ملخص تنفيذي

منذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة في يناير/ كانون ثانٍ 2006، وما تبع ذلك من هجمات عسكرية أدّت إلى تفاقم الأزمات على مختلف الأصعدة، وخاصة الاقتصادي، وجد آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة، ولا سيما من فئة الشباب، أنفسهم مضطرين لمغادرة قطاع غزة، والبحث عن أماكن أخرى أكثر أمنًا واستقرارًا لبناء مستقبلهم. ونتيجة خطورة المسارات البحرية التي يسلكها المهاجرون وطالبو اللجوء، فقد عشرات الفلسطينيين من قطاع غزة حياتهم غرقًا أثناء محاولات الهجرة التي تصاعدت على نحو ملحوظ بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وشكّلت نهاية حياتهم بداية لفصول ممتدة من المعاناة بالنسبة لعائلاتهم، التي أضحت أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وقانونية معقّدة.

يرصد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في هذا التقرير العوامل الرئيسة التي تدفع الآلاف إلى مغادرة قطاع غزة وطلب اللجوء في أوروبا، ويركّز بشكل أساسي على التبعات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يواجهها ذوو الضحايا من المهاجرين وطالبي اللجوء. من خلال الإفادات التي جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي، وثّق التقرير المتاعب المتعددة التي يواجهها ذوو الضحايا، بدءًا من غياب المعلومات الرسمية بشأن مصير أبنائهم سواء من سلطات الدول التي غرق أبناؤهم قبالة سواحلها، أو من السلطة الفلسطينية التي يقع ضمن التزاماتها متابعة شؤون رعاياها في الخارج. وتشمل تلك الصعوبات أيضًا معاناة الأهالي من مضاعفات نفسية حادة بسبب عدم اليقين بشأن مصير أبنائهم في حال تعذر العثور على جثثهم، وفي الحالات التي يتم فيها العثور على الجثث، يدخل الأهالي مرحلة جديدة من المعاناة تتمثل في التحقق من جثث أبنائها الغرقى ونقلهم إلى قطاع غزة لدفنهم. علاوة على ذلك، تبرز أمام ذوي الضحايا عقبات أخرى على المستوى الاجتماعي، وجميعها تسهم في تعقيد حياتهم ومضاعفة معاناتهم.

يقدّم التقرير تأطيرًا قانونيًا لهذا الموقف، سواء ما يتعلق بالتزامات إسرائيل بصفتها قوة احتلال، أو الدول التي يقع في نطاق مسؤولياتها إجراء عمليات البحث والإنقاذ، كما يقدم توصيات لمختلف الجهات المعنية من أجل تخفيف معاناة ذوي الضحايا من المهاجرين من قطاع غزة على مختلف المستويات.

منهجية التقرير

ارتكز التقرير بشكل أساسي إلى البحث والتوثيق الميداني والمقابلات الفردية مع ذوي المهاجرين وطالبي اللجوء المفقودين في قطاع غزة. وشمل البحث المدة الممتدة من تاريخ أغسطس/ آب 2014 وحتى مطلع فبراير/ شباط 2023. أجرى فريق البحث الميداني في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في قطاع غزة، عدد 50 مقابلة شخصية مع ذوي الضحايا من المهاجرين وطالبي اللجوء، وعدد من الجهات الرسمية المعنية، وقد تم تحليل المعلومات والبيانات الواردة في هذا التقرير بناء على المعلومات التي أدلوا بها، وقد أُعلموا بغرض إجراء المقابلة وكيفية استخدام المعلومات التي أدلوا بها. وحصل المرصد الأورومتوسطي على موافقة شفهية من جميع الأشخاص الذي خضعوا للمقابلة لنشر الصور والوثائق الخاصة بهذه الحالات واستخدام وتخزين ونشر المقابلات، وقد أجريت جميع المقابلات باللغة العربية.

أولًا: أسباب الهجرة من قطاع غزة

يعيش السكان في قطاع غزة منذ يناير/ كانون ثانٍ 2006 ظروفًا إنسانية صعبة نتيجة الحصار الإسرائيلي على القطاع، والذي أدّى إلى تدهور كبير في جميع القطاعات، ولا سيما الاقتصادية، إذ تعدّت نسبة الفقر 61%، وتجاوزت نسبة البطالة 47%، وشهدت معظم القطاعات الحيوية انهيارًا كبيرًا بسبب القيود والاعتداءات الإسرائيلية سواء على نحو مباشر أو غير مباشر.

وخلال تلك المدة، شنّت إسرائيل هجمات عسكرية مدمّرة على القطاع أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير واسع في المنازل والبنى التحتية، وخلقت المواجهات العسكرية المتكررة بين الجيش الإسرائيلي والمجموعات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة حالة دائمة من عدم الاستقرار الأمني، وتسببت بتوابع نفسية طويلة الأمد لعموم السكان، بما في ذلك الشعور الدائم بالخوف وعدم الاستقرار وفقدان الأمان. وعلى الصعيد الداخلي، شكّل الانقسام السياسي بين حركة فتح التي تسيطر على السلطة في المناطق الفلسطينية بالضفة الغربية، وحركة حماس التي تسيطر على السلطة في قطاع غزة، حاجزًا أمام ترتيب البيت الداخلي، على النحو الذي أبعد فرص الوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي في الأراضي الفلسطينية.

وتبعًا لتلك العوامل، اضطر آلاف الشباب في قطاع غزة إلى المخاطرة بأرواحهم في سبيل البحث عن حياة جديدة تضمن لهم الاستقرار المعيشي، والتمتع بحقوقهم الطبيعية التي حُرموا منها نتيجة الظروف التي وجدوا أنفسهم مضطرين للعيش بها في قطاع غزة. وعلى الرغم من التكلفة الباهظة لرحلة اللجوء والهجرة، والتي تتراوح بين 5 إلى 10 آلاف دولار أمريكي في بعض الأحيان، يختار المهاجرون وطالبو اللجوء خوض المغامرة أملًا في بناء مستقبل أفضل في إحدى الدول الأوروبية، والتحسين من دخلهم ومستواهم المعيشي.

ويعد الوضع الأمني غير المستقر دافعًا رئيسًا لمعظم المهاجرين وطالبي اللجوء من قطاع غزة، وهو الأمر الذي يتضح من خلال ارتفاع نسب الهجرة وطلب اللجوء بشكل كبير عقب كل هجوم عسكري إسرائيلي على القطاع.

أبلغ "أحمد قديح" فريق المرصد الأورومتوسطي حول شقيقه "حمادة" الذي خرج من قطاع غزة بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي "عامود السحاب" عام 2014: "كان أخي حمادة يعمل متدربًا لدى إحدى شركات الاتصالات المحلية، وكان طموحًا جدًا إلى أن اندلع الهجوم العسكري الإسرائيلي عام 2014. كنا نسكن في بلدة خزاعة الحدودية شرقي خانيونس، واضطررنا إلى مغادرة البلدة طيلة 50 يومًا من الهجوم للحفاظ على حياتنا. عدنا إلى بيوتنا بعد انتهاء الهجوم ولكننا وجدنا دمارًا مخيفًا في كل مكان. لم يكن هناك أي شكل من أشكال الحياة في البلدة. وبعد ذلك، قرر أخي الهجرة أملًا في العيش في مكان أكثر أمنًا واستقرارًا".

إلى جانب ذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية المتردية تشكل عاملًا رئيسًا آخر في هجرة الشباب من قطاع غزة. ففي ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق، يرى الشباب في الهجرة ملاذًا وفرصًا غير محدودة مقارنة بالفرص المتوفرة في القطاع المحاصر والمغلق. وفي كثير من المقابلات التي أجراها فريق الأورومتوسطي مع ذوي المفقودين، قالوا إن أبناءهم "ذهبوا" أملًا في تأمين لقمة عيش لهم ولعائلاتهم و"لم يعودوا".

في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "حسين محمد مسمح"، والد الشاب "رامز مسمح" (21 عامًا) والذي فُقد في 16 نوفمبر/ تشرين ثان 2022 قرب سواحل مدينة "بودروم" التركية أثناء محاولته الهجرة: "خرج ابني من قطاع غزة وقصد الهجرة إلى أوروبا بسبب عدم توفر فرص عمل في قطاع غزة. كان لرامز بسطة صغيرة يبيع فيها السجائر ولكن لم تكن مجدية على الإطلاق. منذ خروجه من قطاع غزة وحتى فقدانه، تكلفّت الرحلة 8,000$، وربما كان المبلغ سيتضاعف في حال أكمل الطريق".

وبالمثل، قالت "ميساء مسعود"، زوجة "إسماعيل راضي" (33 عامًا)، الذي اختفى إثر حادثة غرق بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين أول 2022 : "كان زوجي يعمل بائعًا متجولًا، ولكنّ دخله كان بالكاد يكفي لسد احتياجاتنا الأساسية، ولم يكن يغطي جميع متطلبات أسرتنا وأبنائنا الثلاثة". رافق "راضي" في رحلة الهجرة صديقه "محمد الكحلوت" والذي فُقد معه، حيث قال والده "ماهر": "كان ابني يعمل في صيانة الأجهزة الخلوية، إلا أنّ دخله كان ضعيفًا ولا يكفي لتحقيق رغباته بالزواج وفتح بيت جديد".

لا تمثّل الظروف الاقتصادية أو الأمنية الصعبة العامل الوحيد لهجرة الشباب من قطاع غزة، بل يلعب كذلك الوضع السياسي الداخلي دورًا في ذلك، إذ اصطدم السكان وخاصة فئة الشباب، بواقع سياسي معقّد منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وما تبع ذلك من تعمّق للانقسام الفلسطيني، وفشل محاولات المصالحة وجهود توحيد المؤسسات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في رام الله عام  2017، والتي تمثّل أبرزها في خصم جزء من رواتب الموظفين التابعين لها في قطاع غزة بنسبة وصلت إلى 50%، وإحالة عدد منهم للتقاعد المبكر، وخفض إمدادات الكهرباء للقطاع، على نحو فاقم من الأزمة المعيشية لدى السكان.

أبلغ "إبراهيم بكر"، وهو أحد أقرباء نحو (27) شخصًا من عائلة "بكر" فُقدوا بغرق سفينة للمهاجرين في سبتمبر/ أيلول 2014: "كان معظم المفقودين من عائلتي من ميسوري الدخل، ولم يختاروا الهجرة بسبب الفقر، بل بسبب ظروف وتبعات الانقسام الداخلي وغياب الاستقرار، وفقدان الثقة في بناء حياة مستقرة". للأسف لم يبلغوا مرادهم وفُقدوا في منتصف الطريق".

إلى جانب ذلك، وثّق فريق المرصد الأورومتوسطي محاولة أحد جرحى الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة عام 2007- 2008 (الرصاص المصبوب) الهجرة بغرض العلاج، بعدما مُنع من الخروج من قطاع غزة لتلقي العلاج عبر معبر "إيرز" الحدودي مع إسرائيل.

أبلغ "سمير عصفور"، وهو والد الجريح "أحمد عصفور" (21 عامًا)، الذي توفي على الأرجح خلال محاولته الهجرة على متن سفينة سبتمبر/ أيلول 2014: "أُصيب ابني أحمد إصابة بالغة بقصف إسرائيلي خلال الهجوم العسكري عام 2008- 2009، حيث فقد يديه الاثنتين وإحدى عينيه، ولديه إصابات متنوعة في قدميه ومنطقة البنكرياس. بعد انتهاء الهجوم حاولنا علاجه في المستشفيات الإسرائيلية، ولكنّ الجيش اعتقله على معبر "إيرز" وحُكم عليه بعد ذلك بالسجن ثلاث سنوات بحجة وجوده في أماكن محظورة أثناء الهجوم. عندما انقضت تلك السنوات وأُفرج عنه وعاد إلى غزة، أبلغني ابني أنّه يعاني بشدة من إصابته ويحتاج إلى تلقي العلاج وبدأنا بالفعل رحلة العلاج".

وأضاف "في غضون ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي هجومًا عسكريًا جديدًا على القطاع عام 2014، وحينها تملكنا الخوف من عدم القدرة على إكمال العلاج بسبب آثار الهجوم. وفور انتهائه أخذ ابني أحمد قراره بالهجرة وطلب اللجوء في إحدى الدول الأوروبية بغرض العلاج والاستقرار، ولكنّه لم يصل إلى هناك أبدًا".

ثانيًا: الخروج من قطاع غزة

بسبب إجراءات الحصار الإسرائيلي، تعد عملية الخروج من قطاع غزة معقدة وطويلة ومكلفة في كثير من الأحيان.

ووفق المعلومات التي جمعها الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي، تعدّدت الوجهات التي قصدها المهاجرون من قطاع غزة، ففي عامي 2013 و2014 كانت إيطاليا هي الوجهة الرئيسة، إذ يغادر المهاجرون القطاع نحو الشواطئ الشمالية لجمهورية مصر العربية، ويبحرون منها إلى إيطاليا. وامتاز هذا الطريق حينها بانخفاض التكاليف. ولكن بعد حادثة سفينة سبتمبر/ أيلول 2014 الهجرة، والتي توفي فيها على الأرجح عدد كبير من المهاجرين من قطاع غزة أثناء رحلتهم عبر هذا الطريق ، وما تبع ذلك من تشديد السلطات المصرية إجراءاتها لإحباط محاولات الهجرة غير القانونية، حوّل المهاجرون من قطاع غزة طريقهم من الإبحار المباشر من مصر نحو إيطاليا، إلى السفر جوًا من مصر إلى تركيا ومنها إلى الدول الأوروبية سواء من خلال اليونان أو المجر.

وفي سبيل الخروج من قطاع غزة دون انتظار قد يطول لأشهر، أو رفض من السلطات المصرية التي تتحكم بمعبر رفح جنوبي القطاع، يلجأ المغادرون إلى ما يُسمى "التنسيق"، وهو مبلغ مالي يتراوح عادة بين 500 و3,000 دولار، يدفعه المغادر للجانب المصري من خلال شركات وسيطة في غزة لعبور الأراضي المصرية، وقد لا يكون "التنسيق" لعبور الأراضي المصرية، وقد لا يكون الأمر مجديًا في بعض الحالات لأسباب غير مُعلنة.

في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت "بديعة الفرا" والدة الضحية "نصر الله الفرا" (46 عامًا)، والذي توفي قبالة سواحل اليونان خلال محاولته الهجرة في 2 نوفمبر/ تشرين ثان 2021: "حاول نجلي نصر الله السفر من خلال معبر رفح ثلاث مرات ولكن الجانب المصري كان في كل مرة يرفض عبوره رغم دفعه مبلغ "التنسيق". نجح في النهاية بالوصول إلى الأردن عبر معبر "إيرز"، وعندما وصل هناك أبلغوه أن لديه 24 ساعة للخروج من البلاد وإلا سيتم ترحيله، ولذلك قرر السفر لتركيا سريعًا".

وعلى صعيد آخر، يقصد بعض المهاجرين من قطاع غزة الأراضي الليبية للانطلاق منها بحرًا نحو أوروبا، ويتسم هذا الطريق بنسبة مخاطرة كبيرة، إذ فقد سبعة مهاجرين من قطاع غزة أرواحهم بتاريخ 24 أكتوبر/ تشرين أول 2022 بغرق قاربهم قبالة السواحل التونسية وهم؛ "محمد الشاعر"، و"مقبل عاشور مقبل"، و"أحمد فارس"، و"أدم شعث"، و"سامر الشاعر"، و"يونس الشاعر"، وع"اهد أبو زريق"، بينما ما يزال مصير كل من "محمود بكر" و"ماهر الشاعر" و"محمد أبو العطايا" مجهولاً حتى الآن، إلى جانب نجاة شخصين وهما "أسعد بكر" و"محمد اللوح"، واللذان كان من المقرر أن يصعدا إلى القارب ولكنّهما قررا العودة وعدم المخاطرة.

أبلغ "أسعد بكر"، الذي قُدّر له النجاة من الحادثة، فريق المرصد الأورومتوسطي بعد عودته لقطاع غزة: "الطريق كان صعبًا جدًا ومليئًا بالعقبات وليس كما روّج لنا المهرب. لقد غرّر بنا وتعرضنا للاختطاف في ليبيا، واضطرت عائلاتنا لدفع مبلغ 1000 دولار كفدية عن كل شخص منا لإطلاق سراحنا، والمفاوضات كانت تجري من خلال نفس المهرب الذي غرّر بنا. أُبلغنا في البداية أنّنا سنهاجر عبر يخت سياحي وفي ظروف مريحة، لكنّني تفاجأت بقارب صغير تعطّل بنا بعد الإبحار بساعات معدودة. مكثنا في المياه 12 ساعة بعد تعطل القارب، حتى جاءت دورية من خفر السواحل الليبي واقتادتنا إلى الشاطئ، ومنه إلى سجن "السكة" في طرابلس، وأُفرج عنا بعد 13 يومًا".

وأضاف: "قررنا المحاولة مرة أخرى، وفي هذه المرة تم فصلنا إلى أكثر من مجموعة، حيث ذهب رفقائي في اليوم الأول، وعندما عاد المهرّب في اليوم التالي ليأخذنا سألته عنهم فأبلغني أنّهم وصلوا إيطاليا. تملكني الخوف هنا وساورني القلق حول مصيرهم لأنّ المدة لم تكن كافية أبدًا ليصلوا إيطاليا، ولذلك قررت الهرب وتراجعت عن ركوب البحر".

ثالثًا: التحديات التي يواجهها أهالي المفقودين

منذ لحظة انقطاع تواصل عائلات المهاجرين من قطاع غزة مع ذويهم، يدخل الأهالي في دوامة من الشك وعدم اليقين بشأن مصير أبنائهم. وفي معظم الأحيان، لا تتلقى عائلات الغرقى معلومات رسمية بشأن مصير أبنائهم، سواء من سلطات الدول التي غرق أبناؤهم قبالة سواحلها، أو من السلطة الفلسطينية التي يقع ضمن التزاماتها متابعة شؤون رعاياها في الخارج. ولا تتوقف تلك المعاناة على الجانب النفسي فقط، فكثير من الضحايا لا يتم العثور على جثثهم، وفي الحالات التي يتم فيها العثور على الجثث، يدخل الأهالي مرحلة جديدة من المعاناة تتمثل في التحقق من جثث أبنائها الغرقى ونقلهم إلى قطاع غزة لدفنهم. علاوة على ذلك، تبرز أمام ذوي الغرقى عقبات أخرى على المستوى الاجتماعي، وجميعها تسهم في تعقيد حياتهم ومضاعفة معاناتهم.

شبهات تقصير رسمي

وفق الشهادات التي جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي من ذوي الضحايا، فإنّ السفارات والقنصليات والممثليات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية في الدول التي شهدت غرق مهاجرين فلسطينيين قبالة سواحلها لم تلعب دورًا فاعلًا في التواصل مع ذوي الغرقى أو تسهيل عملية التعرّف على جثثهم أو تسليمها لعائلات الضحايا سوى بعد إثارة القضايا على نحو عام. وفي بعض الحالات، قدّم مسؤولون دبلوماسيون فلسطينيون معلومات غير دقيقة لأهالي الغرقى بحسب الإفادات، على نحو فاقم من معاناتهم النفسية خلال رحلة البحث عن مصير أبنائهم.

في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "إياد أبو عطايا"، والد "محمد أبو عطايا" (25 عامًا) الذي فُقد بعد غرق مركب للمهاجرين انطلق من ليبيا وغرق قبالة سواحل "جرجيس" التونسية في 3 أكتوبر/ تشرين أول 2022: "تواصلنا مع السفارة الفلسطينية في ليبيا منذ لحظة فقدنا لابننا محمد ورفقائه، تواصلنا هاتفيًا مع السفير، ووكّلنا أشخاصًا بالذهاب إلى مقر السفارة لمتابعة الأمر، وكان السفير يبلغنا أنّ أبناءنا على قيد الحياة وهم محتجزون لدى السلطات الليبية، وادّعى أنّه اطمأنّ عليهم وتواصل معهم بنفسه، ولكن للأسف لم يكن صادقًا في ذلك، لأنّ السلطات التونسية عثرت على جثث 7 منهم بعد أيام، ولم تكن جثة ابني ضمن الجثث. عاودت الاتصال عليه من أجل المساعدة في كشف مصير ابني ولكنّه لم يرد سوى بعد عدة محاولات، وفي هذه المرة أنكر أنّه تواصل مع الغرقى وقال أنّ الليبيين هم من أبلغوه أنّهم كانوا محتجزين لديهم".

في إفادة أخرى حول نفس الحادثة، قال "محمد شعث"، والد "آدم شعث" (21 عامًا)، والذي فُقد بتاريخ 24 أكتوبر/ تشرين ثان 2022 وكان برفقة الغريق "أبو عطايا" وآخرين على نفس القارب: "تواصلت مع السفير بشكل شخصي وأخبرني أنّ الشباب بخير وأنّه يمتلك تسجيلات صوتية تدل على أنّهم بصحة جيدة وموجودون في ليبيا، ولكنّ تبيّن عدم صحة كلامه بعد العثور على جثة ابني وستة من رفقائه قبالة السواحل التونسية. بعدها اتصلت عليه فتنصّل مما قاله لي سابقًا، وزعم أنّه لم يبلغني بشيء ولم يتواصل مع المفقودين أو يسمع صوتهم، وأن الليبيين هم من أبلغوه بجميع التفاصيل. أُصبت بالدهشة حينها، وما زلت حتى الآن أعجز عن تفسير ما جرى".

تعقيدات إعادة جثث الغرقى إلى قطاع غزة

نتيجة لضعف جهود التنسيق فيما يتعلق بالتواصل مع ذوي الضحايا وإعادة الجثث إليهم، يضطر بعض أهالي المهاجرين وطالبي اللجوء الغرقى إلى السفر بأنفسهم إلى الدول التي غرق أبناؤهم قبالة سواحلها، لترتيب إجراءات إعادة الجثث إلى قطاع غزة ودفنها هناك. ويسعى الأهالي عادة إلى استعادة جثث أبنائهم لاعتبارات اجتماعية، يتمثل أبرزها في دفن الفقيد في وطنه والقدرة على زيارة قبره في أي وقت.

تُرتب عملية إعادة جثث المهاجرين الغرقى إلى قطاع غزة أعباء نفسية ومالية كبيرة على الأهالي، تبدأ من الاضطرار إلى دفع مبلغ "التنسيق" للسفر عبر معبر رفح دون انتظار أو منع، إلى جانب المبالغ الكبيرة التي ينفقونها على تذاكر السفر والتأشيرات وتكاليف الإقامة.

وفي معظم الأحيان، لا يتمكن ذوو الغرقى من إعادة جثث أبنائهم إلى قطاع غزة سوى في حال انتشار خبر حادثة غرقهم على مستوى واسع، وتلقي قضيتهم تفاعلًا إعلاميًّا وشعبيًّا كبيرين.

أبلغ السيد "محمد شعث" فريق المرصد الأورومتوسطي: "كنت في مصر عندما علمت بغرق ابني واستخراج جثته من البحر قبالة تونس، فسارعت إلى الجهات المعنية للحصول على تأشيرة للسفر إلى تونس لاستعادة جثمان ابني وجثامين رفاقه الستة. تقدمت بطلب التأشيرة لكني أُبلغت أنّها ستحتاج إلى وقت طويل وربما لا أحصل عليها. لحسن الحظ أمتلك جواز سفر مصري، فتقدمت بطلب التأشيرة من خلاله وبالفعل حصلت عليها وسافرت إلى تونس، ولكنّ أهالي باقي المتوفين لم يستطيعوا الحصول على التأشيرة وحُرموا على أثر ذلك من الخروج من قطاع غزة. اقترحت عليهم أن أتوكّل أيضًا باستعادة جثامين أبنائهم وهو ما حصل".

وأضاف "بدأت بالعمل على استعادة الجثث السبعة وساعدتني السفارة الفلسطينية في تونس في إنجاز المعاملات وترتيب جميع الأوراق حتى شحن الجثث جوًا إلى مصر ونقلها برًا إلى قطاع غزة. تكفّلت السفارة الفلسطينية بتكاليف شحن الجثث، ولكنني أنفقت مع عائلات الضحايا -بخلاف ما تكفلت به السفارة- حوالي 40 ألف دينار تونسي (نحو 13 ألف دولار أمريكي) لقاء إنجاز المعاملات وتذاكر السفر والتأشيرة وتكاليف الإقامة.

أظهرت الشهادات التي وثّقها فريق المرصد الأورومتوسطي أنّ الجهات المختصة نادرًا ما بادرت إلى التواصل مع أهالي المفقودين لإعادة جثث أبنائهم.

قال "حافظ شراب" وهو والد الشاب "خالد شراب" (27 عامًا) الذي توفي في 12 أكتوبر/ تشرين أول 2022 بعد غرقه قرب جزيرة "كوس" اليونانية: "منذ سماعي لخبر غرق ابني خالد، ذهبت للمسؤولين في الحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة وطلبت منهم إعادة جثمان ابني لكي أدفنه في غزة، ولكنّهم أبلغوني أنّهم لا يستطيعون ذلك لأنّ الحكومتين التركية واليونانية لا تعترفان بهم كجهة رسمية ولا تجري أي اتصالات معهم. وحينها ناشدت – مع عائلة مهاجر آخر غرق في نفس الحادث- الحكومة ووزارة الخارجية في رام الله، وبدأنا بالضغط من خلال الصحافة والإعلام الاجتماعي حتى استجابوا لنا وتكفلوا بإرسال الجثمانين إلى غزة".

وأضاف "دفنت ابني يوم ميلادي بتاريخ 1 نوفمبر/ تشرين أول 2022. لقد كان هذا أقسى شيء أشعر به في حياتي".

رافق "خالد شراب" في رحلة الهجرة كل من "مصطفى السماري" (31 عامًا) الذي فقد حياته غرقًا معه، و"صخر الأسطل" (25 عامًا) الذي لم يتضح مصيره حتى الآن، وهؤلاء الثلاثة لم يهاجروا بالطريقة الاعتيادية من خلال المهربين والقوارب، بل ابتاعوا بعض المعدات وحاولوا الوصول إلى اليونان انطلاقًا من تركيا من خلال السباحة، لكنّهم غرقوا.

وفي بعض الحالات التي لم تلق تفاعلًا شعبيًا أو إعلاميًا، لم يستطع ذوو المهاجرين المتوفين إعادة جثث أبنائهم إلى قطاع غزة، ودُفنوا في الخارج. في هذا السياق، أبلغت السيدة "بديعة الفرا" والدة الضحية "نصر الله الفرا": "أدركنا أن عملية إعادة جثمان ابني ستكلّفنا نحو 25 ألف دولار، ولو كنا نمتلك هذا المبلغ لما هاجر ابني من الأساس. كنت أتمنى أن أودّعه وأزور قبره لكنّني لم أتمكن من ذلك، ودُفن في تركيا.

وأضافت "عندما غرق ابني اتصل بنا رئيس الوزراء د. محمد اشتية للتعزية، ولكنّني مع الحزن والتشتت لم أطلب منه أن تتكفل الحكومة بإعادة جثمان ابني، وهو لم يعرض علينا ذلك أيضًا".

معيقات أمام عمليات التشريح والتعرف على جثث الغرقى

تخضع عمليات تشريح جثث الغرقى بعد إعادتهم إلى قطاع غزة لعدة اعتبارات أهمها فنيّة، سواء على مستوى الأجهزة أو الكوادر المختصة، إلى جانب بعض الاعتبارات المجتمعية التي تتمثل في رفض بعض الأهالي تشريح جثث أبنائهم.

أبلغ الدكتور "أحمد كامل ظهير"، مدير دائرة الطب الشرعي المكلف في وزارة الصحة بغزة، فريق المرصد الأورومتوسطي: "الأصل أن تتم عملية التشريح في مكان الوفاة، وهذا البروتوكول الدولي المتعارف عليه، لأنّ الحالة الطبية القضائية تصبح غامضة مع مرور الوقت. لكن العيّنات الحيوية في قطاع غزة قاصرة بسبب عدم وجود أجهزة لفحص تلك العينات ومعرفة المركبات الكيميائية داخل الدم، حيث تمنع السلطات الإسرائيلية إدخال تلك الأجهزة، ولا تعطي الأجهزة الموجودة لدينا نتائج دقيقة للعينات. وعلى مستوى الكوادر المختصة، فلا يوجد في الدائرة الطبية القضائية سوى أربعة أطباء وهم متخصصون في الأنسجة المرضية فقط".

وحول فحص جثث الغرقى، أوضح: "لا يمكن إجراء عملية تشريح إلا بناء على أمر من النيابة العامة. كان لدى الحكومة في غزة توجه لفحص جثث الغرقى بمجرد وصولها ولكننا نصطدم برفض الأهالي لاعتبارات مجتمعية، كما حدث مع غرقى قارب "جرجيس" في 24 أكتوبر/ تشرين أول 2022، حيث التزمنا بالتقارير الصادرة عن الجهات التونسية دون أن نجري حتى فحوصًا أولية".

أما بالنسبة لفحوصات الحمض النووي (DNA) فأكّد "ظهير" عدم توفر الإمكانيات لإجرائها في قطاع غزة، وعادة ما يتم إجراؤها في جمهورية مصر العربية.

أما فيما يتعلق بعينات الحمض النووي لغرقى مركب "جرجيس" السبعة، قال "ظهير" إنه من بين الجثث التي عثرت عليها السلطات التونسية، هنالك جثة واحدة تعود لواحد من الشقيقين من عائلة "الشاعر" اللذين كانا على المركب. ونتيجة صعوبة التعرف على هويته ظاهريًا بسبب التغيرات الرميّة التي ظهرت على الجثث المكتشفة، وضعف عينات الحمض النووي التي أُرسلت من قطاع غزة، تمّ تخيير العائلة حول ما إذا ما كانت الجثة تعود لـ "محمد طلال الشاعر" أم "ماهر طلال الشاعر"، فاختاروا أن تكون الجثة لمحمد، وأن يبقى ماهر في عداد المفقودين".

البحث عن المفقودين

يعيش بعض الأهالي ضمن دائرة مفرغة من الشك بسبب عدم معرفة مصير أبنائهم أو أماكن دفنهم، ويعود ذلك لصعوبة نقل عينات الحمض النووي من قطاع غزة إلى الخارج، وصعوبة التواصل مع الجهات المسؤولة عن عمليات الدفن في الدول التي يُعتقد أنّ ذويهم فقدوا أو توفوا فيها.

في إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "إياد أبو عطايا"، والد "محمد أبو عطايا" (25 عامًا) والذي غرق في حادثة "قارب جرجيس" ولكن مصيره ما يزال مجهولًا حتى الآن: "أرسلنا بجهود ذاتية عيّنة من الحمض النووي إلى تونس لأجل مطابقتها مع الجثث التي عثرت عليها السلطات في البحر، ولكنّهم أخبرونا أنّ العينة فاسدة، إذ لا تحتمل أن تبقى مدة شهرين في الطريق بدون حفظ سليم وبروتوكول صحي كامل".

وأضاف "لجأنا إلى طرق بدائية وتقليدية في البحث عن أبنائنا من خلال الاتصال على ما يُعرف بـ"مقابر الغرباء" في كل من إيطاليا وليبيا. ورغم أنّنا لا نحمل أي صفة رسمية، إلا أنّهم تعاونوا معنا مشكورين من منطلق إنساني، وأرسلوا لنا أكثر من 300 صورة للجثث الموجودة لديهم، لكن بكل أسف لم تكن أيًا من الصور مطابقة لهيئة ابني، ولا أعرف مصيره حتى اليوم".

ابتزاز عائلات المفقودين

يعيش ذوو المفقودين في حوادث غرق قوارب المهاجرين وطالبي اللجوء على أمل معرفة مصير أبنائهم، ورغم إدراك كثير منهم أنّ أبناءهم توفوا على الأرجح في تلك الحوادث، إلا أنّ عدم العثور على جثثهم أو متعلقاتهم الشخصية أو حتى مواقع دفنهم يترك في نفوسهم بصيص أمل للاجتماع بهم من جديد.

ومن هذا المنطلق، يستغل بعض الأشخاص لهفة تلك العائلات، ويتواصلون معهم ويزعمون معرفة مصير الضحايا أو مشاهدتهم أو امتلاك معلومات تدل على مصيرهم، ويطلبون من تلك العائلات مبالغ مالية كبيرة لقاء ذلك. وفي جميع الحالات التي وثقها المرصد الأورومتوسطي، ثبت أنّ هؤلاء الأشخاص ينفذون عمليات ابتزاز منظّمة، ويستغلون حاجة الأهالي للاستيلاء على أموالهم.

تتجلى عمليات الابتزاز المالي لعائلات الضحايا بشكل بارز في ضحايا سفينة 6 سبتمبر/ أيلول 2014، والتي انطلقت من السواحل المصرية باتجاه إيطاليا وكان على متنها نحو 450 مهاجرًا وطالب لجوء، إذ أُغرقت السفينة على ما يبدو بشكل متعمد على يد مهربين –بحسب تحقيق للمرصد الأورومتوسطي - وأدى ذلك إلى وفاة معظم من كانوا على متنها على الأرجح، وكان من بينهم نحو 175 شخصًا من قطاع غزة، ولم ينج من الحادثة سوى 6 من ركاب السفينة.

وبعد أكثر من ثماني سنوات على غرق أبنائهم في حادثة سفينة سبتمبر/ أيلول 2014، ما يزال بعض أهالي الضحايا يرفضون إعلان وفاتهم أو تقبّل الأمر، ويعتقدون بإمكانية وجودهم أحياء بناء على مزاعم غير أكيدة، ويضطرون في إطار ذلك لدفع مبالغ مالية كبيرة لأشخاص مجهولين.

في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت "صبحية الأسطل" وهي والدة "محمد مدحت العبادلة" (24 عامًا) الذي قضى على الأرجح مع زوجته" ريم الجبور" وأبنائهما الثلاثة "بشار" و"مدحت" و"نبيل" في حادثة غرق سفينة سبتمبر/ أيلول 2014: "تعرّضنا بعد الحادثة لمحاولات ابتزاز عديدة من قبل أشخاص مجهولين يدّعون معرفة مصير ابني وعائلته، وبلغ مجموع الأموال التي دفعناها لهم نحو 15 ألف دولار. أعتقد أنّه كان لديهم معلومات أنّ العائلة مقتدرة ماليًا ولذلك حاولوا الحصول على الأموال من خلال نقطة ضعفنا وهي معرفة مصير أبنائنا المفقودين، ولكنّنا أدركنا أنّ جميع تلك الادعاءات كان مجرد عمليات نصب واحتيال".

وعلى نحو مماثل، أبلغ "أسعد الجرف" وهو والد "هشام الجرف" (24 عامًا) من ضحايا سفينة سبتمبر/ أيلول 2014، فريق المرصد الأورومتوسطي: "أتلقى باستمرار اتصالات من جهات تزعم امتلاك معلومات بشأن مصير ابني، وآخر تلك المحاولات كانت عن طريق شخص يُدعى "ح.ن" (يحتفظ الأورومتوسطي باسمه) إذ أخبرني أنّ ابني على قيد الحياة ومحتجز في أحد السجون المصرية، وزعم أنّه سُيسمعني صوته، واتفقت أن أدفع له مبلغ 2,000 دولار مقابل ذلك. وعند الاتصال بالشخص الذي من المفترض أنّه ابني، تفاجأت أنّ صوت ذلك الشخص لا يشبه أبدًا صوت ابني، كما كان يتحدث بلهجة بدوية لا يتحدث بها ابني. وبعد محاولات ذاتية في تتبع هؤلاء الأشخاص، علمت أنّهم موجودون في مصر، وأنّ الهدف الوحيد لادعاءاتهم هو ابتزازنا وأخذ أموالنا".

الآثار الاجتماعية والنفسية

من أبرز المعضلات التي تواجه زوجات المفقودين تحديدًا عدم قدرتهن على تحويل حالاتهن الاجتماعية من "متزوجات" إلى "أرامل"، وبالتالي بقائهن لسنوات دون مستقبل واضح، ودون قدرتهن على المضيّ قدمًا في حياتهن أو الزواج من آخرين. ويتسبب بذلك عدة اعتبارات اجتماعية وعوامل وإجراءات قانونية تدفع بغالبية النساء لعدم الرغبة أو القدرة في اتباع الإجراءات اللازمة لإعلان أزواجهن متوفين، وبالتالي تحويل حالاتهن الاجتماعية إلى "أرامل" والحصول على حقوقهن تبعًا لذلك.

قالت "بديعة الفرّا" والدة "نصر الله الفرا" (46 عامًا) في إفادتها لفريق المرصد الأورومتوسطي: "فور سماع نبأ العثور على جثة ابننا نصر الله على السواحل اليونانية، مرض زوجي مرضًا شديدًا، وتوفي على إثر هذا المرض بعد 20 يومًا فقط من غرق ابننا ووفاته. لقد أثّر فقد ابننا علينا بشكل كبير فقد كان الابن الأكبر والمعيل الوحيد لنا".

وفي كثير من الحالات، وبسبب الاعتبارات المجتمعية، لا يمكن للزوجة حتى إبداء رغبتها في الطلاق أو المضي قدمًا في إجراءات إعلان الوفاة بشكل رسمي، نتيجة لـ "العادات والتقاليد" بحسب بعض زوجات المفقودين اللاتي أجرى المرصد الأورومتوسطي مقابلات معهن.

في إفادتها لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت "صابرين المغني" زوجة "زياد راضي" (46 عامًا)، أحد مفقودي مركب للمهاجرين في 27 مارس/ آذار 2019: "لا مجال أبدًا للحديث عن إعلان طلاقي في المحكمة أو الزواج بشخص آخر، هناك عادات وتقاليد تستنكر هذا الفعل حتى لو كان مباحًا في الشرع والقانون، فنحن بالنهاية محكومون لتقاليد مجتمعنا، عوضًا عن أنني ما زلت أؤمن بأن زوجي ما يزال على قيد الحياة".

إلى جانب ذلك، تحجم العديد من عائلات المهاجرين المفقودين عن توزيع الميراث لاعتبارات مجتمعية. على سبيل المثال، في حالة وفاة والد أحد المهاجرين من ضحايا حوادث الغرق، لا يمكن لعائلته الاستفادة من الميراث إلا في حال إعلان وفاته الحكمية، وهو ما ترفض كثير من العائلات فعله خوفًا من الوصمة الاجتماعية، أو فقد بعض المخصصات المالية التي يحصلون عليها بحكم فقدان المهاجر، أو لاعتقادهم أنّ المهاجر ما يزال على قيد الحياة بالنظر إلى عدم العثور على جثته أو مكان دفنه حتى الآن.

في إفادتها لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت "أسماء أبو دقة": "توفي والد زوجي ولم نستطع الاستفادة من تركته وبقيت محجوزة في البنك حتى الآن، ويرجع ذلك إلى امتناعنا عن استصدار وثائق رسمية تفيد بوفاة زوجي، لأنّ ذلك سيتسبب بحرماننا من الراتب الشهري الذي نحصل عليه بصفته "موظفًا مفقودًا"، كما يوجد عدة اعتبارات اجتماعية لا تسمح لي بإعلان وفاة زوجي".

وفي بعض الحالات، يرجع سبب امتناع أهالي الضحايا عن توزيع التركة إلى اعتقادهم أنّ أبناءهم ما يزالون على قيد الحياة.

أبلغت السيدة "صبحية الأسطل" والدة المفقود "محمد مدحت العبادلة" (24 عامًا) فريق المرصد الأورومتوسطي: "لا يمكننا توزيع أي أموال دون معرفة خبر يقين عن ابني محمد وعائلته، حتى لو بقي الموضوع معلقًا لعشرات السنوات".

ولا تقتصر الصعوبات التي يواجهها ذوو الضحايا من المهاجرين وطالبي اللجوء على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية فقط، بل ترك الفقد آثارًا نفسية يصعب على ذوي الضحايا معالجتها أو حتى تجاوزها.

وتتنوع الآثار النفسية التي أصابت ذوي الضحايا من المهاجرين وطالبي اللجوء، ففي إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "شكري زكريا العسولي"، وهو أحد القلائل الناجين من حادثة سفينة سبتمبر/ أيلول 2014، ولكنّه فقد عائلته في نفس الحادثة: "كنا معًا على نفس السفينة، التي أُغرقت بعد أربعة أيام من الإبحار من الإسكندرية. أتذكر أنّ أول شيء فعلته بعد غرق المركب مناداتي على زوجتي "هيام العقاد" وأبنائي "يامن" و"ريتاج"، ولكنني لم أجد أيًا منهم، ولم أر سوى بقعة كبيرة من الدماء، والمشهد كان أشبه بيوم القيامة".

وأضاف "بعد إنقاذي بشهرين ظهرت مقتنياتنا الشخصية مع جثة يُعتقد أنّها لزوجتي، إلا أنّه كان من الصعب التعرف عليها، فأرسلت عينات من الحمض النووي ولكنها وصلت فاسدة، وتم دفن الجثة في ليبيا. وعلى الرغم من مرور ثماني سنوات على ذلك الحدث، لا أستطيع تجاوزه أبدًا رغم أنني تلقيت علاجًا نفسيًا في اليونان والسويد، ولكنني لا أظن أنني سأتخطى الأمر طيلة حياتي".

أما "ميساء مسعود"، زوجة المفقود "إسماعيل راضي" (33 عامًا)، فقالت في إفادتها: "توقفت حياتي بعد اختفاء زوجي وانعكس الأمر على نفسيتي بشكل كبير، فأنا الآن كثيرة الانفعال وسريعة الغضب. لم أعد أحتمل هذا الوضع الغامض، وأفضّل أن أتأكد من وفاة زوجي على أن أبقى بهذه الحالة".

صعوبات قانونية واقتصادية

يعاني ذوو الضحايا من المهاجرين وطالبي اللجوء من تحديّات معقّدة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، إذ كان بعض الضحايا المعيل الوحيد لعائلاتهم، وأضحت عائلاتهم بمجرد وفاتهم دون معيل، إلى جانب امتناع كثير من ذوي الضحايا عن إعلان "الوفاة الحكمية" لاعتبارات قانونية ومجتمعية، عوضًا عن الإجراءات الطويلة والمعقدة التي يتطلبها إعلان هذه الوفاة، وما يترتب عليها من تغيّر في المراكز القانونية داخل العائلات الفلسطينية الكبيرة والممتدة في قطاع غزة.

في إفادته لفريق الأورومتوسطي قال "إبراهيم بكر" (من ذوي المفقودين): "توجه بعض من ذوي الضحايا من عائلتنا للمحاكم الشرعية لإعلان حالة الوفاة الحكمية بحق المفقودين، لكنّنا اكتشفنا أنّ عملية إعلان الوفاة ليست سهلة على الإطلاق، ففي قطاع غزة يوجد عشر محاكم شرعية ويجب أن نتوجه إليها جميعًا ونرفع عشرة قضايا لإعلان الوفاة، والتي لا تتحقق إلا بعد إثبات التحريّات وغيرها من الأمور الروتينية التي تزيد العبء المالي والنفسي على أُسر الضحايا. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج تلك الإجراءات لمدة طويلة في التقاضي تزيد على عام، وهو ما أدّى إلى عزوف كثير من عائلات الضحايا عن إتمام هذه الإجراءات".

وأضاف: "في حالات أخرى، يصعب إعلان الوفاة الحكمية لدى بعض العائلات لأسباب عائلية وعرفية، إذ تتوارد بعض الأخبار بين الحين والآخر عن العثور على المفقودين أحياء أو وجود بعض المعلومات التي قد تقود إلى مصيرهم، وهذا كفيل بإحجام الأهالي عن إعلان وفاتهم".

وحول التبعات الاقتصادية التي واجهها ذوو الضحايا، قال "خليل أبو شمالة"، والد أحد المفقودين من المهاجرين: "ابني كان موظفًا في السلطة الفلسطينية منذ 2003 وحتى حادثة الغرق في 2014، واستمرت عائلته في تلقي راتبه لنحو ثلاث سنوات بعد الحادثة، حيث كان الراتب يعيل زوجته وأطفاله حتى ذلك الوقت". في عام 2017، قطعت السلطة الفلسطينية راتبه، فطلبنا مستحقاته المالية عن سنوات خدمته ولكنها لم ترد على طلبنا. تحول أحفادي إلى حضانتي بعد زواج أمهم فأصبحت المعيل الوحيد لهم، وهو ما زاد العبء المالي عليّ. ومن جانب آخر، يحتاج الأولاد إلى الأب في كثير من المعاملات كالمدارس مثلاً، ولا يتم الأخذ بأن الأب مفقود دوم إعلان وفاته بشكل رسمي".

ولا تتوقف تلك التبعات على موظفي السلطة الفلسطينية وحدهم، بل تمتد لتمس عائلات المهاجرين الغرقى الذين كانوا مسؤولين عن إعالة أسرهم على اختلاف طبيعة أعمالهم.

في إفادة لفريق الأورومتوسطي، قالت "أسماء أبو دقة"، زوجة "ساري أبو دقة" (33 عامًا)، أحد ضحايا سفينة سبتمبر/ أيلول 2014: "زوجي ساري وأخوه عبد الناصر كانا موظفّان في وزارة الداخلية في الحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة، وبعد صعوبات طويلة وإجراءات معقدة، نجحنا في تصنيفهما على بند "موظف مفقود"، ليتم تحويل ملفيهما إلى وزارة الشؤون الاجتماعية وصرف مبلغ 650 شيكلًا (نحو 190 دولارًا أمريكيًا) شهريًا لأسرة كل منهما وهذا المبلغ لا يكفي بأي حال لإعالة أسرتي وتلبية الاحتياجات المتعددة لأبنائي".  

رابعًا: نظرة قانونية

وفق قواعد القانون الدولي، يعد قطاع غزة إقليمًا خاضعة للاحتلال رغم انسحاب إسرائيل منه عام 2005. فالاحتفاظ الإسرائيلي بـ"السيطرة الفعلية" على القطاع، بما في ذلك السيطرة على المنافذ الجوية والبرية والبحرية، إلى جانب ممارسة السيطرة والتحكم في قطاع غزة وقتما تشاء، يُبقي فعليًا حالة الاحتلال بموجب أحكام اتفاقية لاهاي 1907. وفي حالة قطاع غزة، لا تكتفي إسرائيل بالسيطرة على المنافذ الحيوية، بل تفرض منذ عام 2006 حصارًا مشدّدًا تسبب بانهيار شامل في جميع القطاعات، ولا سيما القطاع الاقتصادي، وشنّت هجمات عسكرية مدمرة زرعت اليأس والخوف في صفوف سكان قطاع غزة. شكّلت هذه العوامل مجتمعة دافعًا رئيسًا لخروج آلاف الشباب من القطاع وطلب اللجوء في دول أكثر أمنًا واستقرارًا، إذ شكّل طالبو اللجوء الفلسطينيون النسبة الأكبر من عدد الواصلين بحرًا من تركيا إلى اليونان في المدة بين يناير/ كانون ثان 2022 ومطلع فبراير/ شباط 2023، بواقع 18.2% من إجمالي عدد الواصلين في تلك المدة. تخالف الممارسات الإسرائيلية التعسفية ضد قطاع غزة -والتي كانت سببًا مباشرًا في هجرة الآلاف من القطاع— مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية لاهاي، ومعاهدات جنيف التي أكدت على جملة من الحقوق الأساسية التي يجب أن تلتزم بها إسرائيل كالحق في الحياة والسلامة الجسدية والتنقل والصحة والحق في مستوى معيشي لائق وغيرها من الحقوق.

من ناحية أخرى، يُلزم القانون الدولي الدول بحماية حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء من خلال العديد من الاتفاقيات الدولية؛ أبرزها الاتفاقية الدولية لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، وبروتوكولها الملحق عام 1967، عوضًا عن إعلان نيويورك بشأن المهاجرين عام 2016، والعديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة التي تنص على الحفاظ على سلامة الأرواح في البحار والبحث عن المفقودين؛ أهمها اتفاقية 1974 لسلامة الأرواح في البحار، واتفاقية 1979 للبحث والإنقاذ في البحار.

وتنطلق هذه الاتفاقيات من الحقوق الأساسية للأفراد، كالحق في الحياة والتنقل والكرامة الإنسانية، وتعد الوعاء القانوني الأساسي الذي يكفل ممارسة الحقوق والحريات المنصوص عليها فيها. علاوة على ذلك، تكفل معاهدات حقوق الإنسان الرئيسة حقوق الأفراد حيثما كانوا، ويتجلى ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي أكّد في المادة (2/1) منه على وجوب أن تكفل الدول الأطراف الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في أقاليمها والداخلين في ولايتها، وهو ما ينطبق على المهاجرين حتى وإن كانوا غير نظاميين.

وفي ذات الإطار، يشكل تقاعس الدول الأوروبية عن تفعيل مهام البحث والإنقاذ في البحر المتوسط انتهاكًا خطيرًا يمس بشكل أساسي حق المهاجرين وطالبي اللجوء في الحياة، والكرامة الإنسانية. وتجلّى التحرك الأوروبي السلبي في هذا الملف في تعليق عملية "صوفيا" ودوريات السفن التي كانت تستخدم لإنقاذ عشرات الآلاف من المهاجرين سنويًا، وتأكيد المفوضية الأوروبية أنّ البحث والإنقاذ ليس من اختصاص الاتحاد الأوروبي على الرغم من الأزمة الإنسانية على حدودها البحرية وتزايد أعداد الوافدين عن طريق البحر.

وتتعارض تلك الممارسات جليًا مع مجموعة من الاتفاقيات الدولية والأوروبية ذات العلاقة، ومنها الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار عام 1979، والتي نصت على: "تقديم أي مساعدة لأي شخص في البحر"، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ والتي تنص في المادة (3) منها على "عدم إخضاع أي انسان للمعاملة غير الإنسانية أو المهينة"، إلى جانب توصية الاتحاد الأوروبي رقم (EC/2003/9)، والتي تحدد معايير استقبال طالبي اللجوء، بما يشمل وجوب توفر مستوى معيشة كريمة، وضمان حرية التنقل والمعيشة والسكن.

خامسًا: النتائج

يتضح من خلال تحليل المقابلات التي أجراها فريق المرصد الأورومتوسطي مع ذوي المفقودين من المهاجرين وطالبي اللجوء من قطاع غزة ما يلي:

  • يُعدّ الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وما تخلله من هجمات عسكرية مدمّرة، وما رافق ذلك من انهيار شامل في مختلف القطاعات، سببًا رئيسًا في دفع آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة إلى الهجرة إلى أوروبا بحثًا عن حياة أكثر أمنًا واستقرارًا.
  • يقع بعض من ذوي الضحايا من المهاجرين الذين لم يتم حسم مصيرهم بشكل رسمي ضحايا لعمليات ابتزاز منظمة يستغل فيها أشخاص مجهولون حاجة الأهالي لمعرفة مصير أبنائهم.  
  • يمتنع معظم أهالي الضحايا من المهاجرين عن إعلان الوفاة الحكمية لعدة اعتبارات، منها طول الإجراءات القضائية، والتمسك بأمل أن يكون ذووهم على قيد الحياة، إلى جانب بعض المحاذير المجتمعية.
  • يواجه ذوو الضحايا من المهاجرين صعوبات كبيرة في التعرف على هويات أبنائهم في حال العثور على جثثهم بعد حوادث الغرق بسبب عدم توفّر الإمكانيات الفنية اللازمة لذلك في قطاع غزة، والتعقيدات الكبيرة التي ترافق عملية إرسال عينات الحمض النووي خارج القطاع.
  • تمثّل عملية إعادة جثث المهاجرين الغرقى إلى قطاع غزة ودفنها هناك أهمية كبيرة لذوي الضحايا لعدة اعتبارات، إلا أنّها تُعد مكلفة ماليًا وتحتاج إلى الكثير من الإجراءات، ولوحظ أنّ أهالي الضحايا يضطرون للجوء لعدة أشكال من الضغط من أجل تحرك الجهات الرسمية للتكفل بعملية إعادة جثث أبنائهم.
  • في بعض الحالات، لم تتعامل السفارات الفلسطينية في الخارج مع المستشفيات بشكل مباشر في حال العثور على جثث المهاجرين الغرقى، واضطر ذووهم إلى متابعة الأمر مع الأطباء بشكل مباشر، وهو ما ترفضه السلطات الطبية القضائية في كثير من الحالات، ويترتب على ذلك إصدار تقارير طبية مخالفة لحقيقة ظروف الوفاة.
  • يوجد بروتوكول لنقل عينات الحمض النووي من قطاع غزة للخارج عن طريق وزارة الخارجية الفلسطينية، إلا أنه يتطلب موافقة السلطات الإسرائيلية بالدرجة الأولى، ويحتاج إلى تصاريح وموافقات خاصة تستغرق وقتًا طويلًا، إذ يضطر ذوو الضحايا إلى إرسال العينات بجهود ذاتية دون التمكن من الالتزام بالتعليمات الطبية، وهو ما يتسبب بفساد العينات في أغلب الحالات.

سادسًا: التوصيات

من خلال ما تقدّم، يوصي المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بالآتي:

  •  على إسرائيل إنهاء حصار قطاع غزة بشكل فوري وغير مشروط، والسماح للفلسطينيين بممارسة حقوقهم كافة، وإنهاء جميع الإجراءات والسياسات التي تقيّد أو تحد من قدرتهم على التمتع بجميع أشكال سبل كسب العيش، والاستقرار الأمني والاقتصادي، والسماح بإدخال جميع الأجهزة ذات العلاقة بعمليات التشريح وتحليل الحمض النووي.
  • على السلطة الفلسطينية والحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة اتخاذ جميع التدابير الممكنة لتخفيف الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على عائلات المفقودين من المهاجرين وطالبي اللجوء، وتسهيل وتوحيد جميع الإجراءات القضائية المتعلقة بالمفقودين والضحايا وذويهم.
  • ينبغي على وزارة الخارجية الفلسطينية بذل جهود أكبر وأكثر فعالية في جانب البحث عن مصير المهاجرين المفقودين سواء في المستشفيات أو مراكز الاحتجاز، ومتابعة التقارير الطبية المتعلقة بظروف وفاة المهاجرين والتأكد من مصداقيتها، إلى جانب المبادرة بإعادة جثامين المهاجرين الغرقى إلى الوطن دون انتظار مناشدات عائلاتهم.
  • ينبغي إطلاق برامج دعم نفسي مخصصة لعائلات الضحايا من المهاجرين بهدف معالجة الآثار النفسية الوخيمة الناجمة عن فقد أبنائهم.
  • ينبغي اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية عائلات الضحايا من المهاجرين من جميع أشكال الابتزاز، واضطلاع السلطات المعنية بواجباتها في تتبع جهات الابتزاز وتحديد ومحاسبة المسؤولين عن تلك العمليات.

التقرير كاملًا