يحق لدولة ثرية في نصف الكرة الأرضية الشمالي أن تُرحّل قسرًا طالبي اللجوء الذين تمكنوا من الوصول إليها، إلى بلد ثالث فقير في نصف الكرة الأرضية الجنوبي -وليس بينهما أي علاقات- لطلب اللجوء هناك. هذا ما حكمت به المحكمة العليا في المملكة المتحدة في 19 ديسمبر/ كانون أول 2022.

أكّد الحكم المنتظر في القضية التي رفعها طالبو اللجوء (أ.أ. و أ.أ. و أ.ت. وآخرون ضد وزير الداخلية في المملكة المتحدة) أنّ إعادة توطين طالبي اللجوء من المملكة المتحدة في رواندا يتسق مع اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والالتزامات القانونية الأخرى، بما في ذلك قانون حقوق الإنسان لعام 1998.

بعد هذا الحكم، سيكون هناك ثلاثة خيارات لطالبي اللجوء المُعاد توطينهم، إما تسوية أوضاعهم القانونية والاستقرار في رواندا، أو العودة إلى بلدهم الأصلي، أو المغادرة إلى بلد ثالث بشرط أن يتمكنوا من الإقامة هناك بشكل قانوني. وفي جميع الحالات، لا يمكن للأشخاص طلب اللجوء والبقاء في المملكة المتحدة على الرغم من المخاطر والعقبات التي تحول دون الوصول إلى شواطئها.

   الصفقة بين المملكة المتحدة ورواندا هي في الواقع ذروة تاريخٍ من سياسات المملكة المتحدة لردع وصول القوارب الصغيرة عبر بحر المانش وخلق بيئة معادية للمهاجرين وطالبي اللجوء   

وأيّدت المحكمة العليا في لندن قرار استعانة المملكة المتحدة بجهات خارجية فيما يتعلق بالتزاماتها تجاه طالبي اللجوء، على الرغم من عدم وجود أي أساس في القانون الدولي يسمح للدول برفض تلقي طلبات اللجوء أو احتجاز غير المواطنين في مرافق خارج البلاد.

إذا أُتيحت الفرصة لطالب اللجوء أن يقدم طلب اللجوء في بلد ثالث آمن ولم يفعل ذلك قبل تقديمه طلب اللجوء في المملكة المتحدة، يمكن لوزير الداخلية في المملكة المتحدة اعتبار الطلب "غير مقبول"، وأن يأمر بإبعاد طالب اللجوء إما إلى الدولة التي جاء منها وكانت لديه فرصة تقديم طلب لجوء فيها، أو إلى أي دولة ثالثة آمنة توافق على طلب اللجوء مثل رواندا.

وتنص شراكة الهجرة والتنمية الاقتصادية الموقعة في أبريل/ نيسان 2022 على نقل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا مع إيكال مسؤولية البت في طلبات اللجوء إلى السلطات الرواندية.

وقد حاولت المملكة المتحدة بالفعل تطبيق عمليات إعادة التوطين هذه، ولكن تم إيقافها لعدم قانونيتها، حيث أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في يونيو/ حزيران 2022 قرارًا بإيقاف إقلاع أول رحلة بريطانية مقررة لنقل طالبي اللجوء إلى رواندا لأنهم قد يواجهون "ضررًا كبيرًا لا يمكن إصلاحه".

وأخذت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الاعتبار جميع المخاوف بشأن بطالبي اللجوء، لا سيما ما أشارت إليه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن طالبي اللجوء الذين يُنقلون من المملكة المتحدة إلى رواندا لن يتمكنوا من الوصول إلى إجراءات عادلة وفعّالة للحصول على صفة "لاجئ"، بالإضافة إلى ما توصلت إليه المحكمة العليا بشأن قرار معاملة رواندا كدولة ثالثة آمنة وما إذا كان قد استند إلى تحقيقات كافية.

وبهذه الحالة، أخفقت الحكومة البريطانية في اعتبار الفروقات الفردية للأشخاص الذين حاولت ترحيلهم، لا سيما طالب لجوء عراقي يُحتمل أنه وقع ضحية للتعذيب، والذي قدم استئنافًا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اليوم السابق لترحيله.

وقررت محكمة الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران منع ترحيل طالبي اللجوء إلى أن تنظر المحاكم المحلية في قضاياهم أولًا وذلك في ضوء أنّ رواندا ليست من الدول الموقعة على الاتفاقية الأوروبية، إلى جانب غياب أي آلية قانونية قابلة للتنفيذ تتيح لمقدم الطلب العودة إلى المملكة المتحدة في حالة كسب قضية الاستئناف أمام المحاكم البريطانية المحلية.

وبالرغم من ذلك، وسّعت الحكومة البريطانية إمكانية إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا لتشمل أي شخص دون أي تمييز واعتبار لضعف طالبي اللجوء، ودون أي إمكانية للعودة إلى المملكة المتحدة في حال حصول طالب اللجوء على صفة "لاجئ".

المدّعون في قضية عام 2022 ضد وزير الداخلية في المملكة المتحدة هم أشخاص قد يُعترف بهم كلاجئين، لأنهم فرّوا أخيرًا من سوريا وإيران والعراق، ولكن السبب الوحيد في ترحيلهم هو أنهم دخلوا المملكة المتحدة عن طريق القوارب بدون تأشيرة رسمية -حيث يضطر غالبية طالبي اللجوء والمهاجرين إلى فعل ذلك لعدم وجود طرق أخرى- على الرغم من أن المادة 31 من اتفاقية اللاجئين تحظر بشكل صريح معاقبة اللاجئين على دخولهم غير النظامي.

وحيث أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان -التي أُنشئت للتعامل مع انتهاكات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950- صرّحت عن رأيها بشأن الاتفاقية الثنائية لمعالجة طلبات اللجوء في رواندا، إلا أن حكم المحكمة العليا في المملكة المتحدة يشير إلى تفسير مخالف تمامًا للقانون.

ووفقًا للمحكمة البريطانية، تعد رواندا دولة ثالثة آمنة يمكن ترحيل طالبي اللجوء إليها، حيث أنها شدّدت بشكل خاص على أنّ الاتفاقيات المالية التي تعرضها المملكة المتحدة على رواندا ستشكل "حافزًا واضحًا ومهمًا للامتثال"، وأنّ المملكة "ستدفع مبالغ مالية لتغطية تكاليف معالجة الطلبات بما يضمن سلامة ورفاهية مقدمي طلبات اللجوء".

وبذلك يتأسس الوعد بالأمان لطالبي اللجوء المرحلين قسرًا من خلال حوافز مالية وضمانات دبلوماسية غير مُلزمة، على افتراض أن ذلك سيكون له آثار إيجابية على الحكومة الرواندية والمجتمع المدني ككل.

أي باختصار: المال مقابل الاستعانة بجهات خارجية لتحقيق الالتزامات القانونية، أو المال مقابل البشر المحتجزين المحاصرين فاقدي الحق في تقرير المصير، أو المال مقابل شراء وإخضاع كلا البلدين والشعب.

من الواضح وضوح الشمس أنّ مثل هذه الاتفاقيات الثنائية لا تتعارض مع قوانين اللاجئين وحقوق الإنسان ومكافحة الإتجار بالبشر فحسب، بل وتُديم أيضًا هياكل وأفكار قوى الاستعمار الجديد عديمة المساواة.

من الجدير ذكره أيضًا أنّ الاتحاد الأفريقي أدان سياسة مماثلة اعتمدتها الدنمارك في يناير/ كانون ثانٍ 2022، وأشار إلى أنّ الدولة الاسكندنافية ستكون قد تخلّت عن مسؤولياتها الدولية فيما يتعلق باللجوء حال اعتمدت هذه السياسة، وأنّ مثل هذه السياسات "مقلقة وعنصرية تجاه الأجانب وغير مقبولة على الإطلاق".

إن الصفقة بين المملكة المتحدة ورواندا هي في الواقع ذروة تاريخٍ من سياسات المملكة المتحدة لردع وصول القوارب الصغيرة عبر بحر المانش وخلق بيئة معادية للمهاجرين وطالبي اللجوء، ولكن هذا الحكم يعد خطوة أكثر قتامة تُرقّي شرعية هذه السياسات من النقاش العام المتحيز إلى الساحة القضائية التي يُزعم حيادها.

على حد تعبير المحكمة العليا البريطانية نفسها في حكمها الأخير: "المراجعة القضائية هي الوسيلة لضمان عمل الهيئات العامة في حدود سلطاتها القانونية ووفقًا للمبادئ القانونية التي تحكم ممارسة مهام صنع القرار فيها. (...) المحكمة غير مسؤولة عن اتخاذ قرارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية على سبيل المثال لتحديد أفضل السُبل للاستجابة إلى التحديات التي يُقدمها طالبو اللجوء الذين يسعون لعبور بحر المانش في قوارب صغيرة أو بوسائل أخرى. هذه القرارات والاختيارات هي التي فوّض البرلمان بها الوزراء. (...) يتمثل دور المحكمة حصرًا في ضمان فهم القانون وتطبيقه بشكل صحيح واحترام الحقوق التي يكفلها البرلمان".

إنّ توفير الحماية للأشخاص الفارين بحثًا عن ملاذ آمن هو أحد أقدم الأعراف الإنسانية وأحد الجذور الرئيسية للقانون الدولي، وتجلى ذلك في مبدأ عدم الإعادة القسرية.

وعندما تهدد السياسة الشعبوية والنقاشات القاصرة نسيج المجتمع، يجب على المحاكم لفت الانتباه إلى القوانين الدولية والدساتير الوطنية والتمسك بحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حق ضحايا الحرب والاضطهاد في طلب اللجوء والتمتع به لتعزيز النوايا الحسنة والازدهار والاستقرار على المدى البعيد.

ومع ذلك، أصبحت الآن المحكمة العليا هي من تُشكل خطرًا ليس على حقوق الإنسان وحياة طالبي اللجوء فحسب، ولكن على نظام حماية اللاجئين الدولي عمومًا، بما يُرسخ فكرة أنّ الدول الغنية والمستقرة في نصف الكرة الأرضية الشمالي يمكنها أن تدفع لدول ثالثة ضعيفة اقتصاديًا وسياسيًا حتى تتخلص الأولى من التزاماتها ومسؤولياتها القانونية.

قد تؤثر أيضًا عملية هذه العملية على الإطار القانوني المعمول به، ولا سيما الضمانات التي يحق لطالبي اللجوء الحصول عليها، إذ إنّ الحق في طلب اللجوء والتمتع به يعني احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية أولًا وقبل كل شيء، فضلًا عن عدم الرفض على الحدود وقبول الدول لطالبي اللجوء. وفي حال إعادة توطين طالبي اللجوء في رواندا، ستنتهك المملكة المتحدة هذين المبدأين.

إذا كان من الممكن نقل شخص يسعى للحصول على الحماية إلى قارة أخرى فقط لأن بلدًا غنيًا لا يريد سماع تجربته الشخصية مع الاضطهاد، فإنّ المعيار لما هو قانوني بالنسبة للدول يصبح منخفضًا للغاية، كما يصبح القانون بعيدًا أشد البعد عما هو مقبول ومناسب وعادل.