لسنوات عديدة، أحدثت المادة 398 من قانون العقوبات العراقي جدلًا واسعًا لما تتضمنه من إمكانية ترك الجناة دون عقاب في ظروف وحالات معينة.

وعلى الرغم من كون نص المادة الذي يقضي بتخفيف العقوبة على المغتصب إذا ما تزوج من ضحيته ليس جديدًا؛ إذ جرى تعديله آخر مرة عام 1987، إلا أنه بقي من أبرز النصوص التي تجري المطالبة بإلغائها كونه يشكّل إجحافًا بحق الضحية التي يمكن أن تُجبر على تكرار تجربة الاغتصاب على يد الجاني لبقية حياتها.

في الفترة الماضية، أعيد الجدل حول المادة مجددًا تزامنًا مع تبرير شخصيات قانونية الحاجة إلى إبقاء المادة بصفتها "الحل الأنسب" للضحية، كون زواجها من مغتصبها يعد الخيار الوحيد لها في مجتمع يهتم بالعادات والتقاليد، وفقًا لمدير وحدة حقوق الإنسان في نقابة المحامي "صفاء اللامي"

وبينما عبر المحامي عن رأيه ذلك بصفة شخصية، إلا أنه من الواضح أنّه ليس وحده من يمتلك تلك الرؤية، إذ لدى مجلس القضاء الأعلى في العراق رأي مشابه في الدفاع عن هذا التشريع، حيث جاء في رد سابق له على رسالة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي (دائرة تمكين المرأة العراقية) تطالب بإلغاء المادة أن "الجاني في هذه الحالة لا يُعفى من العقاب وإنما تفرض عليه عقوبة مخففة"، مضيفًا أنّ "حالة زواج الجاني من المجني عليها تمثل معالجة لهذا الموضوع خصوصًا أن العادات والتقاليد وواقع المجتمع العراقي ينظر إلى المرأة (الضحية) نظرة ريبة حتى وإن كانت ضحية".

   لا يمكن النظر إلى هذه المادة سوى أنّها شكل من أشكال مكافأة الجاني حتى ولو لم يقصد المشرّع العراقي ذلك   

وأيًّا كانت الدوافع، فإنه لا يُمكن تفسير تلك التبريرات للمادة سوى أنها رضوخ للنظرة المجتمعية القاصرة لضحايا الاغتصاب، بعيدًا عمّا يمثله النص من مضاعفة للعذاب الذي تواجهه الضحية، تارة بجريمة الاغتصاب نفسها، وتارة أخرى بتخفيف عقوبة الجاني وتزويجه منها.

في الواقع، لا يمكن النظر إلى هذه المادة سوى أنّها شكل من أشكال مكافأة الجاني حتى ولو لم يقصد المشرّع العراقي ذلك، إذ أنه من غير المقبول أو المنطقي أن تسمو بعض السلوكيات الاجتماعية الخاطئة على معاقبة الجاني بشكل رادع، عبر تخفيف العقوبة مراعاة لتلك السلوكيات، في الوقت الذي يجب فيه أن تحارب هذه الوصمة بتغليظ العقوبة على الجاني وبتوفير حماية أكبر للضحية.

يتذرع المدافعون عن وجود المادة كذلك بأن العذر المخفف لا محل له من التطبيق إلا عند إبرام عقد زواج صحيح يرتكز على رضا الطرفين المتبادل، حيث أورد المجلس القضاء الأعلى في ذات الرد المشار إليه آنفًا: "إنّ زواج المجني عليها من الجاني لا يتم إلا بموافقتها ولا تجبر على إجراء عقد الزواج وفي حالة رفضها فإنّ الإجراءات القانونية تستمر بحق الجاني إلى صدور القرار النهائي من المحكمة المختصة".

مرة أخرى، يخفق التفسير في مجاراة المنطق، إذ إنّ التذرع بتوفّر الرضا لدى الضحية وقت إبرام عقد الزواج مع الجاني يعوزه الكثير من الدقة. ليس الحديث هنا عن حرية في الرضا في معظم الحالات، وإنّما رضا مدفوع بضغط الوصمة الاجتماعية التي تلاحق الضحية وتحملها جزءًا كبيرًا من المسؤولية، وبهاجس الخشية من النبذ المجتمعي، وفي حالات عديدة يكون الرضا شكليًا حينما يتعلق الأمر بضحية قاصر لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها.

يأتي ذلك في الوقت الذي تُطبق فيه المادة 398 في حالات عديدة، حيث صدرت بموجبها بالفعل عدة قرارات قضائية، منها على سبيل المثال لا الحصر القرارات التالية لمحكمة التمييز في إقليم كردستان:

1-قرار محكمة تمييز إقليم كردستان 198/2007 والذي تم فيه الأمر بإعادة النظر بالحكم الموجه لمغتصب طفلة لم تبلغ من العمر 18 عامًا بعد أن كان قد حكم عيه بالسجن 10 سنوات، نظرًا لزواجه منها.

2-قرار محكمة تمييز إقليم كردستان 156/2007، والذي تم فيه تخفيف عقوبة مغتصب نظرًا لزواجه من الضحية.

ولبعض الدول العربية تجارب إيجابية في إلغاء مواد مشابهة تكافئ المغتصب وتضاعف معاناة الضحية، إذ ألغى المشرع الأردني نص المادة 308 من قانون العقوبات عام 2017 في انتصار مهم لضحايا الاغتصاب، وهو الأمر الذي فعلته السلطات التشريعية في المغرب عندما ألغت المادة 475 من قانون العقوبات عام 2014.

في الحقيقة، لا يجب الاكتفاء بالمطالبة بإلغاء المادة 398 للوصول إلى حالة مرضية من مكافحة جرائم الاغتصاب وحماية الضحايا، ولكن يجب التركيز أيضًا على تفعيل وتطوير آليات تقديم الشكاوى المتعلقة بجرائم الاغتصاب وتوفير حماية شاملة للضحايا، إذ إنّ عددًا كبيرًا من حالات الاغتصاب لا تصل أصلًا إلى ساحات المحاكم، نظرًا للضغوط التي تواجهها الضحايا من المجتمع، والتي تؤدي إلى المسارعة بتزويج الفتاة من مغتصبها خشية "الوصمة الاجتماعية".

إن المشرع العراقي مدعو إلى أخذ خطوة شجاعة وإيجابية تنتصر لضحايا الاغتصاب وتمنع الجاني من الإفلات من العقاب، يسمو فيها ردع الجناة على الرضوخ لبعض السلوكيات الاجتماعية الخاطئة، فيقوّمَها وينزع الوصمة السلبية التي تعاني منها الضحايا. وبذات القدر من الأهمية، يُنتظر من الدولة اتخاذ إجراءات مناسبة لتوفير الرعاية النفسية المطلوبة لضحايا جرائم الاغتصاب، خاصةً الأطفال منهم.