خاضت جماعة أنصار الله المعروفة باسم الحوثيين، وهم جماعة معارضة مسلحة في شمال اليمن، عدة مواجهات مع الحكومة اليمنية منذ عام 2004، حيث كان الحوثيون يرون أن الوضع الذي تعيشه البلاد يتسم بخنق الحريات، وتهديد العقيدة الدينية، وتهميش مثقفي الطائفة الزيدية التي ينتمون إليها.
وكان من ضمن مطالب الجماعة، الموافقة الرسمية على صدور حزب سياسي مدني، واعتماد المذهب الزيدي مذهباً رئيسيا بالبلاد إلى جانب المذهب الشافعي، غير أن السلطات اليمنية قالت إن الحوثيين يسعون لإقامة حكم رجال الدين، وإعادة الإمامة الزيدية. الأمر الذي أدى إلى نشوب نزاع مسلح بين القوات الحكومية ومقاتلين تابعين لها من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى، انتهى بسيطرة الأخيرة على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
تفاقم الأزمة قبل سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء
كانت جماعة الحوثي قد نظمت في أغسطس 2014 اعتصاماً مفتوحاً في شارع المطار، احتجاجًا على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقالت الجماعة إن اعتصامها سلمي، ويعبر عن مطالب شعبية كإسقاط حكومة الوفاق، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وتسببت هذه الاحتجاجات في حينها بغلق الشارع الرئيسي المؤدي إلى المطار قرب وزارة الكهرباء.
وفي المقابل، مارست وحدات من الجيش اليمني قمعاً عنيفاً، واستخداماً مفرطاً للقوة، في تفريق عدد من التجمعات السلمية، ولا سيما في ساحة التغيير بصنعاء، والذي شهد قصفاً من بعض معسكرات الأمن المركزي، وعمليات قنص بالأسلحة الخفيفة من أسطح البنايات المحيطة بالسحة، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. ولوحظ في عدد من الحالات تعمد إلحاق إصابات خطيرة بالمحتجين.
وخلال هذه الفترة استمرت المفاوضات بين الدولة وزعيم جماعة الحوثي عبر عدة وساطات، دون أن تحقق تلك الوساطات أي نتائج على أرض الواقع. وفي نهاية كل أسبوع كان زعيم جماعة الحوثي يعلن عن خطوات تصعيدية يصفها بالمزعجة لحكومة الوفاق والتي كان من ضمنها زحف أنصاره أمام رئاسة الوزراء في 9/9/2014، ومحاولة اقتحامه، والذي ردّت عليه قوات الأمن بشكل عنيف، وقامت بفتح نيران أسلحتها على المحتجين الذين اقتربوا من المبنى دون سابق إنذار، ما تسبب بسقوط 7 قتلى على الأقل، وإصابة 57 آخرين.
أعقب ذلك قيام جماعة الحوثي بعدة خطوات تصعيدية تمثلت في إغلاق مداخل صنعاء أمام المسافرين، واستحداث مواقع عسكرية جديدة، قادت إلى المواجهات المسلحة بين الجماعة وبعض وحدات الجيش شمال وجنوب العاصمة، ابتداءً من 16 سبتمبر 2014، وحتى سقوط العاصمة بعد ستة أيام.
وخلال الفترة من 16 سبتمبر وحتى 10 أكتوبر 2014، وهي الفترة التي يغطيها تحقيق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ارتُكبت الكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل وحدات الجيش، ومن قبل ميليشيات الحوثيين في محافظات اليمن، والذين باشروا خلال الساعات الأولى لسقوط العاصمة بأيديهم، في نهب معسكرات الدولة، وقمع كل من عارض سيطرتهم على العاصمة.
سيطرة الحوثيين على صنعاء
ظهر الأحد 21 سبتمبر 2014، وبعد اشتباكات مسلحة استمرت 6 أيام بين القوات الحكومية، ولا سيما قيادة المنطقة العسكرية السادسة بالجيش اليمني، وعسكريين حوثيين، سقطت العاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثي المسلحة القادمة من محافظة صعدة، وانتشرت في جميع شوارع العاصمة، وسيطرت على كافة المؤسسات والوزارات الحكومية داخل العاصمة، وفرضت نفسها كسلطة أمر واقع، وبدأت بممارسة سلطات الدولة الأمنية والإدارية.
وفي ظل هذا الواقع الجديد، شهدت العاصمة صنعاء سلسلة انتهاكات جسيمة، تنوعت بين أعمال قتل واختطاف، واحتجاز للحريات السياسية والإعلامية، وحريات المجتمع المدني، وانتهاكات بحق الممتلكات الخاصة والعامة والمؤسسات التعليمية والطبية. وقد ترك القتال العديد من السكان محاصرين في منازلهم، ولم يبد أي من الجانبين الاستعداد لمساعدة المدنيين في الإخلاء إلى مكان آمن.
وبلغت إجمالي الانتهاكات التي وثقها المرصد الأورومتوسطي منذ بداية اجتياح صنعاء وحتى العاشر من تشرين الأول (أكتوبر)، 4531 انتهاكاً، تركزت في مناطق شمال وغرب العاصمة صنعاء، فيما لم تخلوا المناطق الجنوبية والشرقية والوسطى من بعض الانتهاكات، كاقتحام بيوت ومؤسسات بعض المعارضين لجماعة الحوثي، وعدد من المقار الحزبية التابعة للتجمع اليمني للإصلاح.
في المقابل، استطاع الحوثيون كسب جزء من الشارع اليمني، نسبياً، والذي كان قد ضاق ذرعا بتسلط الأذرع الأمنية للدولة وابتزازها للمواطنين، فيما عمل الحوثيون على تثبيت الأمن في المناطق التي سيطروا عليها، وسعوا إلى حل الإشكالات المحلية والخلافات اليومية بسرعة وفاعلية ودون مقابل في كثير من الأحيان.
حالات القتل والإصابات
سقط نحو (733) قتيلاً منذ بداية الاجتياح المسلح لصنعاء، منهم (652) قتيلاً سقطوا خلال أسبوع من المواجهات المسلحة بين بعض وحدات الجيش النظامي وجماعة الحوثي.
فيما بلغ عدد المصابين منذ الاجتياح المسلح، بحسب ما أحصاه فريق المرصد الأورومتوسطي، ما يقارب 930 مصاباً. وشهدت عملية إحصاء المصابين تعقيدات كبيرة، بسبب أن البعض منهم ما زال ملاحقاً حتى اللحظة.
وفي السياق، سجل فريق المرصد ثلاث جرائم تصفية قام بها مسلحون حوثيون لجرحى جنود أثناء رقودهم وامتثالهم للعلاج داخل مستشفى حكومي بصنعاء. فضلاً عن اختطاف عدد آخر من منازلهم بعد خروجهم وتماثلهم للشفاء.
الاختطاف والإخفاء
بعد إحكام سيطرتها على العاصمة صنعاء، نفذت جماعة الحوثي المسلحة عدة حملات اختطاف لقيادات عسكرية وسياسية وشخصيات اجتماعية وقبلية، تعتقد أن لها دوراً في مساندة ودعم القتال ضدها من قبل بعض وحدات الجيش. وشملت الاختطافات كذلك ناشطين حقوقيين واعلاميين كانت لهم آراء ومواقف رافضة للسيطرة الحوثية على العاصمة صنعاء، وقد وصلت حالات الاختطاف التي تم توثيقها إلى ما يزيد عن 1000 حالة، اقتيد معظمهم إلى سجون داخل العاصمة وفي محافظتي "صعدة" و "عمران". فيما تقدم عدد من الأهالي بشكاوى حول اختفاء أبنائهم خلال الفترة من (16 سبتمبر وحتى 10 أكتوبر)، دون أن يعرفوا مصيرهم، ووصلت هذه الحالات إلى 215 حالة اختفاء.
وقال السجناء المفرج عنهم إنهم تعرضوا للضرب لفترات طويلة أثناء اعتقالهم، فيما جرى تعليق بعضهم في أوضاع ملتوية، فضلاً عن تعذيبهم بالحرق بالسجائر، وتهديدهم بالقتل أو الاغتصاب، وإخضاعهم لعمليات إعدام صورية.
وفي المقابل، مارست السلطات اليمينة اعتقالات على خلفيات سياسية أو على إثر تجمعات سلمية. وأكّد عدد من المعتقلين الذين أفرج عنهم لاحقاً تعرضهم للتعذيب داخل السجون. ومن أبرز تلك الحالات ما جرى للمواطن اليمني خالد الجنيدي (42 عاما)، وهو ناشط سياسي في الجنوب، وكانت السلطات اليمنية قد احتجزته لثلاثة أسابيع قبل أن تطلق سراحه يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وتعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أثناء تواجده في سجن الصلبان للأمن السياسي و سجن التواهي وسجن المنصورة. وكانت هذه هي المرة الرابعة التي يُعتقل الجنيدي فيها.
ومن الجدير بالذكر، أن الجنيدي قُتل بعد أيام من إطلاق سراحه، وذلك أثناء مشاركته في احتجاج في منطقة "كريتر". حيث داهمه خمسة رجال مقنّعين ويرتدون الزي الرسمي لعناصر الأمن، وطلبوا منه الترجل من سيارته، ثم أطلقوا النار على صدره فأردوه قتيلاً. وكان الموقع قد شهد قيام عناصر الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على جموع المحتجين.
الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة
تمكن فريق المرصد من رصد وتوثيق أكثر من 50 حالة اعتداء بحق المؤسسات والممتلكات العامة التي لا يزال مسلحي جماعة الحوثي يستولون عليها إما بالكامل، أو عبر عدد من المندوبين الذين فرضتهم كممثلين لها في بعض الوزارات والمنشآت الهامة، مقابل رفع التمترس والمظاهر المسلحة عنها.
أما على صعيد الاعتداء على الممتلكات الخاصة، فقد سجل فريق المرصد حالات اعتداء قام بها مسلحون حوثيون ضد منازل مواطنين، ونهب بعض الممتلكات الخاصة من أثاث وأجهزة الكترونية ونقود ومجوهرات وأسلحة شخصية ومركبات. كما أسفرت أعمال القصف العشوائي التي قامت بها جماعة الحوثي للأحياء السكنية عن تضرر مئات المنازل والمنشآت الخاصة، سيما الواقعة في نطاق المواجهات المسلحة أو القريبة من مواقع القصف. حيث بلغ عدد الاعتداءات بحق الممتلكات الخاصة (439) انتهاكاً.
الاعتداء على المؤسسات والحريات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني
رصد فريق المرصد (66) حالة انتهاك ضد الإعلام المحلي والدولي في اليمن خلال الشهر الأول من دخول الحوثيين للعاصمة صنعاء وسيطرتهم عليها، كما تلقى الفريق شكاوى وبلاغات من 37 صحفياً وإعلامياً تعرضوا للاعتداء الجسدي، إضافة إلى قصف واقتحام منازلهم ونهب بعض محتوياتها، فضلاً عن توقيف واحتجاز حرية البعض منهم، ومصادرة مقتنياتهم الشخصية أثناء أدائهم لمهامهم.
وفيما يبدو، فإن القنوات التلفزيونية الحكومية (اليمن، سبأ، الإيمان) تعرضت لقصف مدفعي شديد وحصار لطاقم العمل فيها واقتحامها والسيطرة عليها بالكامل من قبل مسلحي جماعة الحوثي، غير أن جماعة الحوثي عبر وسائلها الإعلامية اتهمت أكثر من مرة "طرفاً ثالثاً" لم تسمِّه، بأنه قام باقتحام ونهب بعض المقار الحزبية والمؤسسات الخاصة والعامة، مبررة تواجدها في تلك المقار والمؤسسات بأنه فقط حماية لما تبقى فيها. وأفاد بعض المتضررين أنه تم إكراههم على توقيع سندات استلام تتضمن اعترافاتهم باستلام عقاراتهم من مسلحي الحوثي بكل محتوياتها حتى يقوموا بحراستها خلال فترة تواجدهم فيها.
وكان زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، قد قال في كلمة له بثتها إحدى قنوات التلفزة المحلية في اليمن "المسيرة"، أن بعض الإعلاميين اليمنيين "يسايرون التوجه الأمريكي"، باستثناء "بعض الشرفاء" بحسب قوله.
كما بلغت عدد الانتهاكات بحق المجتمع المدني (22) انتهاكاً، تنوعت ما بين عمليات اقتحام وتفتيش ونهب وقصف عشوائي لمنظمات المجتمع المدني والنوادي المحلية، ومنها جمعية للمعاقين شمال غرب العاصمة صنعاء.
وقامت المسلحون الحوثيون باقتحام 33 مقراً حزبيا في العاصمة صنعاء، أحدها للحزب الاشتراكي اليميني، والبقية تتبع التجمع اليمني للإصلاح، والذي يُعتقد أنه كان طرفاً في الاشتباكات المسلحة إلى جانب الجيش. فيما نفت جماعة الحوثي وعبر وسائلها الإعلامية أن تكون هي المسؤولة عن هذه الاقتحامات، واتهمت "طرفاً ثالثا" لم تسمِّه باقتحام هذه المقرات ونهبها، وبررت تواجد الحوثيين في هذه المقرات بأنه لغرض حمايتها.
وتجدر الإشارة إلى أن جماعة الحوثي ترفض الرد على الأسئلة التي تطرحها المنظمات الحقوقية، وغالباً ما تلتزم الصمت إزاء البيانات و التقارير التي تصدر عن تلك المنظمات حول انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان.
الاعتداء على المؤسسات التعليمية والطبية
رصد فريق المرصد سلسلة انتهاكات بحق المؤسسات التعليمية في العاصمة صنعاء خلال الاجتياح المسلح لها، بلغ عددها (37) انتهاكاً، تنوعت ما بين اقتحام ومداهمة واحتلال لعدد من المدارس والجامعات الحكومية والأهلية، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، ونهب محتويات البعض منها، إضافة إلى انتهاكات أخرى بحق عدد من الأكاديميين والكوادر التربوية والتعليمية، واقتحام عدد من المساكن الطلابية وتفتيشها ونهب محتوياتها، بلغ عددها (7) مساكن.
وكانت الاشتباكات التي حدثت ما بين الفترة (16 سبتمبر – 10 أكتوبر) وعدم استقرار الوضع بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء قد أدت إلى تعطيل المدارس المحلية لعدة أيام، وصلت في بعض المدارس إلى عشرة أيام.
فيما رصد فريق الأورومتوسطي (12) انتهاكاً بحق المؤسسات الصحية والطواقم الطبية، شملت عمليات الاقتحام والنهب لبعض هذه المؤسسات، والاستهداف والتهديد للعاملين في القطاع الصحي الحكومي.
انتهاكات بحق الطفولة
سجل فريق المرصد الأورومتوسطي تجنيد الحوثيين للمئات من الأطفال (دون الثامنة عشرة)، وهم يتوزعون على نقاط التفتيش المنتشرة داخل شوارع وأحياء العاصمة صنعاء، تقدر أعدادهم ب 250 طفلاً على الأقل، ولوحظ أن أغلب هؤلاء هم من خارج العاصمة. غير أنه تعذر على الفريق توثيق تلك الحالات بالطرق المتعارف عليها؛ نظراً لرفض جماعة الحوثي التعامل مع الفريق أو الإدلاء بأي معلومات.
ويحظر القانون تجنيد الأطفال، وهذا ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل 1989م، في المادة "38", والمادة "8/26" من اتفاقية روما والتي نصت على :"تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشر من العمر إلزامياً أو طوعياً في القوات المسلحة أو من قبل الجامعات والحركات المسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعلياً في الأعمال الحربية".
توصيات
وفي ضوء المعطيات السابقة، فإن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يدعو الأطراف المتصارعة في اليمن، إلى ضبط النفس، والتزام الحوار، وتغليب مصلحة الشعب اليمني على المصالح الخاصة، والعمل على تطبيق مخرجات الحوار الوطني واتفاق 21 سبتمبر 2014، باعتبارها قاعدةً متفقاً عليها ومخرجاً للأزمة الراهنة.
كما إن المرصد يدعو إلى ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها، بما يعنيه ذلك من الوقف الفوري لانتهاكات حقوق الإنسان من كافة الأطراف، وتجنيب المدنيين آثار العنف، وتقديم المسؤولين عن الجرائم بحق الأبرياء للعدالة.
ويدعو المرصد الأورومتوسطي مجلس الأمن، إلى معاونة الحكومة اليمنية لإعادة الاستقرار إلى أراضيها، تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تفضي إلى اختيار الشعب لممثليه، وتنهي حالة الاحتقان والشد والجذب المتبادل بين كافة الأطراف في اليمن.