ملخص تنفيذي
شهد عام 2022 ارتفاعًا كبيرًا في عمليات القتل التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، إذ سجلت أعداد القتلى في الضفة الغربية ارتفاعًا بنسبة 82% مقارنة بعام 2021، وارتفاعًا بنحو خمسة أضعاف (491%) مقارنة بعام 2020
يقدّم تقرير "الضغط على الزناد خيارٌ أول" معطيات تفصيلية عن حالات القتل التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وسياقاتها، بناء على توثيق ميداني ومكتبي، ويعرض شهادات تدلل على أنّ إسرائيل عملت –في غالبية الحالات- بإرادة ممنهجة على المس بأهم الحقوق الأساسية التي أقرتها مواثيق حقوق الإنسان؛ وهو "الحق في الحياة".
وثّق فريق المرصد الأورومتوسطي في هذا التقرير قتل قوات الجيش الإسرائيلي 204 فلسطينيين في عام 2022، منهم 142 من الضفة الغربية، بواقع 69.6% من إجمالي القتلى، و37 من قطاع غزة، بواقع 18.1% من إجمالي القتلى، و20 من القدس بواقع 9.8%، و5 من البلدات العربية داخل إسرائيل، بواقع 2.4%. ولا تشمل هذه الإحصائية 18 فلسطينيًّا قتلوا في حوادث عرضية خلال الهجمات الإسرائيلية— 16 منهم في قطاع غزة و2 في الضفة الغربية.
سجّلت محافظة جنين العدد الأكبر من القتلى الفلسطينيين مقارنة بباقي المدن والمحافظات الفلسطينية، حيث قتل فيها 55 فلسطينيًّا بما يمثل 26.9% من القتلى، تليها نابلس 35 قتيلًا بنسبة 17.1%، وارتبط ذلك بزيادة وتيرة عمليات الاقتحام التي نفذتها القوات الإسرائيلية للمحافظتين وتنفيذها عمليات خاصة فيهما.
وتبين أنّ شهر أغسطس/آب 2022، شهد مقتل أكبر عدد من الفلسطينيين في شهر واحد، بواقع 42 قتيلاً— بما يمثل 20.5 % من إجمالي عدد القتلى، ولا يشمل ذلك 16 آخرين قتلوا خلال الشهر نفسه جراء سقوط صواريخ محلية في قطاع غزة. وزادت الأعداد في ذلك الشهر، نتيجة الهجوم الذي شنّه الجيش الإسرائيلي ضد نشطاء ومواقع حركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة وأطلق عليه اسم "الفجر الصادق"، والذي استمر ثلاثة أيام، يليه شهر أكتوبر/ تشرين أول الذي شهد مقتل 28 فلسطينيًا، ومن ثم شهر أبريل/ نيسان بواقع 23 قتيلًا، ونوفمبر/ تشرين ثان 20 قتيلًا، وسبتمبر/ أيلول 18 قتيلًا، ومارس/ آذار 17 قتيلًا، جميعهم في الضفة الغربية وشرقي القدس.
أظهر تحليل سياقات القتل وطبيعة الضحايا أن 125 شخصًا من بين القتلى كانوا من المدنيين غير المنخرطين في أي أعمال مواجهات، بما يمثل 61.2% من إجمالي القتلى، يضاف لهم 17 شخصًا قتلوا خلال محاولاتهم تنفيذ هجمات فردية (طعن أو دهس)، في حين قتل 62 شخصًا من المسلحين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون إما بشكل فردي أو منخرطين ضمن مجموعات مسلحة، وغالبيتهم قُتلوا خلال اشتباكات أو محاولة تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
تُشير هذه المعطيات أنّ أهداف الجيش الإسرائيلي كانت -في معظم الحالات- أشخاصًا مدنيين، حيث قُتل جزء كبير من هؤلاء في عمليات وسياقات لا مبرر لها، ولم يشكّل وجودهم خطرًا أو تهديدًا محدقًا على حياة أفراد القوات الإسرائيلية.
وفق توثيق المرصد الأورومتوسطي، شهد عام 2022 مقتل 81 فلسطينيًا خلال مواجهات أو اقتحامات نفذها الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية أو قرب الحواجز العسكري، بما يمثل 38.6% من إجمالي سياقات القتل.
وعلى مدار العام، قتل 30 فلسطينيًا خلال عمليات قتل مستهدف، إلى جانب 4 أشخاص قُتلوا في عمليات مشابهة ولكنهم لم يكونوا مستهدفين. ومن الأحداث اللافتة هذا العام عودة إسرائيل إلى هذه السياسة بعد سنوات من التوقف في الضفة الغربية خاصة، إذ نفّذت أول عملية من هذا النوع في 8 فبراير/ شباط، عندما نصبت قوة إسرائيلية خاصة كمينًا لمركبة كان يستقلها ثلاثة شبّان من أبرز النشطاء المسلحين في مدينة نابلس؛ وهم "أدهم مبروكة"، و"محمد الدخيل"، و"أشرف مبسلط"، وقتلتهم بأكثر من 90 رصاصة.
تظهر المعلومات التي وثّقها التقرير أنّ 158 من القتلى سقطوا جرّاء استهدافهم بأعيرة نارية وشظاياها، وتركزت الإصابات في معظم الحالات بالجزء العلوي من الجسم، بينما قُتل 37 شخصًا جراء القصف الجوي والمدفعي، و4 جراء تعرضهم للدعس المتعمد، وفلسطيني واحد بعد تعرضه للطعن من مستوطن، وفلسطيني واحد بسبب الغاز المسيل للدموع، وآخر من خلال عبوة ناسفة وُضعت لتصفيته، واثنان جراء التنكيل والترهيب.
يوثق التقرير تنفيذ القوات الإسرائيلية 32 عملية إعدام ميداني، منها 18 نُفّذت بعد ادعاءات بتنفيذ أو محاولة تنفيذ عملية طعن أو دعس ضد إسرائيليين قرب حواجز أو نقاط تمركز إسرائيلية، والبقية كانت غالبًا دون أي مبرر أو لمجرد الاشتباه.
تظهر المعطيات أنّ الأطفال كذلك كانوا هدفًا لقوات الجيش الإسرائيلي خلال عام 2022، إذ وثّق التقرير مقتل 41 طفلاً قتلوا في هجمات واعتداءات نفذتها القوات الإسرائيلية.
وقتلت القوات الإسرائيلية 8 نساء فلسطينيات خلال عام 2022، منهن 5 من الضفة الغربية، (ثلاث قُتلن في عمليات إعدام ميداني، واثنتان خلال اقتحام الأحياء الفلسطينية)، أما في قطاع غزة، فقد قتلت 3 نساء، خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، في أغسطس/ آب.
إلى جانب حوادث القتل، فقد توفي ستة معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية (غير مشمولين بالإحصائية)، بينهم سيدة، وهي حصيلة كبيرة خلال عام واحد. بوفاة هؤلاء، ترتفع حصيلة المعتقلين الذين توفوا في السجون الإسرائيلية إلى 233 معتقلاً منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967.
مقدمة
ينتهج الجيش الإسرائيلي سياسة إطلاق النار والقوة المفرطة بهدف القتل وإيقاع الإصابات خلال عمليات الاقتحام والتوغل المتكررة التي ينفذها للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فيما يستخدم القصف الجوي والمدفعي دون تمييز خلال هجماته على قطاع غزة.
وأمام غياب المساءلة الجنائية، تساهلت القوات الإسرائيلية حتى في تنفيذ التعليمات الخاصة بها، وأدخلت السلطات الإسرائيلية تعديلات متكررة على القوانين والتعليمات ذات العلاقة، لتسهيل استهداف أفراد الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين، بعيدًا عن الاعتبارات القانونية والدولية المعتقلة بالحماية الخاصة التي يتمتع بها المدنيون والفئات المحمية.
ورغم وجود قيود رسمية على عمليات إطلاق النار عند تنفيذ مهمات متعلقة بفض المحتجين وتفريق راشقي الحجارة، إلا أنّه يجري تجاهل هذه القيود وتنفيذ عمليات قتل تحظى بالتأييد من المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل.
يوثق هذا التقرير حصاد قتل الفلسطينيين عام 2022 على يد أفراد الجيش الإسرائيلي ومستوطنين إسرائيليين، عبر مسح شامل لحالات القتل، وتوثيق ميداني للأحداث، ومقابلات أجراها فريق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مع ذوي وأصدقاء الضحايا وشهود عيان على حوادث القتل الموثقة في التقرير.
ويتناول التقرير سياسات إطلاق النار الإسرائيلية في السياق القانوني، وعمليات القتل من حيث الأرقام والمؤشرات، وأنماط القتل والاستهدافات، إلى جانب عددٍ من المقابلات التي أجراها في سياق تحليل عمليات القتل، ثم يجمل بتقديم أبرز النتائج والتوصيات.
منهجية التقرير
أجرى المرصد الأورومتوسطي مسحًا وحصرًا شاملًا لحالات قتل الفلسطينيين جراء هجمات أو عمليات نفذها الجيش الإسرائيلي أو نتيجة لأعمال عنف نفذها مستوطنون إسرائيليون في المدة ما بين يناير/ كانون ثان – ديسمبر/ كانون أول 2022، بناءً على عمل ميداني لفرق البحث الخاصة به في الضفة الغربية وقطاع غزة. إلى جانب ذلك، حلل الأورومتوسطي كافة المعلومات والبيانات التي أصدرتها الجهات الفلسطينية والإسرائيلية الرسمية، والمتعلقة بحالات وأعداد القتلى الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية.
أجرى الأورومتوسطي 36 مقابلة مع عائلات وأقارب وأصدقاء عدد من الضحايا، وشهود عيان شاهدوا عمليات قتل نفذها جنود إسرائيليون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية. جميع الأشخاص الذين أُجريت مقابلات معهم أُعلموا بغرض إجراء المقابلة والطريقة التي ستُستخدم بها المعلومات التي أدلوا بها، وقد حصل فريق الأورومتوسطي على موافقة شفهية من كلٍّ منهم على استخدام وتخزين ونشر المقابلات الواردة في هذا التقرير. جميع المقابلات أُجريت باللغة العربية.
بناءً على المعلومات التي جمعها حول ظروف ودوافع والطرق والأدوات التي استخدمت في حالات القتل التي وثقها، أجرى الأورومتوسطي تحليلًا قانونية لكافة الحالات من منظور القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
قائمة المصطلحات
قتيل: الشخص الذي لقى حتفه جراء تعرضه لاعتداءات مباشرة من قوات الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، باستخدام ذخائر وأسلحة مختلفة، ويشمل من لقى حتفهم خلال ملاحقته أو حجزه أو التنكيل به.
طفل: كل شخص لم يكمل 18 عامًا من عمره، وتشمل هذه الفئة العمرية الجنسين، ويستند تعريف الطفل وتمييزه عن غيره من الأشخاص إلى تعريف اتفاقية حقوق الطفل للعام 1989.
سيدة: كل أنثى تجاوزت 18 عامًا بغض النظر عما إذا كانت متزوجة أم لا.
مدني: كل شخص ليس منخرطًا بأعمال قتالية مسلحة، ويستثنى منهم الأشخاص الذين نفّذوا أو حاولوا تنفيذ عمليات مسلحة ضد إسرائيليين.
مسلّح: كل شخص انخرط في الأعمال القتالية سواء ضمن مجموعات منظّمة أو على نحو فردي، وسواءً قتل في مواجهات واشتباكات مباشرة أو سياق آخر.
منفذو الهجمات: الأشخاص المدنيين الذين قتلوا خلال تنفيذهم أو محاولتهم تنفيذ هجمات ضد إسرائيليين باستخدام الأسلحة أو الأدوات الحادة أو الدعس.
قتل مستهدف: عمليات القتل العمد غير المشروعة التي نفذتها القوات الإسرائيلية بأسلحة مختلفة ضد أشخاص محددين، بناء على معلومات استخبارية مسبقة.
إعدام الميداني: عمليات القتل العمدي التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الميدان ضد أشخاص في ظروف كان يمكن فيها اعتقالهم أو السيطرة عليهم بقوة أقل فتكًا، وغالبًا ما يكون هؤلاء استهدفوا بعد تنفيذهم أو محاولتهم أو الاشتباه بمحاولتهم تنفيذ هجمات ضد إسرائيليين.
قتلى خلال عملية إطلاق نار: أفراد مسلحون قتلوا خلال تنفيذهم عمليات مسلحة مقصودة ضد إسرائيليين.
قتلى خلال اشتباك ضمن اقتحام: أفراد مسلحون قتلوا خلال تبادل إطلاق نار مع القوات الإسرائيلية خلال اقتحامها أحياء فلسطينية.
قتلى خلال مواجهات ضمن اقتحام: أفراد غير مسلحين قتلوا خلال عمليات اقتحام القوات الإسرائيلية أحياء فلسطينية وتنفيذها عمليات إطلاق نار، سواء كانت لتفريق متظاهرين أو راشقي حجارة، أو خلال عمليات إطلاق نار عشوائية لتأمين الاقتحامات أو الانسحابات، ويستثنى منها الفئات الأخرى الواردة في المفاهيم السابقة.
أولًا: إطلاق النار في السياق القانوني
سياسة إطلاق النار الإسرائيلية
تستند عمليات إطلاق النار التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى سلسلة من القوانين والقرارات والتعليمات التي سهلت قتل آلاف الفلسطينيين خلال سنوات الاحتلال.
وأمام غياب المساءلة الجنائية، تساهلت القوات الإسرائيلية حتى في تنفيذ التعليمات الخاصة بها، وأدخلت عليها تعديلات متكررة لتسهيل استهداف الفلسطينيين، بعيدًا عن الاعتبارات القانونية والدولية المعتقلة بالحماية الخاصة التي يتمتع بها المدنيون والفئات المحمية.
ورغم وجود قيود رسمية على عمليات إطلاق النار عند تنفيذ مهمات متعلقة بفض المحتجين وتفريق راشقي الحجارة، إلا أنّه يجري تجاهل هذه القيود وتنفيذ عمليات قتل تحظى بالتأييد من المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل.
تخضع القوات الإسرائيلية لتعليمات تحدّد قواعد كثيرة فيما يتعلق بفتح النار، بما في ذلك؛ أيّ من أنواع الأسلحة يُستخدم ومن أيّة مسافة يُسمح بالإطلاق وعلى أيّة أهداف يُسمح بالتصويب. وبحسب تلك التعليمات، يُسمح بإطلاق النيران الحيّة في حالتين فقط: الأولى بقصد القتل -إذا نشأ خطر يهدّد حياة عناصر قوّات الأمن أو حياة آخرين. وحتّى في هذه الحالة -يُسمح بإطلاق النار فقط في غياب سُبل أخرى لاتّقاء الخطر المذكور وفقط نحو الشخص مصدر الخطر (المعتدي نفسه). أما الحالة الثانية التي يُسمح فيها بإطلاق النار فهي حالة فرار مطلوب كوسيلة أخيرة لاعتقاله، وذلك فقط بعد إنذاره ثمّ إطلاق النار في الهواء وبشرط ألّا يعرّض إطلاق النار آخرين لخطر الإصابة.
وبخلاف ذلك، يجري على أرض الواقع تجاهل تلك التعليمات باستمرار وبأوامر مباشرة وبإقرار كبار الضبّاط العسكريين وحتى المسؤولين السياسيين. كما يجري تأويل التعليمات الرسمية على نحو فضفاض تتّسع معه الحالات التي يُسمح فيها للجنود بإطلاق النار –بما في ذلك توسيع مصطنع لمفهوم "خطر على الحياة" بحيث يشمل أيضًا حالات لا تشكّل خطرًا حقيقيًّا ومحدقًا على حياة الجنود كرشق الحجارة وإشعال الإطارات خلال التظاهرات، أو في حالة الخوف من إلحاق أضرار بالجدار؛ والسماح بإطلاق النار على الجزء السفليّ من الجسد عوضًا عن الأرجل فقط في إطار "إجراء اعتقال مشتبه فيه"، وفي المقابل توسيع مفهوم "مشتبه به بارتكاب جريمة خطيرة" بحيث يسري عمليًّا على كلّ فلسطينيّ؛ واستخدام وسائل فتّاكة أيضًا في حالات يمكن فيها استخدام وسائل أقلّ أذيّة سعيًا لتحييد خطر داهم؛ واستخدام مخالف للقانون لوسائل "غير فتّاكة" ظاهريًّا - كأعيرة الحديد المغلّف بالمطّاط وأعيرة الإسفنج والغاز المسيل للدموع -يحوّلها إلى وسيلة فتّاكة تُلحق إصابات قاتلة.
تعكس تعليمات إطلاق النار التي تبيح إطلاق النيران بقصد القتل على الفلسطينيين بدون وجود مبررّ عُمق استهانة إسرائيل بحق الفلسطينيين في الحياة، وهو أهم الحقوق التي أقرتها مواثيق حقوق الإنسان.
في 20 ديسمبر /كانون أول 2021، أقرّ الجيش الإسرائيلي تعليمات جديدة لسياسة إطلاق النار منحت الضوء الأخضر للجنود في الضفة الغربية لفتح النار على الفلسطينيين من ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة، وهو ما انعكس على زيادة حصيلة القتلى الفلسطينيين. وفي حينه، رحب رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت "نفتالي بنيت" بهذه التعديلات، مدعيًّا أنها "ستسمح للجنود بالدفاع عن أنفسهم". وتكررت مثل هذه التصريحات من المستويات السياسية والعسكرية عند كل عملية قتل ضد فلسطينيين.
بموجب التعديلات الجديدة، يجب على الجنود إطلاق النار في منطقة المواجهات حتى بعد الانتهاء من عملية رشق الحجارة، وأثناء فرار الفتية والشبان من المكان، إذ تتيح تلك التعليمات للجندي إطلاق الرصاص الحي على الفتية المشاركين في رشق الحجارة خلال انسحابهم من المكان. وتنص التعليمات الجديدة كذلك على "إطلاق النار تجاه أشخاص يحاولون سرقة سلاح جندي أو يدخلون إلى قواعد عسكرية أو مناطق إطلاق النار بهدف سرقة سلاح أو ذخيرة".
تشمل التغييرات كذلك إطلاق النار لدى "شعور جندي بوجود خطر على حياته"، وهو تعبير فضفاض وغير واضح إلى حد كبير، الأمر الذي يعد تساهلًا في قواعد الاشتباك لاستهداف الأفراد، وخاصة الشبان والفتية الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ويستخدم الجيش الإسرائيلي عمليًا إطلاق النار في حالات كثيرة أخرى، بدعم من المستوى العسكري وبموافقة بأثر رجعيّ من النيابة العسكرية، التي تضمن ألا يحاسَب أيٌّ من المسؤولين عن عمليات قتل المدنيين، ويشكّل هذا –فيما يبدو- نهجًا أساسيًّا في حماية وترسيخ سياسة إسرائيل باستخدام العنف المفرط تجاه الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن سياسة إطلاق النار التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي كانت في السابق مرنة وكثيرًا ما أفضت لعمليات قتل خارج نطاق القانون دونما مبرر ودون توفر مبدأ الضرورة والتناسب، إلاّ أن التعليمات الجديدة جعلت من الضغط على الزناد مسألة هيّنة على الجنود، مع وجود قرار رسمي داعم، وإجراءات تحميهم من أية مساءلة. كما أن سياسة الإفلات من العقاب والحماية التي يحظى بها الجنود الإسرائيليون تدفعهم لإطلاق النار العمدي بهدف القتل رغم عدم وجود خطر أو تهديد جدي على حياتهم، وهو أمر بات يتكرر كثيرًا في الضفة الغربية خلال عمليات الاقتحام الإسرائيلي. ويأتي انتهاج استخدام القوة المميتة ضد المدنيين كسياسة متبعة نتيجة لغياب المساءلة الداخلية في إسرائيل من جهة، واستمرار سماح المجتمع الدولي بتمتع السلطات الإسرائيلية بسياسة الإفلات من العقاب على الانتهاكات المرتكبة سابقًا.
ومع منح الكنيست الإسرائيلي الثقة لحكومة يمينية جديدة برئاسة "بنيامين نتنياهو" في 29 ديسمبر/ كانون أول 2022، تزداد المخاوف من إدخال تعديلات إضافية تسهّل ارتكاب المزيد من جرائم القتل ضد الفلسطينيين، بالاستناد إلى المواقف المتطرفة التي أبداها بعض الوزراء المنضوين فيها في تصريحات سابقة.
في منتصف نوفمبر/ تشرين ثان 2022، دعا عضو الكنيست اليميني المتطرف "إيتمار بن غفير"، الذي عُيّن وزيرًا للأمن القومي في الحكومة الجديدة، رؤساء الائتلاف الحكومي المرتقب إلى تشكيل حكومة يمينية بأسرع وقت ممكن، قائلًا إنّ "هناك حاجة ملحة لتغيير إجراءات إطلاق النار". وأضاف أنّه "يجب أن نعيد الأمن والردع، هناك حاجة ملحة لتغيير إجراءات إطلاق النار، وإلا يتردد المستوطنون في مواجهة منفذي العمليات الفلسطينية".
تكمن خطورة هذه التصريحات في أنها صدرت عن مسؤول بات وزيرًا للأمن القومي الإسرائيلي، وسبق لأعضاء في حزب "العظمة اليهودية" الذي يقوده السعي لتشكيل ميليشيا مسلحة في المناطق التي يعمل بها العرب داخل إسرائيل، وهو ما يعني ترك الباب واسعًا للمزيد من جرائم القتل والاستهداف للفلسطينيين.
الأسلحة المستخدمة
تتعدد الأسلحة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية في استهداف الفلسطينيين وقتلهم، وفيما يلي أبرز تلك الوسائل وفق الحالات التي وثقها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان خلال المدة الماضية:
- الأسلحة الرشاشة: يتزود جنود الجيش الإسرائيلي بأسلحة خفيفة من أنواع مختلفة أبرزها M16، ولها عدة أحجام، وكذلك يتم تزويد العربات العسكرية بأسلحة رشاشة ثقيلة.
- أسلحة القنص الخاصة: عادة يتزود بها عناصر القوات الخاصة والقناصة الذين يعتلون البنايات العالية خلال اقتحام الأحياء الفلسطينية.
- المسدسات: يحمل جنود الجيش الإسرائيلي إلى جانب الأسلحة الرشاشة مسدسات، يستخدمونها أيضًا في إطلاق النار من مسافة صفر عند تنفيذ مهمات القتل.
- الأسلحة الآلية: تتزود المواقع ونقاط المراقبة الإسرائيلية بأسلحة آلية تطلق النار من تلقاء نفسها، بتوجيه من الجنود، ويمكن تذخيرها بذخائر متعددة، ويطلق عليها القبة المدفعية المزدوجة، حيث يمكن أن تطلق أعيرة نارية وأعيرة معدنية مغلفة بالمطاط، أو قنابل صوت وغاز.
- قاذفات قنابل الصوت والغاز: تأخذ عدة أشكال، بعضها يحمله الجنود، ويوجد صنف منها عبارة عن جهاز آلي يطلق رشقة من المقذوفات بتوجيه الجندي.
- الطائرات الحربية: تستخدم القوات الإسرائيلية عدة أنواع من الطائرات الحربية، أبرزها F-16، وعادة ما يجري استخدامها في الهجمات العسكرية على قطاع غزة، ونفذت في كثير من الأحيان عمليات قصف لمنازل ومنشآت مدنية أسفرت عن قتل المئات.
- الطائرات المروحية: يستخدمها الجيش الإسرائيلي لاستهداف أهداف ثابتة أو متحركة، وخاصة في المناطق الحدودية مع قطاع غزة.
- طائرات دون طيار: لها عدة أنواع، ويستخدمها الجيش الإسرائيلي لتنفيذ مهمات استطلاعية، وكذلك للإغارة على أهداف ثابتة ومتحركة، إذ استخدمها بشكل ملحوظ في عمليات القتل المستهدف في قطاع غزة خلال السنوات الماضية، كما يستخدم الجيش نوعًا آخر من تلك الطائرات لتنفيذ مهمات انتحارية.
- الدبابات: تستخدمها القوات الإسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة أو خلال الغزو البري لها لاستهداف المباني والأشخاص سواء عبر إطلاق النار أو القذائف.
- القاذفات المدفعية: تستخدم أنواع متعددة من القاذفات التي تطلق ذخائر بقوة تدميرية متفاوتة أو قنابل دخانية وصوتية.
- الزوارق الحربية: تستخدمها قوات البحرية الإسرائيلية، وتكرر اشتراكها في تنفيذ مهمات قصف عشوائية ومحددة على ساحل قطاع غزة.
وتستخدم القوات الإسرائيلية عددًا من المقذوفات تجاه الأفراد والممتلكات الفلسطينية، أبرزها:
- أعيرة نارية: يطلقها الجنود بعيارات مختلفة، ويستخدمها الجنود الإسرائيليون –في كثير من الحالات- دون مراعاة مبدأ التناسب والضرورة.
- أعيرة معدنية مغلفة بالمطاط: عادة ما تستخدم لتفريق التظاهرات، واستُخدمت في حالات عدة بشكل أفضى إلى القتل عبر إطلاقها من مسافات قصيرة على المتظاهرين.
- قنابل الصوت والغاز: أدوات تستخدم لتفريق التظاهرات، لكنّ القوات الإسرائيلية عادة ما تطلقها بشكل مباشر على المحتجين الفلسطينيين. وفي بعض الحالات، تسببت تلك القنابل بقتل فلسطينيين وإصابة آخرين بإصابات بالغة.
- قذائف متفجرة صغيرة الحجم: عادة ما تُطلق من الأسلحة الرشاشة، وتكرر استخدامها خلال مهاجمة منازل تحصن فيها مسلحون فلسطينيون في الضفة الغربية.
- قذائف مدفعية: تطلق بالدبابات أو الزوارق، وتركز استخدامها من الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
- قذائف صاروخية: تطلقها الطائرات الإسرائيلية ولها أحجام متعددة وقدرات مختلفة على التدمير والاختراق.
عمليات القتل في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان
ينطبق القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان على الأرض الفلسطينية المحتلة. ويفرض القانون الدولي الإنساني على إسرائيل –بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال- التزامات حول حقوق الفلسطينيين، وفي مقدمتها الحق في الحياة. بموجب ذلك، فإنّ إسرائيل ملزمة باحترام الحق في الحياة وحمايته وإعماله، وبالتصرف وفقاً للمبادئ الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون (المبادئ الأساسية).
تحظر المبادئ الأساسية استخدام الأسلحة النارية إلا عند الضرورة القصوى وفي ظروف محدودة، تشمل في المقام الأول الدفاع عن النفس أو دفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة. وفي جميع الأحوال، لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تمامًا تجنبها من أجل حماية الأرواح. وقد ترقى عمليات إطلاق النار بشكل يفضي إلى الموت إلى إعدام خارج نطاق القانون والقتل العمد، وهي انتهاك جسيم للحق في الحياة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.
وعرفت اتفاقيات جنيف الأربعة المخالفات الجسيمة وفقًا للمادة 50 من الاتفاقية الأولى المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، والمادة 147 من الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب بتلك التي تتضمن القتل العمد، أو التعذيب، أو المعاملة اللاإنسانية..." إذا ما ارتكبت ضد أشخاص محميين.
ويرتبط البروتوكولان الإضافيان الملحقان باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 بالقانون الإنساني الدولي، وهما ملزمان لإسرائيل رغم أنها لما تصدق عليهما، باعتبارهما جزءًا من أحكام القانون العرفي الدولي. ويتضمن البروتوكولان الإضافيان شرحًا وتفسيرًا أكثر شمولية وعمقًا للنصوص التي ترد في اتفاقيات جنيف الأربعة، بما فيها الاتفاقية الرابعة. وتشمل تلك القواعد والأحكام تحديدًا مبدأ التمييز، وشن الهجمات القتالية وتحديد نطاق الحماية للمدنيين، وهي وثيقة الصلة بتطبيق قواعد القانون الإنساني الدولي.
وتنطوي ممارسات القوات الإسرائيلية خلال اقتحاماتها للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وكذلك خلال عملياتها العسكرية في قطاع غزة على انتهاكات خطيرة لأحكام القانون الدولي الإنساني- التعاقدي والعرفي- إذ أنها مخالفة لأحكام لائحة لاهاي لعام 1907 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية. ويدلل ارتفاع عدد القتلى والإصابات الناجمة عن استخدام قوات الجيش الإسرائيلي الذخيرة الحية على عدم امتثال تلك القوات للقانون الدولي.
ويظهر التحليل القانوني لممارسات القوات الإسرائيلية استهتارها الواضح بالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقيات جنيف، لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تلزم أطراف النزاع بتوفير حماية المدنيين وعدم تعريضهم للخطر.
وتعد جريمة تكبيد الخسائر العرضية في الأرواح والإصابات وإلحاق الأضرار بصورة مفرطة إحدى جرائم الحرب التي نص عليها ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تقوم في ميثاق روما على ثلاث أركان خاصة، وهي:
- أن يشن مرتكب الجريمة هجومًا.
- أن يكون الهجوم من شأنه أن يسفر عن خسائر عرضية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار بأعيان مدنية أو عن إلحاق ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد بالبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضح بالقياس إلى مجمل الميزة العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة.
- أن يكون مرتكب الجريمة على علم بأن الهجوم من شأنه أن يسفر عن خسائر عرضية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار بأعيان مدنية أو عن إلحاق ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد بالبيئة الطبيعية، ويكون إفراطه واضحًا بالقياس إلى مجمل الميزة العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة.
ثانيًا: عمليات القتل.. أرقام ومؤشرات
يعرض هذا الجانب من التقرير نتائج المسح الكلي التي وثقها المرصد الأورومتوسطي لأعداد القتلى الفلسطينيين، وتوزيعهم وفق تصنيفات ومعايير توضح في مجملها اتجاهات سياسات القتل التي نفذتها القوات الإسرائيلية، وكذلك تبين السياقات التي جرت فيها عمليات القتل.
أولاً: حصر أعداد القتلى وفق التوزيع الجغرافي لمنطقة السكن
جدول رقم (1): القتلى وفقًا لمنطقة السكن
المنطقة |
العدد |
النسبة |
الضفة الغربية |
142 |
69.6 |
قطاع غزة |
37 |
18.1 |
القدس |
20 |
9.8 |
إسرائيل |
5 |
|
المجموع |
204 |
%100.0 |
قتلت القوات الإسرائيلية 204 فلسطينيين في عام 2022، منهم 142 من الضفة الغربية، بواقع 69.6 % من إجمالي القتلى، و37 من قطاع غزة، بواقع 18.1% من إجمالي القتلى، و20 من القدس بواقع 9.8%، و5 من البلدات العربية داخل إسرائيل، بواقع 2.4%.
تعكس هذه الأعداد ارتفاع وتيرة سياسة القتل التي تنتهجها القوات الإسرائيلية مقارنة بالأعوام السابقة، خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد شهد عام 2021، حسب معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (أوتشا) مقتل 341 فلسطينيًا— منهم 263 في قطاع غزة، و78 في الضفة الغربية. يعني ذلك أن أعداد القتلى في الضفة الغربية شهدت ارتفاعًا بنسبة 82% عن أعداها في عام 2021، أما مقارنة بعام 2020، الذي شهد مقتل 30 فلسطينيًا—منهم 6 في قطاع غزة، و24 في الضفة الغربية-- فإن عدد القتلى في الضفة الغربية في عام 2022 شهد ارتفاعًا بنحو خمسة أضعاف (491%) عام 2020.
ثانيًا: التوزيع الجغرافي للقتلى وفقًا لمكان القتل
جدول رقم (2) القتلى وفقًا لمكان القتل
المنطقة |
العدد |
النسبة |
جنين |
55 |
26.9 |
نابلس |
35 |
17.1 |
رام الله |
25 |
12.2 |
بيت لحم |
12 |
5.8 |
إسرائيل |
13 |
6.3 |
غزة |
12 |
5.8 |
القدس |
10 |
4.9 |
شمال غزة |
9 |
4.4 |
الخليل |
7 |
3.4 |
رفح |
7 |
3.4 |
خانيونس |
7 |
3.4 |
سلفيت |
3 |
1.4 |
قلقيلية |
3 |
1.4 |
طوباس |
2 |
1.4 |
أريحا |
2 |
1.4 |
طولكرم |
1 |
0.49 |
الوسطى (قطاع غزة) |
1 |
0.49 |
المجموع |
204 |
%100.0 |
سجلت محافظة جنين سقوط العدد الأكبر من القتلى الفلسطينيين مقارنة بباقي المحافظات الفلسطينية، حيث قتل فيها 55 فلسطينيًّا بما يمثل 26.9% من القتلى، تليها نابلس 35 قتيلًا بنسبة 17.1%، ثم المدن الإسرائيلية 13 قتيلًا، ثم بيت لحم 12 قتيلاً، والتي تساوت مع غزة، تليها القدس 10، ثم شمال غزة 9، والخليل 7، ورفح وخانيونس (قطاع غزة) 7 لكل منهما، وسلفيت وقلقيلية 3 لكل منهما، وطوباس وأريحا 2 لكل منهما، وطولكرم والمحافظة الوسطى (قطاع غزة) 1 لكل منهما.
ثالثًا: توزيع القتلى وفقًا للأشهر
جدول رقم (3) القتلى وفقًا لشهر القتل
الشهر |
العدد |
النسبة |
يناير |
6 |
2.9 |
فبراير |
6 |
2.9 |
مارس |
17 |
8.3 |
أبريل |
23 |
11.2 |
مايو |
9 |
4.4 |
يونيو |
14 |
6.8 |
يوليو |
6 |
2.9 |
أغسطس |
42 |
20.5 |
سبتمبر |
18 |
8.8 |
أكتوبر |
28 |
13.7 |
نوفمبر |
20 |
9.8 |
ديسمبر |
15 |
7.3 |
المجموع |
204 |
100.0% |
شهد شهر أغسطس/ آب 2022 مقتل أكبر عدد من الفلسطينيين خلال عام 2022، بواقع 42 قتيلاً وبما يمثل 20.5% من إجمالي عدد القتلى. وارتفعت الأعداد في هذا الشهر نتيجة الهجوم الذي شنّه الجيش الإسرائيلي ضد نشطاء ومواقع حركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة وأطلق عليه اسم "الفجر الصادق"، والذي استمر لمدة ثلاثة أيام، يليه شهر أكتوبر/ تشرين أول الذي شهد مقتل 28 فلسطينيًا، ومن ثم شهر أبريل/ نيسان بواقع 23 قتيلًا، ونوفمبر/ تشرين ثانٍ 20 قتيلٍا، وسبتمبر/ أيلول 18 قتيلًا، ومارس/ آذار 17 قتيلاً، جميعهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
رابعًا: توزيع القتلى وفقًا للنوع الاجتماعي
جدول رقم (4) القتلى وفقًا للنوع الاجتماعي
الحالة |
العدد |
النسبة |
رجل/شاب |
155 |
75.9 |
طفل |
41 |
20 |
سيدة |
8 |
3.9 |
المجموع |
204 |
100.0 |
تبين أن 75.9% من بين القتلى كانوا من الرجال/الشباب، و20% من الأطفال· (يشمل ذلك الذكور والإناث)، و4.3% من السيدات.
يؤشر ذلك على أن الفئات المستهدفة تشتمل على جميع فئات المجتمع المتعلقة بالنوع الاجتماعي، ولا سيما النساء والأطفال. حيث لا تلتزم القوات الإسرائيلية بالقواعد القانونية الدولية ذات العلاقة لدى تنفيذ هجماتها وحملاتها العسكرية في المدن والمحافظات الفلسطينية.
وكان أصغر الأطفال القتلى عمرًا الطفل "جميل نجم الدين نجم"، حيث لم يكن عمره يتعدى 4 سنوات حينما قُتل بقصف جوي إسرائيلي على محافظة شمال قطاع غزة في 7 أغسطس/ آب 2022، تليه الطفلة "آلاء عبد الله قدوم" (5 أعوام) التي قتلت بقصف جوي إسرائيلي على محافظة غزة في 5 أغسطس/ آب 2022.
خامسًا: توزيع القتلى وفقًا لطبيعة القتيل
جدول رقم (5) القتلى وفقًا لطبيعة القتيل
خلفية القتيل |
العدد |
النسبة |
مدني |
125 |
61.2 |
ناشط مسلّح |
62 |
30.3 |
منفذ هجوم |
17 |
8.3 |
المجموع |
204 |
%100.0 |
وثق المرصد الأورومتوسطي مقتل 125 مدنيًا من غير المنخرطين في أي أعمال عنف، بما يمثل 61.2% من إجمالي القتلى خلال عام 2022، يضاف لهم 17 شخصًا قُتلوا خلال محاولاتهم تنفيذ هجمات طعن أو دهس ضد إسرائيليين، في حين قتل 62 شخصًا من النشطاء المسلحين المنظمين وغير المنظمين ضمن جماعات مسلحة.
تشير هذه المعطيات أنّ المدنيين الفلسطينيين كانوا الهدف الأبرز للجيش الإسرائيلي خلال عام 2022، إذ قتل معظمهم في عمليات وسياقات لا مبرر لها، ولم يكونوا يشكلوا خطرًا محدقًا على الجيش الإسرائيلي يستوجب القتل.
سادسًا: توزيع القتلى وفقًا لسياق عملية القتل
جدول رقم (6) القتلى وفقًا لسياق عملية القتل
السياق |
العدد |
النسبة |
اقتحام ومواجهات |
81 |
39.7 |
قتل مستهدف |
30 |
14.7 |
قصف |
25 |
12.2 |
إعدام ميداني |
14 |
6.8 |
اشتباك خلال اقتحام |
11 |
5.3 |
محاولة/ تنفيذ عملية طعن |
12 |
5.8 |
تنفيذ عملية |
12 |
5.8 |
محاولة/ تنفيذ عملية دعس |
6 |
2.9 |
اعتداء مستوطنين |
5 |
2.4 |
عملية قتل مستهدف من خلال القصف الجوي |
4 |
1.9 |
ملاحقة ودهس |
2 |
0.98 |
تنكيل وحجز |
1 |
0.49 |
تسلل لمستوطنة |
1 |
0.49 |
المجموع |
204 |
100.0% |
وثق الأورومتوسطي مقتل 81 فلسطينيًا خلال عمليات مواجهات أو اقتحامات نفذتها قوات الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية أو قرب الحواجز العسكرية، وهو ما يمثل 39.7% من إجمالي سياقات القتل، في حين قتل 30 شخصًا خلال عمليات القتل المستهدف إلى جانب 4 قتلوا جراء تنفيذ هذه السياسة لأشخاص غير مستهدفين، و25 خلال عمليات القصف الجوي والمدفعي (في قطاع غزة)، و11 خلال اشتباكات مع القوات الإسرائيلية خلال اقتحامها المدن الفلسطينية، وقتل 30 شخصًا خلال محاولتهم تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية سواء بإطلاق النار أو الدعس أو الطعن، وقتل 5 في اعتداءات للمستوطنين. كما قتل 4 أشخاص في ظروف مختلفة منها 2 ملاحقة ودهس و1 تنكيل وحجز، وطفل واحد خلال محاولته التسلل لمستوطنة.
سابعًا: توزيع القتلى وفقًا لأداة القتل
جدول رقم (7) القتلى وفقًا لأداة القتل
أداة القتل |
العدد |
النسبة |
عيار ناري |
158 |
77.4 |
قصف مدفعي وجوي |
37 |
18.1 |
دعس |
4 |
1.9 |
تنكيل وترهيب |
2 |
0.98 |
طعن |
1 |
0.49 |
غاز مسيل للدموع |
1 |
0.49 |
عبوة ناسفة |
1 |
0.49 |
المجموع |
204 |
100.0 |
وثق الأورومتوسطي مقتل 158 فلسطينيًا جراء استهدافهم بأعيرة نارية وشظاياها، وغالبًا ما تركزت تلك الاستهدافات في الجزء العلوي من الجسم، و37 جراء القصف الجوي والمدفعي، و4 جراء تعرضهم للدعس العمدي، و1 بعد تعرضه للطعن من مستوطن، و1 جراء الغاز المسيل للدموع، و2 جراء التنكيل والترهيب، و1 قتل جراء عبوة ناسفة وضعت له لقتله.
يعكس ذلك بشكلٍ رئيس استخدام الجيش الإسرائيلي، إلى جانب قوات الأمن والمستوطنين، أشكالًا مختلفة ومتعددة من العنف ضد الفلسطينيين، بشكل يفضي في كثير من الحالات إلى سلب حقّهم المقدّس في الحياة، وتعظيم كلفة مشاركتهم في أي احتجاج على السياسات والممارسات الإسرائيلية غير القانونية.
ثامنًا: توزيع القتلى وفقًا للجهة المسؤولة عن تنفيذ القتل
يوضح الجدول التالي توزيع أعداد القتلى وفقًا للجهة المسؤولة عن قتلهم.
جدول رقم (8) القتلى وفقًا للمسؤول عن القتل
المسؤول عن القتل |
العدد |
النسبة |
الجيش الإسرائيلي |
198 |
97.05 |
المستوطنون |
6 |
2.94 |
المجموع |
204 |
100.0% |
ثالثًا: قتل الفلسطينيين.. أنماط وشهادات
·القتل المستهدف غير المشروع
تتبع إسرائيل سياسة معلنة في تنفيذ عمليات قتل خارج نطاق القانون ضد من تعدهم شخصيات تشكل خطرًا على أمنها. ولم تقتصر عمليات القتل المستهدف التي تنفذها على شخصيات عسكرية أو أمنية، بل نفذت على مدار العقود الماضية عشرات العمليات التي استهدفت شخصيات سياسية فلسطينية.
وعادةً ما تنفَّذ عمليات القتل بناء على معلومات استخبارية ورصد وتتبع للشخصية المستهدفة، قبل أن يصدر قرار سياسي وعسكري بتنفيذ عملية القتل، التي تكلف بها إحدى وحدات الجيش أو الأمن الإسرائيلي؛ فإما تنفذ عبر القوات الإسرائيلية الخاصة كما يحدث في الضفة الغربية، أو يجري تنفيذها عبر القصف من الطيران الإسرائيلي كما يحصل في قطاع غزة.
وثق فريق المرصد الأورومتوسطي مقتل 30 ناشطًا فلسطينيًّا في عمليات قتل مستهدف خلال عام 2022— منهم 23 في الضفة الغربية، و7 في قطاع غزة.
وبعد سنوات من التوقف عن تنفيذ هذا النوع من العمليات في الضفة الغربية خاصة، عادت إسرائيل لتنفذ أولى هذه العمليات في 8 فبراير/ شباط 2022، عندما قتلت قوة إسرائيلية خاصة بأكثر من 90 رصاصة ثلاثة شبّان من أبرز النشطاء المسلحين في مدينة نابلس؛ وهم "أدهم مبروكة"، و"محمد الدخيل"، و"أشرف مبسلط". وبحسب شهود العيان وعائلات الشبان القتلى الذين التقى بهم فريق المرصد الأورومتوسطي، فقد تسللت قرابة الساعة الواحدة ظهرًا قوة خاصة من الجيش الإسرائيلي إلى مدينة نابلس بمركبة خاصة وأخرى عمومية، قبل أن تعترض المركبة العمومية طريق مركبة فلسطينية استقلها الشبان الثلاثة "مبروكة" و"الدخيل" و"مبسلط." وسرعان ما ترجل الجنود بلباسهم العسكري وأطلقوا الرصاص بكثافة. وبعد انتهاء إطلاق النار، فتحوا أبواب المركبة وتأكدوا من إعدام من فيها، قبل أن ينسحب الجنود تاركين خلفهم الشبان الثلاثة غارقين في دمائهم وقد تطايرت أجزاء من أجسادهم ورؤوسهم نتيجة كثافة إطلاق النار ضدهم.
نُفّذت جميع عمليات القتل المستهدف في الضفة الغربية بواسطة القوات الإسرائيلية الخاصة عبر استهداف النشطاء في مركبات أو بعد محاصرتهم في منازل تحصنوا بها، باستثناء حالة واحدة وهو الناشط "تامر زيد الكيلاني" (33 عامًا)، حيث قتل في 22 أكتوبر / تشرين أول 2022، بعد انفجار عبوة موجهة نصبت على دراجة نارية بالتزامن مع مروره في البلدة القديمة بنابلس. ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها رسميًا عن هذه العملية.
أمّا عمليات القتل المستهدف في قطاع غزة، فنفذت عبر الطيران الحربي الإسرائيلي، إذ استهل الجيش الإسرائيلي هجومه العسكري على قطاع غزة في 5 أغسطس/آب 2022، بغارة استهدفت "تيسير محمود الجعبري" (50 عامًا) وهو قيادي بارز في سرايا القدس، الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، ومساعده "سلامة محارب عابد" (30 عامًا) بعد قصف شقة تواجدا فيها في غزة. وفي حينه نشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو يوثق عملية الاستهداف.
وخلال تنفيذ عمليات القتل المستهدف، عادةً ما تلجأ إسرائيل إلى استخدام قوة غير متناسبة، ولا تراعي في حالات كثيرة وجود مدنيين في أماكن الاستهداف. على سبيل المثال أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية في 6 أغسطس/ آب، ما لا يقل عن ستة قنابل تجاه منزل مكون من ثلاثة طوابق تحتوي على شقق سكنية مؤجرة في مخيم رفح جنوبي قطاع غزة. أدى القصف إلى تدمير سبعة منازل كليًا -منها المنزل المستهدف- على رؤوس قاطنيها، وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص—من ضمنهم امرأتان وطفل، إلى جانب إصابة ما لا يقل عن 35 آخرين— منهم 18 طفلاً و12 امرأة. أعلن الجيش الإسرائيلي حينها أنّ القصف استهدف القيادي في سرايا القدس "خالد سعيد منصور" (48 عامًا)، الذي قتل مع اثنين من مرافقيه، والأربعة البقية كانوا من المدنيين الذين انتشلوا بعد عمليات بحث استغرقت عدة ساعات بسبب الدمار الهائل الذي حل بالمنطقة المكتظة بالسكان.
يشكل هذا الهجوم وغيره من الهجمات غير المتناسبة انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، وقد يرقى إلى جريمة حرب، فهو ينتهك مبدأ التناسب الذي يعد أحد المرتكزات الأساسية في القانون الدولي الإنساني، وبموجبه يحظر تنفيذ هجوم، حتى لو كان موجهًا ضد هدف عسكري مشروع، في حال كان سيلحق بالمواطنين ضررًا مبالغًا فيه قياسًا بالفائدة العسكرية المتوقعة منه. ويصنف انتهاك مبدأ التناسب في القانون الإنساني كجريمة حرب، وهي تطال بالمسئولية الجنائية الشخصية جميع الضالعين فيها.
الإعدام الميداني
يلجأ جنود الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق النار بهدف القتل من مسافة صفر، أو مسافة قريبة جدًا، دون مبرر حقيقي في كثير من الأحيان، ودون وجود خطر أو تهديد محدق يستدعي استخدام القوة المفرطة أو المفضية إلى الموت.
يقع هذا النوع من الحوادث على الحواجز وقرب نقاط التمركز الإسرائيلي، ويكفي غالبًا الاشتباه بشخص ما لتبرير إطلاق النار تجاهه وقتله. وفي بعض الحالات تجري عمليات الإعدام رغم السيطرة على الشخص بإصابته أو تحييده.
وأظهرت مراجعة فريق الأورومتوسطي لسياقات القتل خلال هذا العام أن القوات الإسرائيلية نفذت 32 عملية إعدام ميداني، منها 18 نفذت بعد ادعاءات بتنفيذ أو محاولة تنفيذ عملية طعن أو دعس ضد إسرائيليين قرب حواجز أو نقاط تمركز إسرائيلية، والبقية كانت غالبًا دون مبرر حقيقي أو لمجرد الاشتباه.
وما يسهم في تكرار هذا النوع من الانتهاكات هو الحماية التي يحظى بها الجنود من المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، وبالتالي عدم وجود أي نوع من أنواع المساءلة، وفي حال فتح أي تحقيق فهو يمر بإجراءات شكلية وينتهي بالإغلاق وعدم المحاسبة.
ويمثل مقتل الشاب عمار مفلح (23 عامًا) نموذجًا لهذا النوع من القتل.
في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "ثائر أبو صالحية"، وهو شاهد عيان على مقتل الشاب "عمار حمدي مفلح" (22 عامًا) ببلدة حوارة جنوبي نابلس: "ذهبت مع مجموعة من أصدقائي لتناول طعام الغداء في حوالي الساعة الرابعة عصرًا من مساء يوم الجمعة الموافق 2 ديسمبر/ كانون أول 2022 بأحد المطاعم ببلدة حوارة. وفي غضون ذلك، رأيت شابًا اقترب من سيارة بداخلها مستوطن ومستوطنة، وبمجرد ما طرق الشاب على زجاج السيارة، أطلق المستوطن عدة طلقات نارية من داخل السيارة تجاهه ليصيبه ويصيب مركبتي التي كانت متوقفة في المكان".
وتابع: "أُصيب الشاب على ما يبدو بشظايا الرصاص الذي أطلقه المستوطن ولاحظت بعض الدماء على وجهه، ولم أره يحمل أي سلاح ناري أو أداة حادة أو خلاف ذلك. وبعد لحظات قليلة قدم جندي من حرس الحدود الإسرائيلي إلى المكان وسحب الشاب على الأرض محاولًا اعتقاله، ولكن الشاب نهض وقاوم الاعتقال. تدخل اثنان من المارة وحاولا تخليص الشاب من أيدي الجندي الذي كان مصرًا على اعتقاله. وعندما نجح الشاب بالإفلات من أيدي الجندي، سحب الأخير مسدسه من جنبه الأيمن، وأطلق 4 رصاصات من مسافة صفر على الأجزاء العلوية من جسد الشاب، ولا سيما منطقة البطن، وبدا أنّه قُتل على الفور حينها.
وأضاف "أُصبت مع جميع من كانوا في المكان بصدمة كبيرة ولم نعرف كيف نتصرف. بحسب ما رأيت، كان أمام الجندي الإسرائيلي خيارات كثيرة جدًا للسيطرة على الشاب الفلسطيني خصوصًا أنّه لم يكن مسلّحًا، ولكنه اختار أن ينهي حياته بهذه الطريقة. بعد ذلك، أرسل الجيش تعزيزات كبيرة للمكان ومنعونا من الاقتراب من الشاب، ونقلوه بسيارة إسعاف إسرائيلية إلى خارج البلدة بعد أكثر من 20 دقيقة على الحادثة".
وفي حادثة أخرى، حصل المرصد الأورومتوسطي على إفادة الشاب "محمد أبو هنية" (18 عامًا)، صديق الشاب "عمّار شفيق أبو عفيفة" (19 عامًا) الذي قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الأول من مارس/ آذار 2022، حيث قال: "كنت مع عمّار لحظة مقتله على يد الجيش الإسرائيلي ولكنّي لم أدرك حينها أنّه قُتل. في ذلك اليوم، كنّا نشعر بالملل، وتواصلنا مع بعضنا لكي نخرج للتنزه في منطقة جبلية قريبة من بلدة بيت فجّار شمال الخليل، وهي قريبة أيضًا من مكان سكننا بمخيم العروب. في عصر ذلك اليوم، سارت الأمور بشكل طبيعي، أخذنا كوبين من القهوة وكمية من "بِزر البطيخ" (نوع من أنواع المكسرات) وذهبنا إلى المنطقة، ولم يكن معنا أي شيء غيره. كانت الأجواء هادئة ولم نشاهد في المكان سوى أحد رعاة الأغنام.
وأضاف: "كنا نبعد مئات الأمتار عن أي نقطة أو موقع عسكري إسرائيلي، وفجأة سمعنا صوت إطلاق نار كثيف، لنتفاجأ بوجود قوة إسرائيلية في المنطقة التي نتنزّه فيها بخلاف العادة. لا أستطيع تقدير المسافة التي كانت بين مكان وجودنا ومكان وجود القوة بدقة، لكنّها كانت في حدود 200 متر على أقصى تقدير. بمجرد ما سمعنا إطلاق النار ولاحظنا وجود القوة، بدأنا بالهروب من المكان بسرعة، وبينما كنا نجري، سمعت صوت "عمار" يصرخ، وأدركت حينها أنّه أُصيب، لكنّ إطلاق النار الكثيف والمتواصل أجبرني على مواصلة الهروب حتى أتجنب الإصابة".
وتابع: "استطعت مغادرة المنطقة بسلام والعودة إلى بيتي، وهناك علمت أنّ عمّار قُتل في تلك الحادثة. لم أتمالك نفسي حينها. عمّار لم يكن مجرّد صديق، لقد كان بمثابة أخٍ لي. حتى هذه اللحظة، لا أعلم سبب إطلاق النار علينا، ولا أعلم سبب قتل صديقي ومحاولة قتلي. لم نكن نشكّل أي خطر على الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين في المنطقة".
*احتجز الجيش الإسرائيلي "عمار أبو عفيفة" بعد إصابته، وبعد ساعات أعلن وفاته، ولم يسلّم جثمانه سوى فجر اليوم التالي، أي بعد حوالي 12 ساعة من إطلاق النار عليه. وفي تصريح رسمي حول الحادثة، قال الجيش إنّ "مشتبهين بهما اقتربا من نقطة مراقبة عسكرية قرب مستوطنة "مجدال عوز" بالخليل، وأنّ قوة عسكرية لاحقتهما وبدأت بإجراءات لاعتقالهما، وتخللت تلك الإجراءات إطلاق النار عليهما، وأُعلن عن وفاة أحدهما في وقت لاحق، ويجري التحقيق في الحادثة". وبخلاف تصريحات في حوادث مشابهة، لم يُشر الجيش الإسرائيلي إلى أنّ "عمار أبو عفيفة" وصديقه كانا يلقيان الحجارة أو يهاجمان مستوطنين، ولم يذكر التصريح وجود حجارة في المكان أو مصادرة أي أدوات كانت بحوزتهما.
القتل خلال الاقتحامات والمواجهات
يمثل القتل خلال عمليات الاقتحام التي تنفذها القوات الإسرائيلية للأحياء الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية الشكل الأكثر شيوعًا وتكرارًا، كما تحدث بعض عمليات القتل أثناء الاستخدام المفرط للقوة خلال عمليات قمع المتظاهرين الفلسطينيين الذين يواجهون قوات الجيش بالحجارة أو الزجاجات الفارغة أو الحارقة، وهي جميعًا أدوات شعبية لا تشكل تهديدًا جديًّا أو محدقًا على حياة الجنود. وبالإضافة إلى ذلك، ترتكب القوات الإسرائيلية خلال هذه الاقتحامات عمليات قتل في سياقات لا تكون فيها أحداث أو مواجهات، وبالتالي لا يوجد لها أي مبرر.
بحسب متابعة فريق المرصد الأورومتوسطي، فإن قوات الجيش الإسرائيلي تنفذ ما بين 20-25 عملية اقتحام ودهم يومية للمدن والمخيمات الفلسطينية، وغالبًا ما يرافقها إطلاق نار من تلك القوات بذخائر مختلفة. كما أنّ بعض الاقتحامات تبدأ بتسلل وحدات من القوات الإسرائيلية الخاصة التي تنصب كمائن، ويتمركز قناصتها على البنايات السكنية العالية، قبل وصول تعزيزات من الجيش الإسرائيلي، وغالبًا ما يحدث ذلك عند تنفيذ اعتقالات أو عمليات قتل مستهدف. وخلال ذلك، تقدم تلك القوات على إطلاق النار العشوائي والمقصود تجاه أي جسم متحرك في منطقة الاقتحام، فضلًا عن الاستخدام المفرط للقوة في حال سجلت هناك احتجاجات من متظاهرين وراشقي حجارة.
خلال عام 2022، وثق فريق الأورومتوسطي مقتل 81 مدنيًّا— منهم 25 طفلاً وامرأتان— في عمليات إطلاق نار من القوات الإسرائيلية خلال عمليات الاقتحام والمواجهات. وكل هذه الحوادث جرت في سياقات لم يكن لها مبرر واضح، واستخدمت فيها القوات الإسرائيلية القوة المفرطة.
ومن الشواهد على هذا النمط من الجرائم، مقتل الشاب "يزن السعدي" والطفل "سند أبو صابر" في مخيم جنين. فبحسب الإفادات التي جمعها المرصد الأورومتوسطي، اقتحم الجيش الإسرائيلي في وقت مبكر صباح يوم الخميس 31 مارس/آذار 2022 مخيم جنين، وحاصر منزلًا، واعتلى الجنود أسطح المباني السكنية وحولها إلى ثكنات لتمركز القناصة. في تلك الأثناء تجمع شبان وفتية ورشقوا تلك قوات الجيش بالحجارة والزجاجات الحارقة، وامتدت المواجهات إلى عدة شوارع في المخيم، أطلقت خلالها القوات النار بكثافة تجاه المتظاهرين لتقتل اثنين منهم وهما: الطفل "سند محمد خليل أبو صابر" (17 عامًا) من سكان مخيم جنين، وأصيب بعيار ناري في الصدر، والشاب "يزن نضال السعدي" (24 عامًا) من سكان جنين، وأصيب بثلاثة أعيره نارية في الرأس والبطن والصدر.
قتل الأطفال
خلال عام 2022، شكّل الأطفال هدفًا بارزًا للجيش الإسرائيلي، حيث قُتِل 41 طفلًا في هجمات واعتداءات نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "صلاح زكارنة"، أحد أقرباء وجيران الطفلة "جنى مجدي زكارنة" (16 عامًا)، والتي قُتلت برصاص الجيش الإسرائيلي خلال اقتحامه الحي الشرقي من مدينة جنين مساء 11 ديسمبر/ كانون أول 2022:
"في ذلك اليوم، صعدت جنى إلى سطح منزلها لتبحث عن قطّتها التي تتعلق بها كثيرًا. وفي غضون ذلك، اقتحم الجيش الإسرائيلي المنطقة وبدأنا بسماع أصوات إطلاق النار. استغلّت جنى وجودها على السطح لتصوير اقتحام الجيش الإسرائيلي لحيّها ولم يكن معها أحد على السطح".
وأضاف: "يقع منزل عائلة جنى بالقرب من بيتي، وبعد انتهاء اقتحام الجيش الإسرائيلي للمنطقة والذي استمر ساعة ونصف تقريبًا، تنبّهت العائلة إلى عدم وجود جنى فصعدت إلى السطح لتجدها غارقة في دمائها، وبعد ذلك نُقلت إلى المستشفى جنين الحكومي ولكنّها بالتأكيد فارقت الحياة قبل نقلها، لأنّ المدة بين آخر نشاط موثّق لها وبين العثور عليها كانت طويلة".
وأوضح: "بحسب ما رأينا، التقطت الطفلة جنى بهاتفها المحمول آخر صورة لاقتحام الجيش الإسرائيلي في حوالي الساعة 10:20 من مساء ذلك اليوم، وعثرنا عليها في منتصف الليل تقريبًا. كانت صدمة كبيرة".
وحول طبيعة الإصابة، قال: "أُصيبت جنى بأربع رصاصات الأولى في كتفها الأيمن والثانية في كتفها الأيسر والثالثة في وجهها والرابعة في رأسها. تم تشريح جثمانها في المستشفى وخلصت النتيجة إلى أنّ الرصاص الذي أصاب جسدها كان من نوع خارق للدروع" (نوع رصاص يستخدمه الجيش الإسرائيلي).
*في 12 ديسمبر/ كانون أول 2022، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا رسميًا حول الحادثة قال فيه إنّه "بعد تحقيق أولي، تبيّن أنّ الفتاة التي قُتلت أُصيبت بنيران غير مقصودة استهدفت مسلحين على أحد الأسطح في المنطقة".
وفي إفادة أخرى لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "رفيق يامين"، والد الطفل "غيث يامين" (16 عامًا) الذي قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي بمدينة نابلس في 25 مايو/ أيّار 2022:
"في حوالي الساعة 11:00 من مساء يوم الثلاثاء 24 مايو/ أيّار، اقتحم الجيش الإسرائيلي والمستوطنين ما يسمى منطقة "قبر يوسف" في مدينة نابلس، وكالعادة خرج "غيث" مع أطفال الحي لإلقاء الحجارة على قوات الجيش الإسرائيلي. اتصلت عليه وأبلغني أنّه في شارع عمّان شرقي نابلس وكان يقف بعيدًا نسبيًا عن المواجهات مع الجيش الإسرائيلي. طلبت منه الحضور إلى البيت وأبلغني أنّه سيعود بعد 10 دقائق".
وأضاف "أصبحت الساعة الواحد فجرًا ولم يعد إلى البيت فاتصلت به مرة أخرى ولكنّه لم يجب بخلاف العادة. ذهب شقيقه ليتفقد الموقف واتصل بعدها بوقت قصير ليبلغني أنّ غيث أُصيب برصاصة في رأسه ونُقل إلى مستشفى رفيديا الحكومي. ذهبنا هناك واكتشفنا أنّ الرصاصة أصابته من أسفل أذنه من الجهة اليسار، وخرجت من اليمين، وتسببت بتناثر المخ، إلى جانب تهشم شبه كامل في الدماغ. بعد ساعتين تقريبًا، أعلن الأطباء وفاته".
وتابع: "أبلغني من كان في المكان لحظة إطلاق النار على غيث أنّ الجيش الإسرائيلي لم يطلق النار على نحو عشوائي، بل كان يقصد قتل غيث. كان جنديان داخل إحدى البنايات غير المشطبة وأحدهما كان يوجه الآخر إلى إطلاق النار على غيث، ولم تكن البناية التي أطلق الجندي منها النار تبعد عن غيث سوى نحو 20 مترًا فقط".
قتل النساء
قتلت القوات الإسرائيلية ثماني نساء فلسطينيات خلال عام 2022، منهن 5 من الضفة الغربية، (3 قتلن في عمليات إعدام ميداني، و2 خلال اقتحام الأحياء الفلسطينية)، وهن: "غادة إبراهيم سباتين" (45 عامًا) وقتلت بعد تعرضها لإطلاق نار مباشر من قوات الجيش الإسرائيلي بقرية حوسان غربي بيت لحم، بتاريخ 10 أبريل/ نيسان، بدعوى اقترابها من الجنود رغم أنها مصابة بمرض ازدواجية الرؤية. وفي اليوم نفسه، قتلت القوات الإسرائيلية "مها كاظم الزعتري" (25 عامًا) في الخليل، بدعوى تنفيذها عملية طعن. وفي 18 أبريل/ نيسان، توفيت "حنان خضور" (19 عامًا) متأثرة بإصابته برصاص الجيش الإسرائيلي قبل 10 أيام في جنين، وقتلت الصحافية "شيرين أبو عاقلة" (51 عامًا) بعد تعرضها لإطلاق نار مباشر من القوات الإسرائيلية خلال عملها في مخيم جنين، في 11 مايو/ أيار، والصحافية "غفران هارون وراسنة" (30 عامًا) وقتلت برصاص القوات الإسرائيلية في إعدام ميداني في 1 يونيو/ حزيران.
أما في قطاع غزة، فقد قتلت 3 نساء خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، في أغسطس/ آب، أولاهن "دنيانا عطية العمور" (22 عامًا) التي قتلت جراء قصف مدفعي استهدف منزلها شرق خانيونس في مستهل الهجوم الإسرائيلي في 5 أغسطس/آب، وقتلت كل من "هناء إسماعيل الخالدي" (30 عامًا) و"آلاء الملاحي" (30 عامًا) داخل منزليهما خلال عملية القصف الإسرائيلي التي استهدفت القيادي في سرايا القدس "خالد منصور" في رفح في 6 أغسطس/آب.
في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "علي"، شقيق غادة إبراهيم سباتين (45 عامًا) التي أعدمها الجيش الإسرائيلي بقرية حوسان غربي بيت لحم: "في 10 أبريل/ نيسان 2022، وبينما كانت شقيقتي تسير في أحد الشوارع بمنطقة الشرفة بحوسان، صادفت نقطة تفتيش للجيش الإسرائيلي واقتربت منها دون أن تنتبه لوجودها، فهي مصابة بمرض ازدواجية الرؤية الذي يمنعها من رؤية الأجسام بصورتها الطبيعية. وفي غضون ذلك، صرخ الجنود عليها لكنّها لم تكن تدري ماذا يحدث، وبعد ثوان قليلة أطلق عليها أحد الجنود النار من مسافة صفر، فأصابها في فخذها.
وأضاف "وصلتُ بسرعة إلى المكان مع مجموعة من الأشخاص ولكنّ الجنود رفعوا علينا الأسلحة ولم يسمحوا لنا بنقلها لتلقي المساعدة الطبية ومنعونا من الاقتراب منها، وتركوها تنزف وهي ملقاة على الأرض، حيث أصابت الرصاصة شريانًا رئيسًا في منطقة الفخذ ما أحدث نزيفا حادًا. شاهدت أحد الجنود يربط ما بدا أنه حبل حول مكان الإصابة ولكن التدخل كان متأخرًا وبدائيًا ولم يساعد في شيء. بعد مرور حوالي 15 دقيقة، سمحوا لنا بالاقتراب، فنقلتها فورًا إلى مستشفى بيت جالا الحكومي (الحسين) ببيت لحم، وهناك أعلن الأطباء وفاتها. لم تُمثّل شقيقتي أي خطر على الجنود ولم تكن تحمل أي أداة حادة. لقد أُعدمت بدم بارد".
وتابع "كانت شقيقتي أرملة تربي 6 أيتام، والآن لم يتبق لهم أحد بعد مقتل والدتهم. لقد كانت خسارة كبيرة للجميع. زعم الجيش أنّه فتح تحقيق ولكن لم تتواصل معنا أي جهة رسمية، ولم يُعاقب أي من الجناة حتى الآن".
*عقب حادثة إعدام "غادة سباتين"، أقر الجيش الإسرائيلي في تصريح رسمي أنّها لم تكن تحمل أي سلاح، وقال إنّ الحادثة قيد التحقيق.
قتل الصحافيين
تكررت حوادث قتل الصحافيين في الأراضي الفلسطينية خلال العقدين الماضيين بشكل مثير للقلق، فقد قتل الجيش الإسرائيلي 40 صحفيًّا منذ عام 2000 في هجمات في الضفة الغربية وقطاع غزة.[11]
وخلال عام 2022، قتلت قوات الجيش الإسرائيلي صحافيتين فلسطينيتين، هما؛ "شيرين أبو عاقلة" مراسلة قناة الجزيرة، و"غفران وراسنة" المذيعة في قناة "دريم" المحلية.
وقُتلت الصحافية الفلسطينية البارزة "شيرين أبو عاقلة" -تحمل الجنسية الأميركية، وتعمل مراسلة لقناة الجزيرة في الضفة الغربية- خلال تغطيتها اقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم جنين. وحاولت إسرائيل التهرب من مسؤوليتها عن مقتل الصحفية أبو عاقلة، وقدمت عدة روايات لمحاولة التغطية على ما حدث، غير أن سلسلة تحقيقات أجرتها جهات فلسطينية ودولية أكدت أنها قُتلت برصاص قناص إسرائيلي.
وفق الإفادات التي جمعها المرصد الأورومتوسطي في حينه، وصلت في حوالي الساعة 6:30 صباح يوم الأربعاء 11 مايو/أيار 2022، مركبة تقل مجموعة من الصحافيين إلى الدوار الأول في مخيم جنين لتغطية اقتحام الجيش الإسرائيلي للمخيم، حيث كانت قوات الجيش تنتشر في المكان، واعتلى قناصة الجيش أسطح عدد من المنازل في المخيم. وترجلت الصحافية "أبو عاقلة" من المركبة مرتدية ملابس الحماية الخاصة بالصحافة، وسارت عدة خطوات ليطلق أحد "القناصة الإسرائيليين النار عليها ويصيبها بعيار ناري أسفل الأذن، تحديدًا في المنطقة الوحيدة التي لا تغطيها الخوذة." حسب إفادة شاهد عيان.
وتشير طبيعة إصابة "أبو عاقلة" إلى أنّ الجيش الإسرائيلي أصابها في منطقة قاتلة على نحو يبدو متعمدًا، إذ استمر جنود الجيش بإطلاق النار على كل من يحاول الاقتراب منها ما أعاق عملية إسعافها عدة دقائق.
وأصيب في الحادثة نفسها الصحافي "علي سمودي" بعيار ناري في ظهره، ونُقل إلى المستشفى في حالة متوسطة، حيث قال في فيديو مصّور من المستشفى أثناء تلقيه العلاج: "أثناء تغطيتنا لعملية الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، أطلق علينا الجنود النار فجأة دون أي تحذير، فأُصيبت "شيرين" برصاصة في رأسها وأُصبت أنا برصاصة في ظهري. لم يكن أي مسلّح فلسطيني في المنطقة وقت إطلاق الجيش الإسرائيلي النار علينا".
وتابع المرصد الأورومتوسطي إفادة للصحافي "مجاهد السعدي"، والذي كان متواجدًا في مكان الحادثة، حيث قال: "تجمعت مع زملائي الصحافيين على مسافة قريبة من تواجد قوات الجيش الإسرائيلي، وكنا نرتدي ملابس مميزة لعملنا الصحافي. تقدمت برفقة إحدى الزميلات قليلًا بحيث انكشفنا لمنطقة تجمع الجيش الإسرائيلي. انتظرنا وصول الزميلين "شيرين أبو عاقلة" و"علي سمودي" إلى مكاننا، ولدى وصولنا إلى قبالة أحد المصانع حدث إطلاق نار فاحتميت بسور. استمر إطلاق النار وانتبهت أنّ "شيرين" أُصيبت أسفل الأذن، وكل من حاول الوصول إليها تعرض لإطلاق نار. أنا كنت خلف السور وهي أسفله، وزميلنا "علي" أصيب وتمكن من الهرب سريعًا من مرمى القناص الإسرائيلي.
من جهتها، أكدت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان أنها أجرت رصدًا مستقلًا للحادثة، مبينة أنّ جميع المعلومات التي جمعتها، بما في ذلك المعلومات الرسمية من الجيش الإسرائيلي والمدعي العام الفلسطيني، تتفق مع النتيجة التي تشير إلى أن الرصاصات التي أردت "أبو عاقلة" وأصابت زميلها "علي سمودي" أطلقتها قوات الأمن الإسرائيلية، لا مسلحين فلسطينيين يطلقون النار عشوائيًا، بحسب ما ادعت السلطات الإسرائيلية في البداية.
وقد أشارت النتائج التي توصّلت إليها المفوضية أنّه بُعَيْد الساعة السادسة صباحًا في 11 أيار/ مايو 2022، وصل سبعة صحافيين، من بينهم "شيرين أبو عاقلة"، إلى المدخل الغربي لمخيم اللاجئين في جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، من أجل تغطية عملية اعتقال تنفّذها قوات الأمن الإسرائيلية والاشتباكات التي تلتها. وأكّد الصحافيون أنّهم اختاروا شارعًا جانبيًا بهدف تجنب المسلحين الفلسطينيين المتواجدين داخل المخيم وأنهم ساروا ببطء شديد كي تراهم القوات الإسرائيلية المنتشرة في الشارع فتدرك وجودهم. وأشارت النتائج التي توصلت إليها المفوضية إلى أنه لم يتم إصدار أي تحذير ولم يكن هناك من إطلاق نار في ذلك الوقت في ذلك المكان بالذات.
وبحسب تقرير المفوضية: "في حوالي الساعة السادسة والنصف، عندما انعطف أربعة من الصحافيين إلى الشارع المؤدي إلى المخيم، مرتدين خوذات وسترات واقية من الرصاص مكتوب عليها شارة الصحافة "PRESS"، أُطلِقَت نحوهم من اتجاه قوات الأمن الإسرائيلية عدة رصاصات يبدو وكأنّها محدّدة التصويب. فأصابت رصاصة واحدة علي سمودي في كتفه، فيما أصابت رصاصة واحدة أخرى أبو عاقلة في رأسها وقتلتها على الفور. ثم أُطلِقَت عدة رصاصات أخرى عندما حاول رجل أعزل الاقتراب من الجثّة ومن صحفي آخر غير مصاب يحتمي خلف شجرة. وقد استمر إطلاق النار، لكنّ هذا الشخص تمكّن في نهاية المطاف من نقل جثة أبو عاقلة بعيدًا عن مرمى النيران".
أما الصحافية "وراسنة"، فقتلت في 1 يونيو/ حزيران 2022، بعد إطلاق جنود الجيش الإسرائيلي النار تجاهها عند مدخل مخيم العروب شمالي الخليل، وإصابتها بالرصاص الحي في الجزء العلوي من الجسم، ونُقلت إلى المستشفى الأهلي في مدينة الخليل، وأعلن لاحقًا وفاتها.
أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني حينها أن الجيش الإسرائيلي أعاق وصول طواقمه إلى المكان لنحو نصف ساعة، قبل أن يتمكنوا من نقلها إلى أحد مستشفيات الخليل.
وفي بيان تعقيبًا على الحادثة، زعم الجيش الإسرائيلي أنّ "وراسنة" تقدمت نحو عدد من جنوده عند مدخل المخيم وهي تحمل سكينا فأطلقوا النار مباشرة عليها.
اعتداءات المستوطنين
وثق المرصد الأورومتوسطي مقتل 6 فلسطينيين، أحدهم طفل، في اعتداءات وهجمات نفذها مستوطنون في الضفة الغربية. ووفق المراجعة لتفاصيل مقتلهم، تبيّن لفريق الأورومتوسطي أنّ ثلاثة منهم وهم؛ "مصطفى فلنة" (قُتل في 6 يناير/ كانون ثان 2022) والشقيقين "محمد" و"مهند مطير" (17 ديسمبر/ كانون أول 2022) قُتلوا في حوادث دعس نفذها مستوطنون، تشير التقديرات أنّها متعمدة، ولم تجرِ السلطات الإسرائيلية أي إجراءات محاسبة كما يحدث عادة في حوادث دعس ينفذها فلسطينيون ضد إسرائيليين. وقتل الطفل "أمجد أبو عليا" (16 عامًا) بعد إصابته بإطلاق نار من مستوطن بحضور جنود إسرائيليين خلال قمع تظاهرة مناهضة للاستيطان في قرية المغير في رام الله في 29 يوليو/ تموز 2022. كما قتل الشاب "علي حرب" بعد تعرضه للطعن من مستوطن في قرية "اسكاكا" في سلفيت في 21 يونيو/ حزيران 2022، إلى جانب مقتل المواطن "نضال جعافرة" برصاص مستوطن بدعوى تنفيذه عملية طعن في بيت لحم في 31 مارس/ آذار 2022.
وفي معلومات جمعها فريق الأورومتوسطي حول مقتل الشقيقين محمد (37 عامًا) ومهند (19 عامًا) يوسف مطير، بعد أن دعسهما مستوطن بصورة تبدو متعمدة، بالقرب من حاجز زعترة العسكري جنوب نابلس، فقد وقع الاعتداء عندما كان الشقيقان يقفان على جانب الطريق لإصلاح إطار مركبة كانت تقلهما برفقة أفراد من عائلتهما، حيث صدمهما مستوطن بمركبته متعمدًا ولاذ بالفرار من المكان، ما أدى إلى مقتل "محمد" على الفور، في حين أصيب شقيقه "مهند" بحالة حرجة ونقل للمستشفى، وأُعلِن لاحقا عن وفاته متأثرا بإصابته.
وفي إفادته حول الحادثة، يروي "أحمد يوسف مطير"، شقيق القتيلين:
"في حدود الساعة الخامسة والنصف مساءً، بينما كنا عائدين من نابلس تعطّل عجل السيارة التي نستقلها، ولم يعد باستطاعتنا الاستمرار بالسير قدمًا، فتوقفنا على جانب الطريق وهو واسع جدًا وكنا ظاهرين بوضوح للجميع، وحتى لو مرت من أمامنا شاحنات ضخمة فإنها تستطيع أن تمر دون مشاكل".
وأضاف "عندما أصلحنا الإطار وضعنا علامة على حاشية الطريق لتدلل أننا نصلح العطل في السيارة، إضافة إلى إشعال الإنارة، تفاجأنا بمركبة يقودها مستوطن وهو قادم بسيارته باتجاه نابلس ولم نعر الموضوع اي اهتمام، وفجأة شاهدنا المركبة نفسها تعود إلينا بسرعة كبيرة ولم نسمع إلا صوت انفجار قوي (الارتطام) وبعدها غادرت مركبة المستوطن بسرعة. نظرنا إلى مركبتنا فلم نجدها، صرخنا بأعلى الصوت محمد، مهند، عدة مرات فلم يجب أحد ... نظرنا إلى الشارع وإذ بجسديهما مقطعين والسيارة محطمة، فسقطنا على الأرض من هول الصدمة." ويؤكد: "ما جرى معنا هو عملية دهس وقتل متعمد ومع سبق الإصرار والترصد".
النتائج
بناءً على التوثيق الميداني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، واستنادًا إلى البيانات التي جمعها من خلال المقابلات التي أجراها فريقه، والمعلومات التي حصل عليها من جهات رسمية فيما يتعلق بحوادث قتل الفلسطينيين على يد قوات الجيش الإسرائيلي ومستوطنين إسرائيليين خلال عام 2022، خلص التقرير إلى جملة من النتائج أبرزها:
- ارتفاع أعداد القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة تساهل تعليمات إطلاق النار التي تمنح قوات الجيش الإسرائيلي الحماية والحصانة عند استخدام القوة المفرطة والمفضية إلى الموت رغم عدم وجود خطر. فتفويض المستوى السياسي الرسمي الإسرائيلي للجيش والأمن للعمل بـ"حرية كاملة" تحت ذريعة "دحر الإرهاب" مهّد على ما يبدو لإطلاق يد القوات الإسرائيلية على نحو غير مبرر لقتل المدنيين الفلسطينيين والتنكيل بهم على الحواجز العسكرية وفي مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية، والقدس الشرقية.
- تنطوي ممارسات القوات الإسرائيلية خلال اقتحاماتها للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وكذلك خلال عملياتها الحربية في قطاع غزة على انتهاكات خطيرة لأحكام القانون الدولي الانساني- التعاقدي والعرفي- إذ أنها مخالفة لأحكام لائحة لاهاي لعام 1947 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية. ويدلل ارتفاع عدد القتلى والإصابات الناجمة على استخدام قوات الجيش الإسرائيلي الذخيرة الحية على عدم امتثال تلك القوات للقانون الدولي.
- عودة إسرائيل لتنفيذ عمليات القتل المستهدف في الضفة الغربية ساهم في تصاعد وتيرة المواجهات مع الفلسطينيين.
- شهدت جنين يليها نابلس أوسع عمليات قتل في الضفة الغربية خلال عام 2022، مع استمرار حملة إسرائيلية على المحافظتين اللتين شهدتا تشكيل مجموعات فلسطينية مسلحة أبرزها "كتيبة جنين" و"مجموعة عرين الأسود". بحسب البيانات التي جمعها الأورومتوسطي، فإن عددًا من حالات القتل لم تقتصر على المس بالعناصر المسلحة.
- وسعت قوات الجيش الإسرائيلي سياسة الإعدام الميداني على الحواجز وقرب نقاط التفتيش، وفي أغلب هذه الحالات لم يكن هناك مبرر حقيقي أو ضرورة تستدعي عمليات القتل، وكان بالإمكان –في العديد من الحالات— السيطرة على الأشخاص دون قتلهم.
- استهداف الأطفال والنساء وإطلاق النار عليهم وقتلتهم شكل جزءًا من الممارسة الإسرائيلية، ولم تعمل القوات الإسرائيلية على توفير حد أدنى من الحماية لمجمل المدنيين الفلسطينيين.
- تغض إسرائيل الطرف عن الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون، وبعض حالات القتل والاعتداء نفذها مستوطنون بحماية القوات الإسرائيلية.
- لا يوجد أي نظام إسرائيلي فعّال للمحاسبة ضد جرائم القتل التي يقترفها الجنود الإسرائيليون، وفي الحالات المحدودة التي يفتح فيها تحقيق ينتهي الأمر غالبًا بإغلاق الملف أو التجاهل.
التمادي الإسرائيلي في استخدام القوة المميتة ضد المدنيين، يأتي نتيجة حتمية لغياب المساءلة الداخلية في إسرائيل من جهة، ونتيجة لسياسة المجتمع الدولي من جهة أخرى، والذي يسمح لإسرائيل في كل مرة بالإفلات من العقاب.
التوصيات
بناءً على المعطيات السابقة، يدعو المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان
السلطات الإسرائيلية:
إلى وقف عمليات القتل المستهدف غير القانونية وعمليات الإعدام الميداني والاستخدام المفرط للقوة والمفضي إلى الموت فورًا، باعتبارها انتهاكات جسيمة للحق في الحياة، واعتداءً صارخًا على مبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واستحداث آليات جديدة وجدّية ومجدية للتحقيق في حوادث القتل غير المشروع وضمان محاسبة الضباط والجنود المسؤولين عن ارتكابها.
الاتحاد الأوروبي:
إلى مراجعة العمل باتفاقية الشراكة مع الحكومة الإسرائيلية بالنظر إلى انتهاكات السلطات الإسرائيلية لبنودها المتعلقة باحترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، ووقف برامج التعاون إلى حين الوفاء بالتزاماتها والحد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
آليات وهيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة:
إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية، واتخاذ خطوات جادة لضمان التحقيق والمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة والانتهاكات التي قد ترقى لجرائم حرب.
الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة:
إلى الوفاء بالتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية، والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الأحوال، إلى جانب ملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية. والعمل على إنهاء الحصانة التي يتمتع بها مرتكبو الانتهاكات الجسيمة في إسرائيل، سواء في المستوى السياسي أو العسكري.
المحكمة الجنائية الدولية:
إلى الشروع الفعلي في تحقيقاتها وإنهاء حالة التلكؤ الحالية، والتعامل مع الحالة في الأراضي الفلسطينية كما هو الحال في تعاملها مع ملفات مشابهة في مناطق أخرى من العالم.