جنيف – عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ لاندلاع نزاع مسلح بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، محذرًا بأن المدنيين هم من يدفعون ثمن النزاع الذي ينزلق إلى مستويات خطيرة، بعيدًا عن الالتزام بمعايير القانون الدولي الإنساني.

وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان له إن الخلافات والصراع الذي كان دائرًا في الكواليس بين رئيس مجلس السيادة في السودان القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، قائد القوات المسلحة ظهر إلى العلن خلال الأيام الأخيرة بتحركات عسكرية ميدانية من قوات الدعم السريع الخميس الموافق 13 أبريل/نيسان الجاري، لا سيما في مدينة مروي، وهو ما عدها الجيش تحركات غير قانونية.

وعلى وقع محاولات أطراف عديدة نزع فتيل الأزمة، تطورت الأمور إلى مواجهات عسكرية ضارية في العاصمة الخرطوم وعدة مدن وولايات أخرى، استخدمت فيه أسلحة وذخائر متعددة، بما فيها الطيران الحربي والدبابات.  

   الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في تدهور خطير وتراجع منذ عام 2019، وأي اشتباك جديد بوجود أكثر من 300 ألف مقاتل لدى طرفي النزاع يعني إدخال البلاد في صراع دموي يخلف آلاف الضحايا   

وأشار الأورومتوسطي إلى أن الاشتباكات المسلحة تفجرت في وقت مبكر صباح اليوم السبت الموافق 15 أبريل/ نيسان، مع تحركات عسكرية ميدانية واسعة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتبادل الجانبين الاتهامات بالمسؤولية عن التسبب بانفجار هذه المواجهة.

ووفق متابعة فريق الأورومتوسطي، فقد استخدم طرفا النزاع القوة النارية المفرطة دون مراعاة لأحوال المدنيين، حيث اكتفى الطرفان بدعوة المدنيين لالتزام منازلهم، في الوقت الذي تبادلت القوى المسلحة النيران والقذائف وسط الشوارع والتجمعات السكنية.

وتوثق الأورومتوسطي من تعرض مركبة مدنية واحدة على الأقل للدهس من دبابة في أحد شوارع الخرطوم، في حين عاش مئات المدنيين المسافرين أو العائدين حالات رعب استمرت عدة ساعات داخل مطار الخرطوم، بعد اشتباكات داخل المطار، وتوقفت حركة الطيران، فيما أحرقت عدة طائرات، منها طائرات مدنية.

ووثق المرصد الأورومتوسطي من مقتل 120 شخصًا على الأقل حتى صباح يوم الأحد الموافق 16 أبريل/نيسان، ما يقرب من نصفهم من المدنيين، في حين تتوارد معلومات يجري التوثق منها بأن عدد القتلى، بمن فيهم المدنيون، أكثر من ذلك بكثير، حيث تواجه الفرق الطبية صعوبات في الوصول إليهم نتيجة الاشتباكات وإغلاق الشوارع، فضلًا عن تسجيل مئات الإصابات الذين نقل العشرات منهم إلى المشافي وسط صعوبات في تقديم الخدمات الصحية الملائمة لهم.

وقال الأورومتوسطي إن ما يجري نتيجة مؤسفة لحالة مستمرة منذ سنوات في السودان، ولكنها أخذت منحنىً خطيرًا بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي انفردت فيه القوات المسلحة برئاسة البرهان بالحكم بالبلاد بعد أن كانت تتقاسم ذلك مع قوى مدنية منذ الإطاحة بالنظام السابق الذي كان يتزعمه عمر البشير في يوليو/تموز 2019.

وأشار إلى أنه رغم أن المكون العسكري في السودان وقع في 5 ديسمبر/كانون أول 2022، مع قوى مدنية بارزة في مقدمتها إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقًا)، اتفاقا إطاريًّا لحل الأزمة السياسية في البلاد، ينص على تشكيل سلطة مدنية انتقالية جديدة لمدة عامين بقيادة رئيس للوزراء من اختيار القيادات المدنية، إلاّ أن خلافات جديدة برزت على خلفية آليات دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وأحقية القيادة والتحكم خلال عملية الدمج وبعدها.

وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أطراف النزاع المسلح في السودان بالتوقف الفوري عن إطلاق النار، وحتى تحقق ذلك، شدد على ضرورة التزام هذه الأطراف بتجنيب المدنيين الأعمال الحربية وحمايتهم والالتزام بمعايير القانون الدولي الإنساني. ودعا أطراف النزاع إلى الانخراط في حوار فوري واستعادة النظام والعودة إلى المسار الانتقالي، ومعالجة آثار المرحلة السابقة والحالية على نحو يضمن احترام حقوق الأفراد والكيانات، والتقيّد بمبادئ حقوق الإنسان في كل الإجراءات التي تهدف إلى استعادة المسار المدني وإرساء أسس العدالة والديمقراطية.

وطالب الأورومتوسطي بتسهيل عمل الطواقم الطبية وفرق المساعدة الإنسانية والدفاع المدني، خاصة مع وجود عشرات الحرائق، ووقوع عشرات الإصابات والضحايا الذين يبقون بحاجة للنقل إلى المشافي.

وأكد على ضرورة تطبيق بروتوكولات منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر وغيرها في حماية الكوادر الطبية والمدنيين والمصابين، وتجنب استهداف المنشآت المدنية وحماية مقدرات البلاد المختلفة.

وحذر المرصد الأورومتوسطي بأن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في تدهور خطير وتراجع منذ عام 2019، مشيرًا إلى أن أي اشتباك جديد بوجود أكثر من 300 ألف مقاتل لدى طرفي النزاع (أكثر من 200 ألف قوات الجيش و100 ألف قوات الدعم السريع) يعني إدخال البلاد في دوامة صراع دموي يخلف آلاف الضحايا ويفاقم الوضع الإنساني الصعب في السودان.