مؤلف مشارك: ضحى خليل

أصبح استخدام الإنترنت كأداةٍ أساسيةٍ ومهمة لتسهيل الوصول إلى الاتصالات والتعليم والتجارة أمرًا منتشرًا نسبيًا، وأضحى حصول الأفراد على حقوقهم الرقمية -أو عدمه- مصدر قلقٍ في لبنان، لا سيّما فيما يتعلق بقدرة الأفراد على الوصول إلى الإنترنت والرقابة الحكومية على النشاط والمحتوى الإلكتروني، فضلًا عن مستوى الحماية الممنوحة للمستخدمين.

لطالما تعرض حق الوصول إلى الإنترنت وحق حماية البيانات الشخصية في لبنان للانتهاكات من الجهات الحكومية وغير الحكومية، إذ تصاعدت الانتهاكات في أعقاب الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي بدأت عام 2019. ويرجع ذلك في الأساس إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، الذي أضعف قدرة المواطنين والمقيمين على تحمل تكاليف الوصول إلى الإنترنت.

يُعد الإطار القانوني اللبناني الذي ينظّم عمل الإنترنت هشًا، إذ يتضمن قانون حماية البيانات الحالي في لبنان -قانون رقم 81 لعام 2018 بشأن المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي- أحكامًا مصممة لحماية البيانات الشخصية ولكن إلى حد معين فقط.

   لطالما تعرض حق الوصول إلى الإنترنت وحق حماية البيانات الشخصية في لبنان للانتهاكات من الجهات الحكومية وغير الحكومية   

لا تُولي السلطات التشريعية اللبنانية اهتمامًا كبيرًا لحماية البيانات الشخصية، حيث يُظهر الجمع بين القانون المتعلق بتنظيم المعاملات الإلكترونية والقانون المتعلق بحماية البيانات الشخصية أنّ الهيئة التشريعية ترى البيانات الشخصية من منظور الفرصة الاقتصادية فحسب. حتى أن عنوان القانون ذاته يتضمن عبارة "البيانات الشخصية" بدلًا من "حماية البيانات الشخصية".

كما أن القانون الحالي لا يُطبّق بشكل صحيح، فبعد ست سنوات من اعتماد القانون، لم تصدر وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية -المسؤولة عن تنفيذ القانون- توجيهات بشأن كيفية تقديم طلبات معالجة البيانات الشخصية. ويقوّض هذا النقص في الإجراءات من جانب الوزارة هدف القانون والغرض منه.

يحتوي القانون على العديد من الأحكام التي تسمح للهيئات العامة بالوصول إلى البيانات الشخصية دون تقديم أي معايير واضحة بشأن البيانات الشخصية التي يمكن الوصول إليها. فعلى سبيل المثال، يمكن لوزارة الاتصالات جمع أي بيانات تريدها بمساعدة مزودي الاتصالات الوحيدين في لبنان، شركة "ألفا" وشركة "تاتش" (كلاهما مملوك للحكومة)، ومشاركة هذه البيانات مع جهات حكومية أخرى دون موافقة المستخدمين.

يخدم القانون تركيز الصلاحيات في يد السلطة التنفيذية، ويفشل في حماية البيانات الشخصية للمواطنين والمقيمين، ولا يوفّر العديد من المعايير والضمانات المعتمدة في التشريعات الدولية لحماية البيانات.

ضعف البنى التحتية للاتصالات

في عام 2004، كان 9% فقط من اللبنانيين يستخدمون الإنترنت، لكن هذا العدد ارتفع بشكل كبير في السنوات التالية، حيث بلغ عدد مستخدمي الإنترنت 2.79 مليون مستخدم اعتبارًا من يناير/ كانون الثاني 2012.

وارتفع هذا العدد بنسبة 25.6% ليصل إلى 3.5 مليون مستخدم اعتبارًا من يناير/ كانون الثاني 2013، مواصلًا ارتفاعه بشكل تدريجي حتى يناير/كانون الثاني 2019، حيث بلغ 5.36 مليون مستخدم.

وفقًا لتقرير أصدرته منظمة "نحن اجتماعيون" بعنوان "2022 الرقمية: نظرة عامة عالمية" الذي يقدم لمحة عامة عن اعتماد واستخدام الأجهزة والخدمات المتصلة في جميع أنحاء العالم، بلغ إجمالي عدد السكان في لبنان 6.73 مليون نسمة اعتبارًا من فبراير/ شباط 2022، في حين بلغ عدد الأجهزة الخلوية المحمولة المتصلة بالشبكة 4.6 مليون جهازًا، مما يعني أن 68.3% من السكان يستخدمون الأجهزة المحمولة.

وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت الذين تم توثيقهم في ذلك الوقت إلى 6.01 مليون مستخدم بما يعادل 89.3% من السكان، وبلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي النشطين 5.06 مليون مستخدم بما يعادل 75.2% من السكان. ولم تُنشر بعد آخر الإحصائيات لعام 2023.

ومن المتوقع حدوث انخفاض في هذه الأرقام بسبب الانخفاض الحاد في قيمة العملة الذي وصل إلى 100% في يناير/كانون الثاني 2023، مما أدى إلى زيادة رسوم الاشتراك في الإنترنت والقطع المستمر للخدمة في البلاد، دون تقديم أي تعويضات للمستخدمين على الإطلاق.

يرتبط الوصول إلى الإنترنت ارتباطًا وثيقًا بالحقوق الرقمية كالحق في الخصوصية، كما أنه ضروري لممارسة الحق في الوصول إلى المعلومات الذي يعد عاملًا رئيسًا في تعزيز الشفافية والمساءلة، مما يسمح للجمهور بالمشاركة في الخطابين العام والسياسي.

وتشمل الحقوق الرقمية العديد من القضايا، بما في ذلك احترام حقوق الملكية الفكرية وحماية المعلومات الشخصية ومنع المضايقات والتمييز عبر الإنترنت.

تعد البنية التحتية للاتصالات في لبنان ضعيفة، وتحد من وصول المستخدمين إلى خدماتها على الرغم من زيادة الطلب على الخدمات الثابتة والمتنقلة، إذ تعرقل الاستثمار في هذا القطاع بسبب الأزمات الاقتصادية والنقدية المستمرة، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية بسبب نقص الصيانة.

كما صُنّفت لبنان في المرتبة الخامسة كأغلى دولة من حيث خدمات الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقًا لموقع "Cable" لمقارنة الاتصالات.

يواجه سكان لبنان عقبات كبيرة في محاولاتهم لاستخدام الإنترنت، خاصةً خلال واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والنقدية في العالم، بما يمثل تقويضًا لجميع حقوق الإنسان الأخرى المرتبطة بشكل غير مباشر بالحق في الوصول إلى الإنترنت أيضًا -أو على الأقل، تحديًا خطيرًا لممارستها في الوقت الحالي في عالمٍ واسع الرقمنة-.

حماية غير كافية للبيانات الشخصية

تعد حماية البيانات الشخصية حقًا إنسانيًا أساسيًا منصوصًا عليه في مختلف الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، وتعد الخصوصية أمرًا أساسيًا لحماية كرامة الإنسان، إذ تعزز الحقوق الأخرى، بما في ذلك حرية التعبير والوصول إلى المعلومات وحرية التجمع.

ويكفل الدستور اللبناني حماية البيانات الشخصية بشكل واضح، حيث تنص ديباجة الدستور على وجوب التزام البلاد بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما يعطي أحكام الأخير قيمة دستورية داخل النظام القانوني اللبناني، وفقًا للمحكمة الدستورية اللبنانية.

وتضمن المادة (8) من الدستور اللبناني الحرية الفردية، بينما تضمن المادة (13) الحق في حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات وحماية حق المواطنين في الخصوصية بشكل غير مباشر عبر جميع وسائل الاتصال. ومع ذلك، يتم تقويض هذه الضمانات الدستورية من خلال القوانين التي لا توفر سوى الحد الأدنى من الحماية للناس.

وينص القانون رقم (140) لسنة 1999 بشأن حماية سرية الاتصالات على الحق في سرية الاتصالات الداخلية والخارجية، بكل الوسائل؛ السلكية واللاسلكية.

وعلى الرغم من أن هذا القانون يهدف إلى الحفاظ على الحق في خصوصية المراسلات التي تتم من خلال أي وسيلة اتصال، كما تم التأكيد عليه في المادة (1)، إلا أن المادة (2) تنص على أن "اعتراض المراسلات يجب أن يتم بأمر قضائي" و "في حالات الضرورة القصوى"، دون تعريف هذه المصطلحات أو تقديم أي معايير للحد من سلطة المحكمة التقديرية، وترك الأمر للمحكمة لتقرير ما إذا كانت ستسمح بالاعتراض أم لا. يأتي ذلك في ظل نظام قضائي شديد التسييس والاستقطاب، وهو ما يشكل تهديدًا لحماية الاتصالات والبيانات الشخصية.

إلى جانب القوانين المذكورة أعلاه وإعطاء الأولوية علنًا للفرص الاقتصادية على حماية البيانات الشخصية، يُظهر البرلمان اللبناني تجاهلًا صارخًا لأهمية حماية البيانات الشخصية.

كما يُلزم قانون الانتخابات النيابية وزارة الداخلية والبلديات بنشر البيانات الشخصية الحساسة لجميع الناخبين، مثل الاسم الكامل واسم الأم وتاريخ الميلاد والدائرة ورقم الأحوال الشخصية، في انتهاكٍ صارخ لحق الناخبين اللبنانيين في الخصوصية.

في عالم رقمي أصبح فيه الوصول إلى الإنترنت أمرًا أساسيًا في الحياة اليومية للأفراد والكيانات، يجب إنشاء بنية تحتية شاملة وفعالة للحقوق الرقمية وإطار قانوني لحماية البيانات الشخصية للمستخدمين. إن حماية البيانات الشخصية حق يجب إعطاؤه الأولوية.

ينبغي على المستخدمين في لبنان الحذر عند استخدام الإنترنت، إذ إنه على الرغم من وجود بعض القوانين واللوائح المحددة لتنظيم معالجة البيانات الشخصية -بدلًا من حمايتها- إلا أن مخاطر انتهاكات البيانات الشخصية تظل مرتفعة بسبب افتقار الدولة إلى بنية تحتية فعّالة وموثوقة للإنترنت.

وأخيرًا، لا تتوافق اللوائح القاصرة في لبنان مع المعايير الدولية ومع أفضل الممارسات المتعلقة بالحقوق الرقمية، لا سيّما تلك المنصوص عليها في النظام الأوروبي العام لحماية البيانات.