ملخص تنفيذي
يرصد التقرير الممارسات غير القانونية التي انتهجتها القوات الأمنية والعسكرية التابعة للجيش السوداني ضد الصحافيين ووسائل الإعلام عقب الانقلاب العسكري، حيث وثّق فريق المرصد الأورومتوسطي منذ أكتوبر/تشرين أول 2021 وحتى 8 مارس/آذار 2022 نحو 55 اعتداءً أمنيًا على صحافيين ووسائل إعلام محلية وعربية ودولية في السودان، شملت الاحتجاز التعسفي، والملاحقة الأمنية، واقتحام وإغلاق مكاتب إعلامية، وبلغت حد إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بعدد من الصحافيين على نحو متعمد.
يتبين من خلال تحليل الاعتداءات التي نفّذتها أجهزة الأمن السودانية ضد الصحافيين ووسائل الإعلام، أن سلطة الأمر الواقع العسكرية تستهدف -فيما يبدو- إضعاف أو حجب التغطية الإعلامية للاحتجاجات الشعبية المتواصلة الرافضة للحكم العسكري، والتي تلعب دورًا مهمًا في كشف انتهاكاتها الخطيرة ضد المتظاهرين، والتي أسفرت عن مقتل 92 منهم وجرح المئات منذ 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021، وحتى 26 مارس/ آذار 2022.
وخلال العمل على هذا التقرير، واجه فريق البحث لدى الأورومتوسطي صعوبات في عمل مقابلات مع بعض الصحافيين الذي أخبروا الباحثين عن خشيتهم من الملاحقة والاعتداء إذا ما قدموا إفاداتهم بشأن الانتهاكات التي تعرضوا لها، في حين سحب آخرون موافقتهم على نشر إفاداتهم لاحقًا، الأمر الذي يعكس مدى تضاؤل الحريات الإعلامية ومساحة ممارسة الحق في حرية التعبير عن الرأي في البلاد.
ويخلص التقرير إلى أنّ سلطة الأمر الواقع العسكرية في السودان تخالف على نحو فجّ الدستور السوداني فيما يتعلق باحترام حرية الصحافة ووسائل الإعلام المحمية بشكل صريح في نصوص الدستور السوداني، وعدد من المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وتوفّر في ذات الوقت حماية لمرتكبي الانتهاكات بما يضمن إفلاتهم من العقاب، من خلال تعطيل الأدوات القانونية، والسيطرة على أبرز الكيانات القضائية والرقابية.
منهجية التقرير
يستعرض التقرير الانتهاكات التي تعرّض لها الصحافيّون والمؤسسات الإعلامية في السودان عقب الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر / تشرين أول 2021، وحتى 8 مارس/ آذار 2022.
ومنذ بدء الانقلاب في السودان وما تبعه من أحداث، بدأ فريق البحث لدى المرصد الأورومتوسطي بتوثيق حوادث الاعتداءات على شخصيات ومؤسسات صحافية ميدانيًا وبشكل يومي، فيما تتوجب الإشارة إلى أن الأرقام الواردة في هذا التقرير تعكس حصرًا الحوادث الي تمكّن الأورومتوسطي من توثيقها والتأكد من صحتها، بينما تبقى -بلا شك- حوادث أخرى غير مُعلنة ولم تتمكن المنظمات الحقوقية والإعلام من توثيقها.
يتتبع التقرير تسلسل الأحداث بالملاحظة والرصد والتوثيق، إضافة إلى إجراء سلسلة مقابلات مع صحافيين مستقلين، وآخرين يعملون لدى جهات صحافية محلية وعالمية، وعدد من الناشطين المرتبطين بالعمل الصحافي. وأخبر فريق الأورومتوسطي جميع الصحافيين الذين أجرى مقابلات معهم بالغرض من المقابلة، وطبيعة المعلومات التي سيتم استخدامها ونشرها، وحصل على موافقتهم بذلك.
وقام فريق البحث بالتأكد من صحة البيانات التي حصل عليها خلال المقابلات، بما في ذلك تفاصيل حوادث الاعتداءات على الصحافيين واقتحام مؤسسات صحافية وإعلامية.
واجه فريق البحث صعوبة في الحصول على موافقة بعض الصحافيين لتوثيق ونشر إفاداتهم وأسمائهم، في حين سحب آخرون موافقتهم على نشر واستخدام إفاداتهم خشية التعرض لملاحقات أمنية أو اعتداءات من سلطة الأمر الواقع.
بجانب المصادر الأولية، يستند التقرير إلى مصادر ثانوية، شملت تقارير ومستندات لجهات محلية، من بينها شبكة الصحافيين السودانيين. بالإضافة إلى مجموعة من أدوات التحقق، كمقاطع فيديو توثيقية، وجداول لمؤشرات تكنولوجية منشورة عبر مواقع تقنية موثوقة، وتقارير طبية.
يعرض التقرير أبرز أنماط الانتهاكات التي تعرض لها العاملون في مهنة الصحافة والمؤسسات الصحافية بعد الانقلاب العسكري في أواخر شهر أكتوبر / تشرين الأول 2021. كما يستعرض قراءة قانونية لتأثير انتهاكات حقوق الصحافيين على ممارسة حرية الصحافة والتعبير، وفق العهود والمواثيق الدولية ذات العلاقة، ويقدّم توصيات من شأنها المساهمة في تعزيز احترام حرية الصحافة والنشر وحماية حقوق الصحافيين في السودان.
خلفية
يعيش السودان منذ سنوات تراجعًا في أوضاع حقوق الإنسان، تصاعد مع بدء الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس عمر البشير في ديسمبر/ كانون أول 2018 وحتى عزل الجيش له في أبريل/ نيسان 2019. لكنّها بدأت بالتدهور على نحو حاد عقب تنفيذ الجيش انقلابًا عسكريًا في 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021، حيث أعلن حالة الطوارئ وحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وأعفى كافة مسؤولي الولايات من مناصبهم.
أدّت تلك الإجراءات إلى تضييق الخناق على الحريّات العامة وتقييد ممارستها على نحو كبير، وأثّرت بشكل خاص على حقوق الصحافيين ووسائل الإعلام، إذ قيّدت بشكل كبير من نشاطهم، وأصبحوا عرضة لمجموعة من الانتهاكات خلال تغطيتهم للاحتجاجات الشعبية ضد الانقلاب العسكري، والتي وصلت إلى حد منعهم من العمل ومداهمة مقار عملهم واعتقالهم.
واقع حرية الصحافة في السودان (بعد الانقلاب العسكري)
يعاني قطاع الإعلام في السودان من سطوة أمنية صارمة تمثلت في فرض قيود على حرية التعبير، وتحكم كامل بوصل وقطع خدمات الإنترنت، إضافة إلى فرض إجراءات عقابية ضد وسائل الإعلام التي نشطت في تغطية الاحتجاجات الشعبية، وما رافقها من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان عقب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر / تشرين الأول 2021.
وثّق فريق المرصد الأورومتوسطي اتخاذ سلطة الأمر الواقع مجموعة إجراءات بدت انتقامية بحق عدد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية التي نشطت في تغطية أحداث الانقلاب العسكري، كان من بين ذلك وقف تراخيص قناة "الجزيرة مباشر"، ومداهمة مقر قناة "الحدث" والاعتداء على العاملين بها وتحطيم أجهزة ومعدات القناة، بالإضافة إلى إغلاق مجموعة من الإذاعات وتقييد عمل أخرى على خلفية نشاطها في متابعة الاحتجاجات الشعبية.
وفي حين ضمن الدستور السوداني حرية التعبير والصحافة، إلا أنّ التطبيق العملي على أرض الواقع كان مختلفاً، فقد أعاقت كثير من القوانين المحلية حرية التعبير والصحافة، بما فيها قوانين الطوارئ ومواد من قانون العقوبات، والتي تستخدمها سلطات الأمر الواقع منذ الانقلاب العسكري لفرض رقابة على المحتوى، وترهيب الصحافيين والنشطاء، إذ اعتبرت بموجب تلك القوانين والإجراءات تغطية الأحداث التي تلت الانقلاب ونقل انتهاكات حقوق الانسان بحق المحتجين والمتظاهرين خطوط حمراء تتطلب المحاسبة.
قال الصحافي "حسام الدين حيدر" الأمين العام الأسبق للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات للمرصد الأورومتوسطي: "استهداف الصحافيين على نحو لافت بدأ قبل وقوع الانقلاب العسكري بنحو أسبوعين، حيث كنت أشغل منصب الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات. عُيّنت في شهر يوليو/ تموز 2021 في منصب أمين عام المجلس القومي للصحافة والمطبوعات وهو منصب بمرتبة وزير دولة، ولكن بعد الانقلاب تعرضت لعدة محاولات اعتقال، وفُصلت من عملي، إذ صدر قرار من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بطردي من العمل وتعيين أحد أعضاء النظام السابق في منصبي."
وأكّد "حيدر" في إفادته أنّ "سلطة الأمر الواقع العسكرية طردت 70 موظفاً من العاملين في وكالة الأنباء الرسمية (سونا)، من بينهم مدير الوكالة "محمد عبد الحميد"، وكذلك العديد من العاملين في تلفزيون السودان.
ورغم تطور النشاط الإعلامي خاصة بعد ظهور منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنّ الوضع في السودان يختلف بدرجة كبيرة بسبب إجراءات سلطة الأمر الواقع، إذ سعت إلى تغييب التفاعل الإعلامي الإلكتروني مع الاحتجاجات من خلال فصل أو إبطاء خدمة الإنترنت بداعي حالة الطوارئ والحفاظ على الأمن السوداني القومي، ما أثّر بشكل كبير على عمل الصحافيين والمؤسسات الإعلامية.
قال "وليد أحمد"، الصحافي الرقمي لفريق الأورومتوسطي: "أثّر انقطاع الانترنت عقب الانقلاب العسكري بشكل كبير على الوصول إلى المعلومات، وبالتالي على قدرة الصحافيين الرقميين ووسائل الإعلام على تأدية دورهم في تغطية الأحداث الميدانية إلى جانب الأخبار الاعتيادية. وشكّل تهديدًا كبيرًا لعدد من الصحافيين بفقد وظائفهم بسبب عدم قدرتهم على القيام بواجباتهم المكلفين بها".
وتابع "يخضع محتوى الصحف الإلكترونية للمراقبة، إذ استدعى قسم الجرائم المعلوماتية عدة مرات زميلتي "سعدية الصديق" العاملة في صحيفة التيار الإلكترونية، وأصدر بحقها أمر قبض عقب نشرها تقريرًا حول ملفات فساد اقتصادية".
وبيّن "أحمد" في إفادته أنّ "القوانين المتعلقة بالصحافة في السودان تركز جهدها على تجريم العمل الصحافي بموجب عقوبات جنائية، وقد استخدمت بشكل أساسي بعد الانقلاب العسكري في محاسبة وتقييد الصحافة الرقمية."
أظهرت بيانات نشرتنها "نت بلوكس" (مجموعة غير حكومية معنية بمراقبة أنشطة الإنترنت)، أنّ السودان شهد اضطرابًا كبيرًا في كل من اتصالات الإنترنت عبر الهاتف الثابت والهاتف المحمول في وقت مبكر من 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021.
وأوضحت البيانات استمرار التعطّل حتى يوم الخميس 18 نوفمبر/ تشرين ثان، في حين ظلت القيود المفروضة على وسائط الإعلام الاجتماعية سارية حتى يوم الأربعاء نوفمبر/ تشرين ثان 2021، الأمر الذي يؤكد تقارير المستخدمين حول ضعف شبكات الاتصال والإنترنت خلال تلك الفترة.
مظاهر انتهاك حقوق الصحافيين ووسائل الإعلام
اتخذت الانتهاكات ضد الصحافيين في السودان منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين أول مظاهر عديدة عكست عزم سلطة الأمر الواقع العسكرية على تضييق الخناق على الصحافيين والمؤسسات الصحافية في ممارسة الحق في الصحافة وحرية النشر. ومن أبرز المظاهر التي وثقّها المرصد الأورومتوسطي:
- اقتحام وإغلاق المكاتب والمؤسسات الصحافية
نفّذت سلطة الأمر الواقع العسكرية عمليات اقتحام وإغلاق لمقرات عدد من المؤسسات الصحافية، إذ اقتحمت قوة أمنية مكتب قناة "الحدث" في الخرطوم، في 30 ديسمبر/ كانون أول 2021، واعتدت على الموظفين العاملين في القناة، وأطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع وصادرت بعض المعدّات.
بعد نحو أسبوعين، داهمت قوة أمنية في 13 يناير/ كانون ثان 2022، مكتب قناة "التلفزيون العربي" في الخرطوم أثناء تغطية القناة للتظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في السودان، فيما يبدو للتأثير على عمل فريق القناة الذي كان ينشط في تغطية الاحتجاجات الشعبية.
بعدها بأيام، قررت وزارة الإعلام في 18 يناير/ كانون ثان 2022 إغلاق مكتب "الجزيرة مباشر" وسحب ترخيص المراسل الصحافي "محمد عمر" و"المصور بدوي بشير" وفقاً لما أسمته وزارة الإعلام السودانية بالنقل غير المهني للشأن السوداني.
وفي إفادة للصحافية "لينا يعقوب باج"، مراسلة قناة "الحدث"، قالت للأورومتوسطي: بتاريخ 30 ديسمبر/ كانون ثانٍ 2021، وصل المتظاهرون إلى محيط مكتب القناة الموجود في الطابق الأرضي من مبنى يتكون من 9 طوابق بالخرطوم، وفي إطار تغطيتنا للحدث بشكل مباشر نقلنا اعتداء قوات الشرطة على المتظاهرين. يبدو أنّ معلومات وصلت لقوات الأمن أننا نقوم بالتصوير المباشر، فحضرت للمبنى واعتدت بالضرب على المصورين والمنتجين في المكتب. بعد ذلك، وعندما تعرّف عناصر الأمن على هويتي، اقتادوني برفقة أحد الزملاء الذي كان يحاول حمايتي إلى خارج المبنى، واعتدوا علينا بالضرب في الشارع، وقالوا إنّنا نقوم بفضحهم، ووجهوا لنا الكثير من الإساءات. خلّف هذا الهجوم إصابة عدد من الزملاء أحدهم كانت جراحه متوسطة، وتم تحطيم جهاز"SNG" الخاص بالبث، وصادروا جهاز الثريا الخاص بي و3 هواتف أخرى دون إعادتها حتى الآن".
وثّق المرصد الأورومتوسطي وقف سلطات الأمر الواقع بثّ 36 إذاعة محلية بتاريخ 25 أكتوبر / تشرين الأول وحتى 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، على خلفية تغطيتها للاحتجاجات الشعبية، وتشمل التالي:
- الإذاعة الرابعة.
- إذاعة الخرطوم الاقتصادية.
- الإذاعة الرياضية.
- إذاعة الفرقان.
- إذاعة بي بي سي.
- إذاعة البصيرة.
- إذاعة ساهرون.
- إذاعة الصحة والحياة.
- إذاعة بكره.
- إذاعة دارفور.
- راديو العاصمة.
- إذاعة هوى السودان.
- إذاعة هلا اف ام.
- إذاعة فيشن.
- إذاعة المساء.
- إذاعة المهن.
- إذاعة حواس.
- راديو أفريقيا.
- راديو مونتي كارلو.
- إذاعة النور.
- إذاعة الكوثر.
- إذاعة طيبة.
- إذاعة النيل الأزرق.
- راديو سوا.
- إذاعة التأصيل.
- راديو الحياة.
- إذاعة صوت المثانى.
- إذاعة سودانية 24.
- إذاعة الثروة الحيوانية.
- إذاعة الدانقا.
- إذاعة جامعة أم درمان الإسلامية.
- إذاعة جامعة الخرطوم.
- إذاعة أكاديمية السودان.
- إذاعة جامعة السودان العالمية.
- إذاعة جامعة السودان المفتوحة.
- الإذاعة الطبية.
أخبر الصحافي "ياسر أبو شمال"، المدير العام لراديو "هلا"، فريق المرصد الأورومتوسطي: "لا ننتمي لأي طرف سياسي ونلتزم بنقل الأحداث بصورة شفافة. ورغم ذلك عندما وقع الانقلاب العسكري، تم إغلاق كل الإذاعات لمدة 5 أيام، ومن ثم استأنفت عملها ولكنّ استثنيت إذاعة هلا من ذلك. عندما قابلنا المسؤولين العسكريين لسؤالهم عن ذلك، قالوا لنا إنّ الإذاعة تحرض ضد المؤسسة العسكرية وقيادات الجيش وتشوه صورتهم، وأوضحنا لهم بأننا لا نسيء للمؤسسة العسكرية وإنما ننتقد أداء العسكريين الذين يمارسون عملاً سياسياً وليس بصفتهم عسكريين، وحاولوا إيصال رسائل لنا بأن ما حصل هو مسار تصحيحي وليس انقلاباً، وعلينا تبني ذلك ولكننا رفضنا ذلك وبقيت الإذاعة مغلقة حتى تاريخ 6 ديسمبر/ كانون أول 2021، ونتج عن هذا الإغلاق خسائر مادية هائلة".
وأضاف "تصلنا رسائل بين الحين والآخر بطريقة غير مباشرة أنّ وجودنا غير مرحب به، ما جعلنا نعيش في حالة من القلق نتيجة احتمال تعرضنا للتضييق أو الإغلاق مرة أخرى، ما أثّر بشكل كبير على عملنا وأفقدنا الشعور بالاستقرار".
- الملاحقة الأمنية والاحتجاز التعسفي
لم تتوقف انتهاكات سلطات الأمر الواقع العسكرية بحق العمل الصحافي عند حد اقتحام وإغلاق المكاتب الصحافية ومقرات القنوات الفضائية بل امتدت لملاحقات أمنية واحتجاز تعسفي طال عشرات الصحافيين منذ وقوع الانقلاب العسكري.
وثق المرصد الأورومتوسطي احتجاز سلطات الأمر الواقع العسكرية على نحو تعسفي أكثر من 20 صحافيًا منذ 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021 وحتى نهاية فبراير/ شباط 2022، على خلفية نشاطهم الإعلامي في تغطية الاحتجاجات الشعبية.
شملت الملاحقة الأمنية للصحافيين ملاحقتهم ميدانيًا أثناء تغطية الاحتجاجات الشعبية، أو احتجازهم أثناء وجودهم في منازلهم، وقد يشير هذا السلوك إلى أنّ الحملة على الصحافيين حملة منظمة لحجب حقيقة ما يجري من انتهاكات بحق المتظاهرين ونشطاء حقوق الانسان، ولتقييد حرية الصحافة والنشر وإرسال رسالة ترهيب للجهات الصحافية العاملة في السودان بأن الجميع سيكون تحت سطوة الملاحقة الأمنية.
في إفادة "محمد الفاتح"، عضو سكرتارية شبكة الصحافيين السودانيين لفريق المرصد الأورومتوسطي قال: "تم منع الحركة لمدة أسبوعين عقب إعلان الانقلاب العسكري داخل العاصمة الخرطوم، حيث أغلقت القوات العسكرية والأمنية الجسور الثلاثة التي تصل مدينة الخرطوم ببعضها، ما أدى إلى شل حركة الصحافيين، ووقف إصدار الصحافة المطبوعة لمدة نتيجة عدم قدرة عمال المطابع على الوصول لأماكن عملهم. كما أن قطع شبكة الانترنت حدّ من قدرة الصحافيين على ممارسة عملهم بشكل كبير. وأصبحنا في الآونة الأخيرة نلجأ لإخفاء هويتنا حتى لا نتعرض إلى اعتداء مضاعف".
بات كثير من الصحافيين في السودان يميلون لإخفاء هويتهم المهنية أخيرًا لتجنب الملاحقة الأمنية، إذ أبلغ الصحافي "وائل محمد الحسن" مراسل "قناة العربي" فريق المرصد الأورومتوسطي: "تعرضنا إلى مضايقات متكررة وتهديدات من أفراد الأمن عندما كنا نقوم بتغطية التظاهرات، ما اضطرنا إلى إخفاء هويتنا المهنية أثناء عملنا، وأصبحنا نتعمد عدم ارتداء ملابس تميّزنا كصحافيين، ولجأنا إلى وضع الكاميرات والمعدات الصحافية في حقيبة عادية غير المخصصة لها حتى لا ينتبه لها رجال الأمن. في 13 يناير/ كانون ثان 2022 بعد عودتنا لمكتب القناة بعد تغطية حدث مباشر، مكثنا على سطح المبنى، وعندها هاجمتنا قوات الأمن بعدد كبير من قنابل الغاز المسيل للدموع. وعندما هممنا بالنزول، وجدنا 10-12 مركبة دفع رباعي كل مركبة فيها 10 أفراد أمن في انتظارنا على بوابة المبنى، لينهالوا علينا بالضرب، وسط إطلاق إهانات واتهامات بالخيانة والعمالة".
وأضاف "اقتادوني وجميع موظفي القناة إلى مقر القيادة العامة، وحققوا معنا مدة 5 ساعات، وهددونا بتلفيق تهمة مقتل أحد ضباط الجيش لنا، كما حطموا عددًا من المعدات التي كانت معنا بينها كاميرا، وأطلقوا سراحنا بعد عدة ساعات".
- الاعتداءات الجسدية والنفسية:
تعرض عدد من الصحافيين للاعتداء الجسدي ضمن مجموعة إجراءات قمعية نفذتها قوات الأمن التابعة لسلطة الأمر الواقع في السودان ضد وسائل إعلام محلية ودولية عقب الانقلاب العسكري في أكتوبر/ تشرين أول 2021.
رصد فريق المرصد الأورومتوسطي تعرض عدد كبير من الصحافيين للاعتداء الجسدي أثناء تغطية الاحتجاجات، وخلال اقتحام مقرات المؤسسات الإعلامية، ما تسبب في إصابة بعضهم بجروح وكسور، إضافة إلى تعرض عدد آخر إلى الإصابة بطلقات نارية أثناء فض الاحتجاجات في مدن السودان المختلفة.
قال الصحافي "علي فارساب" في إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي: "كنت أعمل في تغطية احتجاجات 17 نوفمبر/ تشرين أول 2021 بمنطقة الخرطوم بحري، والتي تبعد عن القصر الجمهوري حوالي 2 كليو متر، عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين. حاولت الاحتماء بساتر خرساني لكنه لم ينجني من الرصاص، حيث أصبت إصابة سطحية برصاصة أسفل الرأس، وقد شهدت مقتل أحد المحتجين برصاصة في الرأس حيث كان بجانبي يحتمي بالساتر الخرساني. عقب ذلك اعتقلني الأمن واقتادني لمنطقة قريبة، وانهال عليّ أكثر من 30 من أفراد الأمن بالضرب بالعصي والهراوات وبأسفل البنادق، وسحلوني على الأرض. نُقلت بعدها إلى نقطة أخرى كانت تتجمع فيها مركبات الأمن بعيدًا عن المتظاهرين، حيث استأنف أفراد الأمن الاعتداء علي بالضرب، وصادروا مقتنياتي الشخصية ومنها هاتف استخدمه في التغطية الصحافية".
وتابع: "تم نقلنا إلى مركز "شرطة المقرن" الذي يبعد حوالي كيلو متر عن القصر الجمهوري وفي أثناء ذلك توقفنا عند مركز إدارة النجدة حيث كان يتواجد ضابط في الشرطة برتبة عميد وطلب مقابلتي وأحد المتظاهرين بشكل محدد، واتهمني بتصوير حرق سيارات الشرطة، وسألني: "أنت صحافي؟ أين تعمل؟ واتهمني أني أريد تلفيق الحقائق. ذهبت إلى مركز شرطة "المقرن" وهو مجاور لمركز إدارة النجدة، وطلبت من أحد أفراد الشرطة إبلاغ الإدارة أنني أحتاج إلى الرعاية الصحية إلا أنه تم رفض طلبي، وفي اليوم الثاني كررت الطلب ولكنهم لم يستجيبوا مع العلم أن رأسي كان ينزف نتيجة الإصابة. وفي يوم الجمعة 20 نوفمبر/ تشرين ثان، نقلوني إلى مستشفى الشرطة للعلاج، لكنّهم أعادوني إلى المركز الطبي لدواعي استخراج اذن بذلك".
وذكر "فارساب" أن عائلته وبعض زملائه الصحافيين طلبوا مقابلته، إلا أنّ إدارة المركز رفضت ذلك وشددت الحراسة عليه، فيما لم يسمح لأحد بمقابلته إلا يوم السبت 21 نوفمبر/ تشرين ثان، وهو اليوم الذي أُطلق فيه سراحه في حوالي الساعة الواحدة ظهرًا.
وقالت الصحافية "مها التلب "مراسلة قناة "الشرق": "تعرضت لاعتداءين، الأول كان بتاريخ 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021 في ساعات الانقلاب الأولى، حيث كنا نقوم بتغطية الأحداث من مكتب القناة حين قدمت قوات من الاستخبارات العسكرية وعرّفوا على أنفسهم بتلك الصفة، واقتادونا إلى مقر الاستخبارات العسكرية قرب القصر الرئاسي في شارع النيل، وقالوا إن سبب الاعتقال هو رصدنا لما تقوم به القوات الأمنية تجاه المتظاهرين من ضرب، وبعد عدة ساعات من التحقيق أطلقوا سراحنا. وأما الاعتداء الثاني فقد حصل أثناء تغطيتي لتظاهرات 19 ديسمبر/ كانون أول 2021 بالقرب من وزارة الخارجية، حيث استهدفتنا بشكل متعمد قوة من الشرطة وضربتنا بالهراوات على الأطراف والكتف، وكنا كلما نقول لهم بأننا صحافيون يضاعفون الضرب."
وتابعت "في صباح ذات اليوم حضر إلى مكتب القناة أفراد من الاستخبارات العسكرية وقاموا بتفتيش هاتفي الشخصي والتحقق من عدم قيامي بتصوير التظاهرات من مقر المكتب".
- جدول زمني: أبرز الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون ووسائل الإعلام في السودان
وثق المرصد الأورومتوسطي في المدة ما بين 25 أكتوبر /تشرين أول 2021 – 8 مارس/ آذار 2022، 55 حادثة شملت اعتداءات وانتهاكات مختلفة، فردية وجماعية، على صحافيين وجهات صحافية وإعلامية مختلفة في السودان. وتضمنت تلك الانتهاكات قطعًا لخدمات الإنترنت والاتصالات واعتقال عدد من المسؤولين في وزارة الإعلام السودانية، واقتحامات متكررة للمؤسسات الإعلامية، واعتقال واعتداءات بالضرب والتهديد والترهيب لعدد من الصحافيين السودانيين على خلفية تغطيتهم للاحتجاجات.
|
التاريخ |
الانتهاك |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
قطع خدمة الانترنت والاتصالات عن عموم البلاد |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
إيقاف بث اذاعات الراديو على موجة FM |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال مستشار وزير الاعلام ماهر أبو الجوخ. |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال وزير الإعلام حمزة بلول. |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء فيصل محمد صالح. |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال مدير صحيفة الديمقراطي الحاج وراق. |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال 11 صحافيًا وفنيًا وإداريًا من مقر وكالة رامتان بالخرطوم. |
|
25 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
إغلاق الجسور ومنع حركة الصحافيين والحيلولة دون وصولهم إلى وسط الخرطوم. |
|
26 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
وقف صدور الصحف الورقية لمدة أسبوعين. |
|
26 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
إقالة مدير وكالة السودان للأنباء سونا. |
|
26 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
إقالة مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون السوداني. |
|
27 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال الصحافي "أبو ذر مسعود" في مدينة نيالا جنوب دارفور. |
|
28 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
مداهمة أمنية لمقر صحيفة الديمقراطي والسيطرة على المقر. |
|
28 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال الصحافي والمستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء "فائز السليك" عقب مداخلته على قناة الجزيرة. |
|
28 أكتوبر / تشرين أول 2021 |
اعتقال مدير تلفزيون ولاية الخرطوم "ياسر العوض". |
|
1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
إعفاء الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات "حسام حيدر". |
|
1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
اعتقال الصحافية بصحيفة الحراك السياسي "نهى الحكيم" أثناء تغطيتها وقفة احتجاجية تندد بالانقلاب نظمتها لجنة المعلمين بالخرطوم بحري. |
|
2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
مداهمة استديو للإنتاج الإعلامي بمنطقة الرياض بالخرطوم يتبع لقناة سودان بكرة. |
|
9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
الاعتداء على المصور الصحافي بصحيفة إندبندنت عربية "حسن حامد" من قبل الشرطة في منطقة بري. |
|
13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
إصابة الصحافي بصحيفة التيار "حمد سليمان" بطلق مطاطي أثناء تغطية احتجاجات في أم درمان. |
|
13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
اعتقال الصحافي "عبد المنعم مادبو" أثناء تغطية احتجاجات في مدينة نيالا. |
|
13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
اعتقال الصحافي "شوقي عبد العظيم" من قبل الاستخبارات العسكرية بالخرطوم. |
|
13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
استدعاء مدير مكتب الجزيرة مباشر "محمد عمر" من قبل جهاز المخابرات. |
|
14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
اعتقال مدير مكتب قناة الجزيرة "المسلمي الكباشي" من منزله. |
|
16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
ملاحقة الصحافي "عطاف محمد" رئيس تحرير صحيفة السوداني، وصدم سيارته في الشارع العام من قبل ملثمين. |
|
17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
اعتقال الصحافي "علي فارساب" والاعتداء عليه بالضرب من قبل قوات الشرطة واحتجازه. |
|
17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
استدعاء الصحافي "عبد المنعم مادبو" من قبل لجنة أمن الولاية جنوب دارفور. |
|
17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
إيقاف معدة ومنتجة البرامج بتلفزيون السودان "نازك محمد يوسف" عن العمل بعد رفضها إذاعة بيان للشرطة ينفي قتل متظاهرين. |
|
17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 |
اعتقال الصحافي بقناة الجزيرة "عبد الرؤوف طه" من قبل الاستخبارات العسكرية أثناء احتجاجات ضد الانقلاب. |
|
8 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
استدعاء الصحافي بصحيفة دارفور24 "محمد صالح البشر" من قبل مدير شرطة ولاية شرق دارفور. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
منع الصحافيين من الوصول الى الخرطوم لتغطية الاحتجاجات الشعبية الرافضة للانقلاب العسكري. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
الاعتداء على الصحافي بقناة الجزيرة "صابر حامد" عند مدخل جسر النيل الأبيض بالخرطوم. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
الاعتداء على الصحافي بصحيفة المجهر السياسي "محمد إبراهيم الحاج" بالضرب أسفل كوبري النيل الأزرق أثناء تغطية الاحتجاجات الشعبية. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
الاعتداء على الصحافية بصحيفة الحراك السياسي "امتثال عبد الفضيل" بقنابل الغاز المُسيّل للدموع، وقد فقدت وعيها وتم نقلها للمشفى. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
الاعتداء على الصحافي بصحيفة الصحية "محمد جادين" بقنابل الغاز المُسيّل للدموع، أثناء تغطيته للاحتجاجات الشعبية، وقد فقد الوعي على إثر ذلك. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
محاولة الاعتداء على الصحافية لينا يعقوب مراسلة قناة الحدث أثناء تغطيتها للاحتجاجات الشعبية. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
الاعتداء على الصحافية بقناة الشرق "مها التلب" بالضرب بمقر القناة بعد اقتحامه من قوات الأمن. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
تعرّض الصحافي "عمر إبراهيم هنري" لإصابة في قدمه أثناء تغطيته للاحتجاجات الشعبية. |
|
19 ديسمبر/ كانون الأول 2021 |
الاعتداء على الصحافي "محمد أحمد غلامابي" بالضرب وقد تم اعتقاله واقتياده إلى قسم شرطة الخرطوم. |
|
25 ديسمبر / كانون الأول 2021 |
قطع الاتصالات لأكثر من 16 ساعة. |
|
25 ديسمبر / كانون الأول 2021 |
منع الصحافيين من الوصول الى الخرطوم لتغطية الاحتجاجات الشعبية، وتقييد حركتهم بعد إغلاق الجسور التي تربط العاصمة. |
|
30 ديسمبر / كانون الأول 2021 |
اقتحام مقر قناة الحدث والاعتداء على الصحافيين والعاملين في القناة ومصادرة وإتلاف بعض الأدوات والمعدات. |
|
30 ديسمبر / كانون الأول 2021 |
اقتحام مقر قناة الشرق وإيقاف عملها. |
|
30 ديسمبر / كانون الأول 2021 |
الاعتداء على المصور بقناة الحرة وروسيا اليوم "متوكل عيسى كولا" من قبل قوات الشرطة، ومصادرة هاتفه المحمول. |
|
30 ديسمبر / كانون الأول 2021 |
الاعتداء على الصحافية "شمائل النور" بالضرب أثناء تغطيتها للاحتجاجات الشعبية. |
|
15 يناير / كانون الثاني 2022 |
سحب وزارة الإعلام ترخيص قناة الجزيرة مباشر. |
|
12 يناير / كانون الثاني 2022 |
احتجاز مصوري وكالة الأنباء الصينية شينخوا "محمد خضر" و "مجدي عبد الله" في المقر العسكري بأم درمان. |
|
13 يناير / كانون الثاني 2022 |
اقتحام مقر قناة العربي بالخرطوم، واعتقال الصحافيين "إسلام صالح" و"وائل محمد الحسن" والمصور "مازن أونور." |
|
13 يناير / كانون الثاني 2022 |
الاعتداء على مصوري وكالة فرانس برس "مجاهد شرف الدين" و "أحمد الصاوي"، أثناء تغطيتهما للاحتجاجات الشعبية، واحتجازهما واقتيادهما لمركز الأمن بالخرطوم. |
|
17 يناير / كانون الثاني 2022 |
محاولة دهس الصحافي "عثمان فضل الله" أثناء تغطيته للاحتجاجات الشعبية. |
|
17 يناير / كانون الثاني 2022 |
الاعتداء على الصحافي “بكري خليفة” أثناء تغطيته للاحتجاجات الشعبية. |
|
6 فبراير/ شباط 2022 |
احتجاز ثلاثة من صحافيي قناة "بي بي سي" (BBC)أثناء تغطية الاحتجاجات والإفراج عنهم بعد ساعات |
|
16 فبراير/ شباط 2022 |
احتجاز الصحافي محمد الحامدابي لمدة أسبوعين |
|
19 فبراير/ شباط 2022 |
القبض على الصحافي "عثمان هاشم" والإفراج عنه بعد تقييد بلاغ ضد على خلفية عمله الصحافي |
|
8 مارس/ آذار 2022 |
مصادرة ممتلكات الصحافي "بهرام عبد المنعم" الشخصية ومبلغ مالي كان بحوزته من عناصر ترتدي زي قوات الاحتياطي المركزي |
الموقف القانوني
أثَّرَ الانقلاب العسكري الذي جرى في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 على تمتع الصحافيين والمؤسسات الصحافية المحلية والعالمية بحقوقهم المحمية بموجب الدستور المؤقت للسودان الذي وقعه ممثلون عن المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في 4 أغسطس 2019.
وبالنظر إلى طبيعة الإجراءات التعسفية التي تعرض لها الصحافيون على مدار الشهور الأربعة الماضية، فإنها تأتي خلافاً للحماية القانونية التي فرضها الدستور الانتقالي المؤقت في المادة (57) من الفصل الرابع عشر والتي نصت على " 1- لكل مواطن الحق في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة، 2- تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي"
كذلك انتهكت مبدأ حرية الصحافة المحمي بموجب قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009، ومن ذلك ما نص عليه في المادة الخامسة من الفصل الأول "تمارس الصحافة بحرية واستقلالية وفق الدستور والقانون مع مراعاة المصلحة العامة وحقوق الآخرين وخصوصيتهم ودون المساس بالأخلاق العامة "
وقد خرقت سلطة الأمر الواقع في السودان بتعديها على الصحافيين بالضرب والتنكيل واحتجازهم تعسفياً ما ورد في نص المادة ( 25) من ذات القانون " يتمتع الصحافي بالحقوق والحصانات الآتية :
( أ ) عدم تعريضه لأي فعل بغرض التأثير على أدائه أو نزاهته أو التزامه بواجباته المهنية،
(ب) حماية مصادر معلوماته الصحافية،
(ج ) فيما عدا حالات التلبس لا يجوز القبض على الصحافي بشأن أي تهمة تتصل بممارسته لمهنته الصحافية إلا بعد إخطار الاتحاد العام للصحافيين السودانيين كتابة .
(2) يحق للصحافي الحصول على المعلومات من المصادر الرسمية وفقاً للقانون .
(3) على المجلس اتخاذ الإجراءات المناسبة لكفالة حقوق الصحافي وحصاناته .
(4) لا يجوز فصل الصحافي إلا بعد إخطار الاتحاد العام للصحافيين السودانيين بمبررات الفصل وإذا انقضت مدة شهر وفشل خلالها الاتحاد في التوفيق بين الصحيفة والصحافي يحتكم الأطراف لأحكام قانون العمل الساري ."
وفيما يتعلق بالتزامات السودان كدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإنها وبموجب المادة 19 من العهد ثمة التزامات قانونية يتوجب عليها الالتزام بها، بما في ذلك صيانة حرية التعبير وتداول المعلومات وفق ما نصت عليه: " لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها."
فضلاً على ذلك، سجلت انتهاكات حقوق الصحافيين مخالفة واضحة لالتزام السودان كدولة طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي ورد في المادة 9 منه:" من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات، ويحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح.
وبشكل عام، فإن القوانين الوطنية في السودان لا توفر الحماية الكافية للصحافيين والعمل الصحافي، ولا تشكّل بالنسبة لهم أساسًا قانونيًا قويًا يمكن الاستناد إليه لحمايتهم وصون حقوقهم، فالقوانين التي صدرت على مدار مراحل سياسية وتشريعية سابقة غلب عليها نصوص تقييدية لحرية الصحافة، وأخرى عقابية بصياغات فضفاضة تسمح للنظام الحاكم بقمع حرية الصحافة ومعاقبة كل من يخالف السياسات القائمة بتهم التحريض وإثارة الإشاعات وتهديد الأمن القومي. ومن ذلك ما ورد في نصوص القانون الجنائي لسنة 1991 والتي استخدمت لتقويض حرية الصحافة كالمادة 50 من القانون والتي تنص على أنه: "من يرتكب أي فعل بقصد تقويض النظام الدستوري للبلاد أو بقصد تعريض استقلالها أو وحدتها للخطر، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله. وكذلك نص المادة 51 "يعد مرتكباً جريمة إثارة الحرب ضد الدولة ويعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله من:
(أ) يثير الحرب ضد الدولة عسكرياً بجمع الأفراد أو تدريبهم أو جمع السلاح أو العتاد أو يشرع في ذلك أو يحرض الجاني على ذلك أو يؤيده بأي وجه".
كما تم الاستعانة بنص المادة 66 من ذات القانون لملاحقة الصحافيين بتهم نشر الأخبار الكاذبة وفق تجريمها على النحو التالي " من ينشر أو يذيع أي خبر أو اشاعة أو تقرير، مع علمه بعدم صحته، قاصداً أن يسبب خوفاً أو ذعراً للجمهور أو تهديداً للسلام العام، أو انتقاصاً من هيبة الدولة، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ستة أشهر او بالغرامة او بالعقوبتين معاً."
وفيما يتعلق بقيام وزارة الثقافة والإعلام سحب تراخيص بعض القنوات الفضائية والمؤسسات الصحافية كالإذاعات والصحف الورقية، فإن ذلك جاء مخالفاً لنصوص قانون الصحافة والمطبوعات الصحافية لسنة 2009، الذي يعطي تلك الصلاحية القانونية للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات حصراً، وهو المجلس المكلف بمنح الترخيص والتنظيم والإشراف على عمل مكاتب الوكالات الأجنبية ومكاتب القنوات الإخبارية المُرخص لها وفقاً للقانون.
وتفنيداً لموقف سلطة الأمر الواقع الذي يبرر الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون والمؤسسات الصحافية العاملة في السودان بداعي حماية الأمن القومي انطلاقاً من القوانين الوطنية الفضفاضة في نصوصها، وسماح العهد الدولي للحكومات بفرض قيود معينة على حرية التعبير، يمكن القول إنّه إذا كانت هذه القيود بموجب القانون وضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. إلا أنه بموجب "مبادئ جوهانسبرغ" لكي يصبح القيد مشروعاً وفي صالح الأمن القومي: أن يكون الغرض الحقيقي منه حماية الدولة أو وحدة أراضيها ضد استخدام القوة أو التهديد بها، أو قدرة الدولة على الرد على مثل هذا التهديد باستخدام القوة، سواء من مصدر خارجي، كتهديد عسكري، أو مصدر داخلي، كتحريض على العنف لقلب نظام الحكم.
وبالنظر إلى الحالة السودانية بعد وقوع الانقلاب العسكري في أكتوبر/ تشرين أول 2021 فإن هذه الشروط لا تتوفر كون أن الاعتداءات التي تعرض لها الصحافيون والمؤسسات الصحافية هي من سلطة أمر واقع عسكرية أفرزها انقلاب عسكري وليس حكومة تشكلت بالآليات الديمقراطية أو بالاتفاق والإجماع الوطني. وبتتبع انتهاكات حقوق الصحافيين والمؤسسات الصحافية فإنها قد اتخذت شكلاً عقابياً ضد كل من يقوم بتغطية الأحداث التي تلت الانقلاب العسكري خلال الاحتجاجات الشعبية التي خرجت لرفض الانقلاب، بالاستناد إلى أن قطع خدمات الانترنت وتقييد حرية الصحافة والصحافيين والاعتداء عليهم وعلى المؤسسات الصحافية استهدفت بالدرجة الأولى حجب انتهاكات حقوق الانسان التي تساهم الصحافة في توثيقها والكشف عنها.
التوصيات
في ضوء الانتهاكات التي وثّقها التقرير فيما يتعلّق بحقوق الصحافيين وحرية العمل الصحافي بعد الانقلاب العسكري في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021، فإن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يوصي بالآتي:
- إجراء تحقيق مستقل ونزيه في جميع حوادث الاعتداء على الصحافيين والكيانات الصحافية، بما في ذلك حوادث الاعتداء الجسدي والاحتجاز التعسفي واقتحام المؤسسات الصحافية، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
- احترام الحق في حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، ووقف حملة التعبئة والتحشيد ضد الصحافيين والمؤسسات الصحافية في السودان.
- ضمان الاحترام الكامل للقوانين الوطنية وللمعايير الدولية الحامية لحقوق الصحافيين وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصدّق عليه من السودان.
- الإفراج الفوري عن كافة الصحافيين المحتجزين تعسفياً، والتراجع عن قرار سحب تراخيص المؤسسات الصحافية ووقف عرقلة عملها، وإعادة الأدوات والأجهزة المصادرة والتعويض عن ما تم اتلافه.
- إجراء معالجات تشريعية شاملة للقوانين الوطنية السودانية والإسراع في سن قانون خاص لحماية الصحافيين.
- التوقف عن التحكم التعسفي بخدمات الانترنت، واحترام حق المواطن في الحصول على المعلومات.
- تفعيل ملف انتهاك حقوق الصحافيين أمام خبير الأمم المتحدة لحقوق الانسان المبتعث من قبل المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وفقا لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة S-32/1، لمراقبة حالة حقوق الإنسان في السودان منذ الانقلاب العسكري 25 تشرين أول/أكتوبر 2021.
- تراجع قيادة الجيش السوداني عن انقلابها العسكري والدعوة لحوار وطني سوداني شامل يشارك فيه كافة الكتل السياسة والشعبية
التقرير كاملًا باللغة العربية
التقرير كاملًا باللغة الإنجليزية