خلال الأعوام الماضية، أصبح من الواضح تمامًا استخدام الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أنماطًا متعددة من التمييز الممنهج ضد اللاجئين وطالبي اللجوء، واتضح ذلك على نحو أكبر العام الماضي تحديدًا مع تزايد الإجراءات والسياسات التقييدية ضد تلك الفئات الضعيفة.
بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وصل أكثر من 4 ملايين لاجئ أوكراني إلى الاتحاد الأوروبي. يمثّل هذا الرقم ثلاثة أضعاف عدد اللاجئين وطالبي اللجوء الذين وصلوا من الجزء الجنوبي من العالم إلى دول الاتحاد عام 2015. مع ذلك، سارعت المفوضية الأوروبية إلى توصيف تدفق طالبي اللجوء عام 2015 على أنّه "أزمة هجرة".
يعدّ هذا التوصيف إشكاليًا لسببين؛ الأول هو تصنيف اللاجئين وطالبي اللجوء على أنهم "مهاجرون"، وهو مصطلح مرتبط بـ"المهاجرين غير الشرعيين". أما السبب الثاني فهو ربط موجة اللجوء بمصطلح "أزمة"، والتعامل مع الأشخاص الذين يبحثون عن اللجوء بصفتهم تهديدًا لأمن الحدود الأوروبية، والسلامة العامة، والاقتصاد، والأمن.
يمر طالبو اللجوء غير الأوكرانيين بعملية استجواب طويلة ومضنية حتى يتم فحص طلبات اللجوء الخاصة بهم واتخاذ القرار بشأنها
ساعد استخدام مصطلح "أزمة الهجرة" لوصف تدفق اللاجئين غير الأوكرانيين في إضفاء الشرعية على التدابير الأوروبية التعسفية وغير القانونية التي هدفت إلى ردع وصدّ وإحباط وصول طالبي اللجوء من الجنوب العالمي. وعلى النقيض من ذلك، لم يصف المسؤولون الأوروبيون تدفق اللاجئين الأوكرانيين بـ"الأزمة"، ولم تخرج دعوات من بروكسل إلى تعزيز الحدود الأوروبية مع أوكرانيا لمنع تدفق اللاجئين.
علاوة على ذلك، سارع الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل توجيه الحماية المؤقتة لصالح اللاجئين الأوكرانيين، وسمح هذا التوجيه لهم بالعبور بحرية إلى الاتحاد الأوروبي، والسفر إلى أي دولة عضو للحصول على إقامة فورية، وحقوق متساوية، ومزايا كاملة دون وقت انتظار محدود.
وعلى العكس من ذلك، يسلك طالبو اللجوء غير الأوكرانيين طرقًا خطيرة تهدد حياتهم للوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وتشمل هذه الطرق الرحلات البحرية والتهريب عبر الحدود البرية سيرًا على الأقدام عبر الغابات والأنهار، إذ يغامر طالبو اللجوء بسلوك تلك المسارات الخطيرة لأنّهم لا يستطيعون دخول الاتحاد الأوروبي دون الحصول على تأشيرة مسبقة (على سبيل المثال للسياحة أو الدراسة أو العمل)، وغالبيتهم لا يتمكنون من الحصول على هذه التأشيرات، ولا يستطيعون أيضًا التقدم بطلب للحصول على اللجوء خارج حدود الاتحاد الأوروبي.
يمر طالبو اللجوء غير الأوكرانيين بعملية استجواب طويلة ومضنية حتى يتم فحص طلبات اللجوء الخاصة بهم واتخاذ القرار بشأنها، وقد يستغرق ذلك أحيانًا سنوات يمكثون فيها بمخيمات ومراكز الاستقبال المكتظة. ولا يملكون أيضًا رفاهية اختيار الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي سيقيمون بها، لأنه على عكس اللاجئين الأوكرانيين، يمكن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استخدام اتفاقية دبلن لترحيل طالبي اللجوء إلى أول دولة في الاتحاد الأوروبي حيث تفاعلوا مع السلطات أو سجلوا معلوماتهم.
وبينما يزعم مسؤولون أوروبيون وجود بعض الاختلافات بين وضع اللاجئين الأوكرانيين وطالبي اللجوء الآخرين، فإنّه من المؤكد أنّ هذه ليست مقارنة بين التفاح والبرتقال بموجب القوانين الدولية وقوانين الاتحاد الأوروبي التي تكرس حقوق اللاجئين وتؤكد مبدأ عدم الإعادة القسرية. كل من اللاجئين وطالبي اللجوء الأوكرانيين وغير الأوكرانيين بشر يفرون من المخاطر المميتة والاضطهاد وحتى الموت. إنهم يستحقون كل الحماية الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي.
على مستوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وُثّقت أنماط مقلقة من الانتهاكات ضد اللاجئين وطالبي اللجوء غير الأوكرانيين؛ يجري العديد منها بتغاضٍ وتواطؤ وتمويل من الاتحاد الأوروبي.
على سبيل المثال، تنتهج الدنمارك سياسة "صفر لجوء" في التعامل مع طلبات لجوء غير الأوروبيين، ولا تطبّق "قانون المجوهرات" سوى على طالبي اللجوء غير الأوكرانيين، حيث تصادر الدولة ممتلكاتهم القيمة لتمويل إقامتهم في مخيمات اللاجئين.
علاوة على ذلك، احتجزت الحكومة الدنماركية المئات من طالبي اللجوء من دول مثل إيران وأفغانستان في مخيمات لطالبي اللجوء المرفوضين والذين لا يمكن ترحيلهم إلى بلدانهم، وحرمتهم من الدراسة أو العمل في الدنمارك. تكون هذه المخيمات عادة بعيدة عن المدن ومراكز الحياة، وعندما يشترك طالبو اللجوء في شراء مركبات للتنقل إلى البلدات المجاورة، يُقال إن الحكومة -بموجب قانون المجوهرات- تصادر بعض المركبات.
وعلى صعيد الدول الحدودية الأوروبية مثل المجر وبلغاريا ورومانيا وبولندا وكرواتيا، فإنّها تصدّ بعنف طالبي اللجوء من غير الأوكرانيين، في حين تستقبل اللاجئين الأوكرانيين بسهولة ودون أي عقبات.
في إحدى الحالات في المجر، فصلت السلطات عائلة متعددة الأعراق فرّت من أوكرانيا، وسمحت فقط للزوج الأوكراني والطفل بالعبور بينما تم ترحيل شركائهم غير الأوكرانيين إلى صربيا ومُنعوا من العبور إلى الاتحاد الأوروبي. وبينما ترحب شرطة الحدود المجرية بالأوكرانيين بأذرع مفتوحة، تطلق العنان للكلاب البوليسية لمهاجمة طالبي اللجوء من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن غير المستغرب، في تبريره لهذه السياسة التمييزية، أن يستخدم رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" وصف "اللاجئين" للأوكرانيين و"المهاجرين غير الشرعيين" للبقية.
على نحو مماثل، استقبلت بولندا أكثر من مليوني لاجئ أوكراني في الوقت الذي تجمّد فيه بعض طالبي اللجوء من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى الموت في الغابات على الحدود البولندية البيلاروسية. أعلنت الحكومة البولندية حالة الطوارئ في هذه المناطق، ومنعت الصحافيين والأطقم الطبية والبعثات الإنسانية من الوصول إلى المنطقة. كما علّقت تسجيل طلبات اللجوء للأشخاص الذين يعبرون بشكل غير قانوني من بيلاروسيا، وأعادتهم إلى الجانب البيلاروسي من الحدود، بحجة "استخدام" نظام "لوكاشينكو" طالبي اللجوء كسلاح ضد الاتحاد الأوروبي.
سُجّلت أيضًا حالات ألقت فيها الشرطة الكرواتية القبض على طالبي اللجوء الذين يعبرون إلى البلاد من البوسنة، ونكّلت بهم، وصادرت ممتلكاتهم، وأخضعتهم لمختلف أشكال الترهيب وحتى التعذيب، بما في ذلك حلق الرؤوس ورشها بالطلاء برسم صلبان، قبل إعادتهم بشكل غير قانوني إلى البوسنة وخارج منطقة الاتحاد الأوروبي. هذه المعاملة الوحشية تُطبّق فقط على طالبي اللجوء غير الأوكرانيين.
في اليونان، يعمل خفر السواحل أحيانًا جنبًا إلى جنب مع وكالة "فرونتكس" التابعة للاتحاد الأوروبي في عمليات الإعادة غير القانونية لطالبي اللجوء الذين يصلون إلى البلاد عن طريق البحر. ويظهر هذا أيضًا في بلغاريا، حيث تعتدي شرطة الحدود بعنف على الأشخاص الذين يعبرون إلى البلاد وتحبسهم في أقفاص الحيوانات قبل إجبارهم بشكل غير قانوني على العبور إلى تركيا. مرة أخرى، هذه الانتهاكات لا يتعرض لها سوى طالبو اللجوء غير الأوكرانيين.