بالشراكة مع معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأمريكية
بواسطة:
د. ياسمين ليليان دياب من معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأميركية
أنس الجرجاوي من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان

نظرة عامة عن النزاع

في أواخر يناير 2011، شهدت اليمن احتجاجات شعبية واسعة خرجت للمطالبة بتغيير الواقع السياسي والاقتصادي، واستمرت حتى نوفمبر 2011 حيث توصلت الأطراف اليمنية لاتفاق قضى بتنازل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح عن الحكم، وتسلّم في فبراير 2012 نائبه عبد ربه منصور هادي الرئاسة. تواصلت الاضطرابات وتصاعدت حتى سيطرت جماعة الحوثي في سبتمبر 2014 بالقوة المسلحة على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية الرئيسية، وسيطرت على مؤسسات الدولة الرسمية. في مارس 2015، بدأ التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات وبمشاركة دول عربية أخرى حملة جوية -مستمرة حتى اليوم-ضد مواقع جماعة الحوثي في اليمن، ليتوسع النزاع بشكل كبير، وتزداد معه الأزمة الإنسانية في عموم البلاد.

تتصارع في النزاع المسلح في اليمن عدة أطراف تسيطر على مساحات متفاوتة من البلاد، إذ تسيطر جماعة الحوثي على 11 محافظة بينها العاصمة صنعاء، وتسيطر قوات الحكومة اليمنية بدعم من التحالف العسكري العربي على (7) محافظات، ويسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على (3) محافظات، فيما سُجّل نشاط محدود لتنظيم القاعدة في عدد من المحافظات. بحلول مطلع 2022، تم تقدير عدد ضحايا النزاع في اليمن بنحو (377,000) ألف شخص، 40% منهم قضوا بشكل مباشر خلال القتال، و60% قضوا بسبب الآثار المترتبة على النزاع مثل الجوع والأمراض التي يُمكن الوقاية منها. ويعاني 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون طفل يواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي حالة تهدد الحياة، وفقًا لأحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

وشهدت سنوات النزاع انتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان، حيث أكّد فريق الخبراء البارزين الإقليميّين والدوليّين المعني باليمن أنّ جميع الأطراف ارتكبت أفعال قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التحالف العربي الذي قتلت غاراته الجوية عددًا كبيرًا من المدنيين، وسلطة الأمر الواقع الحوثية، وقوات الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والذين تورطوا في قتل أو تعذيب أو إخفاء عدد كبير من الأشخاص، وتعميق الأزمة الإنسانية في البلاد.

النزوح في أرقام

تسببت 7 سنوات من النزاع المتواصل في اليمن بإضعاف السكّان على مختلف المستويات، إذ أصبح نحو 23.4 مليون يمني (73% من السكان) يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، كما تسببت العمليات العسكرية في نزوح 4.3 مليون يمني داخليًا حتى شهر مارس 2022، يعيش نحو 40% منهم في مواقع نزوح غير رسمية ولا يحصلون على الخدمات الأساسية بشكل كاف، وفي كثير من الأحيان تكون تلك الخدمات غير موجودة. وبذلك تشهد اليمن منذ سنوات أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وألقى النزاع أيضًا بآثار مدمّرة على الوضع الاقتصادي للبلاد، إذ تسبب بانهيار اقتصادي شامل أدّى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنحو 50% مما كان عليه في السابق، وبات يعيش اثنان من كل ثلاثة يمنيين – (20) مليون رجل وامرأة وطفل – في فقر مدقع.

وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن يتفاقم الوضع الإنساني في اليمن خلال الفترة من يونيو/حزيران إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، حيث قد يصل عدد الأشخاص غير القادرين على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية في اليمن إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص. كما من المتوقع أن ينحدر 1.6 مليون شخص إضافي في البلاد إلى مستويات طارئة من الجوع، ليرتفع المجموع إلى 7.3 مليون شخص بحلول نهاية عام 2022، ويُخشى أن ترتفع الأعداد إلى أعلى من ذلك بسبب تراجع التمويل الدولي للعمليات الإنسانية، إذ لم ينجح مؤتمر المانحين الذي عقد في 16 مارس/ آذار 2021 سوى بجمع تعهدات بنحو 1.3 مليار دولار من أصل 4.3 مليار دولار مطلوبة للاستجابة الإنسانية في اليمن.

بالإضافة إلى ذلك، تعد فئة الأطفال من أكثر الفئات التي تأثّرت بالنزاع، إذ تحقّقت الأمم المتحدة من مقتل وإصابة أكثر من (10,200) طفل (2015-2022) بسبب العمليات العسكرية، ورجّحت أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير. وعلى صعيد العواقب التي لحقت بالأطفال على الصعيد الإنساني، يتوقع استمرار ارتفاع مستوى سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة، وتعاني نحو 1.3 مليون امرأة حامل أو مرضع من سوء التغذية الحاد.

ولم تتوقف الانتهاكات لحقوق الأطفال عند هذا الحد، بل تعدت ذلك إلى تجنيد أطراف النزاع وخصوصًا جماعة الحوثي لآلاف الأطفال والزج بهم في جبهات القتال، حيث وثّق تقرير للمرصد الأورومتوسطي استخدام جماعة الحوثي أنماط وأساليب مختلفة جنّدت من خلالها نحو (10,300) طفل بكل قسري في مختلف مناطق سيطرتها، وتم التحقق من مقتل (111) منهم خلال شهر واحد فقط من المعارك عام 2020. وعلى صعيد الوصول إلى المياه والكهرباء، يعاني السكان في اليمن من أزمة مياه كبيرة، إذ لا تغطي شبكة أنابيب المياه إلا 30% من السكان، ويضطر يوميًا أكثر من 15 مليون شخص إلى اللجوء لطرق مكلفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه. كما لا يستطيع نحو 90% من السكان الحصول على الكهرباء المدعومة.

حقائق عن البلدان المضيفة

فيما أدى النزاع في اليمن في الغالب إلى نزوح جماعي داخلي، فقد دفع أعدادًا كبيرة من اليمنيين إلى البحث عن ملاذ خارج البلاد، حيث سعى الآلاف إلى اللجوء في بلدان مجاورة وغيرها، ولكن ما تزال المعلومات أو الإحصاءات حول عدد اللاجئين اليمنيين أو توزيعهم في البلدان المضيفة على المستوى الدولي محدودة. وخلال عام 2020، تقدم (3,576) يمنيًا (ما يقرب من 0.012٪ من سكان البلاد) بطلبات لجوء في دول أخرى وفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتشمل هذه البلدان المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا، وكانت أنجح طلبات لجوء في كندا والأردن، فيما وصل (38) يمنيًا بنجاح إلى الولايات المتحدة، قُبلت طلبات لجوء (23) منهم، ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما يستضيف الأردن (13,727) طالب لجوء يمني حتى مارس 2021.

وفي الوقت ذاته تعتبر اليمن دولة مضيفةً أيضًا، فعلى الرغم من النزاع المستمر، يستضيف اليمن (137,000) لاجئ وطالب لجوء من الصومال وإثيوبيا، ما يجعله ثاني أكبر مضيف للاجئين الصوماليين في العالم وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إذ تمثل البلاد مفترق طرق جغرافي للهجرة والتحركات العابرة من القرن الأفريقي وما وراءه. وتظل اليمن الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

الجهود السياسية والقانونية والإنسانية الدولية

ما يزال وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لمدة شهرين اعتبارًا من أبريل/نيسان 2022 قائمًا إلى حد كبير، وهو أكبر خطوة إلى الأمام في الحرب المستمرة منذ ست سنوات، ويُهدف إلى تطبيقه داخل وخارج حدود البلاد. وكان الحوثيون قد رفضوا محادثات السلام في العاصمة السعودية، وقالوا إنهم سيرحبون بالمحادثات في حال أُقيمت في مكان محايد، بما في ذلك دول الخليج الأخرى. يبدو أن السلام في اليمن هش للغاية حتى مع إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد من قبل كل من المملكة العربية السعودية والحوثيين في ظل عدم وجود استجابة إيجابية من أي من الجانبين.

وتقود المفوضية مجموعات الحماية وتنسيق وإدارة المخيمات (CCCM) وكتلة المأوى والمواد غير الغذائية كجزء من الاستجابة الإنسانية المشتركة بين الوكالات لمساعدة من هم في أمس الحاجة إليها في اليمن، كما تظل المفوضية هي الوكالة الوحيدة التي تعنى بحماية وصحة اللاجئين وطالبي اللجوء في جميع أنحاء البلاد، حيث تركز في المقام الأول على الحماية، ودعم المأوى، وخدمات تنسيق وإدارة المخيمات، والمساعدة النقدية، ومشاريع التعايش السلمي والتماسك الاجتماعي، والاستجابة الشاملة للاجئين، وتغطي المفوضية في الوقت الحاضر معظم مناطق اليمن في (22) محافظة و(333) مديرية.

Week Eight: Yemen (Institute for Migration Studies, Lebanese American University)