توجّه الإيطاليون يوم الأحد الموافق 25 سبتمبر/ أيلول إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، وأظهرت النتائج النهائية فوز الائتلاف اليميني بقيادة حزب "فراتيلي دي إيطاليا" اليميني المتطرف، والذي تتزعمه "جورجيا ميلوني".

بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الإيطالية العامة 63.95% وهي أدنى نسبة مشاركة في أي انتخابات إيطالية عامة على الإطلاق. وعلى الرغم من خيبة الأمل الكبيرة وتجاهل الإيطاليين الجماعي للسياسة والذي دفعهم للعزوف عن التصويت، إلا أنّ مجموعة كبيرة من السكان لم تستطع حتى ممارسة حقها الديمقراطي في الانتخاب، ويشمل ذلك طلاب الجامعات والعاملين عن بعد الذين يعيشون بعيدًا عن مدنهم الأصلية ولا يستطيعون العودة إليها، بالإضافة إلى جميع المواطنين الأجانب الذين لم يكتسبوا الجنسية الإيطالية بعد، على الرغم من إقامتهم القانونية والدائمة في إيطاليا لسنوات أو عقود.

وبهذه الطريقة يتحوّل التصويت – الأداة الرئيسة لسلطة الشعب في الديمقراطية – من حق شرعي إلى امتياز، ويصبح البرلمان ممثلًا عن شريحة من السكان المقيمين فقط.

   جميع من لا يتّفقون مع معايير الأصولية المسيحية والمحافظة السياسية لدى الحزب يُصنّفون تلقائيًا "غير طبيعيين" وبالتالي خطرين، ويتعرّضون إما للتجاهل في الخطاب السياسي، أو للاستهداف المباشر بالتعصب والتمييز   

يمثل اسم الحزب "فراتيلي دي إيطاليا" أو "أخوة إيطاليا" قيم الحزب الأساسية وهي "الأخوّة"، كما في الذكورية الأبوية، بالإضافة إلى "المواطنة" كما في الهوية الوطنية والثقافية واختصاص الدولة في إدماج وإقصاء الأفراد. وعلى الرغم من أن حزب "فراتيلي دي إيطاليا" هو الحزب الإيطالي السياسي الوحيد الذي ترأسه امرأة، إلّا أنه الأبعد عن النسوية.

"ميلوني" وحزبها المنغمسون في أفكار "المحافظين الوطنيين" المشككة في الاتحاد الأوروبي، والداعمون لفكرة "الجذور اليهودية المسيحية" لأوروبا رفضوا إزالة الشعلة ثلاثية الألوان – الأيقونة الفاشية التقليدية – من شعار الحزب وما يزالون يستخدمون في دعايتهم السياسية شعار "الرب، الوطن، الأسرة" والذي صاغه السكرتير السابق للحزب الفاشي الوطني.

بعبارات أكثر دقة، عارضت "ميلوني" التشريع المناهض لجريمة التعذيب لعام 2017 لأنه "يمنع عناصر الشرطة من القيام بعملهم". وكانت ضد قانون "مانشينو" لعام 1993 المناهض للإيماءات والأفعال والشعارات المرتبطة بالأيديولوجية النازية الفاشية والعنف والتمييز على أسس عرقية أو إثنية أو دينية أو وطنية، كما عارضت زواج المثليين، وتبني الأسر المثلية للأطفال، والقتل الرحيم.

لم تسلم أي فئة من الأشخاص المهمشين من الخطاب السياسي السلبي لحزب "فراتيلي دي إيطاليا"، بما في ذلك النساء ومجتمع الميم وضحايا عنف الدولة والمحتجزين والمشردين والأشخاص الذين يعانون من الإدمان. جميع من لا يتّفقون مع معايير الأصولية المسيحية والمحافظة السياسية لدى الحزب يُصنّفون تلقائيًا "غير طبيعيين" وبالتالي خطرين، ويتعرّضون إما للتجاهل في الخطاب السياسي، أو للاستهداف المباشر بالتعصب والتمييز.

وفي هذا المشهد، يكون المهاجرون والأجانب غير المرغوب فيهم أكثر الفئات تعرضًا للاستهداف، ويشارك حزب "ميلوني" بشكل صارخ الخطاب السام الذي يزعم أنّ الأمن والهجرة يرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا، ويشاركه حزب "ماتيو سالفيني" نفس الخطاب.

كان عنوان البند 21 من البرنامج الانتخابي لحزب "فراتيلي دي إيطاليا": "أوقفوا الهجرة غير الشرعية ووفروا الأمن للمواطنين"، حيث أكّد الحزب مرة أخرى على رؤيته بأنّ الهجرة غير الشرعية تهدد أمن المواطنين ومعيشتهم، وتضمن البند مفاهيم وعبارات مبالغ فيها مثل "مدننا منهارة وغير صالحة للعيش"، و"الضواحي والمراكز التجارية أصبحت مسرحًا للاحتلال غير القانوني والعنف وتجارة المخدرات"، و"هناك حاجة لتحول سياسي كبير لضمان الشرعية داخل حدودنا وإعادة تطوير أراضينا وتقوية النسيج الوطني بشقيه الاجتماعي والاقتصادي".

من الواضح أنّ حزب "فراتيلي دي إيطاليا" عبر بصورة مبهمة ومنحرفة عن "المهاجرين غير الشرعيين"، من خلال تصنيف على أنّهم تهديد رئيسي لأمن المواطن، وعوامل لتحفيز العنف والفقر والمخدرات، حتى أصبح "المهاجر غير الشرعي" مصدر كل المشاكل، وكبش الفداء لجميع العيوب التي ارتكبتها الطبقة السياسية وجميع المشكلات التي لم تعالجها على الإطلاق.

ويقترح البرنامج الانتخابي في البند 21 سلسلة من الإجراءات التعسفية ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين مثل وضع كاميرات مراقبة تابعة للبلديات لضبط الأمن، والمزيد من الإضاءة في الشوارع العامة، وقوانين أكثر صرامة لجرائم الآداب العامة، بالإضافة إلى الالتزام بشوارع "أكثر أمانًا". كما تناول البند جميع أنواع القضايا المتعلقة بالأمن كالإرهاب والفساد والعنف ضد النساء والأطفال وظاهرة "عصابات الأطفال". الإشارة الوحيدة إلى الحقوق الإنسانية للمهاجرين واللاجئين هي اقتراح عام "لتعزيز الاندماج الاجتماعي وتوظيف المهاجرين الشرعيين".

فيما يتعلق باللجوء على وجه الخصوص، من المحتمل أن تحاول الحكومة المستقبلية اتخاذ نفس الخطوات التمييزية وغير المثمرة للحكومات الأوروبية الأخرى كالدنمارك، بهدف تقليل الوافدين بأي ثمن وخفض مستوى اندماج المهاجرين واللاجئين داخل المجتمع المضيف بالإضافة إلى تجريم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية التي تساعد المهاجرين خاصة في البحر.

في عام 2019، عندما دخلت سفينة منظمة "Sea Watch" ميناء "لامبيدوزا" في إيطاليا وعلى متنها 42 شخصًا تم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط على الرغم من الحظر الذي فرضته الحكومة الإيطالية، كانت "جورجا ميلوني" واضحة في كيفية إدارة تدفقات الهجرة، حيث اقترحت اعتقال الطاقم وإعادة الأشخاص الموجودين على متن السفينة "فورًا" ومن ثم إغراق السفينة بذريعة أن الأمر "يتعارض مع إرادة الحكومة الإيطالية والدولة الإيطالية والسيادة الإيطالية ويهدف لجلب مهاجرين غير شرعيين إلى أراضينا".

وفي إطار برنامجه السياسي، يذكّر حزب "فراتيلي دي إيطاليا" بالتزاماته بالدفاع عن الحدود الوطنية والأوروبية من خلال "محاربة أنشطة المنظمات غير الحكومية التي تدعم الهجرة غير الشرعية" وتشريع عدة ضوابط أكثر صرامة على الحدود وعقد اتفاقيات أخرى مع سلطات شمال أفريقيا لمنع المغادرين، بالإضافة إلى اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى لإدارة عمليات الإرجاع والحصار البحري ومعالجة بؤر العنف في الأراضي غير الأوروبية.

ومع ذلك، ليست السياسات والممارسات المتعلقة باللجوء والهجرة هي فقط ما ستؤثر على حقوق المهاجرين واللاجئين في إيطاليا، بل أيضًا البرنامج السياسي للحزب الذي "يدعم معدل المواليد والأسرة" ويشجع "عودة الإيطاليين وذوي الأصول الإيطالية إلى إيطاليا"، وهو الحزب نفسه الذي امتنع – بعد يومين فقط من الانتخابات – عن التصويت على وثيقة تهدف إلى التطبيق الكامل للحق في الإجهاض الآمن والقانوني في منطقة "ليغوريا"، واقترح بدلاً من ذلك جمعيات "مؤيدة للحياة" في كل مستشفى يُمارس فيها الإجهاض.

لا يتوقف الخطر على عناصر أو بنود محددة، وإنّما يتمثّل في الرسالة السياسية لحزب "فراتيلي دي إيطاليا" بجميع تفاصيلها، على اعتبار أنّ الحزب جزء من مشروع عالمي محدد بدقة، بداية من حزب "فيكتور أوربان" في المجر ومرورًا بحزب "سانتياغو أباسكال" في إسبانيا وحزب "ماتيوز مورافيكي" في بولندا وانتهاءً بحزب "جاير بولسونارو" في البرازيل. جميع تلك الأحزاب تشترك بفكرة خطيرة وغير طبيعية، وهي الحفاظ على "الهويات القومية والثقافية" البيضاء والمسيحية والغربية.