ملخص تنفيذي
تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ سنوات دوامة مستمرة من العنف والنزاعات المسلحة التي طالت آثارها كافة السكان بلا استثناء، وألقت بظلال ثقيلة على فئة الصحافيين تحديدًا، كونهم الفئة الأكثر تواجدًا في مناطق النزاع والأكثر عرضة للاحتكاك مع أطراف النزاع.
وإلى جانب الانتهاكات والمتاعب المترتبة على العمل في مهنة الصحافة والتي يواجهها الصحافيون بشكل عام، فإن الصحافيات تحديدًا ينفردن بمواجهة اعتداءات ومضايقات إضافية تعرقل جهودهن وتحول دون أدائهن لعملهن بشكل طبيعي، وتدفعهن في كثير من الأحيان إلى التخلي عن مهنة الصحافة من أجل تفادي التعرض لها. وعادة ما تُمارس تلك المضايقات ضد الصحافيات لسبب رئيسٍ؛ أنهن نساء.
وخلال العقد الماضي، تزايدت حدّة ووتيرة الانتهاكات والتحديات التي تواجهها الصحافيات في كلٍّ من اليمن وتونس والأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث واجهت معظمهن شكلًا أو أكثر من الملاحقات والاعتقالات التعسفية والاستهداف المباشر وغيرها من الانتهاكات التي تشترك في مواجهتها مع الصحافيين الذكور.
لكن الأكثر تحدّيًا كانت الانتهاكات التي تنفرد الصحافيات بمواجهتها دونًا عن الصحافيين الذكور، والمتعلقة بالضغوطات المجتمعية ورفض العائلات لعملهن في الصحافة والوصم والتهديد ومحدودية الفرص وصعوبة الحصول على تصريحات أو إجراء مقابلات مع الجهات المختلفة نتيجة عدم الاعتراف بهن كصحافيات أحيانًا، إلى جانب قطع أو تقليص الرواتب والطرد من العمل والتمييز والهيمنة الذكورية على قطاع الصحافة والإعلام.
يسلط هذا التقرير الضوء على أبرز التحديات والمعيقات والمضايقات التي تواجهها الصحافيات، مع تركيز خاص على اليمن وتونس والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويستعرض -من خلال شهادات ومقابلات شخصية أجراها فريق الأورومتوسطي مع صحافيات- أكثر أشكال التمييز والاعتداء تكرارًا ضدهن.
الصحافيات في اليمن
تعد الحريات الصحافية في اليمن شبه معدومة، حيث يواجه الصحافيون هناك انتهاكات عديدة ومن جهات مختلفة، أبرزها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا وجماعة الحوثي والميليشيات المسلحة. ويجد الصحافيون في اليمن أنفسهم -في كثير من الأحيان- جزءًا من النزاع الدائر وعرضة للاستهداف من الأطراف المتنازعة، حيث يواجهون اعتداءات مختلفة، بما في ذلك الاستهداف المباشر والاعتقال والإخفاء القسري والملاحقات القضائية وأحكام الإعدام والغرامات المالية. وفي أفضل الأحوال، يمارس الصحافيون في اليمن الرقابة الذاتية على عملهم وآرائهم، تجنبًّا للتعرض للانتهاكات السابق ذكرها. وفي الوقت الذي توثق فيه نقابة الصحافيين والمنظمات الحقوقية أعدادًا مختلفة للصحافيين الذين تعرضوا لانتهاكات في اليمن، فإن المتابعات الميدانية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أظهرت أن جميع الصحافيين في اليمن بلا استثناء تعرضوا لشكلٍ واحدٍ على الأقل من أشكال الانتهاكات التي تمارسها الأطراف المتنازعة. وبحسب توثيق المرصد الأورومتوسطي، فقد جاءت اليمن في المرتبة الثالثة بعد سوريا والعراق فيما يتعلق بعدد الصحافيين الذين قُتلوا خلال العقد الماضي، حيث قُتل ما لا يقل عن 43 صحافيًّا، بمعدل أكثر من 5 صحافيين كل عام.
وخلال العقد الماضي، تزايدت حدّة ووتيرة الانتهاكات والتحديات التي تواجهها الصحافيات تحديدًا؛ حيث واجهت معظمهن شكلًا أو أكثر من الملاحقات والاعتقالات التعسفية والاستهداف المباشر وغيرها من الانتهاكات التي تشترك في مواجهتها مع الصحافيين الذكور. لكن الأكثر تحدّيًا هي الانتهاكات التي تنفرد الصحافيات في مواجهتها دونًا عن الصحافيين الذكور، والمتعلقة بالضغوطات المجتمعية ورفض العائلات لعملهن في الصحافة والوصم والتهديد ومحدودية الفرص وصعوبة الحصول على تصريحات أو إجراء مقابلات مع الجهات المختلفة نتيجة عدم الاعتراف بهن كصحافيات أحيانًا، إلى جانب قطع أو تقليص الرواتب والطرد من العمل والتمييز والهيمنة الذكورية على قطاع الصحافة والإعلام.
أبرز الانتهاكات التي تنفرد الصحافيات في اليمن بمواجهتها
تتعرض الصحافيات في اليمن لأشكال مختلفة ومضاعفة من الانتهاكات والتحديات التي تواجهها بشكل دوري، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والملاحقات القضائية. فبحسب توثيق المرصد الأورومتوسطي خلال العامين الماضيين، فإن واحدًا من كل عشرة صحافيين يُعتقلون في اليمن هي امرأة. على سبيل المثال، عام 2021، ارتفع عدد الصحافيين المعتقلين تعسفيًا في اليمن بنسبة 20%، ليصل إلى 488 صحافيًا، بمن فيهم 60 صحافية، مشكلاً أكبر عدد معتقلات إناث في تاريخ اليمن، بحسب مراسلون. ورغم أن عدد الصحافيات اللواتي يجري اعتقالهن يبدو منخفضًا في ظاهره مقارنة بعدد الصحافيين الذكور، إلا أنه في الحقيقة لا يعدّ كذلك، كون أعداد الصحافيات المسجلات في اليمن يعد أقل بكثير من الصحافيين، حيث يبلغ عدد الصحافيات المسجلات والمنضمات إلى نقابة الصحافيين اليمنيين نحو 170 من أصل 1,500 صحافي، أي بنسبة 11% فقط من إجمالي عدد الصحافيين المنتسبين للنقابة، فضلًا عن الفرص المحدودة المقدمة لهن والرقابة الذاتية المضاعفة التي يواجهنها بسبب الضغوطات الثقافية والمجتمعية.
وإلى جانب الانتهاكات والمخاطر المرتبطة بمهنة الصحافة بشكل عام، فإن الصحافيات تحديدًا ينفردن بمواجهة متاعب إضافية تفرض قيودًا على عملهن وتضيّق هامش مشاركتهن في العمل الصحافي والإعلامي.
التحديات المجتمعية والتمييز
يشغل الصحافيون الذكور النسبة الأكبر من إجمالي عدد الصحافيين العاملين والمسجلين في اليمن، وتهيمن الذكورية بشكل واضح في المؤسسات الإعلامية والصحافية، خاصةً المحلية منها. ويعود ذلك إلى عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية.
منذ بداية الحرب في اليمن، ازدادت القيود والعوائق التي حدت من حرية المرأة، بما في ذلك الحق في التنقل والعمل. على سبيل المثال، أصدرت جماعة الحوثي -التي تحكم ما يقرب من 70% من مناطق اليمن- قرارًا رسميًا يمنع حركة المرأة اليمنية دون مرافق ذكر (محرم)، وتبنت جميع أطراف النزاع هذا القرار، بمن فيهم الإخوان المسلمون والمجلس الانتقالي. بناءً على ذلك، عزفت الغالبية العظمى من المؤسسات الصحافية والإعلامية في اليمن عن توظيف أو التعامل مع الصحافيات، وعمدت إلى الاعتماد على الصحافيين الذكور بشكل حصري، بسبب صعوبة تنقلهن وممارستهن لعملهن دون مرافقين، أو دون حصولهن على تصاريح رسمية بالعمل. ولم يؤثر ذلك على عمل المرأة وحسب، بل على العمل الصحافي في اليمن ككل.
ففي مقابلة أجراها فريق المرصد الأورومتوسطي مع الصحافية اليمنية "وداد البدوي"، قالت: "مع أن جميع أطراف النزاع يختلفون بكافة الأمور، لكنهم يتفقون معاً ضد المرأة وحريتها. القيود المفروضة على تنقل النساء وعمل الصحافيات أثرت على دقة الشهادات التي يتم جمعها، حيث تفضل بعض النساء في المجتمعات المحلية المحافظة إعطاء إفاداتهن وإجراء مقابلات بأريحية للمرأة الصحافية لا للرجل"
وتحظى امرأة واحدة فقط بعضوية مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين، فيما لم يتم تعيينها كنقيب بالرغم من نيلها عدد أصوات يوازي أصوات النقيب.
وبشكل عام، تلعب الثقافة الذكورية المجتمعية دورًا كبيرًا في تحديد فرص تدريب وتمكين المرأة في مجال الصحافة، وبالتالي فرص تعيينها وترقيتها لمناصب عليا وقيادية، حيث تشكل النساء العاملات في المؤسسات الإعلامية نحو 20% فقط مقابل 80% من الذكور، بالرغم من أن إحصائيات كليات الإعلام في الجامعات اليمنية تشير إلى أن نصف عدد الخريجين سنويًا هم من الإناث.
الوصم والتشهير
من أبرز المعوقات التي تتعرض لها الصحافيات اليمنيات هي الوصم والتشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستخدم كسلاح لمحاربتهن من قبل جميع أطراف النزاع تقريبًا في حالة انتقادهم. وتعددت خلال السنوات الأخيرة حملات التشهير والإساءة إلى سمعة الصحافيات، والشتم والتلاعب بصورهن في حالات عدة، الأمر الذي دفعهن لمواجهة معركة جديدة؛ وهي نظرة المجتمع لهن ونبذهن اجتماعيًّا وإخبارهن أن "الصحافة ليست مهنتكِ" بحسب صحافيات قابلهن الأورومتوسطي، إلى جانب الضغوطات العائلية المترتبة على ذلك. نتيجة لذلك، اضطرت العديد من الصحافيات اليمنيات لإغلاق صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي والتزام الصمت، لتجنب التعرض لمضايقات أو اعتداءات. فيما عمدت بعضهن إلى التخلي عن العمل الصحافي وامتهان مجالات أخرى، وفضل البعض الآخر منهن الهجرة لحماية أنفسهن وعائلاتهن.
قالت الصحافية "وداد البدوي" لفريق الأورومتوسطي: "انسحاب المرأة واستسلامها لهذه الضغوطات يعزز فجوة التمييز بين المرأة والرجل في مهنة الصحافة ويحد أكثر من قدرتها على منافسة الرجل ونيلها الفرصة على إثبات وجودها في ميدان الإعلام. فعلى الصحافية اليمنية أن تتحلى بالصبر والمثابرة بتمكين نفسها بمواكبة كل جديد وبشكل مضاعف، والبقاء على اطلاع بكافة المعلومات والتدريبات والتكنولوجيا لتتغلب على العوائق التي تواجهها"
ومن الصحافيات اللواتي تعرضن لمضايقات واعتداءات عبر الانترنت "نبيهة الحيدري"، و"ابتهال الصالحي"، و"وفاء الوليدي" و"لمياء الشرعبي."
الصحافيات في تونس
تشهد الحريات الصحافية في تونس تراجعًا مضطردًا منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن إجراءات استثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021، حيث تصاعدت وتيرة انتهاكات حقوق الصحافيين والمؤسسات الصحافية، واتخذت أشكالًا متعددة تمثلت في المنع من التغطية وتشويه السمعة وإغلاق المؤسسات الصحافية والاحتجاز التعسفي وحجب المعلومات والملاحقة الأمنية والمحاكمات القضائية المشوبة باعتلالات قانونية جسيمة.
وعلى الرغم من تعهد الرئيس سعيد بأن الإجراءات الاستثنائية لن تؤثر على التمتع بالحقوق وممارسة الحريات بأي حال وعلى رأسها حرية الصحافة، إلّا أنّ الانتهاكات المستمرة على أرض الواقع منذ تاريخ إعلانها وحتى تاريخ إصدار هذا التقرير تؤشر على خلاف ذلك تمامًا.
ومنذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية، مارست السلطات التونسية ضغوطات كبيرة على قطاع الصحافة، شملت إغلاق مؤسسات صحافية والاعتداء على الصحافيين. ولكنها كانت تمارس تلك الانتهاكات في إطار إجرائي شامل لوقف الانتقادات ضد الإجراءات الرئاسية ولمنع الأصوات المعارضة من التأثير في الرأي العام. لكن بعد إصدار هذا الأمر، أصبحت الانتهاكات التي تستهدف حرية الصحافة تُمَارس ضمن إطار تشريعي قانوني يدَّعي تنظيم الإعلام والصحافة والنشر، وينظم حالة الحريات العامة.
وبذلك، زجَّت الإجراءات الاستثنائية الرئاسية بقطاع الصحافة في تونس في معترك نزاع غير ضروري، خاصة بعد تعطيل جزء كبير من نصوص الدستور التي تصون الحريات والحقوق، واستبدالها بتدابير استثنائية على هيئة أوامر رئاسية بصبغة تشريعية، وغلَّبت أحكامها على نصوص الدستور في استناد لا يمكن الاعتداد به على الفصل 80 من الدستور التونسي 2014 لحين إنهاء حالة الطوارئ الممتدة منذ 25 يوليو/ تموز 2021.
وخلال السنوات الأخيرة، ارتفعت حدة الانتهاكات التي مارستها السلطات التونسية ضد الصحافيين بشكل عام، والصحافيات تحديدًا. وتشغل الصحافيات في تونس نسبة كبيرة من إجمالي عدد الصحافيين العاملين في البلاد، حيث بلغ عدد الصحافيين المسجلين في عام 2022 أكثر من 1,860 صحافيًا، بمن في ذلك نحو 1,000 صحافية، بنسبة بلغت نحو 53.7%.
وسجلت نقابة الصحافيين التونسية 132 انتهاكًا ضد الصحافيات في المدة ما بين 25 أكتوبر/ تشرين أول 2022 وحتى 1 فبراير/ شباط 2023.
وفي إفادة للصحافية "زينة الماجري" لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت: "أثناء الاحتفال بذكرى الثورة بتاريخ 14 يناير 2022، والتي قرر الرئيس تغييرها بشكل أحادي إلى 17 ديسمبر، نشرت وسائل إعلام تابعة للأمن أنّ هناك تخريبًا من قبل المشاركين بذكرى الاحتفال بالثورة، نزلت للتحقق من ذلك وأخذ الصور بحكم عملي كمدققة معلومات حيث كنت أصور في شارع محمد الخامس بالقرب من شارع الحبيب بورقيبة الذي كانت تقام فيه الفعالية الرئيسية، وكان هناك مجموعة من أنصار حركة النهضة لا يتجاوزون 30 شخصًا، يحيط بهم عدد كبير من الأمنيين بسياراتهم، وأمنيين بأزياء مدنية ولديهم طائرة درون توثق الحدث، وقد باشروا بضرب المشاركين في الفعالية، وعلى إثر ذلك قمت بعمل بث مباشر عبر "فيسبوك" لتوثيق الحدث، فباغتني أحد أفراد الأمن وأخذ هاتفي مني عنوة وأخبرني بأنني أصور بشكل غير قانوني على الرغم من أنني صحافية وأتبع لنقابة الصحافيين وأتمتع بالحماية الممنوحة للصحافيين.
وأضافت "الماجري": بعد ذلك أعادوا لي هاتفي وطلبوا مني عدم التصوير، عاودت التصوير مرة أخرى حتى أقوم بواجبي، وعندها حضر 6 من رجال الأمن برفقة شرطية وقاموا بضربي واقتيادي إلى سيارة تابعة للأمن ومن ثم نقلوني إلى مركز أمن وسط العاصمة، وهناك شاهدت أن هناك أكثر من 50 موقوفًا على خلفية مشاركتهم بالفعالية، وكانت طريقة التعامل معي سيئة جداً حيث تعرضت للاعتداء الجسدي من قبل أفراد الأمن وإلى الاعتداء اللفظي أسوة ببقية الموقوفين.
أبرز الانتهاكات التي تنفرد الصحافيات في تونس بمواجهتها
على مدار الأعوام الماضية، تلقى المرصد الأورومتوسطي عشرات الشكاوى من صحافيين تونسيين -من ضمنهم نساء- وصلتهم معلومات عن احتمالية استهدافهم أمنيًا بسبب تغطيتهم أو عملهم في وسائل إعلام تغطي تطورات الأزمة السياسية في البلاد، وخصوصًا تلك التي تتناول وجهات النظر المعارضة لسياسات الرئيس قيس سعيّد.
وقالت الصحافية "وجدان بوعبد الله" لفريق المرصد الأورومتوسطي: "منذ 25 يوليو/ تموز 2021، هناك تهديدات تصلنا صراحة سواء على حسابتنا الشخصية عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو التهديدات التي يتلقاها طاقمنا خلال عمله الميداني، ورغم حمله شارة الصحافة بوضوح وتغطيته لتجمعات أنصار الرئيس التونسي، إلا أنّه يتعرض للمضايقة بشكل مستمر".
وتابعت: "دون مبالغة، فإنّ قطاع الصحافة الأكثر تضررًا في الأشهر الماضية في تونس. كل المكاسب التي حققناها بعد الثورة -وهي ثمار نضال أجيال- اضمحلت. صارت البيئة غير مناسبة للعمل الصحافي لا سيما بعد وعيد الرئيس أمس صراحة للإعلام".
وإلى جانب الاعتداءات الممنهجة التي يواجهها الصحافيون في تونس، فإن توابع تلك الانتهاكات ترتب عواقب مضاعفة على حياة الصحافيات المهنية والشخصية. فخلال الأعوام الماضية، عملت السلطات التونسية والأجهزة التابعة لها -في عدة حالات- على ترهيب الصحافيات وإسكاتهن من خلال دفعهن إلى التخلي عن مهنة الصحافة مقابل حماية أنفسهن من عواقب لا تمس حياتهن المهنية وحسب، ولكنها تمتد إلى التأثير على حياتهن الاجتماعية والشخصية كذلك.
التشويه وإساءة السمعة
أفرزت البيئة الصعبة التي خلقتها الإجراءات اللاحقة للتدابير الاستثنائية ضغوطات نفسية واجتماعية أثرت على عمل الصحافيات في تونس خوفًا من التعرض للوصم بالانحياز أو عدم المهنية، أو العمل لصالح أجندات خارجية. وهي اتهامات كفيلة بإنهاء الحياة المهنية لأي صحافية، خاصة في ظل تحكيم القوانين العسكرية وقوانين مكافحة الإرهاب في التعامل مع الصحافيين، ما يوحي بأن الأمر يمس بالأمن القومي التونسي، وهو ما أجبر الصحافيات على العمل تحت وطأة تشويه السمعة الذي يمتد للأسرة ولا يقف عند حد الصحافي فقط.
وشَابَ عمل الصحفيات في تونس بعد الإعلان عن التدابير الاستثنائية صعوبات كثيرة كالتشويه المقصود لسمعتهن المهنية والاجتماعية ووصمهن بأسوأ الأوصاف التي تحض على النبذ الاجتماعي.
وطالت حملة التشويه صحافيات تناولن الأحداث السياسية المحلية بشكل مغاير لوجهة النظر الرسمية، حيث استخدمت السلطات منصات التواصل الاجتماعي لتوجيه الكلمات المسيئة للصحافيات اللواتي تعرضن للتوقيف التعسفي، الأمر الذي بات كابوسًا مؤرقًا تعيشه الصحافيات اللواتي تعرضن للتوقيف الذي تطال انعكاساته السمعة الشخصية والأسرية.
وعلى اعتبار أنّ تونس من الدول العربية والمسلمة التي تحافظ على مجموعة الضوابط التي ترفض وصم المرأة بما يمس سمعتها المهنية أو الاجتماعية فقد باتت الصحفيات يعشن كابوسًا أساسه مهني ولكن انعكاساته تطال السمعة الشخصية والأسرية.
قد يتسبب هذا الأسلوب بتناقص نشاط الصحافيات المهني إلى حد كبير خشية من التعرض لمثل هذا النوع من المواقف التي تتنافى وأخلاقيات التعامل مع الصحافة. وفي بعض الأحيان قد يدفع بأسر الصحافيات لممارسة ضغوط عليهنّ لوقف عملهن أو تعليقه لحين انتهاء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.
عدم الاستقرار الوظيفي
خلَّف إغلاق مؤسسات صحافية وقنوات فضائية هاجسًا لدى الصحافيات العاملات في تلك المؤسسات، ولدى وسط الصحافيات بشكل عام خشية من فقد مصادر رزقهن في ظل الأوضاع المتوترة، وعدم وجود جهة قادرة على إنصاف الضحايا وفق أحكام الدستور والقوانين الناظمة لعمل الصحافة في تونس.
وينبع شعور الصحافيات بعدم الاستقرار الوظيفي من اتساع رقعة الحملة التي بدأت بإقالة مدراء جهات إعلامية رسمية وامتدت لتطال مؤسسات صحافية محلية ودولية، مما ولَّد هاجس عدم الأمان الوظيفي بعد تشكل قناعة بأن الصحافة التي تسير ضد تيار الرئاسة والحكومة ستكون عرضة للانتهاك أو الإغلاق، خاصة الصحافيات اللاتي يعملن عن بعد، أو اللواتي يعملن في إدارة محتوى المنصات الرقمية.
لذلك، فإن عددًا كبيرًا من الصحافيين، بمن في ذلك الإناث منهم، باتوا يمارسون نوعًا من الرقابة الذاتية على عملهم، ويتجنبون التعبير عن آرائهم الشخصية بشكل علني أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خشية خسارة وظائفهم أو تعرضهم للمحاسبة والملاحقة.
وفي إفادة للصحافية "وجدان بو عبد الله" لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت: "المحيط العام في تونس اليوم وللأسف غير ملائم لممارسة العمل الصحافي. وأصبح الصحافيون يمارسون نوعًا من الرقابة الذاتية خشية تعرضهم للمضايقات الرسمية أو المحاكمات، لا سيما بعد أن اعتقل بعضهم بالفعل. كتونسيين وصحافيين ذقنا طعم الحرية بعد 2011، ورغم الأزمات المتلاحقة منذ ذلك الوقت، إلا أنّ تونس افتكت عن جدارة مكسبًا مهمًا هو حرية التعبير وحرية الصحافة، لكن هذا المكسب الثمين مهدد اليوم وبشكل جدي ومباشر."
الصحافيات في الأراضي الفلسطينية
شهدت الحريات الصحافية في الأراضي الفلسطينية عام 2022 تراجعًا كبيرًا بفعل تصاعد الانتهاكات التي تعرّضت لها المؤسسات الصحافية والعاملون في قطاع الصحافة، ولا سيما الصحافيات، إذ سُجّل في عام 2022 أكثر من 900 انتهاك لحرية العمل الصحافي على يد القوات الإسرائيلية، بحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين، عدا عن عشرات الانتهاكات الأخرى التي تعرض لها الصحافيون والصحافيات والمؤسسات الإعلامية على يد السلطة الفلسطينية. وانعكس تصاعد الانتهاكات على نحو واضح على ترتيب فلسطين في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، إذ تراجعت من المرتبة 132 في عام 2021 إلى المرتبة 170 من أصل 180 دولة في العام 2022.
يواجه الصحافيون في الأراضي الفلسطينية بصفة عامة مجموعة من الانتهاكات المركّبة، ففي غالب الأحيان، يقع العاملون في المجال الصحافي ضحايا لانتهاكات الجيش الإسرائيلي، ولا سيما لدى اقتحامه المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، والهجمات العسكرية على قطاع غزة، ويشمل ذلك القتل المباشر والاحتجاز التعسفي وتقييد حرية العمل، إلى جانب أشكال مختلفة من الابتزاز والمساومة، وإغلاق للمؤسسات الإعلامية وتحطيم ومصادرة للأجهزة.
ومن جهة أخرى، عانى الصحافيون خلال عام 2022 من مضايقات وانتهاكات مارستها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؛ شملت الاحتجاز التعسفي والاعتداء بالضرب والمنع من التغطية الصحافية. وفي قطاع غزة، يُمارس كثير من الصحافيون ما يشبه الرقابة الذاتية، إذ يتجنب بعضهم المشاركة في تغطية أو دعم فعاليات قد تكون معارضة للسلطات الحاكمة، خشية على ما يبدو من التعرض للمساءلة أو الملاحقة.
وبخلاف ذلك، تفرض مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية قيودًا مشدّدة على المحتوى الفلسطيني، ما أدّى إلى إغلاق حسابات عشرات الصحافيين والصحافيات على تلك المنصات، وإعاقة تواصل المؤسسات الصحافية مع الجمهور.
وعلاوة على ما تواجهه الصحفيات في المنطقة العربية من محددات غير مبررة تُقيّد عملها، فإنّ التحديات التي تفرض على الصحافيات الفلسطينيات تعد استثنائية، إذ قتل الجيش الإسرائيلي في 11 مايو/ أيّار 2022 مراسلة قناة الجزيرة في الأراضي الفلسطينية "شيرين أبو عاقلة" أثناء تغطيتها لاقتحام الجيش مخيم جنين شمالي الضفة الغربية. ووفق تحقيقات المرصد الأورومتوسطي، أطلق قناص إسرائيلي رصاصة متفجرة على رأس الصحافية "أبو عاقلة" رغم ارتدائها ملابس موضح عليها شارة الصحافة، وتواجدها رفقة مجموعة من الصحافيين في منطقة بعيدة عن قوات الجيش مسافة لا تقل عن 150 مترًا.
وإلى جانب ذلك، تشكل سياسة الاحتجاز التعسفي تهديدًا مستمرًا للصحافيات في الأراضي الفلسطينية، إذ لا يتسبب ذلك فقط بمصادرة حرياتهن وتعطيل نشاطهن، بل يمتد تأثيره إلى حرمانهن من استقلالهن المادي، وقد يؤدي لترهيب كثير من الشابات من الانخراط في العمل الصحافي تجنبًا للتعرض إلى الانتهاكات المختلفة، والتي قد تصل إلى المساس بحياتهن بشكل مباشر.
ووفقًا للمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)، تعرضت الصحافيات الفلسطينيات خلال عام 2022 إلى 42 انتهاكًا مختلفًا خلال عملهن الصحافي.
أبرز الانتهاكات التي تنفرد الصحافيات في الأراضي الفلسطينية بمواجهتها
تشكل النساء نسبة كبيرة من إجمالي عدد الصحافيين المسجلين في الأراضي الفلسطينية، وتواجه الغالبية العظمى منهن الانتهاكات ذاتها التي يواجهها زملائهن في المهنة، خاصة تلك المتعلقة بالاعتداءات الإسرائيلية على الحق في التعبير والعرقلة أو المنع من تغطية الأحداث، والاعتقالات التعسفية والابتزاز وغيرها.
مع ذلك، فإن عددًا من الصحافيات ما يزلن يواجهن انتهاكات أو مضايقات من نوع آخر، ينفردن في مواجهتها مقارنة بزملائهن الذكور، تتعلق معظمها بالضغوطات الاجتماعية المترتبة على متاعب المهنة. ورغم أن الصحافيات في الأراضي الفلسطينية يواجهن انتهاكات ومضايقات اجتماعية أقل مقارنة بما تواجهه الصحافيات في كل من اليمن وتونس، إلا أن الكثير منهن ما يزلن يواجهن تحدّيًّا كبيرًا فيما يتعلق بممارسة عملهن الصحافي بحرّية على غرار الصحافيين الذكور.
الضغوطات الاجتماعية
تعد الأراضي الفلسطينية إحدى أكثر المناطق خطرًا بالنسبة للصحافيين بشكل عام، حيث يواجه الصحافيون فيها أشكالًا مختلفة من العنف والترهيب التي يعتقد جزء كبير من المجتمع الفلسطيني أنها لا تناسب المرأة. فطبيعة الانتهاكات التي يواجهها الصحافيون، والتي تشمل الاعتداءات بالضرب والاعتقالات التعسفية الدورية والتحقيق والابتزاز والمساومة على السفر وجمع الشمل مع عائلاتهم، تدفع شريحة كبيرة من المجتمعات -خاصةً في المناطق الهشة- للاعتقاد بأن الصحافة مهنة للذكور فقط.
وتعتبر كثير من العائلات الفلسطينية أنه لدى استدعاء صحافية للتحقيق أو اعتقالها ومضايقتها على خلفية عملها الصحافي تعد وصمة وعيبًا لا يمس الصحافية وحسب، بل يقدح بعائلتها بأكملها.
وفي حالات أخرى، تعتقل السلطات الإسرائيلية بعض الصحافيات أو تفرض عليهن قيودًا متعلقة بالمنع من السفر أو التنقل دون أن يتم إعلامهن بسبب المنع أو الاعتقال، وتُعد قضيتهن "ملفًا سريًّا" بحسب المخابرات الإسرائيلية. يواجه الصحافيون عادةً هذه الادعاءات من خلال الإجراءات القانونية، لكن تلك الاتهامات تعد موضوعًا حساسًّا إذا ما تعلق الأمر بالنساء. لذلك، فإن العديد من الصحافيات قد يواجهن ضغوطات من عائلاتهن أو أزواجهن للتخلي عن مهنة الصحافة أو التوقف عن التطرق لمواضيع حساسة تجنبًا للملاحقات. وفي كثير من الحالات، تفرض الصحافيات رقابة ذاتية على عملهن خشية مواجهة انتقادات من المجتمع أو ضغوطات من عائلاتهن.
عدم تكافؤ الفرص
رغم أن النساء يشكلن نسبة مرتفعة من إجمالي عدد الصحافيين العاملين في الأراضي الفلسطينية، إلا أن ذلك لا يعد مؤشرًا على تكافؤ الفرص فيما يتعلق بالعمل الصحافي. فطبيعة الوضع على الأرض تدفع بعض الجهات الصحافية والإعلامية إلى الاعتقاد أن العمل مع الصحافيين الذكور في مناطق النزاع أسهل وأكثر مرونة، باعتبار أن بإمكانهم العمل بحرية أكثر فيما يتعلق بساعات العمل المتواصلة والمتأخرة، إلى جانب قدرتهم على الركض في أماكن الاشتباك والهجمات العسكرية بحرية وبقدرة أكبر من النساء. لذلك، تميل الوكالات الإخبارية والصحافية إلى التعاون مع صحافيين ذكور في الأوقات الحرجة، فيما تعمد إلى تكليف الصحافيات بأعمال أقل أهمية أحيانًا.
في إفادة للصحافية "م.ن" من قطاع غزة (يحتفظ الأورومتوسطي باسمها بناءً على رغبتها)، والتي تعمل لصالح إحدى الوكالات المحلية، قالت إنها لم تُكلف لمرة واحدة بتغطية أحداث عاجلة على الأرض، وهو الأمر الذي طلبته من إدارتها أكثر من مرة، في الوقت الذي يجري دائمًا تكليف زملائها الذكور بذلك. وأضافت: "عبّرت لمسؤولي أكثر من مرة عن رغبتي في المشاركة بتغطية أحداث أكثر أهمية، من خلال الذهاب إلى أماكن الاستهداف وإجراء المقابلات كما يفعل زملائي الذكور، لكنه في كل مرة كان يقول لي أنني لن أحتمل الصعوبات التي تترافق مع تغطية الأحداث الساخنة والخطيرة، وأنني لن أتمكن من التصرف أو الركض في حال تم استهداف المكان الذي أتواجد فيه، إلى جانب أنه من الصعب عليه أن يكلفني بمهام في أوقات متأخرة من الليل"
ويعد عدم تكافؤ الفرص نتيجة مترتبة على اعتبار المجتمع بأن المرأة أضعف بطبيعتها من الرجل، ولديها خبرة أقل في الأعمال التي تتطلب جهدًا ذهنيًّا وبدنيًّا كبيرًا. وفي حالات عدة، تستسلم الصحافيات لذلك الواقع، فيملن إلى العمل الصحافي الأقل متاعبًا وخطورة.
الإطار القانوني
أولًا: التشريعات الدولية
أولى القانون الدولي لحقوق الانسان أهمية خاصة لحرية التعبير والحق في النفاد إلى المعلومات وتداولها، ويعتبر هذا الحق في ظل الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم وسهولة إبداء الرأي وتداول المعلومات عبر الفضاء الالكتروني من أكثر الحقوق تعرضًا للانتهاك، ولذلك فقد أعطت الصكوك الدولية الأساسية نصوص حماية صريحة لهذا الحق وفق الآتي:
أكد الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 على ضرورة حماية الدول للحق في التعبير، وتلقي المعلومات وتداولها دون قيود من خلال نص المادة 19 التي جاء فيها: "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية"
وشددت المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 على الحق في حرية التعبير " لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها."
وأكدت المادة 2 من "إعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب" على أهمية الدور الذي تضطلع به وسائل الإعلام في تحقيق السلام الدولي وجوب منع الصحفيين الحماية الكافية للقيام بواجبهم، حيث نصت على ما يلي:
"1. إن ممارسة حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعلام، المعترف بها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدولي.
2. فيجب ضمان حصول الجمهور على المعلومات عن طريق تنوع مصادر ووسائل الإعلام المهيأة له، مما يتيح لكل فرد التأكد من صحة الوقائع وتكوين رأيه بصورة موضوعية في الأحداث. ولهذا الغرض يجب أن يتمتع الصحفيون بحرية الإعلام وأن تتوافر لديهم أكبر التسهيلات الممكنة للحصول على المعلومات. وكذلك ينبغي أن تستجيب وسائل الإعلام لاهتمامات الشعوب والأفراد، مهيئة بذلك مشاركة الجمهور في تشكيل الإعلام.
3. وعملا على دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري، والتحريض على الحرب، تسهم وسائل الإعلام، في كل بقعة من بقاع العالم وبحكم الدور المنوط بها، في تعزيز حقوق الإنسان، ولا سيما عن طريق إسماع صوت الشعوب المقهورة التي تناضل ضد الاستعمار والاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي وجميع أشكال التمييز العنصري والقهر، والتي يتعذر عليها جعل صوتها مسموعا في بلادها.
4. ولكي تتمكن وسائل الإعلام من تعزيز مبادئ هذا الإعلان في ممارسة أنشطتها، لا بد أن يتمتع الصحفيون وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام الذين يمارسون أنشطتهم في بلادهم أو في خارجها بحماية تكفل لهم أفضل الظروف لممارسة مهنتهم."
إلى جانب ذلك، فقد أكد القرار الأممي 76/173 بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 2021 على أهمية اتباع نهج يعالج المخاطر التي تتعرض لها الصحفيات أثناء ممارستهن لأعمالهن حيث نص على ما يلي:
"وإذ يساورها قلق بالغ إزاء المخاطر الخاصة التي تواجه الصحفيات في سياق ممارستهن لعملهن، في حالات النزاع المسلح وفي غير حالات النزاع، حيث ما زلن عرضـة للاستهداف بمعدلات مثيرة للقلق، وإذ تشدد في هذا السياق على أهمية اتباع نهج يراعي الفوارق بين الجنسين عند النظر في التدابير اللازمة لكفالة سلامة الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام، بما في ذلك في الفضـاء الإلكتروني، ولا سيما للتصدي بفعالية لجميع أشكال التمييز والعنف والانتهاك والمضايقة الجنسية والجنسانية، بما في ذلك التحرش الجنسـي والتهديد والتخويف وعدم المســـــــاواة والقوالب النمطية القائمة على نوع الجنس، ولتمكين المرأة من ممارسة الصحافة والبقاء فيها على أساس المساواة وعدم التمييز، مع ضمان أكبر قدر ممكن من السلامة لهن، ولكفالة معالجة تجارب الصحفيات وشواغلهن بفعالية والتصدي للقوالب النمطية الجنسانية في وسائط الإعلام على النحو المناسب".
كما أن المادة 79 من الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977، قد شددت على وجوب إيلاء حماية خاصة للصحفيين الذي يباشرون أعمالهم في مناطق المنازعات المسلحة، حيث نصت على ما يلي:
"المــادة 79: تدابير حماية الصحفيين 1- يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50. 2- يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا اللحق "البروتوكول" شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين وذلك دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 (أ – 4) من الاتفاقية الثالثة.
ثانيًا: التشريعات الوطنية
تونس
كفل الدستور التونسي 2014 الحق في حرية الصحافة وفق ما ورد في نص الفصل 31 "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات".
وكما وأفرد المرسوم عدد 115 لسنة 2011 فصولاً كاملة تحظر الاعتداء على الصحافيين وتحمي مصادرهم، وأحالت معاقبة المعتدي على الصحافي إلى الفصل 123 من المجلة الجزائية بعقوبة
الاعتداء على موظف شبه حكومي وفقا للآتي:
" الفصل 11 ـ تكون مصادر الصحافي عند قيامه بمهامه ومصادر كل الأشخاص الذين يساهمون في إعداد المادة الإعلامية محمية، ولا يمكن الاعتداء على سرية هذه المصادر سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلا إذا كان ذلك مبرّرا بدافع ملح من دوافع أمن الدولة أو الدفاع الوطني وخاضعا لرقابة القضاء. ويعتبر اعتداء على سرية المصادر جميع التحريات وأعمال البحث والتفتيش والتنصت على المراسلات أو على الاتصالات التي قد تتولاها السلطة العامة تجاه الصحافي للكشف عن مصادره أو تجاه جميع الأشخاص التي تربطهم به علاقة خاصة. لا يجوز تعريض الصحافي لأي ضغط من جانب أي سلطة كما لا يجوز مطالبة أي صحفي أو أي شخص يساهم في إعداد المادة الإعلامية بإفشاء مصادر معلوماته إلا بإذن من القاضي العدلي المختص وبشرط أن تكون تلك المعلومات متعلقة بجرائم تشكل خطرا جسيما على السلامة الجسدية للغير وأن يكون الحصول عليها ضروريا لتفادي ارتكاب هذه الجرائم وأن تكون من فئة المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى.
الفصل 12 ـ لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحافي أو المعلومات التي ينشرها سببا للمساس بكرامته أو للاعتداء على حرمته الجسدية أو المعنوية.
الفصل 13 ـ لا تجوز مساءلة أي صحفي على رأي أو أفكار أو معلومات ينشرها طبقا لأعراف وأخلاقيات المهنة كما لا تجوز مساءلته بسبب عمله إلا إذا ثبت إخلاله بالأحكام الواردة بهذا المرسوم.
الفصل 14 ـ يعاقب كل من يخالف الفصول 11 و12 و13 من هذا المرسوم وكل من أهان صحفيا أو تعدى عليه بالقول أو الإشارة أو الفعل أو التهديد حال مباشرته لعمله بعقوبة الاعتداء على شبه موظف عمومي المقررة بالفصل 123 من المجلة الجزائية."
اليمن
ضمن الدستور اليمني الحق التعبير عن رأيهم في حيث نصت المادة 42 منه على ما يلي:
" لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حـدود القانـون."
كما عدّت المادة 6 من قانون الصحافة والمطبوعات اليمني حماية الصحفيين وتوفير الضمانات لممارسة أعمالهم من المبادئ التي يتوجب تنفيذها، حيث نصت على ما يلي:
"حماية حقوق الصحفيين والمبدعين وتوفير الضمانات القانونية اللازمة لممارسة المهنة وحقهم في التعبير دون تعرضهم لأي مسألة غير قانونية يكفلها القانون، ما لم تكن بالمخالفة لأحكامه."
كما نصت المادة 13 من ذات القانون على عدم جواز مساءلة الصحفي عما ينشره ضمن عمله الصحفي:
"مادة (13): لا يجوز مساءلة الصحفي عن الرأي الذي يصدر عنه أو المعلومات الصحفية التي ينشرها، وألا يكون ذلك سبباً للإضرار به ما لم يكن فعله مخالفاً للقانون."
الأراضي الفلسطينية
كفل القانون الأساسي للمواطنين ممارسة حقهم في التعبير حيث نصت المادة 19 منه على ما يلي:
"لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون."
وهو ذات الأمر الذي أكدت عليه المادة 2 من قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني، حيث جاء فيها:
"الصحافة والطباعة حرتان وحرية الرأي مكفولة لكل فلسطيني، وله أن يعرب عن رأيه بحرية قولاً، كتابة، وتصويراً ورسماً في وسائل التعبير والإعلام."
التوصيات
في الوقت الذي تتفاقم فيه النزاعات المسلحة والعنف بشكل مضطرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الصحافيين يبقون من الفئات الأكثر عرضة للانتهاكات والاعتداءات المتكررة، فيما تواجه الصحافيات تحديدًا ضغوطات مضاعفة وعلى نطاق أوسع. وفي ضوء الاعتداءات التي وثقها المرصد الأورومتوسطي على الأرض ضد الصحافيات في كلٍّ من اليمن وتونس والأراضي الفلسطينية المحتلة، فإنه يوصي كلٍّ من:
الأمم المتحدة وأجسامها ذات العلاقة:
- تفعيل القرار الأممي رقم 76/173 عبر العمل بآليات تعالج المخاطر التي تتعرض لها الصحافيات أثناء ممارستهن لأعمالهن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
- إنشاء آليات محاسبة مستقلة للتحقيق في ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الممنهجة ضد الصحافيات في كل من اليمن وتونس والأراضي الفلسطينية، وضمان تحقيق العدالة لهن وحماية حقهن في حرية التعبير عن الرأي والعمل الصحافي.
- العمل مع أطراف النزاع والسلطات من أجل اتخاذ تدابير للإفراج عن الصحافيين المعتقلين والمختفين قسريًا، والحد من الاعتداءات الممارسة ضد الصحافيات.
- مساندة ودعم منظمات المجتمع المدني المعنية بالحريات الصحافية في كلٍّ من اليمن وتونس والأراضي الفلسطينية، وتبني قضاياهم للضغط على الجهات الحكومية وضمان حقوقهم.
- العمل مع شركات التواصل الاجتماعي لتطوير آليات تبليغ فعالة ومخصصة لمساعدة الصحافيات في التبليغ عن حالات التهديد والترهيب والابتزاز التي يتعرضن لها على خلفية عملهن الصحافي.
السلطات اليمنية:
- إنهاء القيود التعسفية وغير المبررة على حقوق المرأة في البلاد، بما في ذلك الحق في العمل الصحافي وحرية التنقل وحرية التعبير عن الرأي.
- فتح تحقيق مستقل وجدي في مزاعم الاعتداء على الصحافيات في اليمن، بما في ذلك ملاحقتهن على الأرض وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتلفيق التهم لهن ووصمهن وتشويه سمعتهن على خلفية عملهن الصحافي.
- التعاون مع الصحافيات وتسهيل عملهن الصحافي، والتوقف عن حجب المعلومات عنهن وعرقلة جهودهن.
السلطات التونسية:
- احترام الحق في حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، ووقف حملة التحريض ضد الصحافيات والمدونات، والالتزام بالدستور التونسي والقوانين الوطنية الناظمة للعمل الصحفي، والمواثيق الدولية
- إجراء تحقيق مستقل في جميع حوادث الاعتداء على الصحافيات، بما في ذلك حوادث الاعتداء الجسدي واللفظي والاحتجاز التعسفي، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، والتوقف عن إصدار القرارات التقييدية ضد العمل الصحافي في البلاد.
- على الرئيس التونسي قيس سعيّد التوقف عن التحريض على وسائل الإعلام، وتحمل مسؤولية أي اعتداء أمني قد تتعرض له الصحافيات في تونس، خاصة في ظل حالة الاحتقان الحالية التي تمثل بيئة خصبة للاعتداء على الحريات وهدر الحقوق المكفولة بموجب الدستور التونسي.
- إصدار قوانين واضحة وعقوبات للتنمر الالكتروني والاعتداءات المتكررة ضد الصحافيات، وزيادة الرقابة على حملات التشهير وفرض عقوبات صارمة على مرتكبيها.
السلطات الإسرائيلية
- الالتزام بمسؤولياتها كسلطة قائمة بالاحتلال، والتوقف عن استهداف وملاحقة واعتقال وتهديد الصحافيات والتحقيق معهن بشكل عشوائي على المعابر والحواجز العسكرية بسبب نشاطهن الصحافي.
- الالتزام بمنح الصحافيات الحق في حرية الحركة والتنقل من وإلى الأراضي الفلسطينية وداخل المدن دون عرقلة أو قيود. وفي حال وجود حالات استثنائية تستدعي فرض قيود أمنية محددة، فيجب دراستها بشكل فردي والتعامل معها في ضوء أحكام القانون الدولي.
- التحقيق في ادعاءات قيام ضباط إسرائيليون بتهديد وابتزاز ومساومة صحافيين فلسطينيين -من ضمنهم نساء- على حقهم في السفر مقابل التخلي عن عملهم الصحافي، وضمان عدم تكرار تلك الحوادث.
السلطة الفلسطينية والسلطات الحاكمة في غزة
- إنهاء القيود المفروضة على الحق في حرية الرأي والتعبير، وضمان ممارسة الصحافيين لعملهم بحرية، والحد من كافة الممارسات التي من شأنها عرقلة العمل الصحافي أو فرض الصحافيين رقابة ذاتية على عملهم.
- تنفيذ برامج تدريبية للصحافيين وصناع القرار، لمعالجة مشكلة عدم تكافؤ فرص العمل والقيادة في العمل الصحافي وبناء قدرات الصحافيات.
- إنشاء قنوات تبليغ فعالة عن حالات التمييز وتشويه السمعة الذي تتعرض له الصحافيات أثناء وعلى خلفية عملهن الصحافي.