بعد 24 عامًا من الأخذ والجذب، أُحيل أخيرًا قانون حقوق الطفل في الأردن إلى مجلس النوّاب لاستكمال مراحل التشريع، ولكنّه أثار فور طرحه حالة كبيرة من الجدل وسوء الفهم، إذ عدّ كثيرون مشروع القانون محاولة للإجهاز على الأسرة الأردنية وسلخ أبنائها عنها، ووصل الحد لدى البعض بالقول إنّ المشروع يحرّض الأبناء على ترك دينهم. وعلى النقيض، رحّب آخرون بمشروع القانون ووصفوه أنّه خطوة إيجابية لتعزيز حقوق الطفل، ولكنّها ما تزال غير كافية وتحتاج إلى عدد من التعديلات.
من المهم بداية بيان أنّ قسطًا كبيرًا من نصوص مشروع القانون ليست جديدة، إذ وردت في قوانين عديدة كقانون الأحوال الشخصية (النصوص المتعلقة بسن الرشد)، وحقوق النفقة والحضانة، وقانون التربية والتعليم (النصوص المتعلقة بالتعليم الإلزامي)، والعديد من نصوص القوانين الأخرى التي تم جمعها في هذا المشروع. ومع ذلك، تضمّن مشروع القانون حقوقًا جديدة للطفل على مستوى الرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه، والحماية من العمل القسري، والتسول، والإدمان، ووسّع مظلة المساعدة القانونية للأطفال.
ولدى استعراض مشروع القانون، نرى أنّه لا يشير من قريب أو بعيد إلى أي ممارسة قد تؤدي إلى فصل الأبناء عن أسرهم، بل على العكس، ضمنت المادة (8) للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، واعتبرت أنّ التعرض غير القانوني لأسرته هو خرق لذلك، كما أخذت بعين الاعتبار حقوق الأبوين وواجباتهما، حيث نصت على:
مشروع قانون حقوق الطفل في الأردن خطوة إيجابية لكنها بحاجة إلى قدر وافر من التجويد والتعديل، كما أنه يشكل تحديًا حقيقيًا للحكومة في تنفيذ مقتضياته، خصوصًا فيما يتعلق بالحقوق المكفولة فيه حديثًا
"للطفل الحق في احترام حياته الخاصة ويمنع تعريضه لأي تدخل تعسفي أو غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، وأي مساس بشرفه أو سمعته، مع مراعاة حقوق وواجبات أبويه أو من يحل محلهما وذلك كله وفقاً للتشريعات النافذة.
وجاءت المادة (12) من مشروع القانون لتربط بين حماية الطفل من الفقر وتمكين الأسرة من أداء دورها الأساسي في تربية الطفل وتنشئته، إذ جاء فيها: "لكل طفل الحق في مستوى معيشي ملائم وفي الحماية من الفقر، وتتولى وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع الجهات المختصة وضع السياسات والبرامج اللازمة لتأمين حق جميع الأطفال في الرعاية الاجتماعية الأساسية، وتمكين الأسرة من أداء دورها الأساسي في تربية الطفل وتعليمه وإحاطته بالرعاية اللازمة من أجل ضمان نموه الطبيعي على الوجه الكامل".
هذا عدا عن أنّ مشروع القانون لا يستطيع أصلاً وتحت أي ظرف تجاوز دور الأسرة أو تهميشه، إذ ضمن الدستور الحفاظ على كيان الأسرة وتقوية أواصرها وقيمها، ولا يمكن لأي نص قانون أن يخالف الدستور، حيث نصت المادة(6/4) منه على أنّ "الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي ويقوي أواصرها وقيمها".
أما في مسألة اعتقاد البعض أنّ مشروع القانون سيحرّض الأبناء على ترك دينهم، فذلك ينطوي على سوء فهم عميق، إذ لم يتضمن مشروع القانون أي إشارة لذلك، والمادة التي يُساء فهمها في هذا الإطار هي المادة (7) والتي تنص على: "مع مراعاة التشريعات النافذة للطفل الحق في:
أ-التعبير عن أرائه سواء بالقول أو بالكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها وتولى آراء الطفل الاعتبار وفقاً لسنه ودرجة نضجه".
في الحقيقة فإنّ المادة لم تبتدع حكمًا جديدًا، إذ إنّ حرية التعبير مكفولة أصلًا بنص الدستور، ولكنّ المادة حدّدت شكل حرية التعبير الذي يتناسب مع الأطفال ليس أكثر، وعلى العكس فإنّ مشروع القانون قد راعى خصوصية المجتمع الأردني واحترم انتماءه الديني، ومن ذلك ما أكّدت عليه المادة (5) في حق الطفل أن ينشأ تنشئة سليمة، واعتبار احترام القيم الدينية من أبرز ركائز هذه التنشئة، حيث نصّت المادة على:
"للطفل الحق بالرعاية وتهيئة الظروف اللازمة لتنشئته في كافة مناحي حياته تنشئة سليمة تحترم الحريـة والكرامة والإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية".
وعلاوة على ذلك، عرّج مشروع القانون مرة أخرى على القيم الدينية، وعدّ أن تسمية الطفل باسم لا يخالف العقائد الدينية هو حق من حقوقه، حيث جاء في المادة (6) منه:
"لا يجوز أن يكون اسم الطفل منطويًا على تحقير أو مهانة لكرامته أو منافيا للعقائد الدينية، أو القيم الاجتماعية أو فيه مساس بالنظام العام أو من شأنه الحاق الضرر به".
وفي جانب الرعاية الصحية، ينص مشروع القانون على منح الأطفال حقوقًا لم تكن مكفولة في القوانين ذات العلاقة، إذ أناط بوزارة الصحة مسؤولية تقديم الخدمات الصحية للطفل غير المنتفع بأي تأمين في الحالات الطارئة والتي تهدد حياته، وفي تقديم الرعاية الصحية الأولية بشكل مجاني، وكذلك إيجاد مراكز متخصصة لعلاج الطفل وتأهيله في حالات الإدمان على المخدرات أو المؤثرات العقلية أو المواد الطيارة وفقًا للإمكانيات المتوفرة.
وفي الجانب التعليمي، ألزم مشروع القانون ذوي الطفل بإلحاقه بالتعليم الإلزامي، وأناط بوزارة التربية منع التسرب المدرسي للأطفال أو انقطاعهم عن التعليم، وكذلك توفير البرامج المتعلقة بنمو الطفل بشكل شامل.
بالإضافة إلى ذلك، حظر مشروع القانون الاستغلال الاقتصادي للأطفال مثل إجبارهم على العمل والتسول، وضَمِن للأطفال حقهم في الترفيه، وهو حق مهم لتعزيز صحتهم النفسية وتنمية قدراتهم، وأكّد أيضًا على حقّهم في بيئة مرورية آمنة.
وعلى الرغم من الطابع الإيجابي العام فيما يتعلق بمشروع القانون، إلا أنّ ذلك لا ينبغي أن يغطّي على عديد الملاحظات حوله، وخصوصًا تلك المتعلقة بالنصوص ذات الصلة بحقوق الطفل في التشريعات الوطنية، إذ من الأجدر أن يتم جمع كل النصوص المتعلقة بحقوق الطفل في هذا المشروع، وليس إدماج بعضها وترك أخرى، لتجنّب التعارض بين النصوص القانونية المختلفة.
كما أنّ الاكتفاء بنصوص المشروع دون إصدار أنظمة وتعليمات لاحقة لتنظيم وتنفيذ مقتضياته سيجعل منه نصًا نظريًا فقط بعيدًا عن التطبيق العملي. وبالإضافة إلى ذلك، لم يحدد مشروع القانون أطرًا زمنية لتفعيل معظم مواده على النحو الذي ورد في المادة (10) منه، والتي حددت بدء تطبيق حصول الأطفال على الرعاية الصحية الأولية خلال سنتين والانتهاء من استكمال هذه العملية خلال 10 سنوات، وهو الأمر الذي سيصعّب من عملية تفعيله.
من المهم أيضًا سد الثغرات المتعلقة بترك بعض السلوكيات المحظورة دون آليات مساءلة أو جزاءات مترتبة على مخالفتها، مثل منع التسرب المدرسي، والاستغلال الاقتصادي للأطفال، وأشكال العنف المدرسي، والعديد من الأمور المحظورة التي تُركت دون أي جزاءات على مخالفتها.
ومن المآخذ على مشروع القانون أيضًا أنّه تضمّن بعض العبارات العامة والفضفاضة، فمثلاً تتحدث المادة (19) عن الحق في التنقل والبيئة المرورية الآمنة، إلا أنّها لم تضع أي محددات لذلك، والتساؤل هنا هل من الممكن أصلاً تطبيق هذا النص بمعزل عن توفير البيئة المرورية الآمنة لأفراد المجتمع بشكل عام؟
وفيما يتعلق بالرعاية الصحية، كان من الأجدر شمول الأطفال بمظلة التأمين الصحي بشكل مجاني، بدلاً من النصوص الموجودة في مشروع القانون، والتي لا تغطي كافة الاحتياجات الصحية للأطفال.
يمكن القول إنّ مشروع قانون حقوق الطفل في الأردن خطوة إيجابية لكنها بحاجة إلى قدر وافر من التجويد والتعديل، كما أنه يشكل تحديًا حقيقيًا للحكومة في تنفيذ مقتضياته، خصوصًا فيما يتعلق بالحقوق المكفولة فيه حديثًا، والتي تستلزم توجيهات وقرارات لترجمتها على أرض الواقع، على أن تتضمن آليات للمساءلة والمحاسبة، وخططًا زمنية واضحة وقابلة للتطبيق. وبالتأكيد، فإنّ من حق الجميع التعبير عن آرائهم حول مشروع القانون، لكنّ قراءة متأنية وهادئة لنصوص مشروع القانون يُمكن أن تُسقط كثيرًا من الأحكام المسبقة المنتشرة على نحو كبير.