بمشروع قانون مكافحة الهجرة غير القانونية الجديد، تمزّق المملكة المتحدة القانون الدولي للاجئين من خلال نظرة قاصرة وقصيرة المدى وخاطئة للهجرة وطلب اللجوء.
قدّمت وزيرة الداخلية في المملكة المتحدة يوم الثلاثاء 7 مارس/ آذار 2023 مشروع قانون جديد لاتخاذ الترتيبات اللازمة لإبعاد أي شخص يدخل المملكة المتحدة دون إذن في حال مروره عبر بلد ثالث آمن في طريقه إلى المملكة المتحدة.
سيعطي القانون في حال إقراره الضوء الأخضر للإعادة القسرية، إذ يلغي الحق في طلب اللجوء في المملكة المتحدة لجميع الواصلين تقريبًا بغض النظر عن قوة طلباتهم أو مدى حاجتهم إلى الحماية.
يتجاهل القانون الذي أسمته الحكومة البريطانية مشروع قانون "أوقفوا القوارب" حقيقة أنّ بيانات وزارة الداخلية البريطانية نفسها تؤكد قبول الغالبية العظمى من الواصلين في قوارب صغيرة عبر بحر المانش كلاجئين في حال دراسة طلباتهم والبت فيها.
في الواقع، لا يستطيع معظم الأشخاص الفارين من الحروب والاضطهاد الحصول على جوازات السفر والتأشيرات المطلوبة، ولذلك فإن تصنيف المهاجرين وطالبي اللجوء على أنّهم "غير قانونيين" بناءً على طريقة وصولهم التي اضطروا إليها، وافتراض أنّ خيار الدخول الرسمي كان متاحًا لهم ولم يختاروه عمدًا، يشوّه بشكل خطير هذه الحقائق الأساسية.
يبرر مشروع القانون هذا التشويه بافتراض أنّ وقف عمليات العبور يتطلب "حلولًا جذرية" بما في ذلك ترحيل الأطفال غير المصحوبين في بعض الظروف، وحظر جميع الواصلين إلى البلاد بطريقة غير نظامية من العودة إلى بريطانيا أو الحصول على الجنسية البريطانية.
تؤكد المادة (31) من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين بشكل صريح حقيقة أن اللاجئين قد يُجبرون على دخول بلد ما بشكل غير قانوني لطلب اللجوء ويجب عدم معاقبتهم على ذلك، إلا أن المملكة المتحدة تفرض بموجب مشروع القانون الجديد عقوبات جزائية تدوم مدى الحياة على هؤلاء الأشخاص، وخاصةً طالبي اللجوء.
في حال إقراره، سيعطي القانون الضوء الأخضر للإعادة القسرية، وعلى حد تعبير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فالقانون "قد يرقى إلى مستوى حظر اللجوء"، إذ يلغي الحق في طلب اللجوء في المملكة المتحدة لأولئك الذين يصلون بشكل غير نظامي -أي جميع الواصلين تقريبًا- بغض النظر عن قوة طلباتهم أو مدى حاجتهم إلى الحماية.
لن يكون هناك أي فرصة لأي شخص مستضعف، حتى الأشخاص الذين يحتمل أنهم وقعوا ضحايا للعبودية الحديثة أو الاتجار بالبشر، للطعن في قرار إبعادهم بغض النظر عن أعمارهم وأجناسهم وماضيهم.
سيكون أمامهم أسبوع واحد فقط -ربما من مكان الاحتجاز- لإثبات الخطر الحقيقي للتعرض "لضرر جسيم لا رجعة فيه" في حال إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد ثالث وبدون الوصول إلى أي دعم خارجي. لن يتم النظر في جميع الطعون القانونية الأخرى للإعادة القسرية، بما في ذلك المتعلقة بحقوق الإنسان، إلا من قبل محاكم المملكة المتحدة بعد إبعاد الشخص عن المملكة المتحدة، أي عن بُعد.
تزعم الحكومة البريطانية أنّها تهدف من خلال "إنهاء" الهجرة غير القانونية إلى التركيز على توفير أفضل للأشخاص القادمين عبر طرق آمنة وقانونية، لكنّها تتناسى أنّ هذه الطرق غير موجودة أصلًا.
في الوقت الحالي، الممرات النظامية الآمنة إلى المملكة المتحدة مفتوحة فقط للاجئين الأوكرانيين وعدد قليل من اللاجئين الأفغان، لكنها محدودة للغاية.
على الرغم من أن طريق بحر المانش هو أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم -ما يعني أنّ رحلة الهجرة فيه شديدة الخطورة- إلّا أنّ أكثر من 45 ألف شخص وصلوا إلى المملكة المتحدة عبر بحر المانش العام الماضي، أي حوالي ضعف عدد أولئك الذي وصلوا في عام 2021.
مع ذلك، فإنّ الزيادة في عدد الواصلين لم تدفع الحكومة البريطانية إلى التفكير بغير جعل طريق الوصول عبر قناة المانش صعبًا وغير ممكن. ولكن من ناحية أخرى، هناك العديد من الأسباب وراء هذه الزيادة في عدد الواصلين، والتي إذا ما حُللت بشكل صحيح، يمكن الوصول إلى بدائل مختلفة وأكثر استدامة بالتأكيد.
يعود تزايد أعداد الواصلين جزئيًا إلى فشل بريطانيا في إنشاء طرق آمنة وقانونية لطلب اللجوء في البلاد، وينطبق الأمر نفسه على الدول الأوروبية الأخرى. ولكن نظرًا لأن المملكة المتحدة لم تعد جزءًا من اتفاقية دبلن، فقد يرغب بعض طالبي اللجوء وأولئك الذين ربما خسروا قضية لجوئهم في فرنسا أو الدول الأعضاء الأخرى بتقديم طلب لجوء في المملكة المتحدة دون التعرض لخطر الترحيل أو الخضوع لضوابط اتفاقية دبلن.
المعنى الكامل للحق في طلب اللجوء يتمثل بالاعتراف بأن لطالبي اللجوء أسباب مشروعة لدخول بلد ما أو التواجد فيه بشكل غير نظامي، وحمايتهم رغم ذلك.
يكمن سبب آخر في حقيقة أنّ المهاجرين وطالبي اللجوء في فرنسا يتعرضون للمعاملة المهينة، بما في ذلك مضايقات الشرطة والرفض الفوري على الحدود الفرنسية الإيطالية وتقييد الوصول إلى الحماية والخدمات الأساسية. ولذلك، يحتمل أن المهاجرين وطالبي اللجوء يقررون مغادرة الأراضي الفرنسية وخاصة المنطقة المحيطة ببلدة "كاليه" التي تشهد عمليات إخلاء جماعي متكررة ومضايقات شبه يومية من الشرطة وقيود على توفير المساعدات الإنسانية والوصول إليها، ويختارون عبور بحر المانش للتوجه إلى بريطانيا وعيش حياة أفضل.
وقد يكمن السبب الثالث في الماضي الاستعماري البريطاني والرغبة الطبيعية للأشخاص في البحث عن بيئات مألوفة، إذ من الممكن أن تكون اللغة الإنجليزية نفسها حافزًا لذلك، ولكن أيضًا حقيقة وجود مجتمعات هندية وباكستانية وبنجلادشية كبيرة في المملكة المتحدة بالإضافة إلى أشخاص من خلفيات نيجيرية وكاريبية، إلى جانب الشعور بالألفة من خلال الطعام والموسيقى واللغة والتقاليد. هذه المجتمعات قد توفر للمهاجرين وطالبي اللجوء الذين وصلوا حديثًا الإقامة وفرص العمل والشعور بالانتماء الذي لا يمكنهم العثور عليه في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وبينما تختلف الأسباب التي تجعل الأشخاص يرغبون في الذهاب إلى المملكة المتحدة، فإن أخذ الأسباب الثلاثة السابقة بعين الاعتبار يحدد خارطة طريق مختلفةً تمامًا لمعالجة قضية الهجرة واللجوء. خارطةٌ نرى من خلالها المزيد من الطرق القانونية متاحة بشكل ملموس لكلٍ من طالبي اللجوء والمهاجرين، وتتطلب مزيدًا من الاهتمام بهم باعتبارهم بشرًا، والاستماع إليهم والاعتماد عليهم في تطوير حلول دائمة.
فشلت المملكة المتحدة حتى الآن في الاستجابة بشكل مناسب للزيادة في أعداد الواصلين عبر بحر المانش، فهي تختار التهرب بدلًا من مواجهة الواقع والاستماع للمطالبات العالمية في هذا الشأن، وتعمل على تمويل بناء مركز احتجاز للمهاجرين في فرنسا، وتتنصل في نهاية المطاف من التزاماتها الدولية الأساسية.
إن المعنى الكامل للحق في طلب اللجوء يتمثل بالاعتراف بأن لطالبي اللجوء أسباب مشروعة لدخول بلد ما أو التواجد فيه بشكل غير نظامي، وحمايتهم رغم ذلك.
حتى الآن، لا يوجد لدى المملكة المتحدة أي ترتيبات من شأنها تمكين نقل طالبي اللجوء إلى بلدان ثالثة آمنة، حتى أن الاتفاقية مع رواندا -التي حُكم بأنها قانونية في ديسمبر/ كانون الأول 2023- ما تزال قيد الاستئناف حاليًا.
على أرض الواقع، سيؤدي "مشروع قانون مكافحة الهجرة غير القانونية" الجديد إلى حبس عشرات الآلاف من طالبي اللجوء لمدد غير محددة في انتظار أن تنقضي حياتهم. سيبقون في الأراضي البريطانية، ولكن خارج نظام اللجوء وداخل مراكز الاحتجاز.