جنيف- قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه تابع بقلق شديد الإنذارات التي وجهتها السلطات الإسرائيلية للسكان الفلسطينيين في أجزاء واسعة من قطاع غزة، وتطلب منهم إخلاء بيوتهم تمهيداً لقصفها، بادعاء أن تلك المناطق تستخدم من قبل الفلسطينيين لضرب الصواريخ تجاه المناطق الإسرائيلية، مشيراً إلى أن إسرائيل تقوم باستهداف الأعيان المدنية في قطاع غزة منذ ستة أيام بشكل موسع يتجاوز الضرورة العسكرية بصورة قاسية جداً.

وأضاف المرصد الأورومتوسطي، ومقره جنيف، في بيان صدر عنه اليوم الأحد 13 تموز (يوليو) 2014، أن المناطق التي تهدد إسرائيل سكانها بالقصف هي مناطق واسعة جداً، وتمتد من شرق العطاطرة حتى شارع السلاطين ومن غرب وشمال معسكر جباليا، وهي مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة جدا، ويصل عدد سكانها إلى 300 ألف نسمة، ما يجعل استهدافهم بهذه الصورة الواسعة جداً غير مبرر ولا يأخذ في اعتباره "مبدأ التناسب" بين الميزة العسكرية المرجوة والتدمير الذي سيلحق بالمدنيين وأملاكهم. مشيراً إلى أن وكالة الأونروا الأممية قامت بفتح 8 مدارس حتى الآن لاستيعاب آلاف المهجرين من شمال قطاع غزة بعد أن غادروها فجر اليوم.

وذكر الأورومتوسطي أن إسرائيل تتعمد استهداف منازل المدنيين منذ بدء الحرب على غزة بصورة واسعة جدا، مشيراً إلى أن عدد المنازل التي تم تدميرها خلال الخمسة أيام الماضية بلغ 1244 منزلاً، منها 176 منزلاً دُمرت بشكل كلي، إضافة إلى استهداف 19 مسجدا (3 منها دمرت بشكل كلي)، و6 عيادات طبية، و33 مدرسة.

وقال المرصد الحقوقي الدولي، ومقره جنيف، إن المادة (25( من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية قررت "حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية" كما نصت المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير". ويعد تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية، وعلى نطاق كبير، مخالفة جسمية للاتفاقية بموجب المادة 147 منها، وجريمة حرب، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 8(2)(ب)(2)).

ونوه المرصد إلى أن إسرائيل تقول إن قيامها باستهداف منازل المدنيين يعود إلى أن هناك مقاتلين يستخدمون، أو يمكن أن يستخدموا، تلك المنازل، للقيام بإطلاق الصواريخ بالقرب منها، أو لتخزين الذخيرة، وهو ما يجعل من تدميرها "ضرورة عسكرية تقتضيها العمليات الحربية". غير أن المرصد يرى أن أعداد المنازل المدمرة، والمناطق التي تم الطلب من السكان إجلاءها تمهيداً لقصفها، والتي كان آخرها القصف الذي استهدف منزل عائلة البطش وأدى إلى مقتل 18 فلسطينيا، تظهر أن هذا الادعاء غير دقيق، كما لم يثبت حتى الآن أن أياً من تلك البيوت التي جرى هدمها استخدم لغايات عسكرية من قبل المقاتلين في غزة أو نجم عنه نتيجة عسكرية ملموسة، الأمر الذي يخالف مبدأ الضرورة، ويتناقض وما نصت عليه المادة 52(3) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والتي قررت أنه إذا ثار شك حول ما إذا كان مكان ما يستخدم عادةً لأغراض مدنية، إنما يستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنه لا يستخدم كذلك حتى يثبت العكس.

وقال إحسان عادل، المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي؛ إنه حتى في حالة الضرورة العسكرية التي تدّعيها إسرائيل، يبقى على عاتق دولة الاحتلال أن تمتثل للأحكام الأخرى التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني؛ والتي تقضي بحظر الإضرار بالممتلكات "كوسيلة وقائية" -أي في الحالات التي لم يتم التحقق بعد من الخطر- وتمنع تدمير الممتلكات لتحقيق الردع أو بث الذعر في صفوف المدنيين أو الانتقام منهم. منوها إلى أن تدمير الممتلكات يكون غير مشروع إذا لم يكن "متناسباً"، بالمقارنة ما بين الميزة العسكرية التي يحققها والضرر الذي يمكن أن يحصل، بحسب موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويرى عادل أن استخدام إسرائيل لسياسية هدم منازل المدنيين وتدميرها، يشكل "ضربا من ضروب العقوبة الجماعية للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة"، وهو ما يعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على "حظر العقوبات الجماعية، وجميع تدابير التهديد وتدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم".

ونوّهت ميرة بشارة، الباحثة في الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي، إلى أن المادة (57) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والتي تعد جزءاً من القانون الدولي العرفي، قضت بضرورة "اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة عند اختيار أساليب الهجوم من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين أو الإضرار بالأعيان المدنية" و"بالامتناع عن شن أي هجوم يتوقع منه أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو الإضرار بالأعيان المدنية بصورة تتجاوز ما يُنتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة"، وإلا عد ذلك، بحسب البروتوكول ذاته، ضربا من "الهجمات العشوائية"، وهو ما يمثل، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، جريمة حرب. كما نصت المادة 57 على ضرورة "توجيه إنذار مسبق وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين".

وقالت بشارة: "صحيح أن إسرائيل من ناحيةٍ ما تقوم بتوجيه إنذار للسكان المدنيين غالبا قبل قصف منازلهم، إما من خلال الاتصال الهاتفي أو الصاروخ التحذيري (صاروخ من الحجم الصغير توجهه إسرائيل للبناية قبل قصفها فعلياً)، غير أن الثابت من الوقائع، أنها لا تلتزم بالضوابط الأخرى المذكورة في المادة، كما أن التحذير الذي تطلقه غير ذي جدوى، ذلك أن القصف الفعلي تم في معظم الحالات بعد أقل من دقيقتين على توجيه الإنذار التحذيري، وفي بعض الحالات خلال أقل من دقيقة واحدة، وهي بالتأكيد مدة غير كافية لإخلاء المنزل من السكان المدنيين، وهم يعيشون في أجواء الحرب".

وذكرت بشارة أن تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية الخاص بالحرب على غزة عام 2008-2009، رأى أن الإنذار يجب أن يكون فعالاً، بمعنى أن يصل إلى أولئك الأشخاص الذين قد يتعرضون للخطر، وأن يمنحهم وقتا كافيا للاستجابة للإنذار، مشيرة إلى أن التقرير ذكر في حينه أن الصواريخ التحذيرية التي تطلقها إسرائيل لتحذير المدنيين قبل قصف بيوتهم "تمثل نمطا من الاستهتار المطلق".

وفي ختام بيانه، دعا المرصد الأورومتوسطي السلطات الإسرائيلية إلى التوقف الفوري عن استهداف الأعيان المدنية ومنازل المواطنين الفلسطينيين بالقصف والتدمير، وإلى تجنيب المدنيين ويلات الحرب بقدر الإمكان، مشدداً على ضرورة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف بأسرع وقت ممكن، تنفيذا للتوصية التي أصدرها مجلس الأمن الدولي مؤخراً.