ملخص تنفيذي

يهدف موجز السياسات هذا إلى تقديم ملخص حول ما يترتب عن تصنيف مناطق معينة في الدنمارك على أنها "غيتو" أو "غيتو ذو وضع صعب"، إلى جانب الآثار المترتبة على السياسات التي أدخلها البرلمان والحكومة في الدنمارك لإنهاء "الغيتوات" بحلول عام 2030.

يخلص المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في هذا الموجز إلى أن "قائمة الغيتو" الدنماركية السنوية –أُنشئت عام 2010- التي تحتفظ بها وزارة النقل والبناء والإسكان، هي جزء من المشكلة وليس الحل، سواء من حيث معاييرها المعيبة والتمييزية، أو سياساتها العقابية المتشددة والتي تؤدي إلى نتائج عكسية، أو اسمها بذاته الذي يكرس الوصم. وبالنظر إلى هذه العوامل مجتمعة، فإن "قائمة الغيتو" تساهم في تأجيج كراهية الأجانب والتحيز العنصري والتعصب ضد الأقليات الضعيفة، وتنشر الخوف وانعدام الأمن والثقة في المجموعات التي تستهدفها. ينتهك هذا التصنيف الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وقانون الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحقوق في عدم التمييز والمساواة والسكن اللائق، وكذلك الحق في المساواة أمام القانون والمعاملة المتساوية أمام المحاكم.

خلفية

تعمل وزارة النقل والبناء والإسكان التابعة للحكومة الدنماركية منذ عام 2010 على متابعة وتحديث القائمة السنوية لـ "الغيتو" في البلاد[1] وهي "مناطق سكنية عامة معرضة للخطر بشكل خاص" وتُعاني من مشاكل اجتماعية وغالبية سكانها من أعراق "غير غربية" وفقًا للسلطات الدنماركية. وضمت قائمة الغيتو 29 منطقة في عام [2]2019، ويمكن إضافة أي حي أو منطقة للقائمة إذا استوفت ثلاثة من أصل خمسة معايير هي[3]:

  1. أن يكون أكثر من نصف السكان من أعراق غير غربية، وهذا ينطبق على المهاجرين والمواطنين المُجنّسين وحتى أحفادهم المولودين في الدنمارك.
  2. أن يكون عدد كبير من السكان عاطلين عن العمل، وغير ملتحقين بتعليم "معتمد في الدنمارك".
  3. أن يكون كثير من السكان لديهم مستويات منخفضة من الدخل.
  4. أن يكون كثير من السكان حاصلين على تعليم ابتدائي فقط.
  5. أن يكون عدد الأشخاص المحكوم عليهم جنائيًا في المنطقة ثلاثة أضعاف المتوسط الوطني.

ويمكن تصنيف منطقة ما على أنها "غيتو ذو وضع صعب" إذا بقيت على قائمة الغيتو لأكثر من أربع سنوات.

أعلنت الحكومة الدنماركية في عام 2018 أنّها تهدف للتخلص من جميع "الغيتوات" بحلول عام 2030[4]، إما عن طريق الهدم أو إعادة التطوير، فيما تم وضع العديد من الإجراءات العقابية القاسية فيما يسمى بـ "حزمة الغيتو" من أجل "تشجيع" الاندماج وإنهاء الغيتوات.

عواقب إضافة مناطق معينة لقائمة الغيتو

تتعدد عواقب إضافة منطقة لقائمة الغيتو، أكثرها إشكالية ما يلي:

  1. تخفيض الإسكان العام

إذا بقيت منطقة ما على قائمة الغيتو لمدة 4 سنوات متتالية، فستُخفّض حصة المساكن العامة في تلك المنطقة إلى 40٪ كحد أقصى بحلول عام 2030، ما يعني إخلاء أحياء كاملة وما يترتب عليه من هدم أو بيع أو إعادة تطوير تلك المباني وتحويلها إلى مساكن خاصة أو تعاونية لتغيير طابع تلك المناطق بشكل كبير[5]، بينما سيتم تقديم سكن بديل للمستأجرين في تلك المباني ولكن لن يتمكنوا من تحديد جودة البديل أو موقعه أو تكلفته بأنفسهم، وسيتم طردهم إذا رفضوا. ويؤثر هذا بشكل غير متناسب على الأحياء ذات الدخل المنخفض، والتي تقطنها أغلبية مسلمة، إذ ترتفع فرص تصنيف هذه المناطق على أنها "غيتو" على نحو أكبر مقارنة بالأحياء التي تعاني من مشاكل أو نقاط ضعف مماثلة ولكن تسكنها أغلبية من الأعراق البيضاء.

  1. حضانة إلزامية

يُفصل "أطفال الغيتو" الذين تتلقى عائلاتهم مخصصات الرعاية الاجتماعية عن والديهم بدءًا من سن عام واحد، لمدة 25 ساعة على الأقل في الأسبوع -لا تشمل أوقات القيلولة[6]- للالتحاق برياض الأطفال الحكومية التي يصل الحد الأقصى لاستيعاب المهاجرين فيها إلى 30٪، وإلا تُحرم الأسرة من الرعاية الاجتماعية. والهدف من ذلك هو أن يخضع "أطفال الغيتو" تعليمًا إلزامية في "القيم الدنماركية"، بما في ذلك تقاليد عيد الميلاد وعيد الفصح، بالإضافة إلى تعلم اللغة الدنماركية، على خلاف غير المقيمين في "الغيتو"، الذين يملكون الخيار في تسجيل أطفالهم في مرحلة ما قبل المدرسة حتى سن السادسة. ويُجبر أطفال "الغيتو" أيضًا على الخضوع لاختبار اللغة الدنماركية قبل قبولهم في المدرسة، أو تلقي دورات مكثفة في اللغة دنماركية والالتحاق بمدرسة صيفية قبل بدء الصف الأول.[7]

  1. عقوبة مزدوجة

ينص اتفاق "الغيتو" الذي أبرمته الحكومة الدنماركية على عقوبات أشد على الجرائم المرتكبة في مناطق الغيتو، إذ يحصل الأشخاص المدانون بارتكاب جنح على ضعف العقوبة إذا كانوا يعيشون في "غيتو"[8]، وتسمح قواعد "الغيتو" أيضًا بالعقاب الجماعي لعائلات بأكملها، عن طريق الإخلاء، إذا تمت إدانة أحد أفراد الأسرة بارتكاب فعل إجرامي[9]، ويواجه المجرمون المدانون والأشخاص الذين يتلقون مخصصات الرعاية الاجتماعية قيودًا على الانتقال إلى مناطق مدرجة في قائمة الغيتو، وخاصة "الغيتو ذا الوضع الصعب".[10]

تداعيات

  1. تمييز صارخ

يثير قانون "الغيتو" الدنماركي مخاوف جدية من التمييز على أساس العرق، والإثنية، والأصل القومي، وخلفيات أخرى محمية، إذ يتخلله إشارات عديدة لأشخاص من خلفيات "غير غربية"، بما في ذلك المواطنون الدنماركيون من الأعراق غير البيضاء. وباتت شرعية "حزمة الغيتو" موضع تقاضٍ في المحاكم الدنماركية، فعلى سبيل المثال، رفع 12 من سكان كوبنهاغن في عام 2020 دعوى قضائية ضد وزارة النقل والإسكان الدنماركية مفادها أن خطة التنمية التي أقرتها الوزارة بموجب تشريع الغيتو غير قانونية بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وقانون الاتحاد الأوروبي.[11]

إن الهدف الأساسي من "حزمة الغيتو" هو استهداف المهاجرين والمواطنين الدنماركيين من أصول غير غربية بدلاً من حل المشكلات الاجتماعية المزعومة الناشئة عن هذه المناطق مثل البطالة أو التعليم الثانوي أو الجريمة، إذ من الواضح أنّ الحكومة الدنماركية تنشغل بمجموعات السكان غير البيض في البلاد أكثر من أي شيء آخر، وهو ما بدا جليًا في عام 2021 عندما كشف وزير الداخلية والإسكان الدنماركي عن خطط لتقليل عدد "الخلفيات غير الغربية" في مناطق "الغيتو" إلى أقل من 30٪ بحلول عام 2030.

وتشكل "حزمة الغيتو" في جوهرها انتهاكًا خطيرًا للحق في عدم التمييز والمساواة والسكن اللائق، فضلاً عن الحق في المساواة أمام القانون والمساواة في المعاملة أمام المحاكم.

  1. التحريض العنصري

ما يزال استخدام كلمة "غيتو" لوصف المجتمعات الضعيفة التي يشكل المسلمون أغلبيتها جزءًا من المشكلة وليس الحل منذ إنشاء "قائمة الغيتو" في عام 2010. في عام 2019، أقرت وزير الإسكان الدنماركي، كار ديبفاد، أن كلمة "غيتو" هي تسمية "مهينة" تكرس وصم المناطق الضعيفة أو المهمشة، واقترح بدلاً من ذلك استخدام تسمية "المناطق المحرومة"[12]. ومع ذلك، على مدار ما يقرب من عقد من الزمان، تسببت هذه التسمية بضرر كبير بالفعل من خلال الاستخدام المشؤوم لها. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ من الصعب إلغاء أو استبدال هذه التسمية في الوقت الراهن.

وما تزال كلمة "غيتو" متجذرة بعمق في الخطاب السياسي السائد في الدنمارك، إذ أصبح تجنب مناطق "الغيتو" ممارسة نموذجية لتغليب الغايات على الوسائل عند بعض الأحزاب السياسية الدنماركية، فعلى سبيل المثال، أشار رئيس الوزراء لارس لوك راسموسن في خطابه بمناسبة رأس السنة الجديدة في عام 2018 إلى أن الغيتوات أصبح بإمكانها "الوصول بمخالبها إلى الشوارع" من خلال نشر العنف، وأنه بسبب الغيتوات "ظهرت تصدعات على خريطة الدنمارك"[13].

إن استخدام كلمة "غيتو" في إشارة إلى المناطق منخفضة الدخل التي ينحدر سكانها الرئيسيون من أصول شرق أوسطية أو أفريقية أو إسلامية، بالإضافة إلى خطاب السياسة العام حول "إنهاء الغيتو" بحلول عام 2030، يساهم بشكل كبير في تأجيج كراهية الأجانب والتحيز العنصري والتعصب في البلاد.

ويخلق استخدام كلمة "غيتو" تصورًا خاطئًا بأن الأقليات العرقية والإثنية مصرة على إنشاء ما يسمى بـ "المجتمعات الموازية"، في حين أن الأدلة تشير بقوة إلى عكس ذلك تمامًا، فعلى سبيل المثال، أشارت الأبحاث الحديثة إلى أن 2٪ فقط من الأشخاص غير دنماركيي الأصل[14] يفضلون العيش في أحياء بها غالبية من خلفيات غير دنماركية، وأشارت ثلث العينة إلى تفضيلهم للعيش بالقرب من العائلة والأصدقاء كعامل محفز في خياراتهم السكنية لأسباب عاطفية وعملية تتعلق بالقدرة على تحمل تكاليف السكن وتوفره.

كما ساهمت "سبل الانتصاف" المقترحة في قواعد الغيتو الدنماركية بشكل ملحوظ في استدامة وإذكاء التحيز العنصري والتعصب ضد الأقليات الضعيفة، فعلى سبيل المثال، تتيح "حزمة الغيتو" للشرطة الدنماركية شن حملة انتقائية على المناطق المصنفة على أنها "غيتو" و "غيتو ذو وضع صعب".

إن هذا الإفراط في الأمن يخاطر بمضاعفة عدد الجرائم في المناطق المستهدفة مقارنة بالمعدل الوطني، وهو ما يؤدي بدوره إلى الحفاظ على تصوير مناطق "الغيتو" على أنها بؤر إجرامية وبالتالي تأجيج السرديات المتحيزة والخطيرة ضد الأقليات.

  1. زرع الخوف واستحثاث المقاومة

تشير الطبيعة القسرية والعقابية للإجراءات التي اقترحتها واتخذتها الحكومة الدنماركية للتخلص من مناطق "الغيتو" بحلول عام 2030 إلى تسييس مثير للقلق للغاية لهذه القضية، إذ يتم تقديم خطاب القوة والردع واتخاذ الإجراءات الصارمة لإرضاء الناخبين بآراء متشددة، على خطاب الحوافز والفرص والتكامل، وهذا يخلق حلقة سامة من التنافسية الخطابية التي تؤدي إلى خلق سياسات ضمن نموذج من العصا فقط بدون الجزرة، والاستيعاب بدلاً من التكامل، وهذا يترك سكان مناطق "الغيتو" المستهدفين في حالة من الخوف والمقاومة تجاه الإجراءات الحكومية.

  1. التهجير القسري

تم تصنيف "ميولنيرباركين"Mjølnerparken))، وهو مشروع سكني يضم 2500 ساكن في منطقة نوربرو في كوبنهاغن، على أنه "غيتو ذو وضع صعب"، حيث أن 98٪ من سكان الحي هم من أصول شرق أوسطية وأفريقية، ثم قررت الحكومة الدنماركية بيع المنازل السكنية في المنطقة كوسيلة لتخليص تلك المباني من المستأجرين غير المرغوب فيهم. أما في آرهوس، ثاني أكبر مدن الدنمارك، فتم تحديد 9 مبانٍ في منطقة "جيلروب" (Gellerup)، و3 مبانٍ في منطقة "بيسفيهافن" (Bispehaven) للهدم في عام 2018 استناداً إلى قانون الغيتو[15]، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تهجير 1000 أسرة وإعادة توطينهم قسراً، وسيتم استبدال المباني المهدمة بـ 2000 منزل يسكنها مالكوها و675 عقد إيجار تجاري.[16]

تعرض هذه السياسة السكان ذوي الدخل المنخفض لخطر جسيم، بالنظر إلى أن الدنمارك تعاني بالفعل من أزمة إسكان من حيث توافر السكن والقدرة على تحمل التكاليف، وتمتلك الدنمارك واحدة من أعلى نسب تكاليف الإسكان في العالم الغربي، حيث تشير التقديرات إلى أن الأسرة الدنماركية المتوسطة تنفق أكثر من ربع دخلها المتاح على الإسكان.[17]

  1. هدف "صفر طالبي لجوء"

يجب أن يُنظر إلى قوانين الغيتو بشكل أساسي على أنها مرتبطة ارتباطًا مباشرًا، إن لم تكن أصيلًا، بسياسات "صفر طالبي لجوء" في الدنمارك[18]، حيث يترتب على هذه التدابير العقابية ضمناً جعل الحياة مستحيلة بالنسبة للأقليات منخفضة الدخل الضعيفة والمنبوذة بالفعل. ويمكن أن ينظر إلى هذا على أنه طريقة لخلق صورة تحذيرية مخيفة لطالبي اللجوء المحتملين لدفعهم بعيدًا عن البلاد، إن لم يكن كوسيلة للضغط على الأفراد ذوي الدخل المنخفض من الأعراق غير الغربية لمغادرة الدنمارك.

توصيات

في ضوء التداعيات الخطيرة المذكورة أعلاه لـ "قائمة الغيتو" والسياسات المعتمدة من قبل البرلمان والحكومة الدنماركيين لإنهاء "الغيتو" بحلول عام 2030، يوصي المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بالآتي:

  1. وقف جميع الإجراءات العقابية التمييزية أو غير المتناسبة ضد سكان المناطق المدرجة على أنها "غيتو" أو "غيتو ذو وضع صعب".
  2. تقديم حوافز لتشجيع اندماج المهاجرين وطالبي اللجوء وذويهم بدلًا من استيعابهم قسرًا.
  3. معالجة ندرة السكن ميسور التكلفة والتمييز في الإسكان وسوق العمل ضد الأقليات العرقية أو الإثنية أو القومية.
  4. تعزيز تصور أكثر إيجابية واحتضانًا للمهاجرين واللاجئين في الدولة.