يعد تزايد أعداد المهجرين قسرًا حول العالم واحدًا من أبرز التحدّيات التي تواجه البشرية اليوم. وحتى عام 2021، بلغ عدد المهجرين قسرًا أكثر من 89 مليون شخص حول العالم، وهو ضعف ما كان عليه العدد في عام 2012. تعد الأسباب التي تجعل الناس يفرون من ديارهم سياسية في المقام الأول، وتشمل النزاعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان واستخدام العنف ضد المدنيين وغيرها من التجارب القاسية.

تؤثر الأهوال التي يمر بها المهجرون مثل النزاعات والاضطهاد والرحلات الخطرة ومدد الانتظار الطويلة سلبًا على صحتهم النفسية، إذ يتعرضون لنوبات مزعجة قد تؤدي إلى إصابتهم باضطرابات نفسية مرتبطة بالصدمة والضغوط العصبية والإقصاء الثقافي. وبشكل خاص، يعاني الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار من أماكن غير آمنة من مشكلات نفسية محددة مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق.

لهذه الأسباب، فإنّه من المهم معالجة قضايا الصحة النفسية للنازحين داخليًا واللاجئين وطالبي اللجوء، جنبًا إلى جنب مع العوامل الاقتصادية والسياسية التي تسهم في ارتفاع مستويات النزوح القسري العالمي.

   تؤثر الأهوال التي يمر بها المهجرون مثل النزاعات والاضطهاد والرحلات الخطرة ومدد الانتظار الطويلة سلبًا على صحتهم النفسية، إذ يتعرضون لنوبات مزعجة قد تؤدي إلى إصابتهم باضطرابات نفسية مرتبطة بالصدمة والضغوط العصبية والإقصاء الثقافي   

الصحة النفسية للمهجّرين قسرًا تحت التهديد

يتعرض المهجرون قسرًا لضغوطات قاسية حتى قبل أن يقرروا الفرار من ديارهم، ومن ذلك الاضطهاد والتعذيب وأشكال العنف الأخرى التي تضر بصحتهم النفسية، وتتسبب بإصابتهم باضطراباتٍ نفسية خطيرة.

تؤثّر الضغوطات التي يعيشها المهجرون قسرًا على التهجير القسري نفسه، إذ يؤدي الابتعاد والاغتراب عن أفراد الأسرة المقترن بالرحلات الطويلة التي تجري في ظروف غير إنسانية، إلى تفاقم الاضطراب العاطفي للمهجّرين قسرًا. كما تؤدي الهجرة غير النظامية ومدد الانتظار الطويلة في مخيمات اللجوء إلى مضاعفة معاناتهم على مستوى الصحة النفسية والجسدية، إذ يجدون أنفسهم وسط بيئات خارجة عن القانون تنتشر فيها الجريمة.

علاوة على ذلك، يتعرض المهجرون قسرًا إلى ضغوط ما بعد التهجير، والتي تتعلق بالحياة الجديدة التي يبدؤونها بمجرد تمكنهم من الوصول إلى بلد آخر، إذ ينتهي المطاف بالعديد منهم بالعيش في مبانٍ مكتظة وتكلفة إيجارها منخفضة، وتقع في أحياء ترتفع فيها معدلات الجريمة والعنف، فضلًا عن انتشار التمييز والتحيّز بين السكان الأصليين، الأمر الذي قد يشكّل خطرًا على الصحة النفسية للمهجرين قسرًا.

هذه الظروف القاسية وغيرها تجعل المهجرين قسرًا إحدى أكثر الفئات عرضة للإصابة بأمراض نفسية خطيرة، إذ يعاني البالغون منهم بشكل رئيس من اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق، وتتفاوت حدة هذه الاضطرابات حسب القرب من عوامل التوتر ومدتها وشدتها.

وقد يصاب المهجرون قسرًا أيضًا ببعض المشكلات النفسية بسبب الإجهاد المتراكم أثناء عملية "التثاقف" (اكتساب الثقافة)، حيث يبدأ بعض الأفراد في ممارسة العنف داخل أسرهم أو الانخراط في "سلوكيات قهرية" مثل الإفراط في لعب القمار.

يتعرض الأطفال والشباب المهجّرون قسرًا للإصابة باضطرابات نفسية مماثلة لاضطرابات البالغين، لكنّ الاختلاف يكمن في قدرة تلك الاضطرابات على تشكيل خطورة على عملية نموهم، فضلًا عن إمكانية تفاقمها بسبب العلاقات السيئة بين الأقران واعتلال الصحة النفسية لدى الوالدين.

ويعد كبار السن من المهجرين قسرًا من أكثر الأشخاص عرضةً للإصابة باضطرابات الصحة النفسية، وترجع الأسباب الرئيسة لذلك إلى تقاليدهم وتصلبهم الثقافي، والصعوبات اللغوية التي يواجهونها، فضلًا عن الدعم الاجتماعي المحدود وضعف الصحة البدنية.

ونظرًا لأن أقل من 20% من اللاجئين الفارين من البلدان النامية يتمكنون من الاستقرار في الدول الغربية، فإنهّ من المهم تسليط الضوء على الظروف التي يضطر هؤلاء الأشخاص إلى العيش فيها بتلك المخيمات.

في معظم الحالات، تكون البيئة السائدة في تلك المخيمات منفّرة ومخيفة، إذ يتكدس السكان في مساحات صغيرة مع إلغاء شبه كامل لمفهوم الخصوصية، وبالتالي يصعب على الناس التكيّف مع هذا الوضع، وتبدأ علامات مشاكل الصحة النفسية الناجمة عن التوتر والقلق المستمر بالظهور. ومع ذلك، يضطر هؤلاء الأشخاص إلى العيش في مثل هذه الظروف داخل المخيمات كونها أكثر أمنًا واستقرار من بلدانهم التي مزقتها الصراعات.

ومن هذا المنطلق، تبرز الحاجة الملّحة لأن تركز الوكالات الصحية الحكومية وغير الحكومية في عملها على الاهتمام بتحسين الصحة النفسية للأشخاص الذين يعيشون في المخيمات، وليس فقط متابعة صحتهم البدنية.

صعوبات في تعزيز الصحة النفسية للمهجّرين قسرًا

نفّذت منظمة الصحة العالمية مبادرات عدة تستهدف معالجة قضايا الصحة النفسية للاجئين، وخاصة الاضطرابات النفسية التي تحول دون وصولهم إلى الخدمات المناسبة. ومع ذلك، فإنّ هذه المبادرات نادرًا ما تحظى بدعم من دول المقصد على مستوى التنفيذ والتمويل، ما يحول دون تحقيق أهداف منظمة الصحة العالمية في مجال الصحة النفسية العالمية.

تناولت خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 موضوع الصحة النفسية في هدفها الثالث المتمثل في تعزيز الحياة الصحية. وقبل ذلك، أوجدت الأمم المتحدة "الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية"، و"الميثاق العالمي بشأن اللاجئين" كأطر تعاونية بهدف تشجيع وصول جميع المهاجرين إلى الخدمات الأساسية وحصولهم على خدمات الصحة النفسية. أما المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فأطلقت عدة مشاريع لتحسين ظروف الصحة النفسية للأشخاص الذين أجبروا على الفرار من بلدانهم، أو أولئك الذين ما يزالون يعيشون في البلدان المتضررة من أزمات اللاجئين.

وبالرغم من تلك الجهود، تفتقر مبادرات الصحة النفسية العالمية إلى الدعم والتمويل، ويرجع ذلك إلى استخدام لغة صحة نفسية غير محددة، وضعف الترابط بين أدوات السياسة المختلفة. وفي واقع الحال، يطغى الاهتمام بالتحديات والاحتياجات المادية للمهجرين قسرًا على الاهتمام بصحتهم النفسية.

يوفر تحليل وصول المهجّرين قسرًا إلى خدمات الصحة النفسية في بلدانهم الأصلية وبلدان المقصد نظرة شاملة على العوائق التي يواجهونها عند البحث عن علاج للاضطرابات النفسية.

على سبيل المثال، أدى النزاع المستمر في سوريا منذ أكثر من 11 سنة، إلى تهجير قرابة 13.5 مليون سوري قسرًا، نصفهم نزحوا داخليًا، والنصف الآخر اضطروا إلى اللجوء خارج البلاد.

   وبسبب النزاع، أصيب العديد من السوريين باضطرابات نفسية تفاقمت مع مرور الوقت نظرًا لعجز الدولة عن تقديم خدمات الصحة النفسية، إلى جانب الهجمات التي تستهدف المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية   

وبسبب النزاع، أصيب العديد من السوريين باضطرابات نفسية تفاقمت مع مرور الوقت نظرًا لعجز الدولة عن تقديم خدمات الصحة النفسية، إلى جانب الهجمات التي تستهدف المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية.

وفيما يتعلق بدول المقصد، استقبلت تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين بواقع أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، وسمحت لهم بالوصول إلى نظام الرعاية الصحية الشامل في البلاد. ومع ذلك، ما يزالون يواجهون عدة عوائق عملية تحد من قدرتهم على الاستفادة من هذه الخدمات، مثل التأخيرات، والمشكلات اللغوية، وضعف الإلمام بالنظام الصحي. ووفقًا لإحدى الدراسات الاستقصائية، فإنّه من بين تلك العوائق أيضًا فواتير العلاج الباهظة، والشعور بالعزلة، والاعتقاد الثقافي بأن هذه الأمراض تختفي من تلقاء نفسها.

أما في ألمانيا حيث يوجد أكثر من 600 ألف لاجئ سوري، ينص القانون على أن اللاجئين الجدد يحصلون فقط على الخدمات الصحية الأساسية خلال الخمسة عشر شهرًا الأولى، وبعد ذلك يحق لهم أن يكونوا جزءًا من نظام الرعاية الصحية الشامل، على الرغم من أن التحديات المرتبطة باللغة و"التثاقف" والبطالة غالبًا ما تعيق الوصول إلى علاجات الصحة النفسية.

بناء على ما تقدّم، تبرز الحاجة إلى تنفيذ حلول جديدة تركّز على أخذ الصحة النفسية للمهجرين قسرًا بعين الاعتبار. كما يجب أن تكون خدمات الصحة النفسية في بلدان المقصد على دراية بالثقافات الخاصة باللاجئين من أجل فهم أعراضهم، بالإضافة إلى حل المشكلات المتعلقة بإمكانية الوصول والقبول وقضايا اللغة والوصمة الاجتماعية وإجراءات العلاج.

ونظرًا لوجوب توجيه اللاجئين لفهم الأعراف والعادات المجتمعية الجديدة، يجب تشكيل فرق من أخصائيي الصحة النفسية تتمتع بالمعرفة الكافية للغات اللاجئين وثقافاتهم.

بشكل عام، يجب تعزيز أنظمة الصحة النفسية في بلدان العبور والمقصد، ومعالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي يعيش فيها المهجرون قسرًا، إلى جانب دمج العلاج النفسي في خدمات الصحة النفسية، وزيادة التمويل من المانحين الدوليين لمبادرات وبرامج الصحة النفسية للمهجرين قسرًا.

ينبغي كذلك ضمان الوصول المتكافئ إلى خدمات الصحة النفسية في بلدان المقصد، وممارسة ضغط دولي أقوى عندما يتعلق الأمر بالهجمات على البنى التحتية للرعاية الصحية في بلدان المنشأ، كما يجب أن تركز أدوات السياسة الصحية العالمية على احتياجات الصحة النفسية للاجئين والمهجرين قسرًا.

أما بالنسبة لمخيمات اللاجئين، فمن المهم أن يتمكن طالبو اللجوء من التحكم في حياتهم وبيئتهم وتحسينها، إذ إنّ ممارستهم لنشاطات في حياتهم اليومية يحسّن صحتهم النفسية، كما يمكن أن تلعب أنشطة الترفيه المناسبة ثقافيًا، إلى جانب الحفاظ على وحدة الأسرة وبقاء أفرادها معًا، دورًا كبيرًا في تعزيز الصحة النفسية للمهجّرين قسرًا.