(ملاحظة تمهيدية: المقال أدناه هو مقدمة لمقارنة استثنائية بين صراعين: الصراع في الهند الصينية والصراع العربي الإسرائيلي، حيث شغلتني هاتان المنطقتان طوال مسيرتي المهنية وخلال حياتي كمواطن فاعل. يُعد الكتاب – الذي نشرته مطبعة جامعة ميشيغان – مصدرًا لهذه الرؤية وأيضًا لتطور القانون الدولي فيما يتعلق بمثل هذه الصراعات).
صناعة حروب لا نهائية: فيتنام والصراعات العربية الإسرائيلية في تاريخ القانون الدولي، تحرير "بريان كادي" و"فيكتور كتان".
مقدمة
ينبغي أن نعلم أن هذا الكتاب المخصص لأهمية القانون الدولي في منطقتي الحرب المتميزتين جغرافيًا في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية هو مشروع مميز للغاية. لست على دراية بأي بحث مماثل عن المقارنات والروابط، سواء فيما يتعلق بالصراع في الهند الصينية أو الصراع العربي الإسرائيلي أو فيما يتعلق بالتفاعلات والإمكانات في مجال وضع القوانين. ما هو جدير بالملاحظة في هذا التحقيق هو أنه يعتبر التفاعل بين الصراعات الإقليمية مصدرًا للمعايير الجديدة للقانون الدولي ومناسبات التهرب من المعايير القائمة وتبريرها.
نقطة انطلاقي هي تسجيل دوافع الفاعلين السياسيين الرئيسيين في كلا الصراعين لتجنب قيود استخدام القوة التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة، وهو الإطار الدستوري للقانون الدولي الذي نشأ تحت التأثير الأساسي للحرب العالمية الثانية لتحقيق هدفٍ ملّحٍ خاص بعد استخدام القنبلتين الذريتين في المدن اليابانية.
ظهر هذا التأثير في اعتماد المنطق الأساسي لمنع الحرب والمنصوص عليه صراحةً في الكلمات الافتتاحية لديباجة الميثاق: "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب..."
كانت هذه اللغة بمثابة استجابة ليس فقط للدمار المرتبط بالحرب التي انتهت بهذه الطريقة وأسفرت عن مقتل 60 مليون شخص، بل أيضًا للخوف من أن تؤدي حرب مستقبلية ذات أبعاد مماثلة أو أكبر إلى نتائج أكثر كارثية على العالم أجمع. صُممت معايير الميثاق بشأن استخدام القوة لتكون مقيدة للغاية، حيث أن لجوء الدول إلى القوة يكون قانونيًا فقط في حالة استخدامه دفاعًا عن النفس ضد هجوم مسلح سابق (بحسب المادة (2) بند (4)، والمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة) أو بناءً على قرار لمجلس الأمن يجيز استخدام القوة.
وكما تشير مقدمة الكتاب، واصل الميثاق الطموحات التغييرية لحظر بدء الحروب الدولية والدبلوماسية القسرية من خلال تقييد اللجوء إلى استخدام القوة بأبسط المفاهيم الممكنة.
ومن اللافت أنّ هذه الطموحات كانت مقرونةً دائمًا بضبط النفس والانسجام بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) وهو ما يعفيهم فعليًا من الالتزام بالقواعد الدولية الواردة في الميثاق والتي تحكم استخدام القوة. وحتى لو حاولت الجمعية العامة سد هذه الفجوة بين القانون الدولي وهذا الامتياز الجيوسياسي المقلق، فإن سلطتها تقتصر دستوريًا على تقديم "توصيات" تفتقر إلى القوة الإلزامية.
إن الحالة الجيوسياسية للانسجام الهش ودائم التجزئة التي سادت عام 1945 نتيجة للانتصار الأخير على الفاشية الذي حققته قوى الحلفاء لم تدم طويلًا.
تأسست الأمم المتحدة مع بعض الأمل على الرغم من اعتراض الواقعيين السياسيين منذ بدايتها على أنّ الجمع بين هذه المعايير المقيدة وآليات الأمن الجماعي التابعة لمجلس الأمن من الممكن أن يضمن عالمًا ينعم بالسلام، حيث مثّلت الأحداث في وقتها تحديًا لهذه التوقعات المثالية.
أولًا، بدأت الحرب الكورية (1950-1953) ثم العدوان الثلاثي عام 1956، والأهم من هذا كله، اندلعت الحرب الباردة التي أنهت إلى الأبد الأمل النقي في إمكانية تحويل تحالف حربي إلى تحالف لصنع السلام.
ومع ذلك، حتى ستينيات القرن الماضي، ظل هناك ارتباط سطحي من قبل الخصوم الجيوسياسيين بإطار عمل ميثاق الأمم المتحدة الذي يقيد شن الحرب العدوانية، حيث استمر التركيز على تجنب اندلاع حرب عالمية ثالثة أو أي تجاهل للمحظورات التي تمنع اللجوء إلى الأسلحة النووية.
ولكن هذا تغيّر في الستينيات، وبات من الواضح أن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية واجهوا تحديات جيوسياسية كبيرة وكان لديهم طموحات استراتيجية لا يمكن إشباعها عبر الالتزام بقواعد الميثاق، حيث ظهر ذلك واضحًا في حرب الهند الصينية، خاصةً في ساحة القتال المركزية في فيتنام.
لم يكن مفهوم الدفاع عن النفس الوارد في الميثاق قابلًا للتطبيق، إذ لم يتمكّن مجلس الأمن من استعادة السلام بعد التوسع الأمريكي في الحرب إلى فيتنام الشمالية عام 1965 وذلك بسبب حق النقض (الفيتو) الذي كان يتمتع به الخصوم الجيوسياسيون، بما يشمل الاتحاد السوفييتي والصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ولهذه الأسباب وعلى الرغم من حجمها وحجم الدمار الذي خلفته، اندلعت حرب الهند الصينية دون الالتفات إلى إطار عمل الأمم المتحدة أو القانون الدولي المعاصر أو التعامل معه بجدّية.
أصدرت حكومة الولايات المتحدة مبررات وثائقية مفصلة للإجراءات القسرية التي اتخذتها من خلال التذرع بالقانون الدولي وكانت مبرراتها القانونية حزبية بطبيعتها وأحادية الجانب، وبالتالي لم تكن مقنعة للمجتمع العلمي من الحقوقيين الدوليين.
بالإضافة إلى ذلك، لم تكن الحرب التي اندلعت في كلٍ من الهند الصينية والشرق الأوسط بين كيانات سياسية تتمتع بقدرات وتكتيكات تكنولوجية متماثلة، حيث نشأ القانون الدولي لمعالجة الحروب بين دول ذات سيادة تتمتع بقدرات تكنولوجية متكافئة تقريبًا وكان يركّز على الحد من الحرب وتنظيمها بدلًا من حظرها.
أدّت تجربة الحرب العالمية الثانية إلى إدراك المنتصرين لوجود فجوة في الإطار القانوني فيما يتعلق بحماية المدنيين تحت الاحتلال العسكري، وأسرى الحرب، ومعاملة الجنود الجرحى في ساحة المعركة، وأدى هذا الإدراك بدوره إلى التفاوض بشأن اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وهي مجموعة جديدة من القوانين أصبحت تُعرف باسم "القانون الدولي الإنساني". ومع ذلك، ظلت اتفاقيات جنيف منشغلة بالحروب بين الدول ذات السيادة.
وما أظهرتاه حرب الهند الصينية والحرب بالشرق الأوسط في الستينيات هو أهمية توسيع القانون الدولي الإنساني ليشمل ظروف الحرب المستمرة داخل الدول ذات السيادة، وخاصة عندما تتفاقم في حدتها بسبب التدخلات الخارجية والحروب بالوكالة والتحالفات الجيوسياسية.
أدى الاعتراف بانتشار هذا النوع الجديد من الصراع العنيف إلى ظهور بروتوكولي جنيف لعام 1977 اللذان اعتبرا مكملين لاتفاقيات عام 1949.
على وجه الخصوص، كان البروتوكول الأول الذي يتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة أمرًا شائكًا في القانون الدولي لأنه يتحدى الحقوق السيادية لحكومة الإقليم، بل أشد من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لأنه وسّع بشكل صريح حماية القانون الدولي الإنساني ليشمل النزاعات المسلحة التي يقاتل فيها الأفراد والجماعات ضد السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي أو الأنظمة العنصرية. وهذا يعني أن البروتوكول الأول ينطبق على التدخلات الأجنبية في النزاعات المسلحة الداخلية التي كانت عبارة عن صراعات من أجل السيطرة على الدولة.
كان البروتوكول الثاني أقل إثارة للجدل إلى حدٍ ما لأنه وسّع نطاق عمل القانون الدولي الإنساني ليشمل النزاعات غير الدولية ولم يكن له أي تأثير على الدبلوماسية التدخلية، على الرغم من أنه دعا إلى مساءلة الحروب الداخلية باستخدام القانون الدولي الإنساني، بزعم وضع حدود قانونية على الحقوق السيادية الإقليمية غير المحددة سابقًا.
ومن خلال اعتبار أن هذه الصراعات تستحق الحماية الدولية، فقد كان يُنظر إلى هذه البروتوكولات على أنها تضعف السلطة السيادية للدول في التعامل مع حركات المعارضة المتمردة دون الخضوع للمساءلة القانونية الدولية.
وكانت مقاومة المجتمع الدولي لتدويل النضالات المناهضة للاستعمار ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالتجربتين الفيتنامية والفلسطينية.
والواقع أن الدبلوماسية التي أنتجت البروتوكول كانت مدفوعة بتكتيكات وتجربة حرب فيتنام، التي أظهرت فجوات في نطاق عمل القانون الدولي الإنساني على النحو المحدد في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.
وكما يوضح "كادي" و"قطان"، فإن أهمية استثناء مثل هذه النزاعات المسلحة من القانون الدولي الإنساني هي جزء من الجهد الجيوسياسي للاحتفاظ بحرية المناورة الجيوسياسية في التحول الدولي الكبير من تركيز القانون الدولي السابق على الحرب الشاملة إلى الحروب الجديدة الدائمة والمحصورة، إلاّ أنها مدمّرة.
إن حماية المدنيين في هذه الحقبة الجديدة من حروب ما بعد الاستعمار – كما هو الحال في سوريا واليمن وأفغانستان والعراق وليبيا وأوكرانيا – تشير إلى الحاجة إلى مزيد من التجديد والتطبيق الفعّال للقانون الدولي الإنساني والإطار العام لقانون الحرب.
وميزة هذا الكتاب هي تأطير هذا التحوّل بالرجوع إلى تجارب فيتنام والشرق الأوسط، مع إشارةٍ خاصة إلى النضال الفلسطيني الذي ما زال بلا حل، حيث اكتسب هذا النضال أهمية جديدة في السنوات الخمس الماضية نتيجة للإجماع الناشئ في المجتمع المدني على أن سياسات وممارسات الفصل العنصري الإسرائيلية تعيق تمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه الأساسية التي حُرم منها لفترة طويلة.
في تقييم هذه التطورات القانونية، هناك سمتان للمجتمع السياسي الدولي لهما أهمية قصوى، ويجب أخذهما في الاعتبار عند مناقشة منطقتي الحرب المتميزتين على المستويين الجغرافي والسياسي النفسي:
- أهمية الجيوسياسية تجاه القانون الدولي
- أهمية الضرورة العسكرية في حالات القتال
وقد أدّتا هاتان السمتان – في ظل غياب المؤسسات الحكومية المركزية على المستوى العالمي – إلى إبراز هامشية القانون الدولي في حالات الحرب والسلم، سواء فيما يتعلق باستخدام القوة أو بسلوك الأطراف المتنازعة أثناء الحرب.
إن الاعتراف بهذين القيدين المحددين لدور القانون الدولي فيما يتعلق بالحرب لا ينبغي أن يقودنا إلى استنتاجات ساخرة مفادها أن "القانون لا علاقة له بالحرب" أو أن "القانون الدولي غير مهم"، حيث أن القانون الدولي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحرب وهو بالغ الأهمية لكثيرٍ من الأسباب، بما يشمل تمكين نشاط المجتمع المدني، فهو يوفر قناة للمعارضة الداخلية المكونة من الدوائر الحكومية ومنظمات المجتمع المدني التي تدين الحرب في المجتمعات الديمقراطية، ويخفف من سلوك الدول المتحاربة بالحد الذي يكون فيه الامتثال للمعايير القانونية الدولية – مثل معاملة أسرى الحرب – أمرًا يحقق المصالح المشتركة لهذه الدول.
خلال حرب فيتنام، كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أكثر حرصًا من الآن على الحفاظ على صورتها الليبرالية باعتبارها مدافعةً عن نظام دولي يحكمه القانون، ولذلك بذلت جهودًا كبيرة في القول بأن سياساتها وممارساتها في فيتنام تتوافق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وشرّعت هذه الدوافع الحراك المناهض للحرب والذي يمكنه اللجوء إلى القانون الدولي لتحدي سلوك واشنطن في فيتنام، وشجّعت المنتقدين في الكونغرس الأمريكي على تقديم اعتراضات مصاغة بلغة قانونية ودستورية، كما سمحت لباحثي القانون الدولي مثلي بتلبية دعوات للإدلاء بشهاداتهم أمام لجان الكونغرس أو نشر مقالات رأي في وسائل الإعلام السائدة.
ولكن من المؤسف أنه في ظل الانحراف اليميني في السياسة الأمريكية والضغط الذي تمارسه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) وغيرها من الجماعات الصهيونية، شهدت سلطة القانون الدولي والأمم المتحدة انحدارًا حادًا، ولم تعد الولايات المتحدة تستثمر طاقتها الدبلوماسية في الحفاظ على صورتها الليبرالية وأصبحت تعتمد بشكل متزايد على التهديدات القسرية والقوة العسكرية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، وخاصةً في الشرق الأوسط.
لقد كان الاعتماد على التهديدات غير القانونية بشن هجوم عسكري أحد الركائز الأساسية في دبلوماسية المواجهة الأمريكية الإسرائيلية السعودية ضد إيران لعدة عقود، ووصلت هذه الدبلوماسية ذروتها بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بسبب توصيتها بإجراء تحقيق في ما إذا كانت القوات الأمريكية قد ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان. كما ردت إسرائيل أيضًا بإدانة غاضبة لهذه المؤسسة الدولية لجرأتها على اقتراح إجراء تحقيق محدود في جرائمها في فلسطين المحتلة.
ورغم أن حكومة الولايات المتحدة أنهت العقوبات المفروضة على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بعد تغير الرئيس، إلا أنها رفضت قبول توسيع سلطة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الادعاءات ضدها أو ضد إسرائيل.
ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية عام 2022، أظهرت الحكومة الأمريكية مزيجًا من النفاق والانتهازية من خلال حث المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا وإدانة بوتين.
يوحي الغضب الذي اتسمت به ردود الفعل هذه بتفسيرين متعارضين: الأول والأكثر وضوحًا، هو رفض الدول الرائدة الإذعان للقانون الدولي في الحالات التي تكون فيها قضايا الأمن القومي أو التحالفات الجيوسياسية ذات أهمية قصوى، والثاني، أن ردود الفعل الغاضبة على الادعاءات ذات الإطار القانوني يشير إلى مدى هشاشة حكومات وقادة مثل هذه الدول عند اتهامهم بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي من خلال إجراءات موثوقة.
وفي الرد على ذلك، لا تحاول مثل هذه الحكومات الدفاع عن سلوكها، بل تقوم بتشويه سمعة إجراءات المساءلة الدولية وتنال منها بهدف السيطرة على الضرر وتجنب أي تدهور لسمعتها الدولية.
حتى لو قامت المحكمة الجنائية الدولية بالمحاكمة والإدانة، فليس هناك أي احتمال تقريبًا لإنفاذ أحكامها، وبالتالي فإن جميع الجهود تهدف إلى حماية الشرعية الدولية ومعارضة التدخلات عبر إعمال الرمزية السياسية كتأثير سببي في المجالات التقليدية للاستقلال الجيوسياسي والسيادي.
تعليق موجز عن منطقتي الحرب
بالنسبة للولايات المتحدة في فيتنام، كان يُنظر إلى معايير ميثاق الأمم المتحدة على أنها غير متسقة مع مهمة منع انتصار الشيوعية في فيتنام الجنوبية وتوحيد فيتنام لاحقًا تحت سيطرة العاصمة هانوي، حيث رأت واشنطن أنه كان من الضروري عسكريًا توسيع منطقة الحرب إلى ما وراء حدود فيتنام الجنوبية لمعاقبة فيتنام الشمالية على دعم التمرد المناهض للنظام بقيادة جبهة التحرير الوطني.
وبالمثل، فإن امتداد الحرب إلى لاوس وكمبوديا كان مدفوعًا بأسباب تتعلق بتعطيل الدعم للحرب في جنوب فيتنام من خلال الإبقاء على قاعدة عسكرية في كمبوديا والسيطرة على سلاسل التوريد التي تمر عبر البلاد، كما أدى ذات المنطق إلى شن الولايات المتحدة هجمات جوية متواصلة على لاوس، مستغلةً امتيازاتها الدبلوماسية بشكل غير قانوني في تنظيم الحملة العسكرية من داخل السفارة الأمريكية في فيينتيان عاصمة لاوس.
بعبارة أخرى، طغت أولويات الحرب الباردة على الجهود الرامية إلى تقييد اللجوء إلى الحرب وتكتيكاتها، كما طغت أيضًا أولويات التحرر الوطني والشرعية المناهضة للاستعمار على القيود القانونية.
وكان هناك في الشرق الأوسط عوامل تأثير مماثلة، على الرغم من أن بعض الاعتبارات المتوازنة خففت من تأثيرها.
كانت الولايات المتحدة لا تزال في الستينيات تسعى إلى تحقيق التوازن – على الأقل علنًا – بين التزامها تجاه إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية الحيوية في إمكانية الوصول إلى إمدادات النفط الإقليمية في الدول العربية بأسعار معقولة.
وفي هذا الصدد – وخلافًا لرغبات إسرائيل في ذلك الوقت – سعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى تأييد وجهة نظر القانون الدولي فيما يتعلق بالاستيلاء القسري على الأرض، وهو الركيزة الأساسية لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 الذي تم تبنيه بالإجماع بعد حرب عام 1967. ومع ذلك، حتى في ذلك الوقت لم تكن هناك إرادة سياسية كافية لتنفيذ هذا القرار عبر الإصرار على الانسحاب الإسرائيلي في أسرع وقت ممكن.
ومما يركّز عليه الكتاب هو مدى تهرب الخصوم في الشرق الأوسط فيما يتعلق بإسرائيل/فلسطين من قواعد ميثاق الأمم المتحدة بشأن اللجوء إلى الحرب، حيث سعت كل من إسرائيل في عام 1967 ومصر في عام 1973 إلى تحقيق التفوق العسكري من خلال الضرب أولًا، وبذلك انتهكتا شرط الهجوم المسلح السابق الوارد في المادة (51) من الميثاق على الرغم من وجود حجج قانونية مضادة سليمة في كل حالة. ودافعت الحكومتان عن تصرفاتهما من خلال ادعاء الضرورات الأمنية باعتبارها توفر أساسًا منطقيًا "قانونيًا" ومقنعًا للضربة الوقائية.
أنتجت منطقتا الحرب صراعاتٍ تجاهلت الإطار الأساسي للقانون الدولي والمساءلة المؤسسية التي كانت السمة المميزة لجهود منع الحرب بعد الحرب العالمية الثانية. كما أدت الطبيعة غير المتكافئة للحروب إلى إجهاد قانون الحرب أثناء القتال، خاصةً في الهند الصينية وأيضًا في الشرق الأوسط إلى حد أن الحرب بعد عام 1967 تحولت مؤقتًا إلى جهود فلسطينية تتبع استراتيجية الكفاح المسلح والتي صنفها كل من إسرائيل وداعميها على أنها "إرهاب".
أبدت إسرائيل تجاهلًا لقواعد القانون الدولي خلال هجماتها العسكرية المختلفة على غزة المحتلة، وفعلت ذلك دون أي عواقب وخيمة. وقد استخدمت الولايات المتحدة منطق مكافحة الإرهاب هذا في فيتنام، ولكن بتأثير أقل بسبب نتيجة الصراع وغياب الدعم للحرب في الغرب وحتى في الولايات المتحدة في مراحلها الأخيرة.
تطور القانون الدولي
وبناءً على هذه الخلفية، يصبح من الممكن الحصول على تقدير أفضل لكيفية تطور القانون الدولي. من المهم إدراك أن القانون الدولي برمته – إلى حد ما – هو "قانون غير ملزم" بسبب غياب الإجراءات المنتظمة للتفسير الرسمي والإنفاذ، فضلًا عن "الإعفاء الجيوسياسي" للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية المتضمن في حق النقض (الفيتو) الذي يمنحه ميثاق الأمم المتحدة.
إن القانون الدولي – فيما يتعلق بقضايا السلام والأمن – يعاني من السمتين الخاصتين السابق ذكرهما وهما: أهمية الجيوسياسية وأهمية الضرورة العسكرية. تقوم الجيوسياسية على التلاعب بالقانون الذي يحكم اللجوء إلى القوة، في حين أن الضرورة العسكرية تعمل باستمرار على إعادة تشكيل القانون المتعلق باستخدام القوة، وذلك بحكم أولويتها في ظل ظروف القتال.
إن الارتباط الكبير بين الهند الصينية والشرق الأوسط واضح، حيث صنعت الولايات المتحدة الأمريكية في الهند الصينية سابقة قوية تتجاهل مفاهيم الميثاق التي تحكم اللجوء إلى القوة وطرحت بعض المبررات القانونية مفادها أن فيتنام الشمالية أذنبت بارتكاب "عدوان غير مباشر" من خلال دعمها للتمرد في الجنوب، مما أنشأ أساسًا قانونيًا لتوسيع الحرب إلى ما وراء الحدود المصطنعة لفيتنام الجنوبية.
وبعد الهجوم المزعوم في خليج تونكين عام 1964 على السفن البحرية الأمريكية في المياه الدولية وهجوم جبهة التحرير الوطني في فبراير/ شباط عام 1965 على معسكر للجيش الأمريكي بالقرب من مدينة بليكو الفيتنامية، حولت الحكومة الأمريكية أساسها القانوني إلى الدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح سابق، كما زعمت أن كمبوديا ولاوس انتهكتا قوانين الحياد في الحرب من خلال السماح باستخدام أراضيهما لأغراض عدائية مرتبطة بالأنشطة القتالية لفيتنام الشمالية.
على الرغم من أن إسرائيل في عام 1967 ومصر في عام 1973 لم تستشهدا على وجه التحديد بالسوابق الأمريكية في حرب فيتنام، إلا أن سلوكهما كان محميًا من الانتقاد الرقابي بسبب مزيج من تقويض الالتزام الجيوسياسي بقواعد الميثاق التي تحكم اللجوء إلى القوة والشعور بأن اللجوء للقوة في هذا السياق المحدد كان "معقولًا".
وبسبب التحالف الجيوسياسي مع إسرائيل، أدان الغرب الهجوم المصري المفاجئ على إسرائيل قانونيًا، ولكن بطريقة جعلته يبدو أنه تعبيرٌ عن دبلوماسية التحالف أكثر من كونه إعلانًا للالتزام بالقانون الدولي، واكتسبت وجهة النظر هذه ثقلًا من نمط الممارسة في السنوات اللاحقة لعام 1973.
وكان من الواضح أيضًا أن الغرب يسيطر على الخطاب القانوني الدولي بشأن الاستخدامات المسموح بها وغير المسموح بها للقوة. وبهذه الطريقة، تم شيطنة عنف الجهات الفاعلة غير الحكومية وحركات التحرير باعتباره "إرهابًا" في حين صُنّف عنف الدولة – حتى عندما كان موجهًا ضد أهداف مدنية – تحت عنوان الأمن والدفاع عن النفس بدلًا من تصنيفه على أنه "إرهاب دولة".
وقد اكتسب مثل هذا الخطاب تأثيرًا أوسع بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة ومن خلال إطلاق ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، وكان له تأثير قوي في الشرق الأوسط، وخاصةً في السماح لإسرائيل بشرعنة استخدامها للقوة المفرطة والعقاب الجماعي كإجراءات أمنية أو كممارسة لحق كل دولة ذات سيادة في الدفاع عن نفسها.
وإلى حد ما، وخاصة في السنوات الأخيرة، تحدّت الأمم المتحدة هذا الخطاب من خلال إصدار العديد من التقارير حول الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني بشكل عام.
هذا التوتر بين الخطاب الجيوسياسي وخطاب الأمم المتحدة هو ما يدفع الولايات المتحدة وإسرائيل، على وجه الخصوص، إلى توجيه الاتهامات حول انحياز الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات القانون الدولي، ولكن مع ذلك، فإن هذا التوتر هو الذي يشجع مبادرات المجتمع المدني على تحقيق مطالبها من خلال توظيف شرعية القانون الدولي، كما هو الحال في دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) أو التحديات المتصاعدة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالمصالح الغربية، كما حدث مع العدوان الروسي الأخير على أوكرانيا، يتم الاستناد إلى إطار ميثاق الأمم المتحدة مرة أخرى وكأنه يتمتع بنفس القدر من السلطة والتقييد كما كان الحال عند اعتماده في عام 1945.
بمعنىً آخر، ارتبط مصير معايير الميثاق بالسيطرة على الخطاب المعياري الدولي، وخاصة فيما يتعلق بالجيوسياسة الدعائية، فهو يسلّط الضوء على أهمية القانون الدولي بالنسبة للحزبيين، في حين أنه بالنسبة للحقوقيين الموضوعيين يقترح التلاعب بالقانون كأداة سياسية تخدم المصالح الذاتية وتثير انتقادات المعايير المزدوجة.
الخلاصة
الاستنتاج الرئيس هو أن إطار الميثاق الذي نشأ في عام 1945 قد قُوّض إلى حد كبير – إن لم يكن قد عفا عليه الزمن – بسبب التأثير المشترك للانتهازية الجيوسياسية والظروف العسكرية في الحروب التي دارت في الهند الصينية والشرق الأوسط في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية.
إلى حد ما، يمكن القول بأن إطار الميثاق كان دائمًا غير واقعي نظرًا لطبيعة النظام العالمي المتمحور حول الدولة والذي يشمل جهات فاعلة مهيمنة معترف بها على هذا النحو من خلال حقها في النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو واقع محبط لم يظهر بوضوح سوى بعد بداية الحرب الباردة، كما أن طبيعة الصراعات – التي كانت تتألف من حركات قومية – لم تكن متوقعة في النظام القانوني المتصور لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولم تكن قادرة على التعامل مع التحديات المعيارية للحرب غير المتكافئة أو حروب التحرير الوطني.
ومن الأمور المهمة فيما يتعلق بالتوجه نحو الخطاب المعياري، يسعى الغرب إلى خطاب دولاني ذو سلطة تقديرية غير مقيدة للجهات الفاعلة الجيوسياسية، ولكنه يستثني منافسيهم الذين سيخضعون للمساءلة والرقابة الكاملة بالاستناد إلى إطار ميثاق الأمم المتحدة.
تؤيد دول الجنوب العالمي جنبًا إلى جنب مع الجمعية العامة للأمم المتحدة ادعاءات الحركات القومية والنضالات المناهضة للاستعمار، خاصةً إذا كانت موجهة نحو التحرر من السيطرة الأوروبية أو الغربية.
وفي هذا الصدد، فإن هذا الخطاب الأقل شأنًا يدعم نضالي التحرير الوطني الفيتنامي والفلسطيني نظرًا لتأصيله في القانون الدولي من خلال الإجماع الواسع الذي يدعم الحق الأساسي في تقرير المصير على النحو المنصوص عليه في المادة (1) من كلا العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان والمنصوص عليها بشكل أوسع في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.