عناصر الاستدلال البيولوجي هي خصائص قابلة للقياس تستخدم لتمييز الأفراد، وتشمل مجموعة من العناصر الجسدية أو الفسيولوجية أو السلوكية المختلفة المتعلقة بالجسد؛ مثل بصمات الأصابع والصوت والوجه والعين والحمض النووي وشحمة الأذن وخطوات الفرد ومخططات الوريد وحتى نبضات القلب. ولهذه الأدوات القدرة على تمييز الأفراد واستهدافهم وتعقبهم في كل مكان يذهبون إليه، ما يُقوض العديد من الحقوق والحريات الأساسية ويؤثر بشكل سلبي على الجماعات التي تعاني من التمييز أصلًا، مثل الأطفال غير المصحوبين  والنساء ذوات البشرة الملونة والمهاجرين، مما يضيف مستوى آخر من الأذى الذي يتعرضون له.

   في البداية، كان الهدف من جمع بيانات الاستدلال البيولوجي استهداف المجرمين من المقيمين لمنع وقوع الجرائم الإرهابية وسوى ذلك من الجرائم الخطيرة وكشفها أو التحقيق فيها. لكن اليوم، أصبحت تستخدم بشكل متزايد في إدارة حدود دول الاتحاد الأوروبي والهجرة إليها   

في البداية، كان الهدف من جمع بيانات الاستدلال البيولوجي استهداف المجرمين من المقيمين لمنع وقوع الجرائم الإرهابية وسوى ذلك من الجرائم الخطيرة وكشفها أو التحقيق فيها. لكن اليوم، أصبحت تستخدم بشكل متزايد في إدارة حدود دول الاتحاد الأوروبي والهجرة إليها، مما يعكس تصورًا مفاده أن الهجرة والجريمة هما نفس الشيء.

واقترحت مفوضية الاتحاد الأوروبي عام 2016 توسيع نطاق يوروداك [وهي قاعدة بيانات بصمات الأصابع التابعة للاتحاد الأوروبي لتمييز عابري الحدود غير الشرعيين] لاستعادة السيطرة على تدفقات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي من خلال "حدود أقوى وأكثر ذكاء"، وزيادة أتمتة مراقبة الحدود، وتسهيل عملية التعرف على المهاجرين غير الموثّقين وإبعادهم، والسماح بجمع بيانات الاستدلال البيولوجي، وتمديد فترة تخزينها. وقدمت المفوضية مقترحات جديدة لتعديل نظام يوروداك ولائحتي الفرز وإدارة اللجوء والهجرة، من خلال ميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء لعام 2020، إذ جعلت جمع بيانات الاستدلال البيولوجي خطوة إلزامية في إجراءات اللجوء في الدول الأعضاء وخفضت سن المهاجرين الذين يمكن جمع بياناتهم لست سنوات.

يزيد اليوم استخدام تقنيات الاستدلال البيولوجي في جميع أنحاء أوروبا بشكل مقلق، حيث تخطط اليونان لتطبيق برنامج جديد يسمح للشرطة باستخدام أجهزة تُحمل باليد لجمع معلومات الاستدلال البيولوجي من الأشخاص على نطاق واسع، ومطابقتها مع قواعد بيانات الشرطة والهجرة والقطاع الخاص لأغراض متعلقة بالهجرة. وفي فرنسا، بدأت 73 من أصل 101 مقاطعة في البلاد باستخدام نظام استدلال بيولوجي (بدلًا من النظام المعتاد والمتمثل في باحث اجتماعي) لتحديد هوية المهاجرين وأعمارهم، مما أدى إلى الاحتجاز الخاطئ للعديد من الأطفال المهاجرين غير المصحوبين. وكذلك تعتزم الحكومة الإسبانية تخصيص 4.1 مليون يورو لتكنولوجيا الاستدلال البيولوجي وبناء "حدود ذكية" في منطقة شمال أفريقيا من سبتة ومليليه.

وبالمجمل، فإن جميع التأثيرات واسعة النطاق التي يشكلها جمع البيانات الحيوية وتخزينها واستخدامها في مجال اللجوء والهجرة على الحقوق الأساسية للمهاجرين ليست معروفة بالكامل حتى الآن، لكنها تشمل:

  • بيانات غير دقيقة وتمييز: هناك ثقة عالية في دقة تقنيات الاستدلال البيولوجي، ولكن لأنها تعتمد على الاحتمالات والخوارزميات، ما يزال هناك هامش معين من الخطأ، وعدم الدقة، والتحيزات. فقد يكون لدى شخصين نفس تفاصيل الهوية في النظام التكنولوجي، مثل الاسم وتاريخ ومكان الميلاد، وقد يكون لدى الشخص أكثر من تسجيل هوية بسبب أخطاء في إدخال البيانات، أو أخطاء في التسجيل، أو ضعف السجلات المدنية في بلد المنشأ. وتعتمد دقة بعض بيانات الاستدلال البيولوجي، مثل بصمات الأصابع، على عمر الفرد، وقد ثبت أنه اختلط على بعض أنظمة الاستدلال البيولوجي التشابه بين الأشقاء أو الأقارب، وقد لا يتمكن بعض الأشخاص من إعطاء بصماتهم بسبب خصائصهم الجسدية، مثل الإصابات أو الإعاقات أو الظروف الصحية، التي لا يتم التعرف عليها بواسطة النظام. وتعزى بعض جوانب عدم الدقة الأخرى لفشل معدات التقاط البيانات نفسها أو بسبب الظروف البيئية المحيطة بها مثل إضاءة الغرفة أو نظافة المجسات، وغالبًا ما تُظهر خوارزميات التعرف على الوجه وتقنيات الاستدلال البيولوجي تفرقة بسبب الجنس أو العرق، فتكون أقل دقة في التعرف على النساء أو الأشخاص الملونين مقارنة بالأشخاص البيض. كل هذه الأخطاء المحتملة يمكن أن تكون مدمرة بالنسبة لطلب اللجوء الخاص بشخص ما، ما يضع على كاهله عبئًا إضافيًا لإثبات أنه ليس هو الشخص الذي يحدده النظام.
  • التنميط العرقي: سيكون للمعالجة الإلزامية الجمعية لبيانات الاستدلال البيولوجي الخاصة بالأشخاص الراغبين بالحصول على الحماية الدولية أثر سلبي على تلك الفئة المعرضة بالفعل للعنصرية الهيكلية، والمراقبة الإضافية، وإجراءات الأمن الخاصة بالشرطة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم مخاطر التنميط العرقي، فيُسمح للشرطة باستهداف وتجريم الأشخاص على نحو متزايد بناءً على تصورهم لمظهر الأشخاص المادي أو جنسيتهم أو انتمائهم العرقي، وإخضاعهم للإيقاف والتفتيش الدقيق والتحقق من الهوية والتحقيقات دون أي سبب موضوعي. واستخدام عناصر تنفيذ القانون تكنولوجيا المراقبة باستخدام الاستدلال البيولوجي على أشخاص يتعرضون بالفعل للعنصرية يمكن أن يكرس نظامًا خطيرًا وعنصريًا، ويوسع صلاحيات الشرطة ويفاقم معاملتها المسيئة.
     
  • الافتقار إلى المعلومات والشفافية: عادة ما يتم الحصول على بيانات الاستدلال البيولوجي على حدود الاتحاد الأوروبي دون علم الشخص أو موافقته أو اختياره الحر، فلا يبلغ طالبو اللجوء بشكل كامل عن جميع جوانب تجهيز البيانات وكيف ستؤثر على طلب اللجوء أو عملية دخولهم البلاد. وعادةً ما يتوجب على السلطات توفير أسس قانونية مناسبة وضمانات إضافية وتقييمات للتأثير المتوقع قبل اتخاذ القرار بجمع وتخزين بيانات الاستدلال البيولوجي – المصنفة على أنها "بيانات شخصية حساسة" بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات – ولكن لا تخضع أنظمة تكنولوجيا المعلومات للتدقيق العام عمليًا، حيث أن الخوارزميات المستخدمة ليست متاحة للجمهور وليس من الواضح كيف يتم مراجعتها، ما يعني أن البيانات المخزنة قد تستخدم لأغراض غير مقررة من البداية.
     
  • إيذاء متكرر: قد تتسبب المشاركة الإجبارية لبيانات الاستدلال البيولوجي والبيانات الشخصية، في نظام لجوء أوروبي غامض بشكل متزايد، في مخاطر خاصة- بالنسبة لطالبي اللجوء المرفوضين عند عودتهم إلى بلدانهم الأصلية أو عائلاتهم هناك– تتمثل في تدابير انتقامية من ضمنها الاضطهاد أو عقوبات جنائية أو القتل. يمنع قانون الاتحاد الأوروبي عمومًا النظم التكنولوجية من تبادل معلومات تكشف طلب شخص للحماية الدولية مع بلدان أخرى، ولكن هذه الضوابط لا تُتبع دائمًا بصورة منهجية، بل يمكن أن تتم مشاركة المعلومات لأغراض متعلقة بعودة طالبي اللجوء أو العمل المشترك.
     
  • ثقافة التكذيب: يتمحور جوهر استخدام تقنيات الاستدلال البيولوجي حول غياب الثقة في الفرد، فلم يعد تعريف الشخص عن ذاته وروايته كافييّن بدون خوارزمية تصادق على هوية الشخص وتجعل منها مادة تناسب التمثيل الحكومي. وبذلك، في حالة وجود بيانات غير دقيقة، أو صعوبات في أخذ بصمات الأصابع أو رفض إعطاء تفاصيل شخصية، من السهل الاشتباه في أن طالب اللجوء يحاول تجنب إجراءات دبلن أو إخفاء أعمال الإجرامية، ما يؤجج المفاهيم الخاطئة حول العلاقة بين اللجوء والجريمة وحتى الإرهاب، فيواجه المهاجرون المسجلون في أنظمة التكنولوجية، تحت هذه الذرائع، احتمالات أكبر للتعرض للتحقيقات الجنائية مقارنة بالمواطنين العاديين الذين لا يتم جمع بياناتهم الشخصية وتخزينها على أساس منهجي.

على الرغم من الادعاءات المشكوك فيها على مستوى الاتحاد الأوروبي بأنها قد تحسن تقنيات تحديد الهوية والأمن العام ولم شمل العائلات، إلا أن أي فوائد لهذه التقنيات ستظل دائمًا أقل بكثير من مخاطرها، ، نظرًا لقلة الشفافية أو انعدامها تمامًا، وستنتهك هذه التقنيات الخصوصية والمساواة وعدم التمييز وحرية اختيار الإقامة وحرية تنقل الأشخاص.

تدرك مفوضية الاتحاد الأوروبي أن الدول الأعضاء تلجأ أيضًا إلى العنف والاحتجاز لأخذ بصمات الأصابع، حيث أن الصكوك القانونية التي تضبط سير عمل الأنظمة التكنولوجية على مستوى الاتحاد الأوروبي لا تحظر صراحًة استخدام هذه التدابير القسرية، بل إنها تدرك أن الأشخاص الذين يلتمسون الحماية الدولية قد يلجؤون إلى إيذاء أنفسهم وتشويه بصمات أصابعهم بواسطة الأحماض أو السيليكون لتجنب تسجيلهم في يوروداك ونقلهم إلى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لا يريدون أن يكونوا فيها. ولكن بدلًا من تغيير اتفاقية دبلن التي تعرقل رغبات المهاجرين وطالبي اللجوء وخياراتهم الحرة بشأن بمن سيلحقون أو وماذا يفعلون أو أين يستقرون، فإن الاتحاد الأوروبي يشدد حزمة دبلن بالكامل بعوائق تكنولوجية "أكثر ذكاءً".

إن اقتراح استخدام عناصر الاستدلال البيولوجي لتحديد الأشخاص يهوي بنا من المبدأ العالمي القائل بأن جميع الأفراد متساوون إلى مفهوم غير مقبول للحقوق يرتبط بالتنميط العرقي ويظل منقوشًا في الجسم والوجه ومكان الميلاد.

أهم أثر لجمع بيانات الاستدلال البيولوجي للمهاجرين هو تسهيل السيطرة على الهجرة غير النظامية وتقييدها، بما في ذلك الانتقال الثانوي إلى دولة أخرى تعد عضوًا في الاتحاد الأوروبي. قد يؤدي استخدام تقنيات الاستدلال البيولوجي في إدارة الحدود والهجرة إلى إظهار تحركات المهاجرين، ولكن فقط لتسهيل التحكم بهم، وإجبارهم على العودة إلى أول بلد دخلوا إليها، وتصنيف الأطفال غير المصحوبين كبالغين، واحتجازهم في حال الاشتباه بهم أو عدم التعرف عليهم بدقة، ومشاركة بيانات خطيرة على حياتهم مع حكومات بلدانهم الأصلية. تريد مفوضية الاتحاد الأوروبي رؤية وتحديد وتعقب المهاجرين، ولكن فقط كأجسام قابلة للترحيل.

هذا المقال مترجم عن اللغة الإنجليزية، اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي.