الأردن عبر معبر "إيرز"، وإمّا في مصر عبر معبر رفح البري.
في هذه الحالة تبقى الغالبية العظمى من المرضى المحولين للخارج رهينة قرار السلطات الإسرائيلية بالسماح لهم بالسفر لتلقي العلاج بعد تحصلهم على التحويلة الطبية التي يتم تغطيتها من قبل وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله. إلى جانب ذلك، تبقى حصة قطاع غزة من إجمالي مجموع صرف السلطة الفلسطينية على التحويلات الطبية في الأراضي الفلسطينية في مستوى متدنٍ مع الأخذ بالاعتبار انهيار الخدمات الطبية المقدمة للسكان في غزة، حيث تبلغ حصة القطاع نحو 33% فقط.
إلى جانب ذلك، يتأثر القطاع الصحي بشكل كبير بعوامل أخرى مثل انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود على نحو مستمر، والذي أثر على عمل تلك المستشفيات لعدة ساعات أو أيام في بعض الأحيان، وتسبب بتهديد حقيقي لحياة مئات المرضى في أقسام العناية المكثفة، وحضانات الأطفال، ومرضى الكلى الذين يحتاجون الكهرباء بشكلٍ متواصل.
من جانبٍ آخر شكّل انخفاض الدعم المالي الموجه للقطاع الصحي على قدرة القطاع في استيعاب موظفين جدد، ما قلّص الكادر الطبيّ بشكلٍ كبير، ودفع عددًا من الأطباء إلى الهجرة للخارج بسبب الأزمات المالية المتتالية، ومحدودية فرص التوظيف التي إن توفرت تكون برواتب متدنية.
أزمة الكهرباء
تعود جذور مشكلة الكهرباء في قطاع غزة إلى تاريخ 28 يونيو/حزيران 2006، عندما قصف الجيش الإسرائيلي محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة خلال إحدى عملياته العسكرية، ما نتج عنه تدمير 6 محولات رئيسية في المحطة وتوقفها عن العمل بشكلٍ كامل، ومنذ ذلك الحين يعاني القطاع من عجزٍ كبير في الطاقة الكهربائية إلى هذا اليوم، حيث وصلت الأزمة إلى ذروات متفاوتة انقطعت فيها الكهرباء عن القطاع لفترات وصلت إلى 20 ساعة يوميًا.
ظلت المحطة في حالة توقف "شبه كامل" جراء القصف الإسرائيلي إلى أن تم إصلاحها وإعادتها للعمل جزئيًا عام 2009. وبعد إصلاح المحطة، مول الاتحاد الأوروبي تكاليف الوقود اللازم لتشغيل المحطة. واستمر الأمر كذلك إلى أن قرر الاتحاد الأوروبي تحويل ما كان يدفعه إلى وزارة المالية الفلسطينية في رام الله على أن تقوم الوزارة بتولي مهمة دفع ثمن الوقود، إلا أن الكمية تقلصت منذ تلك اللحظة إلى نحو 4500 متر مكعب شهرياً تكفي لإنتاج 30 ميغاوات فقط، والتي تستطيع تشغيل مولد واحد فقط في المحطة، مما تسبب في زيادة ساعات فصل الكهرباء خلال عام 2010.
وفي عام 2011 بدأت محطة توليد الكهرباء في غزة باستخدام الوقود المصري، وأصبحت تعمل بثلاثة مولدات لتنتج طاقة في حدود 80 ميغاوات. غير أنه في بداية عام 2012 بدأت أزمة شح الوقود المصري بالظهور بعد تقليل الكميات الموردة إلى القطاع، ما أدى إلى اعتماد المحطة على مخزونها إلى أن نفدت كمية الوقود وتوقفت المحطة عن العمل بتاريخ 14 فبراير/شباط 2012.
منذ ذلك الوقت يشهد القطاع تفاقماً في أزمة الكهرباء كان أحد أسبابها الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في أعوام 2008 و2011 و2014، وآخرها في عام 2021 والتي نتج عنها أضراراً مادية كبيرة في مرافقها، مما أثر بشكلٍ بالغ على عملية توليد الكهرباء وتوزيعها.
في عام 2017 بلغت أزمة الكهرباء ذروتها وذلك بعد قرار السلطة الفلسطينية بتاريخ 27 إبريل/نيسان التوقف عن دفع ثمن الكهرباء الذي تمد به إسرائيل قطاع غزة عبر عشرة خطوط للكهرباء، تنقل 125 ميغاوات أو ما يعادل نحو 30% من احتياجات غزة من الكهرباء. نتيجةً لذلك القرار أصبح سكان قطاع غزة يحصلون على كهرباء لمدة لا تتجاوز 6 ساعات على أقصى تقدير، الأمر الذي أثر على الحياة اليومية للسكان بشكلٍ كبير.
طرأ في عام 2018 تحسن ملحوظ على كميات الكهرباء الواصلة لمنازل السكان في القطاع نتيجةً للتبرعات والأموال التي قدمتها الحكومة القطرية لحل الأزمة، حيث أصبحت محطة الطاقة تعمل بثلاث مولدات، وأصبح السكان يحصلون على 8 ساعات وصل للكهرباء يقابلها 8 ساعات قطع بشكلٍ منتظم، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لسد احتياجات السكان اليومية من الكهرباء.
عادت مشكلة الكهرباء للواجهة مرة أخرى منذ يونيو/حزيران 2019 واستمرت خلال عام 2020 جراء منع السلطات الإسرائيلية دخول الوقود، حيث أصبحت كمية الكهرباء الواصلة تتراوح بين 4-6 ساعات يوميًا، الأمر الذي أثر بشكل كبير على عدة قطاعات رئيسية مهمة كقطاع الصحة الذي يؤدي تكرار قطع الكهرباء إلى تهديد حياة مئات المرضى الموجودين على أجهزة التنفس الصناعي، إضافةً لحضانات الأطفال وغرف العمليات.
تأثير أزمة الكهرباء انعكس على عمل البلديات التي تتوقف محطات الصرف الصحي فيها عن العمل لساعات طويلة، مما أجبرها خلال الأعوام الماضية على تصريف مياه الصرف إلى البحر، وهو ما يهدد حياة المواطنين ويزيد من تلوث مياه البحر. كما كان لتلك الأزمة التأثير الأكبر على القطاع التجاري والصناعي حيث توقفت أكثر من 80% من مصانع القطاع بسبب شح الطاقة، وهو ما فاقم الأزمة المعيشية وزاد من نسبة البطالة في صفوف العاملين.
في عام 2021، تسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/أيار بخسائر فادحة تكبدتها شركة كهرباء غزة تقدر بنحو 10 ملايين دولار أمريكي، بحسب الشركة، نتيجة لاستهداف القوات الإسرائيلية البنى التحتية في عشرات المناطق الرئيسية في غزة، الأمر الذي أدى إلى توقف 6 خطوط رئيسية للكهرباء حول القطاع خلال الهجوم، وتفاقم أزمة الكهرباء بعده.
الجدير بالذكر أن القطاع يحتاج فعلياً 640 ميغاوات، إلا أن الكمية التي تصل للقطاع منذ بداية الأزمة (خلال سنوات الحصار) لم تلبي حتى نصف احتياج القطاع من الكهرباء، فالخطوط الإسرائيلية توفر طافة كهربائية بواقع (120-125) ميغاوات، ومحطة التوليد توفر منذ دخول الوقود القطري طاقة كهربائية تتراوح ما بين (60-70) ميغاوات فقط، أما الخطوط المصرية والتي كانت توفر طاقة كهربائية بقدرة (23) ميجاوات فهي معطلة منذ مارس 2018.
خلفية قانونية
يعاني سكان قطاع غزة طوال 16 عامًا من حصار خانق فرضته السلطات الإسرائيلية على مفاصل الحياة الأساسية، حيث أغلقت معظم المعابر التجارية وفرضت سيطرة مطلقة على المعابر المتبقية، وحرمت المزارعين من العمل في الأراضي الزراعية المحاذية للحدود لدواعٍ أمنية، ومنعت الصيادين من ممارسة أعمالهم بحرية، إضافةً لحرمانها الغالبية العظمى من السكان من التنقل والحركة عبر المعابر لأغراض العلاج أو الدراسة أو العمل، فضلًا عن نقص السلع الغذائية والمواد الأساسية للبناء والأدوية اللازمة للمستشفيات والمرضى.
تُظهر العديد من الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة تحمل السلطات الإسرائيلية مسؤولياتها عن الانتهاكات التي تمارسها –والمخالفة للقانون الدولي- بحق سكان قطاع غزة، حيث يأتي في مقدمة تلك المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية لاهاي ومعاهدات جنيف التي أكدت على جملة من الحقوق الأساسية التي يجب أن تلتزم بها إسرائيل كالحق في الحياة والسلامة الجسدية والتنقل والصحة والحق في مستوى معيشي لائق وغيرها من الحقوق.
إلى جانب ذلك، فإن تنصل السلطات الإسرائيلية من التزاماتها كقوة احتلال تجاه قطاع غزة، لا سيما بعد انسحابها منه عام 2005، يخالف اتفاقية لاهاي لعام 1907، حيث نصت المادة (42) منه، والتي جاءت في القسم الثالث بعنوان "السلطة العسكرية في أرض دولة العدو" على أنه " تعتبر أرض العدو محتلة حين تكون السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها". أي أنّه لكي تعتبر منطقة ما محتلة، يجب أن يتحقق مبدأ السيطرة الفعلية على الأراضي، وهو ما تمارسه إسرائيل بعد انسحابها من القطاع، حيث استمرت في السيطرة الكاملة على منافذ القطاع البرية والبحرية والجوية، فهي تتحكم في حركة الأفراد والبضائع من خلال المعابر البرية، وتمنع السكان من الصيد لمسافات معينة، كما أنها تحرم السكان من استخدام المجال الجوي.
ووفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن السلطات الإسرائيلية ملزمة باحترام حقوق السكان الفلسطينيين في قطاع غزة دون قيود أو شروط تعسفية، باعتبار هذه الحقوق حقوقاً أساسية كفلتها المواثيق والأعراف الدولية ذات العلاقة. فخلال سنوات الحصار، حظرت إسرائيل إدخال العديد من البضائع والسلع الغذائية والمستلزمات الطبية دون إبداء أسباب واضحة، وهو ما يعد مخالفًا بشكلٍ مطلق لأحكام القانون الدولي الإنساني الذي حظر تجويع المدنيين، حيث نصت اتفاقية جنيف الرابعة في المادة (55) على أنه "من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية".
كما نصت المادة (56) من نفس الاتفاقية على أنه "من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحلية، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. ويسمح لجميع أفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم".
إلى جانب ذلك، تمثل الأوامر التي أصدرتها السلطات الإسرائيلية لجيشها –خلال هجماتها العسكرية على قطاع غزة- باستهداف الأعيان المدنية والمناطق الزراعية والمنشآت الأساسية والتي تعد أشياء لا غنى عنها لبقاء السكان على قيد الحياة، تمثل مخالفة صريحة لأحكام البروتوكول الإضافي الأول (الملحق) لاتفاقيات جنيف عام 1977، حيث نصت المادة (54) منه على:"1- يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. 2- يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر".
التوصيات
بناءً على ما ورد في هذا التقرير، يوصي المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بالآتي:
على إسرائيل إنهاء حصار قطاع غزة بشكل فوري وغير مشروط، والسماح للفلسطينيين بممارسة حقوقهم كافة وفي مقدمتها حرية التنقل، والتوقف عن استخدام سياسة العقاب الجماعي ضد المدنيين.على المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته في حماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك من خلال العمل الجاد على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد للأراضي الفلسطينية، ووقف كل أشكال الحصار الخانق لأكثر 2 مليون مواطن فلسطيني يعيشون في وضع اقتصادي ومعيشي وإنساني متردٍ. على المجتمع الدولي إلزام إسرائيل بأداء كافة حقوق سكان قطاع غزة بصفتها قوة احتلال وفق ما أقرته الأعراف الدولية ذات العلاقة، بما في ذلك تحييد الاقتصاد وقطاعات الصحة والغذاء والبنى التحتية وغيرها.الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف مطالبة بالوفاء بالتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الأحوال، بحيث تكفل التزام إسرائيل بالاتفاقية. والوفاء بالتزاماتها القانونية بموجب المادة (146) من الاتفاقية الرابعة والتي تتيح لها ملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية.على المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيقات ضد القادة والجنود الإسرائيليين المتورطين في سياسة العقاب الجماعي والهجمات العسكرية ضد قطاع غزة، وتحقيق المحاسبة والمساءلة وفق معايير العدالة الدولية.
التقرير كاملًا باللغة العربية
التقرير كاملًا باللغة الإنجليزية